شكلت المظاهرات الضخمة، التي شهدتها الجزائر يوم 01 نوفمبر، نقطة الذروة بالنسبة للحراك الجزائري، الذي استمر لمدة 37 أسبوعا دون انقطاع. قرر النظام الدعوة إلى انتخابات رئاسية في 12 دجنبر، وهو ما رفضته الجماهير بحق، وبدأ شعار الإضراب العام لإيقاف الانتخابات والإطاحة بالنظام يكتسب قاعدة دعم واسعة.
يوم فاتح نوفمبر، يوم الثورة، هو يوم عطلة وطنية في الجزائر، يخلد ذكرى انطلاق الحرب الثورية من أجل الاستقلال في عام 1954. وبهذه المناسبة خرج مئات الآلاف إلى شوارع العاصمة الجزائر في استعراض هائل للقوة، مباشرة بعد أن أعلن النظام (الذي يترأسه بن صالح، لكنه في الواقع بقيادة قائد الجيش أحمد قايد صالح) عن نيته تنظيم الانتخابات الرئاسية في 12 دجنبر.
خشي المحتجون من أن يقوم النظام بإغلاق مداخل المدينة، كما فعل من قبل، لذا فقد سافر عشرات الآلاف من جميع أنحاء البلاد خلال اليوم السابق وقضوا الليلة في الجزائر العاصمة في انتظار المسيرة الكبرى في 01 نوفمبر. وهكذا فإن محاولة النظام منع نجاح المسيرة، تسبب في الواقع في خلق وضع استولى خلاله عشرات الآلاف على الشوارع طيلة الليلة السابقة. كان المزاج مشبعا بالتحدي وساد بين المحتجين شعور بالقوة.
لقد استعاد الحراك في الواقع العملي ميراث الحرب من أجل الاستقلال ضد الحكم الاستعماري، من 1954 إلى 1962، وحرم النظام من ادعاء شرعية الانتماء إلى ذلك الإرث. يوم الأحد 30 يونيو قامت الشرطة باعتقال المناضل المخضرم الذي شارك في حرب التحرير، الاخضر بورقعة، والبالغ من العمر 86 عاما، بسبب انتقاده لزعيم الجيش صالح وانتخاباته الرئاسية المزورة. سجن بورقعة بتهمة “إضعاف الروح المعنوية للجيش في زمن السلم”. وعندما مثل أمام القاضي، في 22 أكتوبر، رفض الإجابة عن أي سؤال، قائلا إنه لا يعترف بنظام الحكم وليس مستعدا لخيانة الحراك. وقد خرج العديد من المتظاهرين وهم يضعون أقنعة تحمل صورته.
وتأكيدا على الطلاق بين النظام وبين ميراث حرب التحرير، انضمت اثنتان من المحاربات البارزات في جبهة التحرير الوطني، جميلة بوحيرد وزهرة ظريف، إلى الحراك وسرن ضد النظام. إن الجيش الشعبي الوطني، الذي طالما حاول ادعاء الشرعية باعتباره وريثا لجيش التحرير الوطني، قد انفضح بالكامل.
كانت الحشود على علم تام بهذه الحقيقة، ومن بين الشعارات التي رددتها: “الجنرالات إلى المزبلة، والجزائر ستسترجع استقلالها”، و”يا علي عمار بلدي في خطر، سنكمل معركة الجزائر”، في إشارة إلى بطل الكفاح من أجل الاستقلال، علي عمار، المعروف أيضا باسم: علي لابوانت (Ali Lapointe)، والدور الذي لعبه في معركة الجزائر. كما كانت هناك أيضا هتافات أخرى تربط بين الصراع الحالي وبين ثورة الاستقلال: “يالحواس المجاهدون في السجن” (الحواس قائد في جبهة التحرير الوطني استشهد خلال حرب الاستقلال)، في إشارة إلى اعتقال بورقعة! كما واجه بعضهم الشرطة وهم يهتفون: “هل هذه دولة أم قوة استعمارية؟”.
مزاج التحدي
يشرح مقال نشر في reporters ما حدث عشية 01 نوفمبر قائلا:
«وصل المتظاهرون من جميع أنحاء البلاد، متجاوزين نقاط التفتيش التابعة للدرك والشرطة. وقد بدأ كل شيء في وقت مبكر من مساء اليوم. قامت مجموعة أولى من الشباب من الولايات المجاورة بتنظيم مظاهرة مرتجلة لتعبر شارع عميروش إلى ساحة البريد، حيث بدأ المحتجون يتجمعون تدريجيا، بالعشرات ثم بالمئات ليصبحوا بالآلاف… لم ينتظروا حلول الساعة 20:00، ولا الساعة 23:59، كما كان قد اقترح ناشطون على الفيسبوك. تم إخراج المهاريز البرونزية التقليدية، وبدأ المحتجون في دقها في نفس الوقت لإحداث ضجيج يعلن عن بداية الحراك وإطلاق جرس موت النظام. كان الجو احتفاليا وبهيجا، وكان حس الفكاهة مرتفعا. حتى صدرت الأوامر لقوات الشرطة، التي كانت في وضع الاستعداد، بدفع الحشود المتزايدة خارج محيط شارع الخطابي. كان أسلوب الإخلاء عنيفا، لكن المتظاهرين كانوا حازمين وصامدين. وقد استمر هذا طيلة قسم كبير من الليل، بين شارع ديدوش مراد وساحة أودان وساحة الشهداء… وقد انتهت هذا الوقفة الاحتجاجية باعتقال حوالي 200 شخص، حول منطقة المسرح الوطني الجزائري، وفقا لشهود عيان موثوقين».
ويجدر بنا الاستشهاد بتقرير عن المظاهرة نشره موقع Inter Lignes Algerie تحت عنوان “مسيرة مليونية قوية في 01 نوفمبر: رد تاريخي على السلطة القائمة”:
«… لقد تحرك الجزائريون، المرتبطون بمُثُل الثورة المجيدة، بحشود هائلة للاحتفال بتاريخ الجزائر بعد الاستقلال. ليست عبارات “تسونامي” أو “فيضان بشري” أو “الطفرة”… كافية لوصف التعبئة الشعبية الكبيرة التي شهدناها اليوم في الجزائر العاصمة، وكذلك في جميع مدن البلاد. لقد قام ملايين المواطنين بغزو شوارع البلاد للمطالبة باستكمال الاستقلال، الذي تم تحريف مساره في اليوم الموالي لرحيل المستعمر… ولم يكن من الغريب أن العاصمة شهدت واحدة من أكبر المسيرات منذ بداية الحركة الشعبية في 22 فبراير.
«… تمكن مئات الأشخاص من الوصول إلى الجزائر العاصمة، وأمضى بعضهم الليلة في الشارع. وكانوا أول من وقف في هذه المسيرة العظيمة، متحدين التعب ورجال الشرطة الذين استمروا يطاردونهم. انطلقت المسيرة في الساعات الأولى من الصباح. ومع الساعة 10 صباحا اكتظ شارع ديدوش مراد وساحة أودان وساحة البريد المركزي بالمتظاهرين. كان ذلك مبشرا بنجاح المسيرة.
«وحوالي الساعة 13:30، صارت شوارع العاصمة… مليئة بالناس. كان من الصعب للمرء أن يجد طريقه بين حشود المحتجين الذين يتدفقون على هذه الشوارع التي تمتد لعدة كيلومترات. كان شارع حسيبة بن بوعلي الذي يربط شارع فاتح ماي بساحة البريد المركزي، وشارع زيغود يوسف من ساحة الشهداء نحو وسط الجزائر العاصمة، وشارع ديدوش مراد الذي يفضي إلى ساحة أودان كلها مكتظة بالمحتجين».
الشيء المعبر عن مزاج التحدي السائد بين المتظاهرين هو رفعهم للعلم الأمازيغي، الذي كان الجنرال قايد صالح قد أعلن حظره في منتصف شهر يونيو. وفي يوم الأربعاء قبل المسيرة، عاد صالح إلى التأكيد على حظر التلويح بالعلم الأمازيغي، وهدد أولئك الذين يعصون الأمر بالسجن لمدة خمس سنوات بسبب جريمة اخترعها وأطلق عليها اسم “إهانة العلم الوطني”. لكن وعلى الرغم من كل تهديداته، فقد قام المتظاهرون باستعراض العلم الأمازيغي بفخر خلال المسيرة، حيث هتف الآلاف “iwa nigui imazighen” (“نحن أمازيغ”)، مما أدى في النهاية إلى مزيد من الاعتقالات.
كانت المظاهرة الضخمة التي شهدتها الجزائر العاصمة محور الاهتمام في ذلك اليوم، لكنه كانت هناك أيضا مظاهرات ضخمة في كل بلدة ومدينة في كل أنحاء البلاد. كانت حركة الاحتجاج الجماهيري، التي بدأت في فبراير، قد تمكنت من تأجيل الانتخابات الرئاسية في البداية، ثم إلغائها، وأخيرا أجبرت بوتفليقة على الاستقالة في أبريل. ومنذ ذلك الحين يحاول النظام إعادة بناء شرعيته بسياسة تمزج بين العصا والجزرة. شن حملة قمع انتقائي، فقام باعتقال ناشطين وشخصيات معارضة بارزة، لكن كلما حاول الجيش استخدام قمع صريح ضد الحركة، كان ذلك يقابل باحتجاج أكبر من جانب الجماهير.
إن الجيش الذي ظن أن الحركة قد بدأت تضعف، بعد ثمانية أشهر من المظاهرات الأسبوعية، اعتقد أن هذا هو الوقت المناسب للقيام بخطوة إلى الأمام. إلا أن دعوة الطغمة العسكرية الممقوتة إلى إجراء انتخابات رئاسية، كانت بمثابة محفز للجماهير على الخروج إلى الشوارع بأعداد أكبر من ذي قبل. تسببت التعبة الهائلة للجماهير يوم 01 نوفمبر في جعل النظام في موقف ضعيف للغاية، لكنه ما يزال في السلطة. لقد أصبحت الانتخابات الآن نقطة محورية في الصراع بين السلطة العسكرية وبين الجماهير الموجودة في الشوارع.
يعد الإضراب الشامل للقضاة والنواب العامون مؤشرا على كيفية تأثير الأزمة الثورية على قطاعات من أجهزة الدولة. بدأ الإضراب، الذي دعت إليه النقابة الوطنية للقضاة الجزائريين، في 24 أكتوبر للدفاع عن استقلال المحاكم عن تدخل الحكومة، والمطالبة باستقالة وزير العدل. شارك في الإضراب أكثر من 3000 من القضاة والنواب العامون. وبعد أسبوع من الإضرابات، اتخذت الحكومة، يوم الأحد 03 نوفمبر، قرارا غير مسبوق بإرسال شرطة مكافحة الشغب لإخلاء محكمة وهران من القضاة الذين كانوا معتصمين بها. ويوم الثلاثاء 05 نوفمبر، قرر قادة نقابة القضاة إلغاء الإضراب، لكنهم واجهوا تمردا من جانب قواعدهم، الذين رفضوا الالتزام بقرار الإلغاء. نحن نتحدث هنا عن قضاة وليس عن عمال صناعيين!
أكملوا الثورة !
لقد دفع الحراك النظام إلى الزاوية. وقد أظهر الشعب الجزائري، أي العمال والفقراء والفلاحون، وقبل كل شيء الشباب، استعدادا هائلا للنضال وشجاعة كبيرة في مواجهة القمع وصمودا رائعا على مدى الأسابيع الـ 37 التي قضتها الحركة حتى الآن. لكن الشيء المفقود هو استراتيجية واضحة لتوجيه ضربة حاسمة للنظام تؤدي إلى إسقاطه.
فكرة الحاجة إلى إضراب عام تنتشر كالنار في الهشيم. وبالفعل دعا الاتحاد الوطني لعمال الطاقة إلى إضراب لمدة ثلاثة أيام، من 05 إلى 07 نوفمبر، لأسباب سياسية واضحة هي دعم الحراك. معلمو المدارس مضربون أيضا، كما أضرب عمال قطاع التأمين يوم الأحد الماضي، وهدد موظفو البنوك بخوض إضراب وطني. وفي الوقت نفسه أصيبت مدينة بجاية بالشلل، يوم 05 نوفمبر، بفعل إضراب عام انخرطت فيه سواء النقابات المستقلة أو القطاعات المحلية التابعة للاتحاد العام للعمال الجزائريين. وقد تزامنت حركة الإضراب، التي أثرت أيضا على أجزاء أخرى من البلاد، مع المظاهرات الطلابية الأسبوعية يوم الثلاثاء، التي توازي المظاهرات الرئيسية كل جمعة. بعد نجاح مظاهرات 01 نوفمبر، جاءت المظاهرات هذه المرة أكبر من المعتاد. وقد أعلنت الكنفدرالية النقابية للقوى المنتجة، التي هي إحدى النقابات التي دعت إلى الإضراب العام، أن الإضراب شمل 36 ولاية.
هذا هو الطريق إلى الأمام. من شأن الإضراب العام الشامل أن يشل البلاد ويركع النظام العسكري على ركبتيه. نحن لا نتحدث فقط عن إضراب احتجاجي “عادي”، سيكون ذلك إضرابا عاما سياسيا يطرح سؤال: “من يحكم البلاد: هل قايد صالح والجنرالات أم الحراك”؟
إن تنظيم إضراب عام سياسي واسع النطاق هو الطريقة الوحيدة لإسقاط النظام، ويشكل أساسا لعقد جمعية تأسيسية ثورية يمكن للعمال والفلاحين من خلالها تقرير مستقبل البلد بطريقة ديمقراطية. ولتحقيق ذلك ينبغي إنشاء لجان الإضراب في كل أماكن العمل والمدارس والجامعات، وفي كل الأحياء العمالية، والتنسيق بينها على مستوى الولايات وعلى الصعيد الوطني، من خلال شبكة من الممثلين المنتخبين.
يجب الجمع بين المطالب الديمقراطية والوطنية للحركة (إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين، حل قوى القمع، اسقاط الجنرالات، وفرض احترام الحقوق الوطنية للأمازيغ وحق الإضراب بدون قيود، ونقابات حرة وديمقراطية) مع المطالب الاقتصادية والاجتماعية (الرعاية الصحية للجميع، التعليم المجاني، الحق في الخبز والسكن)، والتي لا يمكن تحقيقها إلا من خلال مصادرة الشركات متعددة الجنسيات، وإعادة تأميم الشركات المخصخصة ومصادرة ممتلكات الأوليغارشية الرأسمالية التي أغنت نفسها عن طريق التواجد في السلطة أو في محيطها.
إن انتصار الثورة في الجزائر سيؤدي، في ظل الوضع العالمي الحالي، إلى إطلاق موجات زلزالية في بقية بلدان شمال إفريقيا وخارجها. وستستقبل بالتضامن والتعاطف من جانب العمال الذين يستعدون لخوض إضراب عام في فرنسا. وهكذا سوف يتوج النضال البطولي الذي خاضته الجزائر من أجل الاستقلال بالقضاء على الرأسمالية.
- فليسقط الجنرالات! فليسقط النظام!
- من أجل إضراب عام سياسي ضد الانتخابات الرئاسية المزيفة!
- فلنشكل اللجان الشعبية في كل مكان!
- من أجل جمعية تأسيسية ثورية!
- كل السلطة للعمال!
- من أجل جزائر اشتراكية متحررة من السيطرة الإمبريالية!
خورخي مارتن
01 نوفمبر 2019
مصدر وعنوان المقال:
Algeria: huge Revolution Day marches – now prepare a general strike!