عندما تتأسس دولة ما غالبا ما يكون لها طموحان مباشران هما أولا أن تصير عضوا في الأمم المتحدة وأن تنتمي ثانيا إلى الفدرالية الدولية لكرة القدم، الفيفا، وأحيانا يكون الهدف الثاني هو الأول! تظل كرة القدم اللعبة المهيمنة عالميا، حيث يمارسها الملايين ويتابع مبارياتها الملايير. ومن حيث المداخيل، تجاوزت كرة القدم إلى حد بعيد جميع الرياضات الأخرى وهو الشيء الذي لا يمر دون أن تلاحظه كبريات الشركات الرياضية.
تقوم الشركات العالمية من قبيل نايكي، بوما وأديداس وغيرها بإنتاج المعدات الرياضية التي لا تكلفها سوى سنتيمات لتبيعها في العالم بأسره بأغلى الأثمان. إنهم لا يطلقون على كرة القدم اسم أجمل لعبة عبثا.
لقد شهدت العقود القليلة الماضية تطورا هائلا في تسويق كرة القدم مع سعي الرأسمالية الحثيث، بتواطؤ فعلي من طرف المسؤولين عن اللعبة، إلى تحقيق الأرباح الهائلة التي توفرها.
اشترت الشركات التلفزية التي استفادت من الانتشار الواسع للقنوات التلفزية، بفضل تكنولوجية الأقمار الاصطناعية، حقوق بث المباريات. ومقابل الملايين التي دفعوها صارت المباريات تنظم في كل وقت وكل مكان للاستجابة لحاجيات هذه الشركات دون احترام رغبات عشاق اللعبة. لقد وجد المشجعون مواسمهم مشكلة بناء على رغبات معدي البرامج التلفزية.
لقد عملت النوادي الغنية القوية – بتعاون مع الشركات المتعددة الجنسيات للألبسة الرياضية – على الاستيلاء على اللعبة وأخضعتها لمصالحها. فالمنافسات الأوروبية القديمة أعيدت هيكلتها وتحولت إلى وحدات أكثر ربحية من قبيل عصبة الأبطال – وأبطالها الأغنياء-، إضافة إلى العمل على تلافي أي خروج مبكر للنوادي الكبيرة. وتمارس طغمة غير رسمية، مشكلة من النوادي الأوروبية الكبرى، يطلق عليها اسم “الأربعة عشر الكبار”، نفوذا متزايدا على الأجهزة الوصية على كرة القدم الوطنية منها والدولية. وقد طال هذا حتى بطولة القسم الأول عندنا، التي خلقت بدورها لخدمة مصالح الأغنياء على حساب الفقراء الذين يبدون سعداء بالرقص على أنغام إدارة التسويق في هاي بوري/ ترافورد سابقا.
ليس غريبا أن يتواجد الفساد إلى جانب الثروة الكبيرة. كانت ألمانيا هي الأولى التي شهدت فضيحة تحكيم بما فيها تقديم رشاوي. والآن هاهي كرة القدم الإيطالية واقعة تحت صدمة فضيحة كبيرة تورطت فيها نواد كبرى متهمة بالغش في نتائج المباريات وشراء ذمم الحكام، وهي الحقيقة التي طالما اشتبه عشاق كرة القدم الإيطالية في وجودها. ليست هذه سوى البداية، لكن المسؤولين عن اللعبة وكعادتهم سوف يغضون النظر عن هذه المسألة.
إنها أسوء أحداث يمكن أن تعقد على خلفيتها المنافسات الكروية العالمية، كأس العالم، التي تجري أحداثها حاليا في ألمانيا طيلة الصيف. لكنها، بشكل ما، تبدو مقبولة. كل من يزور الموقع الالكتروني للفيفا ويذهب إلى صفحة التسويق فيه، سوف يرى كم هي المساحة المخصص للمساندين التجاريين فيه. بالنسبة لهؤلاء لا يتعلق الأمر بالرياضة بل بكم حجم الإشهار الذي يمكنهم تحقيقه. لقد أصبحت اللعبة العالمية سوقا عالمية وصارت منافسات كأس العالم نافذة هامة تطل من خلالها النوادي الرياضية والوكلاء والشركات.
عشاق اللعبة مهمشون
لكن ماذا عن عشاق اللعبة الذين هم مصدر جميع تلك الأرباح؟ لقد حرموا من التعبير وأهملت أصواتهم. إنهم يعاملون بالضبط كما يعامِل رب العمل عماله – فالقوانين هي نفسها- ومن ثم يجب أن يكون الرد هو نفسه. إن الحركة التي نظمت ضد استيلاء غلازير على فريق مانشستر يونايتد تظهر أن عشاق كرة القدم يمكنهم أن ينتظموا عندما يدفعهم الحماس إلى ذلك. طيلة سنوات بدل عشاق الكرة الجهود لتنظيم أنفسهم في جمعيات مستقلة وغيرها، الرغم أن هذه المحاولات غالبا ما فشلت في الحفاظ على استمراريتها طبعا. وعندما حاولت تاتشر فرض بطاقة تعريف كروية، خلال نهاية الثمانينات، نظمت ضدها حملة كبيرة ضمت مساندي جميع النوادي وقد لاقت هذه الحركة بعض النجاح. مما يبين أنه من الممكن لها أن تتحقق.
إلا أنه كثيرا ما تعرضت جهود الانتظام للعرقلة عبر استغلال العداوات بين النوادي ومقولة: “نحن لا نمارس السياسة” ومحاولات تجميد الحركة. إذا ما أردنا إنقاذ كرة القدم باعتبارها مكونا هاما من مكونات ثقافة الطبقة العاملة، بدل أن تظل مجرد مصدر آخر لأرباح الرأسماليين ووسيلة للتخدير، يجب خلق نوع جديد من التعبئة.
يجب إعادة الحياة إلى فدرالية مساندي كرة القدم وربطها بمختلف مجموعات المساندين الحقيقية المستقلة. يجب الحسم في من يمتلك، ومن تم يتحكم، في كرة القدم. إن الطغمة الحالية لن تعمل مطلقا لصالحنا- لنتذكر من أين، وكيف، راكم أمثال غلازير وأمبراموفيتش والآخرون ثرواتهم-. يمكن حتى التفكير في إمكانية قيامهم بذلك. يجب أن تصير النوادي ملكية عمومية وتدار في خدمة الشعب كلعبة وليس كتجارة. يجب أن يتم تطهير مختلف الأجهزة المسيرة للعبة من “الوصوليين الأنيقين” ويُستبدلوا بأناس لديهم اهتمامات أكثر من مجرد انتظار المنح، بل الذين يريدون الدفاع عن اللعبة وتطويرها مع ضمان حق المساندين في أن تكون لهم تمثيلياتهم على جميع الأصعدة. إذا لم يتحقق هذا فإن الاستغلال المتواصل لما تسمى اللعبة الشعبية، سيستمر إلى أن لا يبقى هناك من شيء يمكن إنقاذه.
ستيف جونس
الجمعة: 09 يونيو 2006
عنوان النص بالإنجليزية: