لا يزال الطلبة التونسيون يواصلون تحديهم بالرغم من القمع المسلط عليهم. ولقد كان السبب المباشر في اشتعال فتيل حركة الاحتجاجات الطلابية العفوية منذ أسبوعين، هو الدعوة التي وجهها الرئيس الدكتاتور بن علي لأرييل شارون، منظم المجازر ضد الانتفاضة الفلسطينية، لزيارة تونس خلال شهر نوفمبر المقبل. إن هذه الدعوة صارت بمثابة النقطة التي فجرت كل السخط الاجتماعي الذي تراكم عند الشباب التونسي خصوصا.
ولم يهدأ الغضب الذي أثارته هذه الزيارة بسرعة، بل على العكس – خاصة إن العديد من الناس لا يزالوا يتذكرون يوم قامت طائرات إسرائيلية بقصف المقر الرسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية في تونس قبل عشرين سنة! بعد أن كانت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية تجد في العاصمة التونسية ملجأ آمنا إثر طردها من لبنان من طرف جنود تساحال (Tsahal) والميلشيات المسيحية الرجعية.
لا يزال الشعور بالإهانة جراء هذا الفعل حيا في ذاكرة المواطن التونسي العادي. وقد زاد القمع الذي وُوجه به الطلبة المحتجون على زيارة شارون من الكره الشعبي لنظام بن علي. وفي محاولة منه لتهدئة غضب الجماهير التونسية، عمل النظام على التأكيد على أن دعوة أرييل شارون لن تعني تطبيع العلاقات مع إسرائيل. لقد كانت هذه محاولة عقيمة من طرف النظام لنزع فتيل الاحتجاجات، لكنها ذهبت سدى.
يوم الخميس الماضي، 10 مارس، نظم طلاب الجامعات في كل ربوع الوطن إضرابا عاما، لتأكيد معارضتهم لشارون وللمطالبة بإطلاق سراح الطلبة الذين اعتقلوا. وعم الإضراب لا في العاصمة تونس ولكن في المدن الداخلية أيضا. وحاولت قيادة المنظمة الطلابية الاتحاد العام لطلبة تونس (ا ع ط ت)، التي وجدت نفسها مجبرة على الدعوة إلى الإضراب الوطني، أن تقيد نضالات الطلاب وتًحُدّها في “احتجاجات سلمية داخل أسوار الحرم الجامعي”.
ينبغي على الطلبة أن يلتقوا مع العمال
إن نصيحة القيادة تلك لم يتم الانضباط لها في جميع كليات البلاد. فقد حُوصرت جامعات الشمال الغربي للعاصمة من طرف سيارات البوليس وقوات مكافحة الشغب التي احتلت وأغلقت جميع الطرق المؤدية إلى الأحياء المجاورة، مما أدى إلى وقوع مواجهات مع البوليس، وليتم اعتقال خمسة طلبة.
يحس العديد من الطلبة، بشكل عفوي، بضرورة الاتحاد مع باقي فئات الشعب، إذا ما هم أرادوا جمع المزيد من القوى لإلحاق الهزيمة بالنظام. فالطلبة وحدهم ليسوا قادرين على إسقاط الديكتاتورية. فقط وحدة الطلبة مع العمال والفلاحين هي القادرة على تحقيق النصر.
إن التكتيك الذي تنهجه الدولة يهدف إلى احتواء احتجاج طلبة الجامعة وحصره داخل أسوار الحرم الجامعي “الآمنة”. وهذا التكتيك ليس جديدا، فلقد سبق استخدامه من طرف أنظمة أخرى، في بلدان أخرى، وديكتاتوريات أخرى. إن ما يخشاه النظام الديكتاتوري هو احتمال انتشار نضالات الطلبة في صفوف العمال والفلاحين الفقراء والشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى. إن النظام يخشى إلى درجة كبيرة إمكانية تحول النضالات الجريئة التي يقوم بها الطلاب إلى ملهم وحافز لباقي الشرائح الأخرى (أي خصوصا للعمال وفقراء المدن) لإتباع خطاها.
فعلى سبيل المثال عندما دعي الطلبة ومجموعات المعارضة يوم 2 مارس في المنستير، وسط البلاد، إلى التظاهر، حُوصرت المدينة بأسرها من طرف البوليس، الذي أغلق جميع المداخل نحو وسط المدينة.
يمكن للنظام أن يتحمل نضالات الطلبة فقط إذا ما ظلت محصورة داخل أسوار الحرم الجامعي. ويأمل أن تكون سياسة تكميم الأفواه المصاحبة بالقمع – الاستعمال الهمجي للقمع والاعتقالات والتعذيب ومصادرة الصحف المعارضة وإغلاق مواقع الانترنيت وكذلك تنظيم حملة ضد قناة الجزيرة – كافية لإيقاف ومن ثم القضاء على جذوة الغضب.
في نفس يوم الإضراب الوطني الذي نظمه الطلبة، تم تقديم عشرة طلاب للمحاكمة من مدن صفاقس وقفصة (في الجنوب) وبنزرت (في الشمال) كانوا قد اعتقلوا خلال الأسبوع الأول من الاحتجاجات. ولقد حُكم على الجميع بشهرين إلى ثلاثة أشهر سجنا.
نظم المحامون بدورهم إضرابا يوم الأربعاء الماضي ضد دعوة شارون وللمطالبة بإطلاق سراح أحد زملاءهم الذي لا يزال في السجن بسبب مشاركته في التظاهر. وقد التحق ثمانون بالمائة من المحامين بالإضراب، بل حتى أن المحامين المعروفين بدعمهم للنظام صوتوا خلال التجمعات العامة في قصر العدالة لصالح القيام بالإضراب!. والآن دعوا إلى التظاهر، يوم الأربعاء المقبل، 15 مارس، أمام سجن تونس. كما دعت جمعية حقوق الإنسان(الرابطة التونسية لحقوق الإنسان) إلى جعل يوم 16 مارس يوما وطنيا للاحتجاج.
فليسقط نظام بن علي الديكتاتوري الرأسمالي
إن هذه الاحتجاجات، التي قام بها طلبة الجامعات والتعليم العالي والتي تلتها احتجاجات المحامين، جد مُعّبرة. إنها تدل على بدايات الحركة ضد دكتاتورية بن علي الدموية في المجتمع التونسي. لقد تمكن النظام من فرض نوع من الهدوء والصمت على المجتمع التونسي طيلة سنوات عبر موجة من القمع والسيطرة المطلقة، وكذلك بنوع من النمو الاقتصادي. إذ كانت تونس تقدم للمستثمرين الدوليين باعتبارها جنة للسلام والطمأنينة، في منطقة معروفة بالاضطرابات. لقد كانت توصف بكونها “التنين الإفريقي” بسبب إنجازاتها الاقتصادية. إن بداية تململ الفئات الوسطى داخل المجتمع (الطلبة والمحامون) تشكل خطرا على استمرارية النظام. وقد أظهر استطلاع للرأي تم مؤخرا على موقع الانترنت (Tunisnews. net) (بالرغم من محدوديته الواضحة) أن 38,9 % من المستجوبين يشعرون أن « غضب التونسيين أشعرهم بالثقة في النفس». وأن 21,3% منهم أعلنوا أنهم « تفاجئوا باتساع» رقعة الغضب.
لقد كان الطلبة دائما مقياس يعكس درجة التحولات التي تطرأ على مزاج المجتمع. وهم، على العكس من العمال والفلاحين، يمتلكون قدرا أقل من الالتزامات المادية الشيء الذي يمكنهم من الانخراط بسهولة في الاحتجاج. كما أنهم لن يلعبوا فقط دور مقياس للعواصف التي ستضرب تونس، بل سوف يعيدون الحياة للعديد من الذين فقدوا الأمل خلال السنوات الأخيرة.
عملت بعض الأحزاب المعارضة التي شجعتها احتجاجات الشوارع الأخيرة، على الدعوة إلى مسيرة وطنية ضد زيارة شارون يوم 8 أبريل. ويمكن لهذه المسيرة أن تشكل نقطة التقاء ليس للطلبة فقط بل أيضا للعديد من العمال.
لإنجاح هذه المسيرة يجب موازاتها بدعوة إلى القيام بإضراب وطني في كل الجامعات والمعاهد العليا ودعم ذلك بإضراب العمال عن العمل في المصانع والإدارات.. يتوجب على الطلبة أن يتوجهوا نحو أحياء الطبقة العاملة والمصانع للدعاية للمسيرة الوطنية. وبتنظيمهم للجان معارك ديمقراطية تظم ممثلين منتخبين عن العمال والشباب، سوف يعطون للشكل الاحتجاجي تعبيرا أكثر تنظيما.
لا يمكن أن تُوجه هذه المسيرة الوطنية فقط ضد دعوة شارون المهنية ولأجل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين. بل يتوجب أن يتم توسيع برنامج المطالب، لتتضمن مطلب الحقوق الديمقراطية (حق التعبير والتظاهر والتنظيم والحق في انتخابات حرة… الخ) والمطالب الاجتماعية والاقتصادية للجماهير الكادحة (العمل للجميع الرفع من الأجور لا للاستغلال… الخ) ولتحقيق هذه المطالب سوف لن يكون كافيا محاولة الضغط على النظام لتقديم بعض التنازلات والقيام ببعض الإصلاحات. إن المطلوب ليس أقل من التدمير الكلي لنظام بن علي الدكتاتوري الرأسمالي الموالي للإمبريالية!. إن الطريق الوحيد للحصول على الحقوق الديمقراطية الحقة والحرية الحقة وللقضاء على الاستغلال والتبعية للإمبريالية، هو إقامة تونس اشتراكية، كجزء من فدرالية اشتراكية للشرق الأوسط.
جون دوفال
14 مارس 2005
عنوان النص بالإنجليزية :