الرئيسية / الشرق الأوسط وشمال إفريقيا / الشرق الأوسط / إيران / إلى أين تسير الثورة الإيرانية؟

إلى أين تسير الثورة الإيرانية؟

مسيرة يوم 17 يونيو 2009. صورة لفارامارز

خلال السنة الماضية اجتاحت إيران حركة جبارة هزت النظام الأصولي الإسلامي الممقوت من أساسه. جميع الشروط كانت متوفرة لحدوث ثورة ناجحة تسقط النظام. لكن ما كان مفتقدا هو المشاركة الفعالة للطبقة العاملة كقوة منظمة، والأهم هو غياب قيادة ثورية للحركة.

لقد دخلت إيران قبل سنة مضت طريق الثورة، والتي جاءت كعاصفة من سماء صافية، حيث احتل آلاف أبناء الشعب الغاضبين، الشباب في الغالب، شوارع طهران للاحتجاج ضد التزوير المفضوح للانتخابات. والذين تحدوا، ببطولة لا تصدق، العنف المنظم للدولة لمواجهة نظام رجال الدين الرجعيين الذي طالما اضطهدهم.

شكلت هذه الحركة مصدر إلهام عظيم للعمال والشباب في كل العالم. لقد كانت الرد المفحم على جميع هؤلاء الجبناء والمتشائمين والمرتدين الذين يشكون في الإمكانيات الثورية عند الجماهير.

أخذ هذا الانفجار الجماهيري المفاجئ العديد من الناس على حين غرة. ونخص بالذكر هؤلاء الذين يسمون أنفسهم “طليعة”، أي هؤلاء البائسين الذين كانوا في الماضي يسمون أنفسهم “شيوعيين” و”تروتسكيين” والذين فقدوا كل أمل في البروليتاريا والثورة الاشتراكية واستسلموا لضغوطات المجتمع البرجوازي وإيديولوجيته.

تلقيت يوم أمس رسالة هامة من عند رفيق إيراني، يقول فيها:

«[…] تتميز الحركة بكونها جد مركبة ومتفاوتة بطبيعتها، وعلى سبيل المثال يبدو كما لو أن الحركة بدأت الآن تستيقظ في العديد من الأماكن، أو تواصل النمو على الأقل، بينما في وصلت في أماكن أخرى ذروتها قبل أشهر وهكذا، (بالرغم من أن هذا المسلسل مختلف عن ذلك الذي شهدته روسيا سنة 1905 من حيث النسبة بين العمال والفلاحين –إذ ليس هناك الكثير من الفلاحين في إيران- فإن هناك اختلاف بين طهران وغيرها من المناطق. إلا أن هذا ليس دقيقا لأنه توجد في طهران أماكن عدة حيث بدأت الجماهير تتحرك بشكل متزايد على عكس بعض المدن الأخرى مثل شيراز حيث بدأ يسود مزاج متشائم جدا.)»

يمكن للمرء أن يتوقع حدوث هذا. ففي بعض المناطق، حيث وصلت الحركة نقطة عالية في وقت مبكر، بدأت الجماهير تتراجع. هناك مؤشرات عن التعب بل وحتى الإحباط. وهذا طبيعي. إذ بعد أشهر من الجهد الخارق، وبدون أي أفق ملموس، تصاب الجماهير بالتعب وتبدأ الحركة في التراجع مؤقتا. ستسقط العناصر الأقل تصميما في لجة الخمول وستجد العناصر الأكثر كفاحية نفسها مؤقتا في حالة عزلة.

لكن ليس هذا سوى جانب وحيد للمعادلة. فهناك مناطق أخرى تشهد فيها الحركة انتعاشا. تدخل شرائح جديدة من الجماهير إلى ساحة النضال، وهي متحمسة للنضال. الفئات التي تظهر أكبر درجات التشاؤم، هي، بشكل عام، فئات كبار السن، والفئات الأكثر خبرة، بمن فيهم هؤلاء الذين يسمون أنفسهم “طليعة”. لكن بين الفئات الشابة الفتية يسود مزاج مختلف تماما. إنهم متحمسون ومستعدون للنضال. وهذه الفئات هي التي يجب علينا أن نعتمد عليها.

ما هي الثورة؟

أهم ميزة للثورة هي التدخل المباشر للجماهير، التي تبدأ في أخذ زمام حياتها ومصيرها بين أيديها. وهذا بالضبط ما حصل قبل سنة في إيران. كل من لا يستطيع رؤية أن ذلك ثورة هو شخص لا يفهم ما الذي تعنيه الثورة. “لديهم عيون لكنهم لا يبصرون بها”. وليس لدينا ما نقوله لمثل هؤلاء البائسين. جميع الشروط التي حددها لينين للثورة متوفرة في إيران في الوقت الحالي: انشقاق في القمة، غليان بين صفوف الطبقة الوسطى، طبقة عاملة جبارة بتقاليد ثورية، موجة من الإضرابات الهامة، الخ.

الجماهير في الشارع خلال شهر يونيو 2009.
الجماهير في الشارع خلال شهر يونيو 2009. صورة لفارامارز

لو أن قادة الحركة أبانوا ولو عن واحد في المائة من التصميم والشجاعة التي أبانت عنها الجماهير، لحسموا السلطة السياسية بدون أية صعوبة. لكن الإصلاحيين البرجوازيين لم يكونوا يريدون حسم السلطة. إنهم، في الواقع، كانوا خائفين من القوى التي أيقظوها. فقاموا بدور الكابح للحركة. كان تنظيم إضراب عام في إيران سيطرح مسألة السلطة. ولهذا السبب بالضبط رفض القادة الإصلاحيون الدعوة إلى إضراب عام.

غياب قيادة جدية هو السبب الرئيسي لدخول الحركة مرحلة التراجع. وفي الوقت الحالي هناك مزاج من الإحباط بين بعض الفئات. الجميع يفهم أن الحركة بحاجة إلى إستراتيجية جديدة، لكن لا أحد يقول ما هي، ولا أحد في إمكانه أن يرى مخرجا. في ظل الظروف الحالية، سيكون من الحماقة إرسال الشعب الغير منظم والأعزل لمواجهة النظام. ما ينبغي توفيره لقوى الثورة الغير منظمة والمشتتة هو التنظيم.

إن تفوق قوى الثورة المضادة ظاهري فقط. هناك نوع من الهدنة الهشة، حيث تسود في كلا المعسكرين فكرة “ننتظر ونرى “. لا أحد من المعسكرين مرتاح للوضع القائم، لكن لا أحد من المعسكرين يملك القوة لحسم الصراع لصالحه.

لقد ضربت الأزمة الاقتصادية إيران بشكل قوي. والنظام يجد نفسه أمام ضرورة قطع الدعم عن البترول والحاجيات الأساسية مثل الخبز. لكن أحمدي نجاد يخشى (وهو محق) من أن يؤدي هذا إلى إشعال موجة جديدة وأكثر خطورة من الاحتجاجات. هناك فضائح فساد في قمة النظام. والقادة يتصارعون مثل قطط في كيس. وكل هذه مؤشرات عن أن النظام يتفكك.

لا أحد يمكنه أن يحدد كم من الوقت ستطول هذه الوضعية، لكنه من المتوقع ألا تطول كثيرا. فمن أجل إبقاء الجماهير تحت السيطرة، يعتبر القمع وحده غير كاف. إن النظام يستنزف كل احتياطاته، ويواجه بالكره من جانب شرائح متزايدة من المجتمع. وبالرغم من أن مظاهرات فاتح ماي هذه السنة كانت أقل جماهيرية من السنة الماضية، فإنها كانت أكثر امتدادا حيث شملت كل مدينة وبلدة تقريبا. يبين هذا الواقع بداية استيقاظ الطبقة العاملة الإيرانية. لقد كان الإضراب العام من 24 ساعة، الذي نظم في كردستان، خطوة ناجحة للتحدي الجماهيري، الذي هزم النظام وأبان حدود قوته.

من سيناضل من أجل الديمقراطية؟

إن المهام الموضوعية المطروحة أمام الحركة مهام ديمقراطية. إن الجماهير تريد النضال من أجل الحقوق الديمقراطية. لكن الإصلاحيين البرجوازيين والبرجوازيين الصغار غير قادرين على قيادة نضال جدي من أجل الديمقراطية. إنهم، في أفضل الحالات، ينظرون إلى حركة الجماهير كورقة رهان للضغط على النظام من أجل تحقيق بعض التنازلات، مثل تاجر يساوم على بضاعة. لكنهم لا يمتلكون أية نية في إحداث تغيير جذري للنظام، الذي كانوا لوقت قريب أحد مكوناته.

من سوف يناضل من أجل الديمقراطية؟

كل التجربة التاريخية، وخاصة تجربة الثورة الروسية، تبين أن اللبراليين البرجوازيين ليسوا قادرين على إنجاز مهام الثورة الديمقراطية البرجوازية في البلدان مثل إيران. هؤلاء الناس يتحدثون عن الديمقراطية، لكنهم في آخر المطاف مستعدون دائما للمساومة، والتراجع، أي بعبارة واحدة: للخيانة. القوة الوحيدة في المجتمع القادرة على خوض نضال حازم من أجل الديمقراطية هي الشعب الثوري، أي: العمال والفلاحون وفقراء المدن والشباب الثوري والنساء الفقيرات والقوميات المضطهدة.

هذه هي القوى التي خرجت إلى الشوارع وخاطرت بحياتها خلال يونيو 2009. لم يخرجوا بناء على دعوة من القادة الإصلاحيين، الذين عارضوا التظاهرات في البداية ولم يبدءوا في المشاركة فيها إلا تحت الضغط الذي تعرضوا له من تحت. لقد نظمت تلك الجماهير نفسها وسارت أبعد مما أراد القادة. لكن غياب القيادة، وافتقاد منظور واضح وخطة للنضال أدت في النهاية إلى ضرب الحركة. وهكذا فإن المسألة المركزية للثورة الإيرانية هي مسألة القيادة.

الدور الرجعي لنزعة الشك

يقال إن أول مستكشف أوربي رأى زرافة قال مستغربا: “لا أصدق هذا”. وقد كان هذا بالضبط رد فعل هؤلاء “الجهابذة الماركسيين” عندما واجهوا النهوض الثوري خلال يونيو 2009. حيث لم يفهموا حقيقة ما كان يجري أمام أنظارهم.

كان إنجاز الثورة سيكون مهمة جد بسيطة لو أن كل شيء سار في خط مستقيم. لكن الحياة ليست بهذه السهولة! لقد شهدت الحركة تراجعا مؤقتا، فصاح “الجهابذة الماركسيون”: « أرأيتم! لقد قلنا لكم إنه ليست هناك ثورة! كل ذلك غير معقول، إن النظام قوي، ليس هناك أي أمل! » وعادوا إلى أقرب مقهى ليواصلوا شرب فنجانهم، وهو المكان الذي يمكننا أن نتركهم فيه بسلام.

يرفض هؤلاء الناس أن يقبلوا أن إيران شهدت ثورة وعجزوا عن رؤية تطور يجري أمام أعينهم. لم يكونوا يتوقعون اندلاع حركة ثورية على خلفية تزوير الانتخابات خلال شهر يونيو. وقد أخذتهم الأحداث على حين غرة. لم يكن لديهم ما يقولونه عن الحملة الانتخابية، بالرغم من أنها كانت قد شهدت جموعات جماهيرية حاشدة في طهران. لقد أصيبوا بالدهشة أمام المظاهرات الجماهيرية التي تسببت في حدوث أزمة عميقة للنظام. وبالتالي فإنهم عجزوا عن التحرك بشكل حاسم خلال تلك الأحداث، التي لعبوا أثناءها دورا هامشيا، هذا إذ كانوا قد لعبوا أي دور أصلا.

يوم 18 يونيو 2009 كتبت ما يلي:

« والغريب جدا، هو وجود بعض الأشخاص اليساريين، ومن بينهم أيضا حتى بعض الذين يحبون وصف أنفسهم بالماركسيين، اللذين لا يفهمون هذا الواقع. بعد العديد من السنوات التي بدا فيها كما لو أن لا شيء يحدث في إيران، صار العديد من اليساريين، الذين كانوا جد راديكاليين في شبابهم، والذين استسلموا في منتصف عمرهم للريبة، فاقدين لأي أمل في التغيير الثوري للمجتمع. إنهم لم يتوقعوا حدوث هذا النهوض الحالي، لأنهم لا يمتلكون أية ثقة في الإمكانيات الثورية للجماهير. والآن، وبالرغم من أن الحركة تجري أمام أنظارهم، ما يزالون يرفضون تصديقها. »

وفي نفس المقال ذكرت بأن تروتسكي شبه المناشفة الروس بمعلم مدرسة عجوز ومتعب ظل طيلة سنين عديدة يعلم تلاميذه معنى فصل الربيع، لكن وفي صباح أحد الأيام، فتح هذا المعلم العجوز النافذة ليسمح بدخول بعض الهواء النقي إلى قسمه الكئيب، لكنه عندما فتح نافذته ليدخل بعض الهواء النقي إلى قسمه الفاسد الهواء، رأى فجأة السماء زرقاء، والشمس مشرقة والعصافير تغرد، فإذا به يغلق النافذة بعنف معلنا أن فصل الربيع تشويه فضيع للطبيعة.

إن هؤلاء المتشككين “اليساريين” يشبهون تماما ذلك المعلم الثرثار. إنهم يحبون الكلام كثيرا عن الثورة وإخبارنا عن ذكرياتهم عندما كانوا شبابا في باريس سنة 1968 أو طهران سنة 1979، لكنهم في الواقع لا يمتلكون أية ذرة من الروح الثورية أو قيراط من الوعي الماركسي. إن مثل هؤلاء الناس يشكلون عائقا في طريق الثورة، ويصيبون الشباب بعدوى الارتياب المسمومة. لحسن الحظ ليس لهم أي تأثير بين صفوف الجيل الجديد في إيران، الذي ليست له أية حاجة لمثل هؤلاء “المعلمين” الأذكياء ليعلموه كيف يناضل.

لقد كانت مهمة جميع الماركسيين الأقحاح هي دعم الحركة الجماهيرية، بالرغم من كل عيوبها وأخطائها ونواقصها. كانت مهمة الطليعة الحقيقية بذل كل جهد ممكن لتعبئة العمال ليدعموا الطلاب، ويشكلوا لجان معارك والتحريض على تنظيم إضراب عام. فقط من خلال هذه الطريقة كان من الممكن فضح تذبذب موسوي وغيره من القادة البرجوازيين، لإعطاء الدليل في الممارسة على تفوق السياسة البروليتارية، وكسب موقع قيادة الحركة.

إن “الطليعة” العاجزة عن التعرف على الثورة عندما تحدث أمام أنفها هي طليعة لا قيمة لها. من خلال رفضهم التدخل بشكل حاسم في الثورة، أبان هؤلاء الناس عن عدم صلاحيتهم للقيادة. إننا نتوقع أن تمر الموجة الثورية الجديدة، القادمة حتما، أمام أنظار هؤلاء السادة، دون أن يشعروا بها.

لينين والثورة

لينين
لينين

لا يستطيع منتقدونا أن يروى سوى الهزائم والجزر. إنهم يصرخون قائلين: “الثورة، أية ثورة؟”. إن هؤلاء الأشخاص، الذين ليس لهم أي إيمان بالإمكانيات الثورية للجماهير، حريصون على إنكار أو التقليل من أهمية أي تظاهرة ثورية. إن هؤلاء “الجهابذة الماركسيين” يتحركون ليس على أساس الحركة الواقعية، بل على أساس الوصفات المجردة. لديهم تصور عن خطاطة لثورة بروليتارية نقية، مثالية حتى أدق التفاصيل، حيث العمال يقودون الثورة، وحيث هؤلاء “الجهابذة الماركسيين” يقودون (طبعا) العمال.

لكن الحياة مع الأسف ليست مثالية، ولا تنضبط الحركة الجماهيرية دائما للخطاطات المعدة سلفا. وعندما تتعارض الحركة الواقعية مع خطاطاتهم، لا يستخلص هؤلاء السادة أنه ربما كانت فكرتهم المسبقة خاطئة، بل إنهم يستنتجون أن الواقع مخطئ تماما، وأنه ليست هناك أية ثورة على الإطلاق، بل شيء آخر مختلف، (لا يعرفون ما هو). أي أنهم، بعبارة أخرى، يتصرفون مثل سكولاستيكيين وليس مثل ماديين جدليين.

سبق للينين أن انتقد هؤلاء المذهبيين العاجزين عن تصور الثورة كظاهرة حية، عندما كتب:

« كل من يتوقع رؤية ثورة اجتماعية “نقية” سوف لن يراها أبدا، إن مثل هذا الشخص يتحدث عن الثورة دون أن يفهم ما الذي تعنيه الثورة.

« لقد كانت الثورة الروسية سنة 1905 ثورة ديمقراطية- برجوازية. كانت تتألف من سلسة من المعارك التي شاركت فيها جميع الطبقات الساخطة والمجموعات وفئات الشعب المتذمرة. وقد كان يوجد بينها جماهير مشبعة بأشد الأحكام المسبقة فظاظة، مع أكثر الأهداف غموضا وبعدا عن الواقع؛ كما كانت هناك مجموعات صغيرة قبلت المال الياباني، وكان هناك مضاربون ومغامرون، وما إلى ذلك. لكن من وجهة النظر الموضوعية، كانت الحركة الجماهيرية تقصم ظهر النظام القيصري وتمهد الطريق للديمقراطية؛ ولهذا السبب قام العمال الواعون طبقيا بقيادتها.

« لا يمكن للثورة الاشتراكية في أوربا أن تكون شيئا آخر ماعدا فورة للنضال الجماهيري من جانب جميع ومختلف العناصر المضطهدة والساخطة. سوف تشارك فيها حتما عناصر من البرجوازية الصغرى والعمال المتأخرين- وبدون هذه المشاركة يكون النضال الجماهيري مستحيلا، وبدونها ليست الثورة ممكنة-، ومن الحتمي أيضا أنهم سوف يحملون إلى الحركة أفكارهم المسبقة، وأوهامهم الرجعية، ونقاط ضعفهم وأخطائهم. لكنهم موضوعيا سيهاجمون الرأسمال، وستكون طليعة الثورة الواعية طبقيا، أي البروليتاريون المتقدمون، (التي ستعبر عن الحقيقة الموضوعية لهذا الصراع الجماهيري المتنوع والمتنافر والمجزأ) قادرة على توحيدها وقيادتها، وحسم السلطة، والاستيلاء على الأبناك، ومصادرة التروستات التي يكرهها الجميع (وإن لأسباب ومختلفة!)، واتخاذ تدابير ديكتاتورية أخرى ستقود في مجملها إلى الإطاحة بالبرجوازية وانتصار الاشتراكية، والتي، مع ذلك، لن تتمكن بأية طريقة من “تطهير” نفسها فورا من القذارة البرجوازية الصغرى» (Lenin, The Discussion on Self-Determination summed up, July 1916)

نجد هنا الجوهر الحقيقي للينينية الثورية، وليس الكاريكاتير البائس للعصبويين الدغمائيين، الذين يطلقون على أنفسهم، بسبب سوء فهم مضحك، اسم “ماركسيين لينينيين” وبالتالي يضربون مصداقية الماركسية واللينينية قي أعين الشباب الثوري الإيراني.

المد والجزر حتمي في الثورة

ولد كاتب هذه الأسطر على شواطئ المحيط الأطلسي الجميلة في ساوث ويلز الجميلة. إني أتذكر تلك المساحات الشاسعة من الرمال على الشواطئ، والأمواج العاتية التي تجتاحها مرتين في اليوم.. إذا مشيت على تلك الشواطئ عند الجزر، تستطيع أن ترى عددا كبيرا من الكائنات الغريبة: أسماك ميتة وأخرى تحتضر، محصورة في برك. ثم يعود المد مرة أخرى ويجرف بعيدا كل تلك المخلفات الفاسدة، ويعيد أكسجين منعشا وحياة جديدة.

هناك تشابه وثيق بين حركات المد والجزر التي يشهدها المحيط وبين الصراع الطبقي. بطبيعة الحال لا تحدث الثورة مرتين في اليوم، بل إنها، على العكس تماما، أحداث نادرة في التاريخ. الثورة ليست حدثا منفردا، إنها ليست مسرحية من فصل واحد. إنها سيرورة حية تحتوي العديد من العناصر المتناقضة. يمكن تعريف الثورة بكونها مواجهة مع قوى الثورة المضادة. وخلال هذا الاختبار الهائل للقوى لا بد أن تكون هناك حتما مراحل مد وجزر. لقد شهدنا هذا في جميع الثورات عبر التاريخ.

يعتمد الماركسيون على الواقع الموضوعي، وليس على أساس خطاطات معدة سلفا. لقد تمكنا فورا من أن نفهم أن ما يحدث في إيران كان ثورة، واستقبلناها بحماس عظيم. لقد تتبعنا مسار الأحداث خلال كل تعرجاتها وتقلباتها. ويوم 26 يونيو كتبت ما يلي:

« يعمل النظام، الذي تمكن جزئيا من استعادة رباطة الجأش، على تسليط قمع شديد ضد المظاهرات، مما يعني أن قلة من الناس هم من سيواصلون الخروج إلى الشوارع. وهذا طبيعي. فالجماهير لا يمكنها أن تستمر بشكل دائم في الخروج إلى الشوارع وتتعرض لكسر رؤوسها إلا إذا رأت إمكانية حل حاسم. وبالرغم من انه ستكون هناك موجات أخرى من الغضب والاحتجاج، فإنه إذا لم يتم رفع الحركة إلى مستوى أرقى، سيكون هناك حتما اتجاه نحو التراجع، على الأقل مؤقتا. »

إن هذه الأسطر واضحة بما يكفي لكل من يريد أن يفهمها. ليست الثورة مسرحية من فصل واحد. إنها ستمر عبر العديد من المراحل، مع فترات نهوض عظيم، مثلما شهدنا خلال يونيو 2009، ومرة أخرى خلال أيام عاشوراء وتاسوعاء. لكن ستكون هناك أيضا فترات هدوء مؤقت، وتراجع، بل وحتى هزائم. إن كل من لا يفهم هذا لا يفهم طبيعة الثورة.

في الوقت الراهن تم قمع حركة بالقوة. لكن لم يتم تقديم أي حل لأي شيء. لم يتم حل التناقضات داخل المجتمع الإيراني، بل تم قمعها فقط. وهو ما يشبه إسكات صوت طنجرة الضغط عبر غلق صمام الأمان. يمكن بواسطة هذه الوسيلة إسكات صوتها لفترة من الزمن، لكن فقط من خلال زيادة الضغط لدرجة أن الانفجار، عندما سيحدث في نهاية المطاف، سيكون مئة مرة أكثر عنفا. وعن طريق تحطيمهم للجناح الإصلاحي، قضى الرجعيون على أي إمكانية للتوصل إلى حل تدريجي وسلمي. وسوف يدفع بمشاعر المرارة والغضب إلى أعماق المجتمع، حيث ستتقوى وتصبح أكثر كثافة.

مقارنة تاريخية

هناك الكثير من التشابهات التاريخية مع الوضع الحالي الذي تشهده إيران. والتشابه التاريخي الأقرب هو ثورة 1905 الروسية، التي سبق لنا أن أشرنا إليها أعلاه. عندما دخلت البروليتاريا الروسية للمرة الأولى إلى مسرح التاريخ تلك السنة، كان ذلك على شكل مظاهرة سلمية يقودها كاهن (والذي كان أيضا عميلا للبوليس)، يدعى الأب غابون.

مظاهرة أكتوبر 1905 كما تصورها إيليا ريبين.

من المضحك جدا اليوم قراءة تصريحات أصدقاءنا “الطليعيين” في إيران، الذين يشتكون دائما من التدني المزعوم لوعي الطبقة العاملة. خلال بداية الثورة الروسية الأولى يوم 09 يناير، لم يكن العمال يحملون الرايات الحمراء، بل كانوا يحملون الأيقونات الدينية. وكان هدف المظاهرة تقديم عريضة للقيصر (الباتيوشكا، أو الرب الأصغر، كما كان العمال يسمونه).

كان من السهل جدا الحديث عن المستوى المتدني لوعي العمال الروس آنذاك. فقد كانوا مجرد فلاحين لم يمر وقت طويل على هجرتهم من قراهم إلى المدن. كانوا متدينين بشكل كبير؛ وقليل منهم من كان يستطيع القراءة والكتابة؛ كانوا يشربون الفودكا ويضربون نسائهم. وكانوا، من الناحية السياسية، أميين تماما. وعندما كان الماركسيون الروس يحاولون توزيع مناشير تدعوا إلى إقامة جمهورية، كان العمال (الذين كان العديد منهم ملكيين) غالبا يمزقونها وكانوا أحيانا يضربون من كانوا يوزعونها عليهم.

لكن كل هذا تغير خلال ساعات قليلة بعد مجزرة الأحد الدامي، عندما قامت قوات القمع القيصرية بذبح المتظاهرين العزل. خلال مساء يوم 09 يناير، قدم نفس هؤلاء العمال إلى البلاشفة (الذين كانوا قلة عدديا) يرفعون مطلبا واحدا: “أعطونا أسلحة!”. لقد تغير وعي العمال كليا خلال ساعات قليلة. وتشهد إيران حدوث سيرورة مشابهة، مع قيام العمال والشباب باستخلاص الدروس من تجربتهم الأخيرة.

خلال أشهر، اجتاحت روسيا موجة ثورية، لعبت الطبقة العاملة خلالها دورا رئيسيا. رغم أن الطبقة العاملة آنذاك كانت أقلية ضئيلة. أما الفلاحون، الذين كانوا يشكلون الأغلبية الساحقة في المجتمع، فقد كانوا أبطأ في تحركهم. ومع الوقت امتدت الثورة إلى المناطق القروية أواخر سنة 1906، عندما كانت الحركة في المدن قد سحقت. كانت انتفاضة دجنبر 1905 العمالية في موسكو قد أغرقت في الدماء. ودخلت الثورة في مرحلة تراجع.

استمرت الإرهاب المعادي للثورة طيلة أربعة سنوات، حتى اندلاع نهوض ثوري جديد في 1911- 1912. والمثال الآخر هو الثورة الإسبانية، التي استمرت سبعة سنوات، من 1930 إلى 1937. لكن خلال هذه المدة كانت هناك العديد من فترات المد والجزر، من فترات النهوض الجارف وفترات التعب، والتراجع والهزائم، بل وحتى فترات الردة، من قبيل “السنتين السوداويتين” اللتين جاءتا في أعقاب هزيمة كومونة استورياس في أكتوبر 1934.

كانت تلك مرحلة من القمع الهمجي، قتل خلالها آلاف الأشخاص واعتقل مئات الآلاف. لكن تبين في النهاية أنها ليست سوى بداية نهوض ثوري جديد مع انتخاب الجبهة الشعبية سنة 1936.

لكل مقارنة تاريخية حدودها بطبيعة الحال. فهناك تشابهات لكن هناك اختلافات أيضا. في روسيا وإسبانيا كانت الطبقة العاملة أقلية في المجتمع. كانت الأغلبية الساحقة مشكلة من الفلاحين. أما في إيران فهذا غير موجود. تعيش أغلبية الشعب الإيراني الآن في البلدات والمدن، وليس الفلاحون، رغم أنهم ما يزالون قوة مهمة، سوى أقلية. لقد اتضحت الأهمية الكبرى للطبقة العاملة خلال سنة 1979، عندما تم إسقاط الشاه بفضل المزاوجة بين انتفاضة شعبية وإضراب عام.

مهمات الشيوعيين

من غير المحتمل أن تستمر طويلا حالة التوازن الهش هاته. هناك أزمة عميقة على جميع مستويات المجتمع الإيراني: سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. لا أحد راض عن الوضع. عندما ستندلع الانتفاضة الجديدة، وهو ما سيحدث حتما، ستكون على مستوى أعلى من الناحية النوعية مما حدث من قبل. كان الإضراب العفوي والمظاهرة الجماهيرية ضد إعدام خمسة مناضلين في المناطق الكردية وتنظيم احتفالات فاتح ماي والمظاهرات في العديد من المدن الإيرانية، مؤشرا عن الطبيعة المتفجرة للوضع والإمكانيات الثورية التي تختزنها الطبقة العاملة.

ما هي مهام الشيوعيين الإيرانيين في ظل هذا الوضع؟ لقد سبق لليون تروتسكي أن قدم الإجابة عن هذا السؤال، حيث كتب سنة 1930 قائلا:

« عندما ترفض البرجوازية بوعي وعناد أن تحمل على كاهلها مسألة حل المهام المترتبة عن الأزمة في المجتمع البرجوازي؛ وعندما تبدو الطبقة العاملة غير مستعدة بعد لتقديم الحل لهذه المهام نفسها، عند ذلك غالبا ما يحتل الطلاب المسرح… إن النضالات الثورية أو الشبه ثورية للطلاب تعني أن المجتمع البرجوازي يمر من أزمة عميقة…

« لقد أبان العمال الإسبان عن غريزة ثورية صحيحة تماما عندما قدموا دعمهم لمظاهرات الطلاب. من المعلوم أنه يجب عليهم أن يفعلوا ذلك تحت رايتهم الخاصة بهم وتحت قيادة منظمتهم البروليتارية الخاصة. ويجب ضمان حدوث ذلك من طرف الشيوعيين الإسبان، ولذلك فإنهم في حاجة إلى سياسة صحيحة.

« هذا الطريق يفترض من جانب الشيوعيين خوض نضال حاسم وجسور ونشيط من أجل الشعارات الديمقراطية. إن عدم فهم هذا سيكون أكبر خطأ عصبوي… إذا ما تحولت الأزمة الثورية إلى ثورة فإنها سوف تتجاوز حتما الحدود البرجوازية، وفي حالة تحقيق النصر، سيتوجب عليها أن تنقل السلطة إلى يد البروليتاريا.» (ليون تروتسكي: مشاكل الثورة الإسبانية، التشديد من عندي-آلان وودز-)

في الوقت الحالي، يبدو أن الردة الرجعية في إيران وصلت أوجها. لكن هذه الردة ليست صلبة على الإطلاق. إن الصراعات والانقسامات بين التيارات المتنافسة تعمل على تقويض النظام تدريجيا من الداخل. نحن لا نقلل من شأن الصعوبات، فالنظام الإيراني قمعي بشكل رهيب. إلا أنه ليس أكثر قمعية مما كانت عليه الدولة القيصرية، وقد أثبتت كل التجربة التاريخية أنه حتى أكثر الدول جبروتا لا يمكنها أبدا أن تقف في وجه الجماهير، بمجرد ما يتم تنظيمها وتعبئتها من أجل تحويل المجتمع. لقد شهدنا هذا في فرنسا عام 1789، وفي روسيا عام 1917، وإيران عام 1979. وسوف نرى ذلك مرة أخرى في جميع البلدان، الواحد منها بعد الآخر خلال المرحلة التي تنفتح الآن.

أحمدي نجاد
يبدو أن الردة الرجعية في إيران وصلت أوجها

بالنظر إلى التراجع المؤقت الذي تشهده الحركة الجماهيرية، من الصحيح بشكل جلي الانطلاق من أكثر المطالب الديمقراطية إلحاحا: إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، الحق في التجمع والتنظيم والتظاهر، ومعاقبة المسئولين عن أعمال القمع ضد الشعب، الخ. لكن مع عودة الحركة إلى النهوض مجددا، سيصير من الضروري، عند نقطة معينة، طرح مسألة النضال الجماهيري الثوري، بما في ذلك الإضراب العام.

إذا أراد العمال الطليعيون أن يكونوا طليعة ثورية في الواقع وليس بالكلام فقط، من الضروري عليهم أن يجدوا طريقا للارتباط بالحركة الجماهيرية الثورية، وأن يدافعوا بحزم عن أكثر المطالب الديمقراطية تقدما، ويربطوها بالشعار المركزي المتمثل في إضراب عام وطني لإسقاط النظام. من أجل التحضير لهذا، من الضروري العمل بحزم على بناء وتنظيم المجالس في المصانع والأحياء العمالية. هذا ما كان مفتقدا في الحركات الكبرى التي شهدتها الاثنتي عشرة شهرا الأخيرة. وهذا هو الطريق الوحيد للتقدم إلى الأمام.

ساندوا الفرع الإيراني للتيار الماركسي الأممي!

بمجرد ما ستبدأ الجماهير الإيرانية في التحرك ستهز العالم. يمكن للثورة المقبلة أن تتخذ أشكالا مختلفة لكن هناك شيء واحد يمكننا أن نكون متأكدين منه: هو أنها لن تكون حركة أصولية. لقد أدت 28 سنة من وجود رجال الدين في السلطة إلى ضرب مصداقيتهم تماما بين الجماهير والشباب. غالبية السكان الإيرانيين من الشباب، وسيكونون منفتحين على الأفكار الاشتراكية الثورية والماركسية. ستغير الثورة الإيرانية الوضع برمته في الشرق الأوسط، وستبين أن المواجهة الحقيقية للإمبريالية لا تحتاج أن تكون ذات طابع أصولي. وسوف يكون لها تأثير على المنطقة بأسرها.

تتحضر الشروط لحدوث نهوض جديد في إيران. والعامل الأكثر أهمية في المعادلة هو واقع وجود فئة من الشباب تفكر فيما حصل، وتحلل، وتتساءل، وتنتقد. وبدء يطرح بإلحاح السؤال التالي: بما أننا أشعلنا حركة جبارة لماذا فشلنا؟ وقد صار الجواب عن هذا السؤال يتضح تدريجيا: لقد فشلنا، من جهة لأننا نحتاج إلى المشاركة النشطة للعمال، مثلما كان عليه الحال سنة 1979، لكن السبب الرئيسي لفشلنا هو غياب قيادة ثورية حازمة.

في الواقع، إن العامل الوحيد الضروري لضمان النجاح للثورة الإيرانية هو وجود قيادة ثورية حازمة وذات بعد نظر. ما تزال القوى الماركسية في إيران ضعيفة عدديا. لكننا أقوياء من الناحية النظرية. إن الفرع الإيراني للتيار الماركسي الأممي يقوم بعمل جدي ويحقق نتائج جيدة. إن إصدار الموقع الإلكتروني المثير للإعجاب: Mobarezeye Tabaghati (الصراع الطبقي) شكل خطوة كبيرة إلى الأمام. إن العمل الذي يقوم به رفاقنا الإيرانيون يكتسي أهمية عظيمة. ويجب علينا أن نقدم لهم كل دعم ممكن.

قلتنا العددية لا تثبط عزيمتنا، ففي بداية الثورة الروسية الأولى، لم يكن البلاشفة بدورهم سوى أقلية جد ضئيلة. لكن وعلى أساس أفكار واضحة، تتوافق بشكل وثيق مع الواقع الموضوعي والضرورة التاريخية، يمكننا أن ننمو بشكل سريع جدا. ونحن نمو وننضج جنبا إلى جنب مع نمو الحركة الواقعية.

المشكل الرئيسي ليس موضوعيا بل ذاتي: إنه موجود في سيكولوجية الجماهير. حيث تسود بين مختلف فئات الجماهير أنواع مختلفة من المزاج، فبعضها محبط، وخاصة بين التيارات اليسارية؛ لكن المناضلين الآخرين في الحركة، وخاصة الشباب متحمسون ومنفتحون على أفكارنا. وهذا طبيعي: إنهم شباب ومفعمون بالنشاط، وغير ملوثين بمزاج الشك الذي هو نتاج هزائم الماضي.

سبق لنابليون أن قال إن الجيوش المنهزمة تتعلم بشكل أفضل. وعلى قاعدة الخبرة العملية سيحقق آلاف أفضل الشباب وأكثرهم ثورية مستوى الوعي المطلوب لقيادة الثورة حتى النهاية. إنهم يعلمون أن نصف الحلول لا قيمة لها، وأنه ليس من الممكن الوصول إلى أي توافق مع النظام، وأن القادة الذين يسيرون على طريق المساومة سيخونون الحركة حتما.

وبشكل متصاعد بدأت تظهر من بين الشباب فئة تتطلع إلى إحداث تغيير جوهري في المجتمع. شباب فقدوا الثقة في القادة الإصلاحيين. يسمون أنفسهم اشتراكيين ويظهرون اهتماما متزايدا بالأفكار الماركسية. هذا هو المستقبل الحقيقي للحركة الثورية في إيران. إن النفسية المتشائمة التي تسود بين صفوف “الطليعة” انعكاس للماضي، أما نفسية الجيل الجديد من المناضلين والمناضلات الشباب فتمثل المستقبل. إننا نقف إلى جانب المستقبل، وليس الماضي. أما هؤلاء الذي يهزون رؤوسهم باستمرار ويقولون “هذه هي النهاية”، فنجيبهم: ليس هذا صحيحا يا أصدقاء، إنها ليست النهاية، إنها البداية!

آلان وودز
الجمعة: 11 يونيو 2010

عنوان النص بالإنجليزية:

Where is the Iranian revolution going?

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *