الرئيسية / دول العالم / أمريكا / فنزويلا / إلى أين تسير الثورة الفنزويلية؟ مساهمة في النقاش حول الملكية ومهام الثورة

إلى أين تسير الثورة الفنزويلية؟ مساهمة في النقاش حول الملكية ومهام الثورة

لقد طرحت انتخابات شتنبر الماضي بعض المسائل الخطيرة على الثورة البوليفارية. وقد نظمت المعارضة حملة صاخبة في وسائل الإعلام لتقديم نفسها بصورة “المنتصرة” في الانتخابات، بالرغم من حقيقة أنها خسرت. ما هو الغرض من هذه الحملة؟ لا يمكن للأقلية أن تحول نفسها إلى الأغلبية، مهما صرخت بصوت عال. لكن يمكن لمثل هذه الحملة أن تكون مفيدة لأعداء الثورة داخل فنزويلا وخارجها.

الهدف في الخارج هو تصعيد حملة التضليل بخصوص الوضع في فنزويلا، والمنظمة بشكل منهجي من قبل الامبرياليين ووسائل الإعلام المأجورة. أما داخل فنزويلا، فإن المعارضة تريد استخدام نتائج الانتخابات للتأثير على الرأي العام، والضغط من أجل “التعددية”، و”المزيد من التشريعات المتسامحة”. بل إنهم طالبوا بكل وقاحة “بتحرير” اثنين من السجناء، بياجيو بيليري وخوسيه “مازوكو” سانشيز، اللذان تم انتخابهما إلى الجمعية الوطنية أثناء وجودهما في السجن بسبب ارتكابهما لجرائم الفساد والقتل.

كما توقعنا، لقد أدت الانتخابات إلى تشجيع القوى المعادية للثورة. وإضافة إلى ذلك لدينا الأحداث في الإكوادور مع محاولة الانقلاب ضد رافاييل كوريا، التي تعتبر تحذيرا مباشرا لحكومة تشافيز. لقد دعم كاتب هذه السطور الثورة البوليفارية باستمرار ودافع عنها ضد أعدائها. لا يمكن لولائي الشخصي للثورة أن يكون موضع شك. لكنني عبرت دائما عن رأيي بصراحة ووجهت الانتقادات التي اعتبرتها صحيحة. وإذا كانت هذه الانتقادات قد تسببت في إزعاج بعض الناس، فأنا آسف جدا. لكني لن أتوقف عن الدفاع عن وجهة نظري خوفا من الدوس على أصابع البعض. إن مصير الثورة أكثر أهمية للغاية من الاعتبارات الدبلوماسية.

تمتلك الثورة البوليفارية العديد من الأصدقاء وكذلك العديد من الأعداء. والغالبية العظمى من أصدقائها هم العمال والفلاحون الفقراء والشباب الثوري والمثقفون التقدميون. إنهم أصدقاء صادقون ومخلصون. لكن هناك أيضا بعض الأصدقاء المزيفين: هؤلاء الذين لم يظهروا في البداية أي اهتمام بالثورة البوليفارية، لكنهم قفزوا إلى العربة في وقت لاحق. إنهم يصفقون بأدب عندما يلقي تشافيز خطابا، لكنهم في الواقع لا يظهرون أدنى اهتمام بالنضال من أجل الاشتراكية.

إن المتملقين ليسوا أصدقاء حقيقيين بل مجرد مرتزقة منافقين سيتخلون عن الثورة في وقت الحاجة. كم من المتملقين مروا من ميرافلوريس[1] في السنوات الإحدى عشرة الماضية، لينتهوا في نهاية المطاف في معسكر الثورة المضادة؟ الصديق الحقيقي ليس هو الشخص الذي يشيد بك باستمرار ويتفق دائما مع كل ما تقوله. الصديق الحقيقي هو شخص لا يخاف من أن ينظر مباشرة في عينيك ويقول لك: “يا صديقي، أعتقد أنك ترتكب خطأ.”

لقد كشفت نتائج الانتخابات الأخيرة كلا من نقاط قوة ونقاط ضعف الثورة البوليفارية. لقد أظهرت حجم ولاء العمال والفلاحين للثورة وعزيمتهم على الدفاع عنها وهزيمة الثورة المضادة. شكلت عزيمة الجماهير القوة المحركة للثورة منذ البداية. هي من أنقذت الثورة في كل المنعطفات الحاسمة. وقد أنقذتها مرة أخرى في انتخابات 26 شتنبر. لكن كيف يمكن الحفاظ على هذا الولاء طويلا ما لم يتم إنجاز الثورة بطريقة حازمة؟

ما هي الدروس التي ينبغي علينا استخلاصها؟

يوم 02 أكتوبر، وفي أعقاب الانتخابات الأخيرة إلى الجمعية الوطنية الفنزويلية، أدلى الرئيس تشافيز بخطاب بمسرح تيريزا كارينيو، في اجتماع مع أعضاء الحزب الاشتراكي الفنزويلي الموحد المنتخبين حديثا للجمعية الوطنية. ويمكن الاطلاع على الخطاب كاملا عبر الإنترنت في ستة عشر جزءا، على الرابط التالي: Chávez: “la extrema derecha nunca abandonará la carta del golpismo”

تضمن الخطاب الكثير من النقاط الصحيحة. أكد الرئيس على نجاح الحزب الاشتراكي الفنزويلي الموحد في منع فوز المعارضة المعادية للثورة. وأضاف: “لقد هزمنا الثورة المضادة، من دون أي شك”. ليس هناك شك في أن نتيجة الانتخابات تمثل انتصارا بمعنى أن الثورة تصدت بنجاح للثورة المضادة، التي كانت تحاول الحصول على الأغلبية في الجمعية الوطنية. وهذا يدل على أن الثورة لا زالت، بعد أحد عشر عاما، تتمتع باحتياطات هامة من الدعم بين الجماهير.

لكن لا يمكننا أن ننكر أيضا أن المعارضة قد تقدمت وأنها توجد في موقف أقوى مما كانت عليه من قبل. وفي سياق خطابه، قال تشافيز إنه يجب التحقيق في أسباب خسارة مليون صوت (منذ 2009) واعترف أن ذلك قد يكون انعكاسا لمشاكل محلية أو إقليمية. وإذا لم ندرك هذه المشاكل ونتخذ الخطوات اللازمة لتصحيحها، فإن العواقب ستكون خطيرة جدا في الواقع على الثورة. ولذلك من الضروري القيام بتقييم متوازن للانتخابات يأخذ في الاعتبار حقا مزاج مختلف الطبقات في المجتمع.

ما هي الدروس التي يجب علينا أن نستخلصها من نتائج الانتخابات؟ الجواب على هذا السؤال يتوقف على وجهة النظر التي ينطلق منها المرء. إنها تتوقف، في نهاية المطاف، على طبيعة المصالح الطبقية التي يدافع عنها. أعداء الثورة الذين يدافعون عن مصالح الأوليغارشية، والذين يحاولون تمويهها بالخطابات الكاذبة حول “الديمقراطية”، سيزعمون أن ذلك مؤشر عن أن الثورة في تراجع وأن المعارضة هي الآن في وضع يمكنها من الحصول على الأغلبية في الانتخابات الرئاسية سنة 2012.

والإصلاحيون، الذين يمثلون تأثير الأفكار البرجوازية داخل الحركة البوليفارية، سيجادلون بالطريقة التالية: أثبتت الانتخابات أنه ليس لدينا ما يكفي من الدعم للمضي قدما في تطبيق السياسات الثورية والمصادرات التي من شأنها أن تنفر الطبقات الوسطى. وبالتالي يجب علينا إبطاء وتيرة التغيير، والقيام بخطوة إلى الوراء، والتوصل إلى حل وسط مع البرجوازية والمعارضة من أجل “المصلحة الوطنية”.

أما الماركسيون، الذين يمثلون الاتجاه الثوري الأكثر حزما، فيقولون إن ما أظهرته الانتخابات هو تزايد السخط ونفاد الصبر بين الجماهير من بطء وتيرة الثورة. البرجوازية، التي ما تزال تسيطر على المفاتيح الرئيسية للاقتصاد الفنزويلي، تعمل على تخريب الإنتاج، وترفض القيام بالاستثمارات وتغلق المصانع. وتستفيد قوى الثورة المضادة من التخريب الاقتصادي لمهاجمة الثورة وتقويضها. من أجل الدفاع عن الثورة، من الضروري اتخاذ تدابير حاسمة ضد الملاكين العقاريين والرأسماليين، للقضاء على قوتهم إلى الأبد.

من السهل أن نرى أن الاتجاهان الأولان متفقان في الجوهر. والفرق الوحيد بينهما هو أن أعداء الثورة الواضحون لا يخفون كراهيتهم للثورة وتصميمهم على الإطاحة بها بكل الوسائل المتاحة لهم، سواء الوسائل البرلمانية أو الغير برلمانية، القانونية أو الغير قانونية، السلمية أو العنيفة. أما الإصلاحيون فإنهم يدافعون عن النظام البرجوازي القائم، لكنهم يخفون هذه الحقيقة تحت ستار من “الاعتدال” المنافق، والادعاء بضرورة “عدم الذهاب بسرعة كبيرة”، و”عدم تنفير الطبقة الوسطى”، وعدم السقوط في “التطرف” وهلم جرا.

بعضهم، مثل نائب الرئيس إلياس خاوا، يدعون إلى تشكيل “كتلة وطنية واسعة”. ماذا يعني هذا؟ القوى التي تدعم الثورة واضحة جدا: العمال والفلاحون وفقراء المدن والشباب الثوري والمثقفون التقدميون، أي جميع القوى الحية في المجتمع الفنزويلي. وهم قد يشكلون بالفعل “كتلة شعبية”. ما هي القوى الأخرى التي تريدون إدخالها؟ تهدف هذه اللغة الغامضة إلى إقحام ما يسمى بالبرجوازية الوطنية التقدمية. لكن مثل هذه البرجوازية غير موجود ولم تكن موجودة أبدا.

هذا فخ للثورة. وسوف تكون الخطوة التالية هي القول: نحن لا نستطيع الذهاب بسرعة كبيرة. يجب علينا أن نأخذ بعين الاعتبار وجهات نظر “حلفاءنا” البرجوازيين! يجب علينا ألا ننفر الطبقة الوسطى، وما إلى ذلك كما سنرى، وهذا أمر خطير للغاية لأنه سيضعف الثورة ويبعدها عن هدفها الحقيقي، الذي هو إنجاز تغيير شامل لصالح العمال والفلاحين.

لا مصالحة مع البرجوازية!

وفي كلمته أظهر الرئيس أنه على بينة من هذا الخطر. لقد شدد على أنه لن تكون هناك مصالحة مع المعارضة المعادية للثورة، وأنه لا يوجد أي احتمال للتسوية مع البرجوازية. وفي رده على الإصلاحيين الذين يدافعون عن “الطريق الثالث” بين الرأسمالية والاشتراكية، قال تشافيز: “ليس هناك مجال في هذه الثورة لطريق ثالث”، وحذر قائلا: “لا مصالحة مع البرجوازية والثورة المضادة“.

سيكون هذا الموقف موضع ترحيب من قبل كل الثوريين الحقيقيين. لكن في أجزاء أخرى من خطابه، انتقد الرئيس ما اعتبره وجهات النظر “المتطرفة” التي أعرب عنها بعض الناس (الذين لم يذكر اسمهم):

«هناك آراء أخرى، مثل أولئك الذين يقولون: ” إننا لم نبلغ هدفنا” أو “يجلدوننا لأن الثورة لم تتقدم، لأنه علينا مصادرة جميع البنوك وجميع الشركات ولا أعرف كم من أشياء أخرى. دعونا نرى. أعتقد بصراحة أنه لا يجب على أي أحد هنا أن ينجرف وراء مواقفهم الخاصة ووجهات نظرهم الشخصية. هذا الصباح حاولت في “خطوط تشافيز” الاقتراب قدر الإمكان من الحقيقة، وعدم الانسياق وراء هذا التطرف أو ذاك.»

من البديهي أنه يجب على الثورة أن تسعى جاهدة لتجنب التطرف. يجب عليها أن تسعى جاهدة لتبني خط صحيح يمكنها من هزيمة أعدائها والتقدم في تحقيق أهدافها الأساسية. نفاد الصبر موقف خاطئ والتقدم بسرعة كبيرة قبل الأوان يمكن أن يكون خطيرا مثله مثل نقيضه. لكن ماذا يعني هذا التطرف؟ إنه وفق كلام الرئيس هو الاتجاه الذي يدعو إلى مصادرة كل شيء، بما في ذلك المقاولات الصغيرة، والتي هي سياسة يسارية متطرفة من شأنها أن تنفر الطبقة الوسطى، وأضاف الرئيس: “ليس هناك أربعة أو خمسة ملايين أوليغارشي”.

وهذا صحيح بالطبع. لقد تعرض الكثير من أعضاء الطبقة المتوسطة وصغار الملاك للتسميم والخداع من قبل المعارضة. من الضروري كسبهم وإبعادهم عن الثورة المضادة. والسؤال هو: كيف يمكن أن يتحقق هذا؟ إن مسألة الطبقة الوسطى وكيفية كسبها مسألة أساسية. أبدا لم يكن قصد الماركسيين مصادرة ممتلكات الطبقات المتوسطة. وقد سبق شرح هذا بالفعل في البيان الشيوعي حيث يتكلم كل من ماركس وإنجلز عن الملكية الخاصة:

«وجهت لنا، نحن الشيوعيين، تهمة كوننا نريد القضاء على الملكية الخاصة المكتسبة بالجهد الشخصي والعمل الفردي، التي قيل عنها إنها أساس كل حرية شخصية، كل نشاط وكل استقلال شخصيين.

«الملكية نتاج العمل والجهد والاستحقاق الشخصي! أتراكم تتكلمون عن ملكية البرجوازي الصغير والفلاح الصغير، شكل الملكية التي سبقت الملكية البرجوازية؟ هذه الملكية البرجوازية الصغيرة لن نحتاج إلى القضاء عليها؛ إذ أن تطور الصناعة قد قضى عليها وهو يقضي عليها يوما بعد يوم.

«أم تُراكم تتحدثون عن الملكية الخاصة البرجوازية الحديثة؟

«لكن هل يخلق العمل المأجور، عمل البروليتاري، أية ملكية لهذا الأخير؟ قطعا لا. إنه يخلق الرأسمال أي الملكية التي تستغل العمل المأجور، والتي لا يمكنها أن تنمو إلا إذا أنتجت عملا مأجورا جديدا لكي تستغله من جديد. تتحرك الملكية، بشكلها الراهن، بين طرفين متناقضين هما الرأسمال والعمل المأجور. فلنفحص جانبي هذا التناقض.

«أن يكون الإنسان رأسماليا ذلك يعني أنه لا يحتل في الإنتاج منزلة شخصية وحسب، بل يحتل أيضا وضعا اجتماعيا. فالرأسمال منتوج جماعي ولا يمكن أن يُحرّك إلا بالنشاط المشترك لجميع أعضاء المجتمع.

«فالرأسمال ليس إذن سلطة شخصية بل هو سلطة اجتماعية.

«إذن عندما يتم تحويل الرأسمال إلى ملكية جماعية تخص جميع أعضاء المجتمع، لا يعني ذلك أن ملكية شخصية قد تحولت إلى ملكية اجتماعية. إن ما تحول هو فقط الطابع الاجتماعي للملكية. إنها قد فقدت طابعها الطبقي».

هذه الكلمات من ماركس وإنجلز تشرح بشكل كاف موقف الماركسيين تجاه الملكية الخاصة.

كيف يمكن كسب الطبقة الوسطى

هناك حجة كثيرا ما تستخدم من قبل الإصلاحيين وهي أنه من الضروري كسب الطبقة الوسطى، وبالتالي يجب علينا ألا نسير بعيدا في مهاجمة الرأسمالية. الجزء الأول من هذا القول صحيح، لكنه يتناقض مباشرة مع الجزء الثاني. إنه من الممكن والضروري استمالة قسم كبير من الطبقة الوسطى، لكننا لن ننجح أبدا في القيام بذلك إذا قبلنا بسياسات الإصلاحيين، والتي لا يمكنها إلا أن تنفر جزءا من البرجوازية الصغيرة وتدفعهم إلى أحضان الثورة المضادة.

قال الرئيس في خطابه: «وضمن هذا التقاطب الفنزويلي [أي الانقسام بين المعارضة والثورة]، من المهم أن نشير إلى أنه بالرغم من أننا نقبل هذا الواقع ونعمل ضمنه، فإننا لن نصبح عصبة متطرفة. قال لي أحدهم منذ وقت طويل إنه ليس لدينا سياسة تجاه الطبقة الوسطى. ويبدو أننا نسلم الطبقة الوسطى إلى العدو. وأن هناك شيئا علينا أن نفهمه، هو أن الطبقة الوسطى ليست عدوا للثورة!

«كلا. كما أن صغار الملاك ليسو أعداء للثورة. انظروا إلى كوبا. من المهم تحليل ما يحدث في كوبا. خصوصا عندما نأخذ في الاعتبار المواقف التي اتخذها بعض الرفاق وبعض المحللين الثوريين الذين سيكونون سعداء جدا لو أنني قمت غدا بتوقيع مرسوم ينص على مصادرة جميع الشركات الصغيرة والصناعات الصغيرة. سيكون القيام بذلك ضربا من الجنون!»

إن اقتراح مصادرة جميع الشركات الصغيرة والصناعات الصغيرة سيكون بالتأكيد ضربا من الجنون، ويستحق كل من دعا إلى القيام بشيء من هذا القبيل أن يرسل إلى أقرب عيادة نفسية. لكن الماركسيين لم يدعوا إلى شيء من هذا القبيل. ما ندعو إليه هو مصادرة ممتلكات الأوليغارشية: البنوك الكبرى والاحتكارات والملكيات العقارية الكبرى. كما أننا لا نعتبر الطبقة الوسطى كتلة رجعية واحدة، أو أنها عدوة الثورة. على العكس من ذلك، نحن نعتبر أنه من الضروري وضع سياسات قادرة على كسب قطاعات كبيرة من الطبقة الوسطى، وكسر قبضة الأوليغارشية عليها. لكن من أجل القيام بذلك، يجب أن يكون لدينا فهم صحيح لموقع الطبقة الوسطى (البرجوازية الصغيرة) في المجتمع الرأسمالي.

ليست الطبقة المستغِلة سوى أقلية صغيرة في المجتمع. ولا يمكنها أن تحكم من دون مساعدة عدد كبير من أشباه المستغِلين وأشباه أشباه المستغِلين. وباستخدامها لقوتها الاقتصادية وسيطرتها على وسائل الإعلام، قامت الطبقة السائدة بتعبئة قسم من الطبقة الوسطى الفنزويلية لمعارضة الثورة. وقد نظموا تحت راية “الديمقراطية” الكاذبة أعمال شغب واشتباكات في الشوارع. قوات الصدام لديهم مشكلة من أبناء الأغنياء الطفيليين- “sifrinos”- المتطرفين في عدائهم للجماهير. وبعض الفئات البرجوازية الصغيرة المستاءة من التنازلات التي قدمت للفقراء، والتي يعتبرونها تهديدا لامتيازاتهم الخاصة. إنهم يتسببون في الكثير من الضجيج عند الاقتضاء، لكنهم في الحقيقة مجرد هباء بشري، سرعان ما تذروه الريح عندما يصطدم بحركة الجماهير.

ومع ذلك، فإن البرجوازية الصغيرة ليست طبقة متجانسة. هناك تناقضات داخل الطبقة الوسطى تنعكس في الانشقاقات داخل صفوف المعارضة. تتكون الفئات العليا من الطبقة الوسطى من العناصر المتميزة – المحامين المرموقين وأساتذة الجامعات ومديري المصارف والسياسيين -الذين يقفون على مقربة من الأوليغارشية ويشكلون خدامها الأوفياء. والفئات الدنيا – أصحاب المتاجر الصغيرة، وصغار الفلاحين، وموظفو الأبناك، وما إلى ذلك – التي تقف قريبة من الطبقة العاملة، ويمكن كسبها إلى رايتها. لكن طريقة كسب الفئات الدنيا من البرجوازية الصغيرة ليست تقديم تنازلات لزعمائها (الذين يشكلون في الواقع مستغليها السياسيين)، بل تنظيم هجوم ضد أصحاب الأبناك والرأسماليين، وإظهار موقف الحزم المطلق والتصميم.

يتشكل جزء من المعارضة من أناس خُدعوا من قبل أعداء الثورة. ويمكن كسبهم إلى جانب الثورة. إلا أن الطريق لكسبهم يمر من خلال تنفيذ تدابير لمصادرة كبار الرأسماليين واعتماد تدابير لصالح أصحاب المتاجر الصغيرة وصغار المقاولين. يجب أن يقتنعوا بأن الثورة لا تقهر، وأن مصالحهم ستخدم بشكل أفضل من خلال ضم قواهم إلى قوى الطبقة العاملة ضد البنوك الكبرى والاحتكارات.

ليس ما يسمى بالديمقراطية البرجوازية سوى خدعة كبرى، والتي تتربص وراءها ديكتاتورية الرأسمال الكبير. هذه الديكتاتورية لا تقمع العمال وحدهم، بل تقمع حتى الطبقة المتوسطة أيضا. والمطلوب ليس هو تمجيد خدعة الديمقراطية البرجوازية الجوفاء – والتي تكون السلطة الحقيقية فيها بين أيدي البنوك الكبرى والاحتكارات- لكن الدفاع عن ديمقراطية حقيقية، ديمقراطية الشعب العامل، القائمة على أساس الملكية الجماعية للأرض وللبنوك والصناعة.

يجب أن يكون واضحا أن تدابير التأميم هذه لا تستهدف إلا أصحاب الأبناك وكبار الرأسماليين وكبار ملاكي الأراضي. ليست لدينا أية نية في تأميم الشركات الصغيرة أو المزارع الصغيرة أو المحلات التجارية الصغيرة. فهذه المؤسسات لا تلعب أي دور مستقل في الاقتصاد، نظرا لكونها تعتمد تماما على البنوك الكبيرة والأسواق الممتازة الكبرى، وغيرها. سوف نوجه نداء إلى أصحاب المتاجر الصغيرة وغيرهم، لدعم برنامج التأميم الذي هو في مصلحتهم.

إن تأميم البنوك سيمكن الحكومة من منح الشركات الصغيرة قروضا رخيصة وسهلة. كما أن تأميم مصانع الأسمدة الكبيرة سيمكنها من بيع الأسمدة الرخيصة للفلاحين. ومن خلال القضاء على الوسطاء وتأميم الأسواق الممتازة الكبرى وشركات التوزيع والنقل، سيمكننا أن نوفر للفلاحين سوقا مضمونة لمنتجاتهم وبسعر عادل، مع تخفيض الأسعار بالنسبة للمستهلك في نفس الوقت.

ليس تأميم القطاعات الاقتصادية الحيوية عملا من أعمال العدوان أو الانتقام، بل إنه، على العكس من ذلك، وسيلة ضرورية للدفاع عن الثورة. لا تستهدف التدابير التي تتخذها حكومة ثورية ممتلكات العمال والفلاحين أو صغار الملاك، الذين يشكلون تسعة أعشار السكان، بل تستهدف فقط عشر السكان الذين يستولون على حصة الأسد من الممتلكات في هذا المجتمع.

كوبا

في خطابه، قام الرئيس بعدد من الإشارات إلى كوبا. وعند نقطة معينة قال: «إنهم يقومون هناك في كوبا بنقد ذاتي عميق ويتخذون قرارات جريئة. وبالطبع فإن الشائعات التي تم تداولها حول دور الإمبريالية في ذلك، وحول أن فيديل غير سعيد، وأن هناك خلافات بين راؤول وفيديل، ليست صحيحة على الإطلاق. كلا! أنا أعرفهما وأعرف كيف يكملان بعضهما البعض»

وفي إشارة إلى الإصلاحات التي أعلن عنها راؤول كاسترو مؤخرا، قال الرئيس:

«لقد أذنت الحكومة الكوبية… وهذه ليست خطوة إلى الوراء! مثلما قال راؤول: “بتحديث الاشتراكية” لقد اتخذت للتو، على ما أعتقد، تدبيرا من شأنه أن يسمح بإنشاء 150 مشروع “تشغيل ذاتي”. في كوبا، وطيلة السنوات الماضية، كانت محلات البوظة، ومحلات الحلاقة، والتزيين والنجارة، كلها مملوكة من قبل الدولة، وهم الآن ينفتحون، وهم يعملون على تحديث نموذجهم، ليس هناك من نموذج ثابت. وحتى الآن نحن أنفسنا مذنبون، نحن نلقي خطابات لا صلة لها بالواقع. هل هناك من يعتقد أن الثورة البوليفارية سوف تأمم محلات الجزارة ومحلات البقالة، وجميع المحلات التجارية في كراكاس حيث يشتري الناس الأحذية والملابس؟

«في بعض الأحيان نحن أنفسنا نجعل الناس يعتقدون بسذاجة بأن هذا الأمر صحيح. وهذا هو ما يبني الأعداء حملتهم عليه: “نحن نسير نحو الشيوعية، إنهم سيستولون على كل ما نملك”.»

من الهام تحليل ما يحدث في كوبا، ولا سيما أنه موضوع بحث على نطاق واسع جدا في فنزويلا. لكن ليس هذا هو المكان المناسب للتطرق لذلك بالتفصيل. لكن في المقام الأول، هناك العديد من الناس في كوبا ينظرون بقلق بالغ لتأثير هذه التدابير ولخطر الثورة المضادة الرأسمالية. وفي المقام الثاني، فنزويلا لم تقم بعد بمهمة مصادرة البنوك الكبرى والاحتكارات التي تحققت في كوبا منذ عقود، وكانت الأساس الذي استندت إليه الثورة ومكنها من القطع مع الرأسمالية وتحقيق مكاسب هامة.

من الصحيح تماما أن الاقتصاد المخطط لا يحتاج لتأميم كل شيء، وصولا إلى أصغر محل حلاقة. لقد كانت هذه الممارسة كاريكاتيرا ستالينيا. لقد جاء تأميم جميع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في كوبا كجزء من “الهجوم الثوري” في عام 1968، عندما صودرت 58000 من المقاولات الصغيرة، ولا سيما في المدن. حيث تم تأميم محلات بيع البوظة وصالونات الحلاقة ومحلات تصليح الأحذية، الخ.

كانت هذه خطوة غير ضرورية تماما، مما أسفر فقط عن خلق فئة أخرى من البيروقراطية لمراقبة وإدارة هذه الوحدات المنتجة الصغيرة. في مسيرة التحول نحو الاشتراكية، لا مفر من أن تستمر عناصر الرأسمالية في الوجود جنبا إلى جنب مع عناصر من الاقتصاد الاشتراكي المخطط. ويتضمن هذا عددا معينا من الشركات الصغيرة والمحلات التجارية والملكيات الفلاحية الصغيرة، الخ.

لا يمكن لهذه المؤسسات في حد ذاتها أن تشكل أي تهديد للاشتراكية، طالما بقيت القطاعات الاقتصادية الرئيسية في يد الدولة، وطالما بقيت الدولة والصناعة في يد الطبقة العاملة. وفق هذا الشرط، وفقط وفق هذا الشرط، يمكن وينبغي السماح للقطاع الخاص الصغير بالوجود، طالما تحافظ الدولة على سيطرتها الحازمة على القطاعات الاقتصادية الحيوية.

ومع ذلك، هناك فرق كبير بين الاقتصاد الكوبي والاقتصاد الفنزويلي. ففي كوبا أممت الثورة المصارف وغيرها من القطاعات الرئيسية للاقتصاد منذ البداية تقريبا. لكن في فنزويلا، وبعد أحد عشر عاما في السلطة، لم تتخذ الحكومة البوليفارية بعد الخطوة الحاسمة. وتترتب العديد من الآثار السلبية عن هذا.

ليس هناك أي مبرر لمصادرة الشركات الصغيرة في فنزويلا أو في كوبا أو في أي مكان آخر. لكن وفي نفس الوقت ليس هناك أي مبرر لعدم مصادرة المصارف والاحتكارات الكبرى. ليست هذه السياسة – السياسة الاشتراكية – متطرفة ولا طوباوية، بل هي الطريقة الواقعية الوحيدة للدفاع عن الثورة ضد التخريب المنهجي لأصحاب الأبناك والرأسماليين، الذين عقدوا العزم على الإطاحة بها بأية وسيلة تحت تصرفهم.

طبيعة الاقتصاد الفنزويلي

لقد حققت الثورة البوليفارية خلال السنوات الإحدى عشرة الماضية تقدما في نواح كثيرة. لكن هل يمكننا أن نقول إنها قد حققت أهدافها الأساسية؟ كلا، لا يمكننا ذلك، وهذه الحقيقة أكدها الرئيس في خطابه خلال المؤتمر الاستثنائي للحزب الاشتراكي الفنزويلي الموحد.

وقد كشف مقال نشر في الصحيفة البرجوازية Reporte Diario de la Economía (عدد 05 فبراير 2010) أن المصارف الخاصة حققت 2,615 مليار دولار كأرباح في عام 2009. وجاء 83٪ من هذا المبلغ من الرسوم وحدها.

وكتبت El Universal، في عدد 19 يوليوز 2010: «ذكر تقرير لوكالة اسوشيتد برس للأنباء أن مجموعة من الاقتصاديين صرحوا بأن التوازن بين القطاعين العام والخاص مطابق تقريبا لما كان عليه الحال عندما تولى تشافيز الرئاسة، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن القطاع الخاص قد نما بمعدل أسرع من القطاع العام ما بين سنة 2003 و2006، عندما كان الاقتصاد مزدهرا.

«ولاحظوا أيضا أن مؤسسات الدولة ما تزال تشكل قسما متواضعا نسبيا في الاقتصاد.

«في العام الماضي، بلغت نسبة القطاع الخاص 70٪ من الناتج الداخلي الإجمالي، بما في ذلك 11٪ من الضرائب على المنتجات، وفقا لتقديرات البنك المركزي الفنزويلي. وكان نسبة القطاع العام 30٪، وهي نسبة أقل بقليل مما كانت عليه عندما انتخب تشافيز عام 2008». Sector privado aún controla dos tercios de la economía en Venezuela

هذه ليست مسألة متعلقة بمحلات الحلاقين أو بالمقاولات الصغيرة بشكل عام، بل بالقطاعات الرئيسية للاقتصاد الفنزويلي. هذا يعني أنه بعد أحد عشر عاما، ما تزال الأوليغارشية الفنزويلية تمارس سيطرة خانقة على القطاعات الرئيسية للاقتصاد الفنزويلي. وطالما سمح لهذا الوضع بأن يستمر، لا يمكن أن يكون هناك أي اقتصاد مخطط، وأية اشتراكية بالتالي في فنزويلا.

وتترتب بعض الأشياء عن هذا. وفقا لتقرير للأمم المتحدة، تعتبر فنزويلا رابع أكبر بلد في أميركا اللاتينية من حيث عدم التكافؤ، لأن أغنى 10٪ من السكان يمتلكون 36,8٪ من الأموال في البلد ويسيطر 30٪ من أغنى السكان على 65,1٪ من موارد البلد، في حين يجبر أكثر السكان فقرا على العيش بـ 0,9٪ من الموارد. Fuerte concentración de la riqueza en Colombia y América Latina, advierte la ONU

إذا أردنا أن نفهم الأسباب التي تجعل الناس الذين يدعمون الثورة يمتنعون عن التصويت في الانتخابات (وهذه مسألة حيوية بالنسبة لمستقبل الثورة)، يجب علينا أن نبدأ من هنا. عندما يرى/ ترى عامل/ة أو بوليفاري/ة أن أجره/ها لا يكفيه/ها حتى نهاية الشهر، وأن الأسعار ترتفع، في حين أن الأغنياء يزدادون غنى، فإنه/ها يبدأ/تبدأ في فقدان الثقة في الثورة. هذه هي المسألة الجوهرية التي تحتاج إلى معالجة.

لقد اتضح تفوق الاقتصاد المؤمم المخطط من خلال النجاحات الهائلة التي حققها الاتحاد السوفيتي في الماضي. لقد تم تقويض هذه النجاحات بسبب التشوهات البيروقراطية، التي نشأت عن الستالينية والفساد، والنصب وسوء الإدارة التي هي نتائج حتمية للنظام البيروقراطي. وعلى مدى فترة طويلة قضت هذه الأمراض على المكاسب التي حققها الاقتصاد المخطط وقوضتها. هذا هو ما أدى إلى انهيار الاتحاد السوفييتي، وليس أي عيب متأصل في التخطيط الممركز.

كان وجود البيروقراطية الطفيلية، الذي هو في حد ذاته نتيجة لعزلة الثورة في بلد متخلف، هو ما أدى في النهاية إلى إعادة الرأسمالية مع الانهيار الاجتماعي الكارثي الذي رافق ذلك. لقد أدى التخطيط البيروقراطي للاقتصاد إلى التبذير وسوء الإدارة والفساد. وفي الأخير قرر البيروقراطيون أن يصبحوا هم أنفسهم أصحاب وسائل الإنتاج.

إن غياب الديمقراطية العمالية الحقيقية، حيث يشارك العمال العاديون مباشرة في إدارة الدولة والاقتصاد، هو واحد من أخطر التهديدات للثورة. إنه يولد الإحباط، والارتياب، والكلبية، ويقوض عموما المعنويات الثورية للشعب. وإذا اجتمع ذلك مع وضع لا تتم فيه تلبية الاحتياجات الأساسية، وانخفاض القوة الشرائية للأجور، ووعي الجميع بالفساد السائد والنهب المستشري في قمة الدولة، يصبح خطر الثورة المضادة محدقا.

الزراعة

أخطر فشل هو ذلك الذي يعرفه القطاع الزراعي، المرتبط بشكل مباشر مع توفير الضروريات الأساسية: المأكل والملبس. على الرغم من أن فنزويلا لديها إمكانات زراعية ضخمة، فإن تنميتها تعرضت للتشويه من قبل الأوليغارشية الطفيلية التي راكمت ثروتها من قطاع النفط، في حين انحط القطاع الزراعي، فجعلت البلاد رهينة بتصدير النفط واستيراد المواد الغذائية.

نفس تلك الأوليغارشية الرجعية التي كانت وراء حملة إغلاقات 2002، هي من يستخدم الآن الندرة / التخريب في قطاع المواد الغذائية لتقويض الثورة. ويعود سبب التضخم، الذي بلغ 30٪ في السنوات الأخيرة، جزئيا إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الأسواق العالمية. وقد اتخذت الحكومة بعض الخطوات الهامة بمصادرة بعض الأبناك والأراضي المهملة، وتمويل تعاونيات المنتجين ومزارع الدولة، وإقامة شبكة من الموزعين وأسواق مواد غذائية في ملكية الدولة. هذه خطوات في الاتجاه الصحيح، لكنها ليست كافية لضمان السيطرة على قطاع الإمدادات الغذائية في فنزويلا.

لورنزو مندوزا، الرئيس التنفيذي لشركة Empresas Polar، أكبر شركات الأغذية والمشروبات في فنزويلا، ما يزال يترأس إمبراطورية مؤلفة من 40 شركة تشغل حوالي 17000 عامل وتنتج قائمة طويلة من المنتجات الغذائية مثل المعكرونة والأرز وزيت الذرة، والبوظة، والنبيذ والمياه المعدنية والمشروبات الغازية والحلوى والوجبات الخفيفة من جميع الأنواع. هذا الاحتكار الضخم ينتج 4% من الناتج المحلي الإجمالي لفنزويلا (باستثناء النفط)، ومصنع الجعة فيه يحتل المرتبة 14 من بين أكبر مصانع الجعة في العالم. وتقدر ثروة مندوزا الشخصية بـ 4.56 مليار دولار.

كيف يمكن حل مشاكل قطاع الأغذية، في حين يبقى توزيع المواد الغذائية في أيدي أشخاص مثل مندوزا وكبار الرأسماليين الآخرين المرتبطين ارتباطا وثيقا بشركات الغذاء والمشروبات الاحتكارية الأجنبية؟ إن مصادرة هذه الشركات الكبرى ليس موجها على الإطلاق ضد الطبقة الوسطى، التي يتم استغلالها وسرقتها من قبل هذه الاحتكارات الكبيرة مثلها مثل العمال.

كان تأميم شركة Agroisleña، وهي شركة للمستلزمات الزراعية والتي تخدم 70٪ من المنتجين في فنزويلا، خطوة أخرى إلى الأمام. لقد مكنت هذه الخطوة الرئيس تشافيز من إعلان تخفيض فوري في أسعار منتجات الشركة المؤممة (التي تسمى الآن Agropatriaا) بنسبة 49,3٪ لاثني عشرة نوعا من الأسمدة المختلفة، و43٪ لمائتي وستين (260) نوعا من الكيماويات الزراعية، وتخفيض بمعدل 41,7٪ في أسعار بذور الفاصوليا السوداء، والذرة، والأرز.

وقد صرح تشافيز أنه يجب ترجمة هذه التخفيضات في الأسعار بالنسبة للمنتجين إلى أسعار جيدة بالنسبة للمستهلك النهائي. نحن نعمل على استئصال مشكلة المضاربة والنهب الرأسمالي. وأشار إلى أن هذه الأسعار لا تفترض تقديم دعم من طرف الدولة، بل هي أكثر قليلا من كلفة الإنتاج.

وقد ضمن الرئيس مسألة الإمدادات لجميع المنتجين الذين تعاقدوا معAgropatria، وأكد ضمان جميع القروض الموجودة سابقا، بمعدل فائدة يساوي 8٪. لقد وافق على توفير 565 مليون بوليفار [132.000 دولار أمريكي] لهذا الغرض، على أن تدار من قبل البنك العمومي Banco Agricola، وصندوق التنمية الزراعية الاشتراكية[2] (FONDAS)، وFondo Bicentenario. وقد تطور إنتاج الغذاء نتيجة لزيادة حكومة تشافيز في تمويل القطاع الزراعي من أقل من نصف مليار بوليفار سنة 1998 إلى 20 مليار بوليفار سنة 2009. لكن الطلب على الغذاء قد ازداد أكثر من ذلك.

لقد شدد تشافيز على حاجة فنزويلا للحد من اعتمادها على شركات الأغذية المتعددة الجنسيات وتقليل تأثرها بأزمات الغذاء العالمية. لا يمكن تحقيق هذا الهدف إلا من خلال إنجاز ثورة زراعية، ومصادرة كبار ملاكي الأراضي والعمل تدريجيا على تعويض الزراعة الرأسمالية بشركات إنتاج المواد الغذائية مملوكة للدولة وتعويض احتكارات الغذاء الخاصة بشبكة لتوزيع المواد الغذائية وأسواق محلية للأغذية مملوكة من طرف الدولة، والتي يمكنها أن تبيع المواد الغذائية بأسعار مراقبة، تصل في بعض الأحيان إلى أقل بـ 40٪ من أسعار السوق.

قال تشافيز مؤخرا: «لا يمكننا تقديم [الغذاء] لمضاربة الرأسماليين؛ علينا الآن أن نواصل بناء النظام الاشتراكي للتوزيع والتسويق.» وأضاف: «يجب علينا أن نسرع الخطى، لأن مستقبل فنزويلا يعتمد عليها. يجب علينا أن نحول فنزويلا إلى قوة زراعية- صناعية.»

ومن أجل تسريع الإصلاح الزراعي أعلن تشافيز عن تأميم 200.000 هكتار (495.000 فدان) من الأراضي التي كانت في ملكية شركة Compañía Inglesa، وهي شركة تابعة لمجموعة فيستي ((Vestey الفنزويلية، وتأميم شركة الخدمات الزراعية Agroisleña. وقد أكد وزير الزراعة والأراضي خوان كارلوس لويو خطة لتأميم 250.000 هكتار (618.000 فدان) من الأراضي الزراعية شهر أكتوبر، وضعف هذا الرقم في نوفمبر. وقال تشافيز: «دعوا كبار الملاكين العقاريين يعلمون أن الوضع الاحتكاري الذي استفادوا منه كثيرا قد انتهى. الآن هو الوقت المناسب لتسريع الثورة الزراعية».

بطبيعة الحال كان رد فعل قادة المعارضة المعادية للثورة هستيريا في مواجهة عمليات التأميم الأخيرة. يقولون إن هذه الإجراءات تهدد بتباطؤ النمو الاقتصادي، الذي يعيش أصلا حالة ركود منذ ستة دورات. قال نويل الفاريز، رئيس (Fedecámaras) التي هي أكبر غرفة تجارية خاصة في فنزويلا: «يبدو أن الحكومة قد تبنت إستراتيجية احتضان القطاع الإنتاجي، إن هذه ضربة هائلة للزراعة… إن الإنتاج سينخفض.»

لكن من الصعب أن نفهم كيف يمكن للزراعة أو الصناعة أن تصير في يد الدولة أسوأ مما كانت عليه في يد الملاكين العقاريين والرأسماليين. يعلم الجميع أن رجال الأعمال الفنزويليين لا يستجيبون للنداءات المتكررة للاستثمار في فنزويلا. لقد نظموا إضرابا عن الاستثمار يحرم الاقتصاد من الاستثمارات وهذا هو السبب الرئيسي الذي يجعل فنزويلا تجد صعوبة في الخروج من الركود. الحقيقة هي أنه بدون القطاع العمومي، كان الاقتصاد سيواجه الانهيار التام.

“الحق في الملكية الخاصة”

يعلم الجميع الدور الذي لعبته Fedecámaras في انقلاب أبريل 2002، عندما نصب رئيس Fedecámaras، كارمونا، نفسه رئيسا. لقد كان رجال المال دائما معارضين للثورة البوليفارية، ويتطلعون بشوق لإقامة نظام دكتاتوري. وهم في الواقع، قد مارسوا دائما الديكتاتورية على فنزويلا، بغض النظر عمن كان في ميرافلوريس: ديكتاتورية الرأس المال.

وقال الفاريز إن Fedecámaras سوف تتقدم بدعوى أمام المحكمة العليا متهمة الحكومة بانتهاك حق الملكية الخاصة. لكن هل يمكن “للحق في الملكية الخاصة” لحفنة من الأوليغارشيين الفاحشي الثراء أن تكون أكثر أهمية من حق ملايين الفنزويليين العاديين في الحصول على عمل، وحقهم في إطعام عائلاتهم؟

من الضروري القضاء على ديكتاتورية رأس المال هذه قبل أن تقضي هي على الثورة. سوف يحتج الأغنياء بأن هذا هجوم ضد “الحق في الملكية الخاصة”. لكن هذا كذب. فبالنسبة لنا، يعتبر حق 98% من الفنزويليين في الملكية الخاصة حقا غير قابل للمس. لكن ملكية الأوليغارشية – تلك الحفنة من الطفيليين الذين نهبوا ثروات فنزويلا واستنزفوا البلد طيلة أجيال – مسألة أخرى تماما.

دعونا نأخذ مثالا آخر عن “الحق في الملكية الخاصة” المقدس: إمبراطور وسائل الإعلام الفنزويلية غوستافو، أ، سيسنيروس رينديلس، والذي يعتبر واحدا من أغنى أغنياء العالم وفقا لمجلة فوربس، التي قدرت ثروته بنحو10.7 مليار دولار سنة 2010. ويمتلك إلى جانب هذه الثروة الفاحشة سلطة هائلة. تدعو نيويورك-تايمز سيسنيروس “أحد أقوى الشخصيات في أميركا اللاتينية” وتقول: «إنه هو وزوجته باتريثيا دي سيسنيروس فيلبس، مشهوران بكونهما زوجان أميركيين لاتينيين قويين في مجال الأعمال التجارية والاجتماعية».

تأتي ثروة سيسنيروس من امتلاكه لوسائل الإعلام والاتصالات، وشركات الترفيه والمنتجات الاستهلاكية. مجموعة شركات سيسنيروس هي واحدة من أكبر وسائل الإعلام الناطقة باللغة الاسبانية وشركات الترفيه الخاصة. وغوستافو سيسنيروس واحد من أغنى الرجال في أمريكا اللاتينية. وهو أيضا أقوى بارون وسائل الإعلام في القارة. وهو أيضا خصم مسعور لتشافيز وللثورة البوليفارية. لقد لعب دورا نشطا في انقلاب 2002، ووصف أنصار تشافيز بـ ‘الغوغاء’ و’القردة’.

سيسنيروس “الوطني” ليس فقط مواطنا فنزويليا بل هو أيضا مواطن اسباني، (بناء على طلب شخصي من الملك خوان كارلوس)، إنه أمريكي في نيويورك، وكوبي في ميامي، ودومينيكاني في الجمهورية الدومينيكية، التي هي قاعدته الرئيسية. نرى هنا أن رأس المال ليس له وطن إلا الربح. كما يشير موقع Venezuelanalysis:

«باعتباره واحدا من شخصيات الظل فإنه يوفر للرأسمالية الأمريكية امتدادات محلية خارج الولايات المتحدة، إنه تعبير واضح عن لماذا لا توجد برجوازية وطنية في فنزويلا. سيسنيروس مرتبط بشكل وثيق بالإمبريالية، وقد كوفئ بشكل رائع على ذلك.» (Venezuela’s Murdoch)

لقد مد هذا الملياردير إمبراطوريته إلى جميع أنحاء أمريكا اللاتينية لتشمل تشيليفزيون (Chilevisión) بالتشيلي، وقناة كاراكول (Caracol TV) الكولومبية، وحضور قوي في االقناة الفضائية (DirecTV Latin America)، التي تبث القمامة إلى عشرين بلدا في أمريكا اللاتينية. وقد كان سيسنيروس، إلى حين الاستحواذ على أونيفيزيون، التي تعتبر أكبر قناة ناطقة باللغة الاسبانية في الولايات المتحدة، أحد أكبر المساهمين في الشركة. الشركة.

إنه يملك أيضا قناة (Venevision) الدولية، التي تنتج وتوزع الأخبار ومنتجات الترفيه في جميع أنحاء العالم، وفينيفزوين هي القناة التلفزيونية التجارية الرئيسية في فنزويلا. منذ عام 1980 والمجموعة تمتلك مسابقة ملكة جمال فنزويلا، وتمتلك منذ عام 2001 أيضا فريق البيسبول ليونس ديل كراكاس. علاوة على ذلك، تملك المجموعة موقع أمريكا اللاتينية أون لاين (AOL Latin America)، وقناة غالافيزيون (Galavisión) وبلاي بوي أمريكا اللاتينية.

تسمى هذه السيطرة الاحتكارية على وسائل الإعلام في الغرب “حرية الصحافة”، أي حرية حفنة من الأوليغارشيين الأثرياء في أن يقولوا للشعب كيف يفكر ولمن يصوت. إنها تهديد مباشر للثورة وللديمقراطية نفسها. وبالتالي فإن مصادرة ممتلكات أسرة سيسنيروس إجراء أساسي للدفاع عن الثورة والحفاظ على الحقوق الديمقراطية للأغلبية الساحقة من الشعب. لقد رأينا كيف يمكن أن تستخدم كل هذه القوة المحتكرة بين أيدي أقلية محظوظة لضرب القرار الديمقراطي للأغلبية في أبريل 2002.

لعب سيسنيروس وعصابته دورا حاسما في الانقلاب الذي حدث في تلك السنة. يعرف الجميع كيف تم استخدام وسائل الإعلام بوقاحة كنقطة تجميع للانقلاب. في ليلة الحادي عشر من أبريل، وبعد إخراج تشافيز من قصر ميرافلوريس تحت تهديد السلاح، اجتمع قادة الإنقلاب[3] معا في جناح سيسنيروس في فينيفزيون. كان كارمونا قد أعلن إغلاق مجلس الشيوخ والمحكمة العليا، فضلا عن وقف العمل بالدستور، عندما ذهب سيسنيروس إلى ميرافلوريس ليقترح عليه ترك إستراتيجية الاتصالات للحكومة الجديدة له ولوسائل الإعلام الصديقة له، وهو العرض الذي قبله كارمونا بامتنان.

أعطى سيسنيروس أوامره بأن لا تذيع قنواته أي خبر عن الإطاحة بالانقلاب، أو عرض صور للمظاهرات الجماهيرية الحاشدة للمطالبة بعودة الرئيس. وبدلا من ذلك، عرضت قنوات سيسنيروس الأفلام القديمة والرسوم المتحركة. بعد عودة تشافيز إلى السلطة، نظم سيسنيروس وأنصار المعارضة الآخرين حملة لتخريب قطاع النفط، وعندما فشل ذلك، نظموا حملة لإفشال استفتاء غشت 2004. كل هذه كانت محاولات للإطاحة بالحكومة المنتخبة ديمقراطيا بطرق غير برلمانية. وما قاموا به في السابق سيحاولون القيام به مرة أخرى حالما تتوفر الظروف.

لو نجح انقلاب 2002، لكان قد أدى إلى تدمير سريع للديمقراطية في فنزويلا، وكان سيسنيروس أحد المهندسين الرئيسيين للهجوم على الديمقراطية. وكما أعلن تشافيز شهر ماي 2004، في بداية حملة الاستفتاء: «سيأتي يوم سيكون لدينا فيه فريق من القضاة لا يخافون، وسيعملون وفقا للدستور ويحكمون بالسجن على رؤساء المافيا هؤلاء من قبيل غوستافو سيسنيروس». لكن وبعد كل هذا الوقت، ما يزال الانقلابيون (golpistas) يتمتعون بالحرية، وهذا يمثل تهديدا خطيرا لمستقبل الثورة والديمقراطية. من المؤكد أن الوقت قد حان الآن للعمل؟

الأبناك

ما تزال الأبناك الكبرى تشد بخناق الاقتصاد الفنزويلي، الذي تستنزف منه أرباحا ضخمة. في الشهر التاسع من هذا العام، تركز ما لا يقل عن 91,2٪ من أرباح الأبناك في يد أكبر 10 بنوك في فنزويلا. وحسب cosumid.org:

«منذ سنة 1999 حتى الآن، حققت الأعمال المصرفية أرباحا فاقت توقعات العديد من أصحاب الأبناك، كما أن نمو الأرباح تجاوز معدل التضخم. وقد بلغت الأرباح المتراكمة للبنوك التجارية والعامة في الفترة الممتدة بين 1999 إلى شتنبر من هذا العام، أكثر من 28.3 مليار بوليفار جديد (أكثر من 28.3 بوليفار قديم). ومع ذلك، يجب أن نشير إلى أن عشرين من البنوك المتوسطة والصغيرة (جميع البنوك ما عدا عشرة أكبر الأبناك في فنزويلا) لم تحقق نتائج جيدة هذا العام. انخفضت أرباحها لشهر شتنبر بنسبة 54.2٪ مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي. بل إنه حتى ثلاث من بين عشرة أكبر بنوك شهدت أيضا تراجعا في أرباحها. لقد أحست الأبناك بدورها هذا العام بتأثير انخفاض الناتج الداخلي الخام» (Quién es quien en la banca venezolana)

صحيح أن الحكومة قد اتخذت بعض الخطوات. فبنك فنزويلا، الذي كانت ينتمي إلى مجموعة سانتاندير الاسبانية، صار في ملكية الحكومة الفنزويلية. وهو يحقق 14,5٪ من الأرباح. بهذه الصفقة عززت الدولة مكانتها في النظام المصرفي في فنزويلا. لقد كانت خطوة هامة إلى الأمام، لكن جزءا كبيرا ما يزال في أيدي القطاع الخاص. هذه ليست مسألة صغار المالكين بل مسألة القطاعات الرئيسية للاقتصاد. دعونا نرى من هي هذه البنوك. ه البنوك.

دعونا نأخذ بنك بروفنسيال (Provincial). أهم مساهم فيه هي مجموعة BBVA الاسبانية. وقد عبرت عن عزمها على مواصلة العمل في فنزويلا، حيث حققت 22.8٪ من إجمالي أرباح البنوك في شهر شتنبر.

ثم هناك بنك ميركنتيل (Mercantil)، الذي يعتبر واحدا من أهم المصارف في البلاد. المساهمون فيه هم جزء هام من الأوليغارشية، عائلات من قبيل آل مارتوريس، وآل فولمرس. وبالمثل، فإن مجموعة كابريليس (Capriles) لديها أيضا حصة مهمة في المؤسسة. وحقق 10.7٪ من أرباح البنوك في شهر شتنبر.

ثم هناك بنك بانيسكو (Banesco)، وهي مؤسسة أنشئت نتيجة لعدة عمليات اندماج، وتعتبر اليوم واحدة من البنوك الكبرى. رئيسها خوان كارلوس إسكوتيت، هو أكبر مساهم فيها. حصتها من أرباح البنوك هي 9,8٪. بنك بانيسكو واحد من أوائل البنوك برأسمال وطني فنزويلي. وقد برز في عام 1977 تحت اسم بنك الصناعات الزراعية الفنزويلي (Banco Agroindustrial Venezolano)، وهو الاسم الذي حمله حتى عام 1987 عندما تغير إلى Banco Financiero. سنة 1992، وبعد أن غير اسمه مرة أخرى إلى Bancentro، استحوذت عليه شركة السمسرة Banesco التي يملكها رئيس مجلس الإدارة الحالي خوان كارلوس إسكوتيت. فأطلق على البنك اسم منظمة بانسكو المالية. وفي 1997 تم تحويله إلى بنك عام.

ثم هناك بنك اوكسيدنتال دي ديسكوينتو (Occidental de Descuento). المساهم الرئيسي فيه هو فيكتور فارغاس. وقد راكم أربحا خلال شهر شتنبر بلغت 9.6٪ من إجمالي أرباح الأبناك.

بنك اكستيريور (Exterior) واحد من أقوى البنوك في البلاد. والمساهم الرئيسي فيه هي المجموعة المالية الاسبانية إ ف. وقد حقق 6,1٪ من أرباح البنوك الفنزويلية.

بنك فنزويلانو دي كريديتو (Venezolano de Crédito) حقق أرباحا تصل إلى 4,9٪ من أرباح الأبناك، في حين حقق بنك الدولة Bancoex، 4,7٪ من الأرباح. وحقق بنك (Corp Banca)، وهي مؤسسة يمتلكها فيكتور فارغاس واندمجت مع بنك BOD، 4,1٪ من الأرباح، ومع الاندماج ستصبح ثالث أكبر بنك من حيث المداخيل، استنادا إلى أرقام شهر شتنبر. وأخيرا، هناك بنك سيتي بنك (Citibank)، الذي يشكل جزءا من البنك الأمريكي سيتي بنك. وتساوي أرباحه 3,9٪ من مجموع الأرباح.

طالما يسيطر الرأسمال الخاص على نصيب الأسد من البنوك، فإن كل القرارات الرئيسية المتعلقة بالاستثمار الإنتاجي، والقروض لصغار المزارعين وغيرها من المقاولات ستكون في أيدي أعداء الثورة. علاوة على ذلك، سيكون من المستحيل اعتماد مخطط اشتراكي حقيقي للإنتاج لحل مشكلة البطالة وتحقيق التوزيع الرشيد للسلع والخدمات، وتعبئة كامل الطاقات الإنتاجية لفنزويلا.

إن أول إجراء ضروري لخلق اقتصاد اشتراكي مخطط هو تأميم البنوك، لدمج جميع البنوك في بنك مؤمم واحد. هذا ليس إجراءا موجها ضد الطبقات المتوسطة بل هو موجه حصرا ضد الأوليغارشية. إنه إجراء سيكون في الواقع في مصلحة الطبقة المتوسطة وصغار المنتجين الذين سيضمن لهم سهولة الحصول على قروض رخيصة. وإذا ما تم تفسير هذا بشكل لائق، فإنه لن يؤدي إلى استعداء الطبقة الوسطى بل سيؤدي بالعكس إلى كسبها إلى جانب الثورة.

“واقعية” الإصلاحيين

قال الرئيس إن العملية الثورية ستكون “أكثر عمقا كل يوم”. وهذا بالضبط ما هو مطلوب. لكننا نخشى أن هذا الاقتراح ستواجهه مقاومة من جانب البيروقراطيين والإصلاحيين في كل خطوة يخطوها.

نقلت صحيفة ال يونيفرسال (El Universal) عن فيكتور آلفاريز، وهو خبير اقتصادي ووزير سابق للمناجم في حكومة تشافيز، أنه قال إن الهدف ليس هو أن يصير “للدولة وزن أكبر في الاقتصاد”. ما هو الهدف إذن؟ هل هو الاستمرار في السماح للأوليغارشية بالسيطرة على الاقتصاد؟ وإذا كان هذا هو الحال فعلا، ماذا تبقى من شعار: Patria, socialismo o muerte (الوطن، الاشتراكية أو الموت)؟

قال نائب الرئيس، إلياس خاوا، في مقابلة أجريت معه مؤخرا على موقع Contragolpe، إن الاعتراف بالملكية الخاصة مبدأ أساسي من مبادئ الحركة البوليفارية وأن المصادرات كانت “فقط للاحتكارات والأوليغارشية.” جيد جدا، إننا نوافق على ذلك. لكنه سرعان ما يخلط هذه المسألة بالإشارة إلى الشركات العائلية الصغيرة والمتوسطة الخ. لقد أقحم هذه المسألة لتبرير عدم تطبيق مصادرة البنوك الكبرى والاحتكارات.

من البديهي أن الشركات الصغيرة والمتوسطة ليس لها أي دور مستقل في الاقتصاد. فجميع القرارات الرئيسية تتخذها مجالس إدارة البنوك الكبرى والاحتكارات. ولهذا السبب فإنه ليس من اللازم تأميم الشركات الصغيرة، لكنه من الضروري جدا تأميم البنوك الكبرى والاحتكارات. إلا أن الرفيق خاوا نفى في نفس البرنامج أي نية في تأميم شركة بولار (Polar)! هل هناك من يعتقد أن شركة بولار “مقاولة صغيرة أو متوسطة”؟ إذا لم تكن بولار شركة احتكارية فأنا لا أعرف ما هو الاحتكار!

يبدو من خلال ذلك الحوار أنه ليس للرفيق خاوا أية نية في تأميم أي شيء. وبدلا من ذلك يتحدث بعبارات غامضة عن “دمقرطة” الأجهزة المنتجة، وهو ما لا نعرف المقصود به. ويبلغنا الرفيق قائلا: “نحن في حالة حوار مستمر مع القطاع الخاص”. نعم، لقد استمر هذا “الحوار” منذ فترة طويلة، وقد رأينا نتائج ذلك. الرئيس يدعو أرباب العمل إلى الاجتماع ويناشدهم القيام بالاستثمار. لكن ما هي النتيجة؟ إنها انخفاض الاستثمار الخاص. إن البرجوازيين لا يستثمرون بل يرسلون أموالهم إلى الخارج. هذا إضراب للرأسمال. والجميع يعرف ذلك. لكن الإصلاحيين يدفنون رؤوسهم في الرمال ويتحدثون عن الحاجة إلى “الحوار” و”الكتلة الوطنية” بينما تكتفي البرجوازية بالضحك في طريقها إلى البنك.

والعجيب حقا هو أن الإصلاحيين يعتبرون أنفسهم أناسا واقعيين! لقد أشرت أكثر من مرة إلى أن هذه “الواقعية” تشبه “واقعية” رجل يحاول إقناع النمر بأكل الخس بدلا من اللحوم. ونتيجة هذا “الحوار” هو أن نزعة النمر لأكل اللحم لا تتغير، و”واقعية” النباتيين تصل إلى نهاية سيئة للغاية.

التحدي الكبير

بأية وتيرة ينبغي للثورة أن تتقدم؟ ليس هناك من كتاب وصفات ثورية يمكنه أن يوفر إجابة عن هذا السؤال. يقول تشافيز إنه سيتصرف “بأقصى قدر ممكن من الجرأة لتسريع تقدم الاشتراكية ومواصلة القضاء على الرأسمالية”. لكن من الواضح أن الوقت ليس في صالحنا. فطالما بقيت القطاعات الرئيسية للاقتصاد في أيدي أصحاب الأبناك والملاكين العقاريين والرأسماليين، فإنهم سوف يستخدمون قوتهم الاقتصادية لتخريب الثورة. ولذلك، يجب أن يكون لدينا شعور بالاستنفار.

سوف يكون التحدي الكبير سنة 2012، عندما ستتزامن الانتخابات الرئاسية مع انتخابات حكام الولايات ورؤساء البلديات. قال الرئيس: “لدينا تحد هائل”، وأضاف: “علينا أن نعرف أين ارتكبنا الأخطاء، وأين يجب علينا إجراء التصحيحات”. وتحدث عن “الدورة الثالثة للثورة، ما بين 2009 حتي 2020”. وأطلق شعار: “Revisar, reactivar y relanzar” (“مراجعة، وإعادة تنشيط واستئناف”).

حذر تشافيز قوى الثورة المضادة من أن تقدمها في هذه الانتخابات سوف “يكلفها باهظا”. وكانت هذه العبارات ردا مناسبا على الإصلاحيين الذين يزعمون أن الثورة قد سارت أبعد مما ينبغي وأنه من الضروري إبطاء الوتيرة وتقديم تنازلات للمعارضة. إن هذه المزاعم كارثية على الثورة. فمقابل كل خطوة إلى الوراء سوف تطالب المعارضة بعشرة خطوات أكثر. وفي النهاية، لا بد أن يفوز أحد المعسكرين ويتكبد المعسكر الآخر الهزيمة. ليس هناك من “طريق ثالث”.

وفي خطابه، قال الرئيس إنه سيقوم حتى الرابع من يناير بتمرير قوانين جديدة من خلال الجمعية الوطنية. وأضاف أن هذه القوانين ستكون “أكثر ثورية مما تمت المصادقة عليه حتى الآن”. بعد ذلك مباشرة أعلن تشافيز مصادرة الشركة الزراعية الضخمة Agroisleña، التي هي جزء من مجموعة VESTEY المتعددة الجنسيات. وقع تشافيز على هذا المرسوم بعد بضعة أيام على الخطاب، مما يبين كيف انه يقاوم الضغوط من جانب البرجوازية والإصلاحيين.

إضافة إلى ذلك كانت هناك عمليات تأميم شركة الكيماويات Venoco وشركة الأسمدة Fertinitro، المتورطتان معا في عمليات مضاربة في الأسعار. وقال أسدروبال تشافيز، نائب رئيس شركة النفط الفنزويلية PDVSA، إن المنتجات التي تبيعها شركة Venoco تكون دائما أعلى بمعدل 50% من أسعار شركة النفط الوطنية الفنزويلية، في الوقت الذي يستخدمان معا نفس المواد الخام.

هدف تدابير التأميم هذه هو ضمان إمدادات الغذاء، وتقليل الاعتماد على الواردات الغذائية، وخفض الأسعار. قال نائب رئيس شركة النفط الوطنية الفنزويلية: «الآن، سيكون الشعب قادرا على الحصول على إمدادات الغداء بواسطة Venoco بأسعار عادلة ومعقولة، وفي الوقت نفسه ستساعد على تعزيز الصناعة». هذا صحيح، لكن يمكن استعمال نفس الحجة من اجل السيطرة على البنوك الأخرى والاحتكارات الكبرى التي ما تزال في أيدي القطاع الخاص.

هذه المصادرات الجديدة هي خطوات في الاتجاه الصحيح. وقد استقبلت بحماس كبير من طرف العمال والفلاحين. يبين هذا الواقع أن هذا هو السبيل لبث حياة جديدة في الثورة وإضعاف أعدائها. والأهم من ذلك، إنه السبيل الوحيد لوضع حد لأعمال التخريب والفوضى، والبدء في تخطيط الاقتصاد الفنزويلي وتعبئة إمكاناته الإنتاجية الكاملة في صالح الغالبية العظمى من المنتجين، وليس أقلية من الطفيليات الغنية. إن مصادرة الاحتكارات جزء من برنامج الحزب الاشتراكي الفنزويلي الموحد. لكن يجب أن تترجم الأقوال إلى أفعال.

ليس لدي أي شك في أن بعض الناس في ميرافلوريس سوف يقولون للرئيس إن كل هذا مجرد “تطرف” و”جنون” نابع عن أناس خونة يريدون فقط خلق المشاكل. وتثير هذه الحجج في ذهني الصورة التالية: تخيلوا فتى صغيرا على متن سفينة التايتانيك يرى جبل جليد ضخم يلوح في الأفق من بين طيات الظلام ويبدأ في الصراخ محذرا. فيوبخ على الفور من قبل فرقة من المعارضين: لماذا تصرخ؟ كن هادئا، إنك تقلق الركاب! اطرحوا على أنفسكم هذا السؤال: من هو الخائن: هل ذلك الصبي الذي يسعى إلى تحذير القبطان بالخطر الوشيك ويحمله على تغيير المسار وإنقاذ السفينة وجميع من على متنها، أم أولئك الذين يفضلون إغلاق عيونهم، وتجاهل الخطر، ويتسببون في غرق السفينة؟

سوف يواصل التيار الماركسي الأممي الدفاع عن الثورة الفنزويلية ضد الإمبريالية والأوليغارشية المعادية للثورة. وسوف يؤيد بحماس كل خطوة في اتجاه مصادرة أملاك الأوليغارشية، وكل ضربة ضد الثورة المضادة. لكنه سوف ينتقد كل خطوة إلى الوراء. وسيواصل الكفاح ضد البيروقراطية الفاسدة والطابور الخامس الإصلاحي، ويدعو إلى اتخاذ إجراءات أكثر فأكثر جرأة لإنجاز الثورة حتى النهاية.

ونرد على البرجوازية وخدامها الإصلاحيين الذين يحاولون تخويف الشعب بالفكرة القائلة بأن الاشتراكية تهدد “الحق في الملكية الخاصة”، بعبارات من البيان الشيوعي:

«ارتعبتم من نيتنا في إلغاء الملكية الخاصة. لكن الملكية الخاصة في مجتمعكم الراهن ملغاة بالنسبة لتسعة أعشار السكان؛ إن وجودها بالنسبة للأقلية يعود بالذات لكونها معدومة بالنسبة للتسعة أعشار. أنكم تلوموننا بالتالي لأننا نريد القضاء على شكل للملكية تتطلب، كشرط لابد منه لبقائها، حرمان أغلبية المجتمع الساحقة من كل ملكية.

وباختصار، إنكم تلوموننا لأننا نريد إلغاء ملكيتكم أنتم. بكل تأكيد، هذا بالضبط ما نريده. (…)»

«إن الشيوعية لا تسلب أحدا القدرة على تملك منتجات المجتمع؛ كل ما تقوم به هو فقط سلب المرء القدرة على استعباد عمل الغير عبر تملك تلك المنتجات».

آلان وودز
الجمعة: 29 أكتوبر 2010

هوامش:

[1]: القصر الرئاسي -المترجم-

[2]: بالاسبانية في النص الانجليزي (Fondo de Desarrollo Agrario Socialista)- المترجم.

[3]: بالإسبانية في النص الإنجليزي: (golpistas) – المترجم.

عنوان النص بالإنجليزية:بالإنجليزية:

Where is the Venezuelan Revolution going? A contribution to the discussion on property and the tasks of the revolution

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *