الرئيسية / الشرق الأوسط وشمال إفريقيا / شمال إفريقيا / الصحراء الغربية / قضية الصحراء الغربية: الواقع والبديل

قضية الصحراء الغربية: الواقع والبديل

نشرت جريدة الشيوعي، في عددها الثاني، هذا المقال الذي تتناول فيه بالتحليل خطاب محمد السادس الذي يهدد ويتوعد فيه كل من يعارض الموقف الرسمي للدولة، سواء الشعب الصحراوي المطالب بالاستقلال أو التيارات اليسارية والمناضلين/ ات بالمغرب المدافعة عن حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، وما ترتب عن هذا الخطاب من اجراءات


كاريكاتور: خالد كدار

يوم 06 نوفمبر 2009، ألقى محمد السادس خطابا بمناسبة الذكرى 34 لإرسال الحسن الثاني لأزيد من 350.000 شخص لاجتياح جزء من الصحراء الغربية المحتل آنذاك من الإسبان. وقد ركز فيه، كما كان متوقعا، على إعادة التأكيد على “ثوابت” موقف الطبقة السائدة بالمغرب من الصراع الدائر في الصحراء، حيث أعاد التأكيد على “التشبث بالوحدة الترابية للمملكة، وثوابتها المقدسة،وسيادتها الكاملة […]”، الخ.

إلا أن “الجديد” ربما هو اللهجة القوية، في ذلك الخطاب، التي لجأ إليها محمد السادس في حديثه عن الموقف المعارض، إذ قال إنه “آن الأوان لمواجهة هذا التصعيد العدواني، بما يقتضيه الأمر من صرامة وغيرة وطنية صادقة، ووضوح في المواقف، وتحمل كل واحد لمسئوليته”، كما عبر عن رفضه “الاستغلال المقيت، لما تنعم به بلادنا، في مجال الحريات وحقوق الإنسان، للتآمر ضد سيادة الوطن ووحدته ومقدساته، من أي كان”، مما يعتبر كما هو واضح تهديد لكل من يعارض الموقف الرسمي للدولة، سواء الشعب الصحراوي المطالب بالاستقلال أو التيارات اليسارية والمناضلين/ ات بالمغرب المدافعة عن حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، والذين يدخلون هم أيضا ضمن خانة الـ “أي كان” الذين “يستغلون ما تنعم به البلاد في مجال الحريات وحقوق الإنسان، للتآمر ضد سيادة الوطن ووحدته ومقدساته” (!!)

إن العمال والفلاحين وعموم الكادحين والمثقفين الجذريين في هذا الوطن يعلمون بتجربتهم اليومية مقدار ما تنعم به البلاد في مجال الحريات وحقوق الإنسان، حيث ما يزال عشرات المعتقلين الطلاب والسياسيين والمناضلين المغاربة والصحراويين قابعين في السجون، وحيث لا تتورع قوات الملك عن قمع كل مظاهرة احتجاج، وحيث تكميم الأفواه هو السياسة السائدة.

كما أنهم يعرفون مقدار تشبث الطبقة السائدة بالمغرب ونظامها السياسي بـ “سيادة الوطن ووحدته ومقدساته” من خلال تجربتهم مع الخصخصة التي تبيع ممتلكات البلاد من شركات حيوية وأراض خصبة وغيرها ومن خلال الاتفاقيات الأمنية والتجارية التي توقعها مع الإمبريالية والتي تتنوع ما بين إقامة القواعد العسكرية والتجسس لصالح الدوائر الإمبريالية واعتــقال وتعــذيب المـــطلوبين من طرف الولايات المتحدة الأمريكية، وبين تحويل أبناء الشعب إلى عبيد للشركات المتعددة الجنسيات، خاصة في “المناطق الحرة”، حيث لا حقوق نقابية ولا قوانين؛ وتحويل ثروات الوطن (المنجمية والبحرية، الخ) إلى لقمة سائغة بين أفواه القوى الإمبريالية وعملائها المحليين.

كما أنهم يعرفون أيضا أن ذلك الكم اليسير من الحريات والحقوق التي تحققت لم تكن منة من طرف الطبقة السائدة والنظام الملكي الدكتاتوري، إنما حققتها نضالات مريرة وتضحيات جسام قدمتها الطبقة العاملة والكادحون ومناضلاتهم ومناضلوهم المخلصون. وها هي الآن صارت مهددة بالسحق من طرف نفس هذا النظام الدكتاتوري الذي يتغنى بها وبالدفاع عنها.

بعد ذلك أصدر أمره إلى “السلطات العمومية [من أجل] مضاعفة جهود اليقظة والتعبئة، للتصدي، بقوة القانون، لكل مساس بسيادة الوطن، والحزم في صيانة الأمن […]”، أي إلى المزيد من القمع وتضييق الخناق على كل أشكال المعارضة. وليس الحديث عن “القانون” سوى لذر الرماد في العيون وخداع الجماهير عن المعنى الحقيقي للرسالة التي يوجهها الملك إلى قواته. إنه قانون الدكتاتورية الذي باسمه تكسر عظام المعطلين، ويشرد العمال والفلاحون في كل يوم وفي كل مكان من البلد.

وسيرا على نهج الإرهابي الكبير جورج بوش ومنطقه الشهير: إما معي أو مع الإرهاب، أكد محمد السادس على “أنه لم يعد هناك مجال للغموض أو الخداع، فإما أن يكون المواطن مغربيا، أو غير مغربي […] فإما أن يكون الشخص وطنيا أو خائنا، إذ لا توجد منزلة وسطى بين الوطنية والخيانة […]”، أي إما أن يتبنى المرء موقف الطبقة السائدة بخصوص إجبار الشعب الصحراوي على البقاء في “أحضان” (الأصح: بين أنياب) النظام الدكتاتوري القائم بالمغرب، ويتنكر لحقه في تقرير مصيره بحرية، أو أنه “خائن”!!

إنه منطق الدكتاتورية والطغيان والظلامية في أوضح أشكالها! “إما معي أو أنت خائن وتستحق عقوبة الخيانة العظمى”.

لكن الواقع هو أن الخونة الحقيقيين هم صنائع الاستعمار وأذنابه والمدافعون عن استمرار الهيمنة الإمبريالية على الأوطان، الذين نهبوا الأوطان وحولوها إلى سجون وجوعوا الشعوب وجهلوها وكرسوا التخلف وعمقوه، أي نفس هذه الأنظمة، ومن بينها النظام القائم بالمغرب، السائدة في العالم العربي من المحيط إلى الخليج؛ وليس مناضلوه الشرفاء الذين قدموا بسخاء حياتهم وحرياتهم وما يزالون يقدمونها ثمنا لتصبح هذه الأوطان للجميع، لكي يصير للجميع الحق في منصب شغل كريم وفي المأكل والمأوى والتعلم والصحة والسعادة.

إننا، نحن المناضلون الماركسيون بالمغرب، إذ ندافع عن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره لا نكون بصدد العمالة مع “عدو خارجي” أو نرغب في تقسيم أوطاننا إلى كيانات صغرى، أو ما إلى ذلك من الافتراءات الكاذبة. بل نكون بصدد الدفاع عن حق أساسي من حقوق الشعوب، ألا وهو الحق في تقرير المصير بطريقة ديمقراطية، حقه في أن يختار الانفصال أو الوحدة بدون إجبار أو قهر من طرف أي كان. ويجب أن نوضح في هذا السياق أننا نناضل من أجل فدرالية اشتراكية أممية تلغي الحدود بين شعوب العالم قاطبة، ونعتبر الحدود ظاهرة متجاوزة تاريخيا ونناضل من أجل القضاء عليها تماما. لكننا في نفس الوقت نعارض الوحدة الإجبارية: الوحدة بين السيد والعبد، الوحدة التي تجمع الأمة المضطهَدة بالأمة المضطهِدة بقوة الجيش والحديد والنار.

إننا إذ ندافع عن حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير إنما نقوم بذلك لمصلحة الشعبين معا وكل الشعوب، إذ ليس للعمال والفلاحين والكادحين المغاربة أية مصلحة في اضطهاد شعب آخر، واصطناع الحروب المدمرة التي تضر بالشعبين معا. ونقوم بذلك لأننا ندافع عن إقامة وحدة أخوية حقيقية بين الشعبين وكل شعوب المنطقة مبنية على أساس ديمقراطي حر. أما الوحدة التي يدعوا إليها أعدائنا الطبقيون فهي “وحدة” الذئب والغنم، “وحدة” تمكنهم من نهب الثروات واستغلال البشر والحجر، بسلام وطمأنينة.

“الكلمة المولوية لا تحتاج للنقاش بل تحتاج إلى تطبيق فعلي”

وبطبيعة الحال سارعت كل القوى البورجوازية والإصلاحية إلى مباركة مضامين الخطاب والتصفيق “للحكمة المولوية” والتعبير عن انخراطها “وراء جلالته” في هذا التصعيد الجديد. ويكفي في هذا السياق أن نستشهد ببعض المواقف التي عبر عنها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حيث بمجرد أن أصدر الملك خطابه سارعت الجريدة الناطقة باسمه إلى الانخراط في حملة الشوفينية والإرهاب عبر تخصيص أغلب صفحات عددها 9322 للتعبير عن اتفاقها المطلق مع كل ما جاء فيه.

حيث اعتبرت افتتاحية العدد الموقعة باسم الاتحاد الاشتراكي أن “الخطاب الملكي [شكل] خارطة طريق جديدة ومتقدمة، كما انه وضع التحدي الداخلي في مستوى ما يسترعي من الحزم والصرامة” ووضعت العديد من العناوين بالبند العريض على رأسها عبارته الشهيرة: “إما أن يكون المواطن مغربيا، أو غير مغربي… إما أن يكون الشخص وطنيا أو خائنا”، كما نشرت بيانا للكتابة الجهوية للحزب “بالأقاليم الصحراوية” والتي عبرت فيه عن “تثمينها بصدق وحرارة لمضامين الخطاب الملكي الواضحة والحازمة، وانخراطها في تفعيل مضامين هذا الخطاب وتوجيهاته في كل أبعادها […]”، ونشرت أيضا تصريحات بعض أعضائه والتي جاء في بعضها: “الكلمة المولوية بمناسبة ذكرى عيد المسيرة الخضراء لا تحتاج للنقاش بل تحتاج إلى تطبيق فعلي وفي أسرع وقت” الخ.

إن هذا دليل قاطع على درجة الانحطاط التي وصلها الحزب، حتى أنه صار مجرد مطبق “للتعليمات السامية” بدون نقاشها ولو شكليا، ويؤكد أنهم “أجمعوا على أنهم جنود مجندون وراء جلالة الملك محمد السادس، ويدعمون مخطط عاهل البلاد”. إذن الملك يهدد بموجة قمع شرسة وبالمزيد من التضييق على الأنفاس، والاتحاد الاشتراكي يبارك!

دليل قوة أم دليل عجز؟

إن المتمعن في معطيات الوضع لا يملك أن يسيطر على الرغبة في الضحك أمام هذه المسرحية السيئة الإخراج والإعداد والتمثيل. الدكتاتور يتحدث باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان، والخونة ينافحون عن “سيادة الوطن”، وأحزاب لا قاعدة جماهيرية لها أصلا، والأخرى تآكلت كل مصداقية كانت لها في أعين الشعب، حتى أنها لم تعد تستطيع ملئ قاعة متوسطة الحجم إلا بالاستنجاد بمغنيي الراي والراب، تتحدث باسم الشعب كما لو أنها تمتلك تفويضا من طرفه. وجميعهم ينشدون أغنية “الوحدة الوطنية”!!

في سنوات السبعينات، عندما تمكن الحسن الثاني من جر أحزاب الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية والاستقلال إلى “وحدته الوطنية”، كان قد خرج للتو منتصرا من عدة معارك ضد الجيش وضد النقابات العمالية والطلابية والمنظمات الثورية، وكان “صمت” البادية، التي كانت تضم حوالي 70 % من سكان المغرب، يشكل بالنسبة له سندا قويا لاستمرار حكمه. كما أن الوضع الدولي، اقتصاديا وسياسيا، كان ملائما بشكل كبير من وجهة نظره؛ ثم إن تلك الأحزاب التي دخلت معه في مسلسل “الإجماع” و”الوحدة الوطنية” كانت ما تزال تمتلك مصداقية كبيرة (الاتحاد الاشتراكي على الأقل) في أعين فئات واسعة من الشعب المغربي.

أما الآن فماذا لدينا؟ كل الظروف تغيرت جذريا، وسنكتفي بمؤشرين فقط: فالنظام الملكي الحالي مفلس ويقف في مأزق بدون مخرج، يعاني من عزلة دولية تتمثل في تراجعه عن لعب الأدوار الريادية التي كان يلعبها في السابق كعميل أساسي للإمبريالية في المنطقة والقارة الإفريقية عموما والشرق الأوسط، وعزلة داخلية بعد أن اتضح للجماهير زيف كل الوعود التي قدمها بسخاء خلال السنوات الأولى لحكمه، فتحول الأمل إلى يأس وغضب ينتظر فقط الوقت المناسب لكي ينفجر. نظام لا يستطيع الحكم بالطرق القديمة ولا يستطيع الحكم بطرق جديدة، يلقي خطابا يتغنى فيه “بالديمقراطية” ويتبعه بآخر يؤكد فيه على “الحزم”، مما يعكس عمق التصدع الذي بدأ يظهر في قمة الهرم السياسي على شكل صراع بين دعاة اعتماد الجزرة وسيلة للحكم، وبين دعاة اعتماد العصا.

ثم أحزاب ضعيفة ومفلسة على جميع المستويات، ولا مصداقية لها في أعين الجماهير، ولا تستطيع تحريك ولو بضع مئات من الأشخاص. الشيء الذي يظهر جليا خلال المحطات الانتخابية التي لا تستطيع الأحزاب جميعها خلالها أن تعبئ حتى 20 % من الكتلة الناخبة.

وبالتالي فإن “الوحدة الوطنية” الحالية، ليست سوى شبح كاريكاتوري عن “الوحدة” السابقة. صدق من قال إن التاريخ يعيد نفسه كمهزلة.

وقد أصدر النظام هذا التهديد، مباشرة بعد أن تم اعتقال مجموعة من الناشطين الصحراويين يوم 08 أكتوبر 2009، تجرأوا على زيارة مخيمات تندوف وعادوا عبر مطار الدار البيضاء، وقدموا لمحاكمة عسكرية، فكان هذا الخطاب تهديدا مباشرا حتى لا يتجرأ أحد على خطوات أخرى مماثلة.

والمحك الأول لجدية هذه التهديدات كان هو حادثة منع الناشطة الصحراوية أمينتو حيدر في المطار من العودة إلى ديارها، وهناك تصرفت الدولة بـ “الحزم” الذي هددت به، لكن تطورات الأحداث، وإضراب الناشطة الصحراوية عن الطعام وضخامة التعاطف الذي حققته جعل النظام يقف في موقف حرج، لتتحرك المبادرات الرامية إلى إنقاذ ماء الوجه، والتي انتهت بعودتها مجددا، فلا الملك تمكن من تطبيق عقاب “الخيانة العظمى” ضدها، ولا “مناضلو” الاتحاد الاشتراكي “تصدوا” أو “طبقوا التعاليم السامية”: ليصدق عليهم قول الشاعر: زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا —أبشر بطول سلامة مربع.

وفي: 07 مارس 2010 عادت مجموعة أخرى من الناشطين الصحراويين الذين زاروا مخيمات تندوف بنفس الطريقة التي استخدمها سابقيهم، إلا أنهم لم يتعرضوا لا للاعتقال ولا أية مضايقة، وانخرطت جوقة الصحافة البرجوازية “المستقلة” منها والحزبية في موجة الشوفينية والسعار عبر اتهام “انفصاليي الداخل” بالخيانة العظمى.

بعد ذلك انخرطت الأطراف مجددا في مسلسل المفاوضات العقيمة، السرية والعلنية، “برعاية” الإمبريالية الأمريكية. والتي أكد الطرفان خلالها على نفس المواقف التي سبق لهم أن أعلنوا عنها منذ سنوات: الملكية تؤكد على تشبثها “بالسيادة الكاملة” و”حل الحكم الذاتي الموسع”، بينما البوليزاريو تؤكد على “ضرورة إجراء استفتاء”، مما يؤكد منذ البداية أن الأفق مسدود.

والجدير بالذكر أن كلا الطرفين لا يمتلكان ما يقدمانه، فلا النظام القائم بالمغرب يستطيع التنازل فيقبل بإجراء استفتاء هو متأكد مسبقا انه لن يكون في صالحه، مما سوف يضرب أحد الأسس الهامة التي يقف عليها. ولا البوليزاريو تستطيع أن تقبل بالتصور الرسمي المغربي “للحل”، مما سوف يودي بشرعيتها وبسبب وجودها أصلا.

والنتيجة؟

استمرار الوضع الراهن الذي يستفيد منه الطرفان معا! فالنظام القائم بالمغرب والملكية تستفيد من هذا الصراع لخلق “الإجماع” حولها وتبرير سياسة القمع والاستبداد والتجويع التي تسلطها على الشعب الكادح، كما تستفيد من إبقاء مؤسسة الجيش مستنفرة في الصراع ضد “العدو الخارجي” حفاظا على وحدتها (المهددة بالتفكك على أساس طبقي بين الجنرالات وكبار الضباط من جهة وبين صغار الجنود الذين يعيشون نفس الظروف المأساوية التي يكتوي في ظلها بقية الشعب الكادح)، وضمانا لانشغالها عن الالتفات إلى الداخل، وهي السياسة التي تطبق منذ المحاولات الانقلابية التي شهدتها السبعينات.ولا يجب أن ننسى هنا أن كبار الجنرالات بدورهم والأعيان الصحراويون، هؤلاء الطفيليون الذين يغتنون من نهب المال العام، بحجة الدفاع عن “وحدة الوطن”، مستفيدون من استمرار الوضع الحالي.

كما أن البوليزاريو بدورها مستفيدة من استمرار الوضع الراهن المريح جدا بالنسبة للكثير من قادتها، الذين تحولوا إلى أصحاب ملاييــر علـى حســـاب معانـــاة الشعــــب الصحراوي في الداخل وفي المنفى، خاصة وأنهم لا يمتلكون أي بديل عن هذا الوضع.

والضحية طبعا هو من جهة أبناء الشعب الصحراوي الفقراء المشردون في المنفى في ظل ظروف مأساوية، أو المتواجدون بالداخل في ظروف القمع والاضطهاد الهمجي؛ ومن جهة أخرى أبناء الشعب المغربي (من عمال وفلاحين فقراء وشباب عاطلين وطلاب مقموعين، الخ) المحرومين من الحق في الصحة والتعليم والشغل والسكن والتعبير، الخ والمطالبين دوما بتقديم لقمة خبزهم في سبيل شن هذه الحرب الإجرامية.

ما هو الحل؟

ليس الحل موجودا عند الإمبريالية (الأمريكية، أو الإسبانية أو الفرنسية أو غيرهم من قطاع الطرق الدوليين) أو مؤسساتها الدولية (الأمم المتحدة). فالإمبريالية هي سبب الاضطهاد القومي وقهر الشعوب ولا يمكنها أن تكون أبدا مصدرا لأي حل حقيقي ودائم يخدم مصالح أي شعب من الشعوب.

إن السياسة الإمبريالية مبنية على خدمة مصالح كبريات الشركات المتعددة الجنسيات التي باسمها ومن اجلها يدمر العالم، وليس على خدمة مصالح الشعوب.

وليس الرهان على القوى الإمبريالية ومؤسساتها الدولية ومقرراتها و”شرعيتها”، الذي ما تزال تتبناه بعض التيارات اليسارية وبعض أصحاب النوايا الحسنة مع الأسف، سوى تعبير عن سذاجة مطلقة. سذاجة غير مسموح بها في ميدان الصراع الطبقي الذي يؤدي كل خطأ فيه إلى كوارث وهزائم ساحقة.

كما أن الحل غير موجود عند الطبقة السائدة بالمغرب ونظامها الملكي ولا في “مقترحاتها” حول “الحكم الذاتي الموسع”، في ظل الدكتاتورية والاستبداد، ويمكن لمن يشك في هذا أن يسأل العمال المغاربة والفلاحين الفقراء والطلاب وباقي المقهورين عما يقاسونه من استغلال وقهر وقمع.

إن الحل قدمته الثورة الروسية، إذ دافع الماركسيون قبل الثورة عن وحدة وثيقة بين عمال وفلاحي كل القوميات والشعوب المكونة لروسيا القيصرية، وناضلوا بحزم ضد كل أشكال الاضطهاد القومي والشوفينية والتعصب، وطالبوا بحق الشعوب في تقرير مصيرها بحرية، بما في ذلك الحق في الانفصال، وفي نفس الوقت ناضلوا بحزم ضد كل المحاولات الرامية إلى تقسيم صفوف العمال على أسس قومية أو جنسية أو لغوية واعتبروها جريمة في حق الطبقة العاملة والاشتراكية. إذ اعتبروا أن الانتصار على النظام القيصري مستحيل دون وحدة وثيقة بين صفوف الطبقة الطليعية الوحيدة القادرة على تحقيق ذلك النصر.

وقد جسدوا هذه الوحدة من الناحية التنظيمية من خلال بناء الحزب البلشفي الذي كان يضم الاشتراكيين الثوريين من كل القوميات واللغات التي كانت تشكل روسيا، على أساس برنامج ثوري وضع مطلب القضاء على النظام القيصري إلى جانب مطلب حق تقرير المصير، وهو ما تحقق بعد انتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية، حيث أعطت الجمهورية العمالية الفتية ومنذ تأسيسها الحق لجميع شعوب روسيا في تقرير مصيرها بحرية، مما أسفر عن تشكيل العديد من الجمهوريات الحرة والمستقلة، والتي قررت بملء إرادتها الاتحاد في ظل فدرالية اشتراكية كبرى، اتحاد أمم سيدة وحرة مع بعضها البعض، وليس اتحاد السيد مع العبد، كما كان الحال في السابق .

وهذا هو البديل الذي نقترحه نحن أيضا على شعوب المنطقة المغاربية، وحدة في النضال ضد أنظمة القهر والاستغلال القائمة في المنطقة من أجل إسقاطها وبناء فدرالية اشتراكية في المنطقة المغاربية تضمن لجميع شعوب المنطقة الحق في تقرير المصير السياسي والاقتصادي واللغوي، وتسمح بتسخير ثروات المنطقة الهائلة لخدمة مصالح الأغلبية الساحقة، وليس مصالح الإمبريالية وأقلية من الرأسماليين، وأسياد الحرب، والوصوليين الخ.

جريدة الشيوعي، المغرب
الخميس: 29 أبريل 2010

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *