يوم الجمعة، 15 نوفمبر، شهدت إيران اندلاع احتجاجات شعبية على خلفية إعلان الحكومة تطبيق زيادة كبيرة مفاجئة في أسعار الوقود. وقد خرج المتظاهرون إلى الشوارع في العديد من المدن في جميع أنحاء البلاد، حيث أوقفوا سياراتهم في الشوارع وسدوا الطرق.
كانت الحكومة قد أعلنت رفع سعر الحصص المدعومة من الوقود بنسبة 50٪ (من 10.000 ريال / للتر إلى 15.000 ريال / لتر)، وبنسبة 300٪ بالنسبة للاستهلاك الذي يتجاوز الحصص المدعومة (من 10.000 ريال / لتر إلى 30.000 ريال / لتر). تختلف الحصص المدعومة حسب نوع المركبة ووظيفتها، إذ تبلغ، على سبيل المثال، 60 لترا في الشهر للسيارات الخاصة، و 400 لترا في الشهر لسيارات الأجرة، و 20 لترا في الشهر للدراجات النارية.
تدعي الحكومة أن هذه الزيادات في الأسعار ليست محاولة منها لتطبيق اقتطاعات في ميزانية الدولة، بل الهدف منها زيادة الإعانات المقدمة إلى الفئات الأكثر فقرا. إن ما تحاول الحكومة القيام به في الواقع هو تطبيق التقشف وفي نفس الوقت استعداء الفئات الأشد فقرا (الذين تلقوا وعودا بزيادة الإعانات المباشرة التي يتلقونها) ضد بقية فئات المجتمع الأخرى. لكن الأكيد هو أن هذه الزيادة في الاعانات المباشرة، حتى لو تم تنفيذها بشكل صحيح، سرعان ما ستتبخر بفعل بالتضخم.
يوم الجمعة، ومباشرة بعد الإعلان عن الزيادات، خرج أهالي مدينة الأهواز الجنوبية الغربية إلى الشوارع وهم يرفعون شعار: “يا أهل الأهواز، أوقفوا سياراتكم للدفاع عن كرامتنا”. كما أغلق السائقون الطريقين الرئيسيين: ذلك الذي يربط بين الأهواز ومسجد سليمان، والذي يربط مدينة بهبهان ومدينة أغاجاري ومدينة ماهشهر (التي هي مدن صغيرة في مقاطعة خوزستان الجنوبية الغربية). تعتبر هذه المناطق هي المكان الرئيسي لاستخراج النفط في إيران، ومع ذلك فإنها تعاني من الفقر والتخلف الاقتصادي، وذلك خاصة في سياق التمييز ضد السكان العرب في المنطقة.
كما خرج مئات الأشخاص في شوارع مشهد، ثاني أكبر مدينة في إيران، التي كانت تقليديا معقلا للقوى المحافظة. وقامت قوات الشرطة باعتراض مسار المتظاهرين في شارع وكيل عباد الرئيسي في المدينة. تظهر العديد من مقاطع الفيديو، التي نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، متظاهرين يناشدون الشرطة بأن تتضامن معهم، وهم يهتفون: “يا قوات الأمن! احموا الشعب!”. وبحلول نهاية اليوم قالت تقارير، على وسائل التواصل الاجتماعي، بتعرض محطة وقود، واحدة على الأقل، لإشعال النيران على يد المتظاهرين في سرجان، وتعرض أحد المتظاهرين للقتل برصاص الشرطة في نفس المدينة.
رغم أن معظم وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية لزمت الصمت خلال يوم الجمعة، فإن وكالة أنباء فارس ساقت بعض الأخبار، على الرغم من أنها تجنبت الإشارة إلى شعارات المتظاهرين والحديث عن قطع الطرق في خوزستان. ترتبط تلك الوكالة بشكل وثيق بالمتشددين داخل النظام وقوات الحرس الثوري، الذين يمثلون الفصيل المنافس لحكومة روحاني.
اليوم (السبت ، 16 نوفمبر) عرف الوضع المزيد من التصعيد. امتدت الاحتجاجات إلى أكثر من 30 مدينة ، بما في ذلك العاصمة طهران، ومدن مهمة أخرى هي شيراز وأصفهان وتبريز. كما أظهرت مقاطع فيديو، بثت على وسائل التواصل الاجتماعي، اندلاع مواجهات حادة بين المحتجين وقوات الشرطة، في حين عرض مقطع فيديو، واحد على الأقل، تعرض أحد المتظاهرين لإطلاق النار من مسافة قريبة. وفي حين لا يمكن التأكد من صحة التقارير الواردة، بسبب انقطاع خدمة الإنترنت، فقد تم الإبلاغ عن مقتل ما لا يقل عن خمسة من المحتجين في مدن مختلفة، بما في ذلك سيرجان وبهبهان وسانانداج.
هذه التطورات أجبرت السياسيين ومواقع الأخبار في إيران على الرد على الاحتجاجات المتصاعدة، على الرغم من أنه لم يكن أي ذكر لها في وسائل الإعلام الرسمية. وقد سارع بعض منافسي حكومة روحاني إلى محاولة استغلال الوضع، بحيث اعتبروا استياء الشعب مبررا وانتقدوا الحكومة بسبب سوء تعاملها مع الموقف، أو الطريقة التي تم بها الإعلان عن الدعم. بل إن بعضهم ذهب إلى حد الدعوة إلى تأجيل قرار رفع الأسعار، أو المطالبة بالتخلي عنه تماما.
كانت الاحتجاجات الجماهيرية التي شهدها عام 2018 قد اشتعلت أيضا على خلفية تدابير تقشفية مماثلة. لكنها توقفت مؤقتا بسبب افتقار الحركة إلى القيادة والتنظيم فضلا عن هجمات دونالد ترامب على إيران. لقد استخدمت الطبقة الحاكمة الإيرانية إعادة فرض العقوبات القاسية والتهديد بالحرب لتحويل انتباه الجماهير في اتجاه الإمبريالية الأمريكية. وفي غضون ذلك تسببت العقوبات والتدهور الاقتصادي العام في إغراق ملايين الإيرانيين في الفقر المدقع. بل حتى الفئات التي كانت تعيش حياة مستقرة نسبيا، مثل الأطباء والمهندسين، إلخ، دفعت بدورها إلى لجة الفقر. في حين أن السكان الأكثر فقرا يعيشون ظروف بربرية، حيث لا يحصل ملايين العمال على أجورهم بانتظام، هذا إذا ساعفهم الحظ أصلا بالحصول على وظيفة.
لكن وفي حين استمرت أوضاع الجماهير في التدهور، بقي الأغنياء وأصحاب السلطة يتمتعون بامتيازاتهم. ما هو مصير تلك المليارات التي جمعها النظام؟ لماذا لا يتحدث أحد عن نقل تلك الثروة إلى الفقراء؟ من الواضح أن الطبقة الحاكمة، رغم صراعاتها الداخلية، تبقى متحدة حول مسألة أنه يجب على الفقراء أن يدفعوا ثمن الأزمة! الخلاف بينهم هو فقط حول كيفية جعلهم يدفعون. تمتلك إيران امكانيات اقتصادية كبيرة وقاعدة صناعية قوية، لكن ذلك يضيع بسبب النهب الجنوني الذي يمارسه الملالي وأصدقائهم.
لقد استمر النظام الديني، طيلة عقود من الزمن، يستغل المشاعر الدينية للفئات المتدينة والمحافظة. كما استند إلى صراعه مع الإمبريالية الأمريكية لكي يظهر كمدافع عن الشعب الإيراني. لكن هذه السياسة لم يعد لها نفس التأثير كما من قبل. لقد صار رجال الدين ينفضحون بشكل متزايد، باعتبارهم مجرد دجالين رجعيين يسعون فقط من أجل خدمة مصالحهم الضيقة. إن الأحداث التي وقعت في العراق ولبنان، حيث وقفت الجماعات التي تدعمها إيران في وجه نضال الجماهير من أجل الديمقراطية، ستضر بالتأكيد بالصورة التي كان النظام يرسمها عن نفسه وكأنه مدافع عن الفقراء والمضطهدين.
والآن بدأت الجماهير العاملة الإيرانية، مثلها مثل إخوانها في العراق ولبنان وفي جميع أنحاء العالم، في الاستيقاظ، وتظهر أنها سئمت من هذه الطبقة الحاكمة الفاسدة. إن ما نشهده الآن هو لمحة صغيرة عن الغضب والإحباط الهائلين اللذين يغليان في أعماق المجتمع، في انتظار مخرج. إن الشيء الضروري هو تعبئة الجماهير من أجل الثورة الاشتراكية. من الضروري أن يأخذ العمال مفاتيح الاقتصاد بين أيديهم وتحت رقابتهم الديمقراطية، كتدبير عاجل لحل مشاكلهم الملحة. إن السبيل الوحيد للخروج من هذا المأزق هو التخلص بشكل نهائي من هذه الطبقة الحاكمة المتعفنة العاجزة عن حل حتى أبسط مشاكل المجتمع.
كافه تشاي تشي
16 نونبر 2019
مصدر وعنوان المقال الأصلي: