لقد أثارت “الدعوة الشخصية” التي وجهها دكتاتور تونس الرئيس بن علي، للسفاح الإسرائيلي أرييل شارون، لزيارة بلده خلال شهر نوفمبر المقبل، بمناسبة القمة العالمية لمجتمع الإعلام، حِمية الشباب التونسي.
ربما لم يتوقع الرئيس بن علي وهو يعلن دعوته على الملأ، يوم 25 فبراير الماضي، إطلاقا انه سوف يثير غضب الطلاب وتلاميذ المدارس في الوطن بأسره. إذ ربما كان يشعر بنفسه قويا بعد “الانتصار” الذي حققه في الانتخابات المزورة السنة الماضية، والدعم التام الذي يجده لنظامه الدموي عند الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي – بدءا من فرنسا -.
إن تونس تعتبر البلد الأكثر استقرارا وهدوءا في شمال إفريقيا، طيلة السنوات العشر أو الخمس عشر الأخيرة، كما تعتبر الوجهة السياحية المثالية.
من الواضح أن هذه الدعوة الموجهة لأرييل شارون إنما جاءت بتوجيه أمريكي، إذ ليس لتونس أي علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل. ويريد النظام التونسي طبعا أن يشكل جزءا من خطة السلام الأمريكي الجديد في الشرق الأوسط الكبير. لذا فانه يحتاج إلى “تطبيع” علاقاته مع الصهاينة الإسرائيليين. في الواقع يعتبر بن علي مرشحا للعب دور أفضل حليف عربي لأمريكا. ومقابل الدور الذي يلعبه كدمية طَيّعة للأمريكان، يريد بن على الحصول على المزيد من الدعم لدكتاتوريته، وبعض المساعدات الاقتصادية لتمويل شرذمة المافيا المحيطة به.
التضامن مع الجماهير الفلسطينية والعراقية
إن القضية الفلسطينية قضية محورية في كل منطقة الشرق الأوسط، خاصة بالنسبة للشباب الذين يربطون بقوة مصيرهم بمصير الجماهير الفلسطينية. إنّ العديد من الشباب العربي يعلم انه ليس فقط الآلة الإسرائيلية هي وحدها المسؤولة عن قمع الفلسطينيين، بل إنّ كل الأنظمة العربية تساهم إلى هذا الحد أو ذاك في قمع الشباب الفلسطيني البطل.
سرعان ما وصل الغضب ومشاعر الإدانة خلال الأسبوع الماضي نقطة الغليان، في كل جامعات تونس. وقد اتضح اتساع موجة الاحتجاجات خلال نهاية الأسبوع. إذ تحدى عشرات الآلاف من طلاب الجامعات، وتلاميذ المدارس الثانوية القمع البوليسي الهمجي أثناء الإضرابات، والاعتصامات والمظاهرات التي نظموها ضد تلك الدعوة المستفزة.
توقفت الدراسة في “المعهد العالي للعلوم الإنسانية والاجتماعية ابن شرف”، واعتقل خمسة طلبة، من بينهم امرأتان في مدينة صفاقس وعُذبوا. كما اقتحم البوليس مدرسة ثانوية في جبنيانة. وعرفت الجامعات مواجهات عنيفة بين البوليس والطلبة. وتم إغلاق كلية العلوم ببنزرت وجامعة جندوبة واعتُقِل عشرات الطلبة حُوكم العديد منهم.
يوم السبت 5 مارس أوقف البوليس مظاهرة سلمية قبل أن تتمكن من مغادرة الحرم الجامعي. وتم إيقاف بعض الأساتذة في أماكن أخرى، واختُطِف ثلاثة من قادة ريد أطاك (RAID – ATTAC) لم يُسمع عنهم أي خبر لحد اللحظة. كما تعرض الأمين العام للحزب التقدمي الديمقراطي– حزب معارض معتدل- للضرب من طرف البوليس. وقد أعلن قائد هذا الحزب انه يجب على بن علي إلغاء تلك الدعوة الموجهة لشارون، وإلا فانه سيكون مجبرا على “السير فوق أجساد ميتة” خلال الزيارة.
كما اعتقل المناضل الحقوقي محمد عبو بعد نشره لمقال على صفحات الانترنيت يُشبّه فيه السجون التونسية بسجن أبو غريب (حيث عذب سجناء عراقيون على أيدي حراس أمريكيين). وقد أعلن محامو تونس العاصمة خوضهم لإضراب يوم الأربعاء للاحتجاج على هذا الاعتقال التعسفي.
يوم الجمعة الماضي حاول الآلاف من رجال الشرطة وقف مظاهرة وسط المدينة، حيث وبمجرد ما اجتمع عدد من الطلاب عمل البوليس على دفعهم إلى طرق جانبية، حيث تعرضوا لضربٍ مُبرح. وتم اعتقال العشرات من الطلبة ليطلق سراح بعضهم فيما بعد. كما تعرضت مناضلة حقوقية أخرى (راضية نصراوي)، للضرب مما أدى إلى إصابتها بعدة كسور إضافة إلى جرح في عينها. وأصيبت إحدى بناتها بجروح في رأسها. إنّ أغلب الطلبة الذين تعرضوا للضرب أصيبوا بجروح في رؤوسهم وأطرافهم. وقد أجبر التلاميذ الذين اعتقلوا قبل إطلاق سراحهم على توقيع التزامات يعلنون فيها أنهم لن يشاركوا في أي مظاهرات مستقبلا. وللإشارة عرفت هذه المظاهرات، مشاركة مناضلين نقابيين ووجوه معارضة.
في محاولة منها للتعتيم على المظاهرات المعارضة عملت الحكومة على إغلاق العديد من مواقع الأخبار على شبكة الانترنت، الشيء الذي يعتبر مثيرا للضحك في بلد سوف يستضيف القمة العالمية لمجتمع الإعلام!
لكن وبالرغم من ذلك تواصلت طيلة الأسبوع الدعوات إلى تنسيق الجهود عبر كل الوطن، واستعمل لهذا الغرض عدد من مواقع الانترنت التي لم يتمكن النظام من مراقبتها.
شرارة غضب أعم
ليس من المصادفة أن يكون الشباب هم أول من ينتفض ضد النظام. إنّ دعوة شارون ليست سوى شرارة فجرت غضبا أسبابه أعمق، لكنه لم يجد لنفسه مرجعية طيلة السنوات الأخيرة. وقد أعطى غياب المرجعية هذا الانطباع بسلبية الشباب التونسي وتذمره. لكن هذا الوضع قد تغير الآن!. بالرغم من الوصف الذي يُعطى لتونس بكونه بلدا مستقرا ومزدهرا فإنّ وضعية الجماهير سيئة.
فالنمو الاقتصادي (الذي سجل رقم 5% كمتوسط خلال السنوات الثلاث الأخيرة و4% خلال السنوات العشر الأخيرة) لم يمتص البطالة التي تعرف تزايدا مستمرا. إن أرقام النمو هذه تعتبر أفضل من المعدلات المسجلة في بلدان الجوار، لكنها غير كافية للرفع من مستوى عيش الجماهير، وخاصة الشباب.
تقدر الإحصائيات الرسمية معدل البطالة في 15% إلى 16% من الساكنة النشيطة، لكن ما يسمى “بالساكنة النشيطة” لا تشكل سوى 48% من السكان، أما الآخرون فليسوا محسوبين ضمن القادرين على العمل! ويعتبر الشباب – وخاصة الشباب المتعلم- الشريحة الأكثر استهدافا بالبطالة. إذ 68% من العاطلين هم أقل من 30 سنة. ثلثاهم خريجو التعليم العالي. إذن كلما كنت أصغر سنا وأكثر تعليما، كلما ضعفت إمكانيات حصولك على عمل، يا له من إهدار للطاقات! ويا له من تناقض- تناقض يشترك فيه الشباب التونسي مع الطلبة المغاربة!- وسوف يلتحق مئات الآلاف من الطلبة بلائحة العاطلين خلال السنتين المقبلتين. وإلى هذا الظلم الجلي يجب أن نضيف أن عدة مئات من آلاف عمال النسيج، سوف يفقدون مناصبهم قبل حلول سنة 2008، نتيجة لإقامة منطقة التجارة الحرة في المنطقة.
تقول الإحصائيات الرسمية أن 4% فقط من التونسيين يعيشون الفقر. وهذه كذبة أخرى. ففي المدن يعيش 15% من السكان بأقل من دولارين أمريكيين في اليوم. أما على المستوى الوطني فان واحدا من كل أربعة تونسيين يعيش الفقر. وقد تراجعت الأجور خلال العشرين سنة الماضية، إذ أن الحد الأدنى للأجور الآن هو أقل بحوالي 15% مما كان عليه سنة 1984!.
يجب على الطلبة والعمال إسقاط دكتاتورية بن علي!
إذا أضفنا إلى كل هذا القمع الهمجي المسلط على الجماهير، نعرف لماذا ينتفض الشباب التونسي ضد دكتاتورية بن علي. إنّ ما حدث ليس سوى المعركة الأولى، ليست سوى مناورة حربية، لكن المهم هو أن الحرب قد بدأت، لا شك في ذلك. وسوف نرى في الأيام القليلة المقبلة كيف ستتطور الأوضاع، فالنظام ولحدود اللحظة لم يعطي أية إشارة لاحتمال إلغاء الدعوة، لهذا يتوجب على الطلبة أن يواصلوا وأن ينظموا نضالاتهم على المستوى الوطني، ينبغي الدعوة إلى يوم وطني للنضال، ويتوجب تشكيل لجان نضال تضم كل من الطلبة والعمال، بهدف النضال ضد النظام. يجب على هذا النضال أن لا يقتصر على الطلبة وحدهم، بل أن يتوجه نحو العمال في المصانع والإدارات، ونحو الفلاحين في البوادي، يجب على الطلبة الأبطال أن يوجهوا نضالاتهم ليس فقط ضد إجراء واحد من إجراءات النظام– دعوة شارون لزيارة تونس- بل ضد النظام بأسره. إن الأحزاب المعارضة المعتدلة (التي هي في الواقع أحزاب مرخص لها من طرف هذا النظام، رغم ما تبديه من معارضة شكلية) تبذل قصارى جهدها من أجل حصر الحركة في حدود معارضة دعوة شارون. وهي بعملها هذا تريد حماية النظام. أما الحقيقة فهي أن دعوة شارون ليست سوى تمظهر لطبيعة النظام الديكتاتوري كنظام موالي للإمبريالية. إذ أن كل السياسة الاقتصادية المبنية على التقليص في الأجور والبطالة والقمع الهمجي لحرية التعبير والتنظيم مرتبطة جميعها بطبيعة النظام كنظام رأسمالي تبَعي. وهذا هو ما يجعل من الضرورة رفع باقي المطالب الأخرى الاجتماعية والاقتصادية من طرف المُحتجين.
إن أفضل ما يمكن للشباب التونسي أن يقدموه لمساعدة إخواننا وأخواتنا في المناطق المحتلة في فلسطين والعراق، هو إسقاط نظام بن علي الدكتاتوري في تونس. وللقيام بهذا يحتاج الشباب والعمال التونسيون إلى شيء أكبر من البطولة والعزيمة، إنهم يحتاجون إلى حزب ثوري جماهيري لمساعدتهم. إن حزبا كهذا ليس موجودا بعد، لكن من الممكن تشكيله من بين أفضل الشباب والعمال المحتجين اليوم في شوارع تونس.
- التضامن مع الشباب التونسي البطل ضد قمع البوليس الهمجي.
- الحرية للمعتقلين، وإسقاط جميع المتابعات ضدهم.
- إنزال العقاب بالمسؤولين عن التعذيب وضباط البوليس المسؤولين عن القمع.
- الحرية المطلقة والكاملة للمعتقلين السياسيين.
- كل الحقوق الديمقراطية للشباب والعمال والفلاحين التونسيين. من أجل الحق في التعبير الحر والحق في الاجتماع والإضراب والتظاهر.
- التضامن مع نضال الجماهير الفلسطينية والعراقية ضد الاحتلال الإمبريالي.
- فلتشكل لجان ديمقراطية للمعارك في الجامعات والمدارس والأحياء والمعامل، والأحياء السكنية والقرى، لتوحيد وتنسيق النضالات ضد دكتاتورية بن علي.
- يجب على الحركة الحالية رفع مطالب العمال والفلاحين والمضطهدين: الشغل للجميع، لا لضرب مناصب الشغل، التعويض عن البطالة، الرفع من الأجور ﺑ 100% بما يتماشى مع الارتفاع الذي تعرفه كلفة المعيشة، أسبوع عمل أقصر دون المساس بالأجور، النقل المجاني، التعليم المجاني،… الخ.
- فلتسقط ديكتاتورية المافيا الرأسمالية لبن علي!
- نعم لحكومة عمال وفلاحين حازمة في القضاء على الرأسمالية وبناء اقتصاد اشتراكي.
- نعم لجمهورية تونسية اشتراكية، جزء من فدرالية اشتراكية للشرق الأوسط.
جان دوفال
07 مارس 2005
عنوان النص بالإنجليزية :
Tens of thousands of youth rise against the Ben Ali dictatorship in Tunisia