الرئيسية / الشرق الأوسط وشمال إفريقيا / شمال إفريقيا / المغرب / المغرب: حركة 20 فبراير ومستقبل الثورة المغربية (حوار)

المغرب: حركة 20 فبراير ومستقبل الثورة المغربية (حوار)

ننشر هذا الحوار المهم مع مناضلي رابطة العمل الشيوعي، الفرع المغربي للتيار الماركسي الأممي، حول حركة 20 فبراير من أجل الإحاطة بما حققته الحركة، والتيارات التي توجد داخلها، ونقاط قوتها وضعفها، ومستقبل الحركة وما ينقص الحركة الثورية من اجل إسقاط النظام المغربي، ودور مناضلي اليسار الثوري في بنائها.

  • مرت الآن أكثر من ستة أشهر وحركة 20 فبراير تناضل ضد الاستبداد في المغرب. ما الذي حققته هذه الحركة الجماهيرية؟

لقد حققت الكثير! فمنذ عشرين فبراير 2011 والجماهير الفقيرة تخرج إلى الشوارع، في البداية كل شهر ثم كل أسبوع، ليس في المدن الكبيرة فقط، بل حتى في البلدات والقرى. إن هذا في حد ذاته إنجاز عظيم جدا، إذ لأول مرة في تاريخ المغرب الحديث يخرج آلاف الشباب والجماهير المسحوقة، الذين كانوا لحد الآن بدون صوت، بشكل متواصل إلى الشوارع لتجهر بمطالبها في الحرية والكرامة والقضاء على الاستغلال والاستبداد.

إن أية مظاهرة مدرسة للعمل الثوري، وقد سبق لنا أن أكدنا هذا سابقا عند حديثنا عن المظاهرات العارمة التي اندلعت احتجاجا على الحرب الإسرائيلية ضد غزة، حيث قلنا:

«إن التظاهر واحتلال الشوارع في بلدان ترزح تحت نير نظام دكتاتوري يقمع جميع أشكال التعبير، من قبيل النظام المغربي، ليست تجربة بسيطة، فأية مظاهرة تشكل مدرسة للثورة والعمل الثوري بامتياز. حيث تتطلب قدرا كبيرا من الجرأة والاستعداد للتضحية، خاصة وأن النتيجة تكون أحيانا هي الموت جراء القمع الهمجي، […] ومن ثم فإن خروج هذا العدد الكبير جدا من الشباب المغربي الذين في أغلبهم بدون أي تكوين سياسي ولا تجربة نضالية سابقة ومواجهتهم مع آلة القمع هو في حد ذاته تمرين جيد لتسخين العضلات الفتية قبل الدخول في المعارك المقبلة والتي ستكون ذات مضمون طبقي، تدور حول قضايا اجتماعية كالتعليم والتشغيل والصحة الخ.

خلال هذه التحركات النضالية الرائعة ظهرت العديد من الطاقات الشابة والقادة الطبيعيين للحركة، وتعلموا لأول مرة في حياتهم احتلال الشوارع وتحدي القمع واكتساب الخبرة في الاحتجاج الجماهيري، وهي التجارب التي سوف تعطي ثمارها في المستقبل القريب».

وها هي المعارك ذات المضمون الطبقي، التي توقعنا اندلاعها قبل سنتين، قد اندلعت الآن، وها هم هؤلاء الشباب الذين تمرسوا خلال تلك المظاهرات والمعارك قد عادوا مجددا إلى ساحات النضال بتجربة أكبر وبتصميم أكبر.

كما أنها تمكنت من فرض العديد من التنازلات على الطبقة الحاكمة، سواء منها ذات الطابع الاقتصادي، كالزيادة الأخيرة في الأجور، وتأجيل الإجهاز على صندوق الموازنة، أو تنازلات ذات طابع سياسي من قبيل تعديل الدستور، الخ، وهي التنازلات التي وإن كانت سطحية فإنها كانت مستحيلة التحقيق لولا هذا الحراك الجماهيري، مما يشكل في حد ذاته درسا عظيم الأهمية بالنسبة للجماهير التي تأكدت في الممارسة أنه لا سبيل لتحقيق الإصلاحات إلا بالنضال الثوري في الشوارع، عكس ما ظلت القوى الإصلاحية تبشرنا به طوال عقود حول أن الطريق الأمثل نحو تحسين ظروف عيشنا يمر عبر “السلم الاجتماعي” و”المفاوضات الحبية”، الخ.

والجدير بالذكر في هذا السياق هو أن الحركة قد رفعت إلى حد كبير درجة التسييس بين الشباب والعمال وعموم الكادحين، حيث صار نقاش شعارات ومفاهيم مثل العلمانية والديمقراطية والاستبداد خبزا يوميا، كما أنها طرحت مسألة السلطة السياسية: ملكية برلمانية، جمهورية، جمعية تأسيسية ثورية الخ على طاولة البحث، ليس داخل حلقات صغيرة من الشباب المثقف، في الجامعات والمقاهي، بل بين آلاف الفقراء في الشوارع.

وأخيرا وليس آخرا، تمكنت الحركة أيضا من تخليص الجماهير من شعور الخوف وتحويله إلى المعسكر الآخر، إلى معسكر الطبقة السائدة وجهاز قمعها وأحزابها، وهذا عامل هام في معادلة الثورة، لأن المعنويات في الثورة، مثلما في الحرب، هي العامل الأكثر أهمية في تحديد نتيجتها.

  • يبدو أن النظام الملكي الدكتاتوري قد تمكن من الإفلات من الربيع العربي؟

كثيرا ما يتردد هذا الزعم في وسائل الإعلام البرجوازية. لكنه غير صحيح مطلقا. إن الحراك الثوري الذي أطلقته الحركة ما يزال مستمرا، صحيح أنه لم يصل بعد إلى الدرجة التي وصل إليها في مصر وتونس وسوريا واليمن، إلا أنه موجود وأسوء أيام الحاكمين هي تلك التي لم تأت بعد.

حتى الطبقة السائدة، وبالرغم من كل ما تردده عن “الاستثناء المغربي” و”قدرته على الصمود أمام العاصفة”، غير مقتنعة بذلك مطلقا، وهو ما يتضح من أن الملك نفسه وبخ مؤخرا وزراءه، خلال اجتماع المجلس الوزاري الأخير، الاثنين 17 أكتوبر، بسبب استمرار الاحتجاجات في الشوارع، قبل أن يترك المغرب ويذهب إلى فرنسا في زيارة مطولة دامت ثلاثة أسابيع. مما يدل على أن رأس الهرم قد بدأ يعي خطورة الوضع وجدية الحركة.

وهذا ما يعيه الإمبرياليون وكل المنظرين الجديين للنظام القائم ومن بينهم حتى ابن عم الملك هشام العلوي الذي لا ينفك يوجه التحذيرات للنظام من أجل القيام بإصلاحات من فوق تقيه من ثورة من تحت.

إن المراهنين على إفلات النظام المغربي من حكم التاريخ وزحف “الربيع العربي” مثيرون للسخرية حقا، لأنهم يعتمدون على المتمنيات أكثر مما يعتمدون على الحقائق. فالنظام القائم مفلس والأزمة خانقة، البطالة وصلت مستويات عالية جدا، وهو الوضع الذي لم يعد المناضلون وحدهم يفضحونه، بل حتى المدافعون عن النظام القائم، إذ عبر وزير المالية الأسبق محمد برادة عن رعبه قائلا: «لا أحد سيرغب في أن يحل محل حكومة الفاسي لأن موعد تقديم الحساب سيحل قريبا» (المساء ع 1518- 09 غشت 2011).

وحسب تقرير التنمية البشرية لعام 2011، الذي تصدره الأمم المتحدة، تراجع المغرب بـ 16 مرتبة على سلم التصنيف الدولي ليصل إلى المرتبة 130 من بين 181 دولة. مسبوقا على المستوى العربي بكل من ليبيا وتونس ومصر وسوريا وهي البلدان التي شهدت وتشهد حراكا ثوريا، ومسبوقا طبعا بالإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين والسعودية والكويت ولبنان والجزائر، بل وحتى فلسطين والأردن الخ، وليس وراءه سوى السودان واليمن وموريتانيا ودجيبوتي…

صحيح أن الحراك الثوري المغربي ما زال بطيئا في وتيرته ولم يصل بعد إلى ما وصله في بلدان أخرى، لكن هذا الوضع لن يدوم طويلا. المهم هو أن المرحلة الثورية قد انفتحت، والنظام محكوم عليه.

  • ما هي نقاط قوة وضعف حركة 20 فبراير؟ وهل توجد داخلها تيارات مختلفة؟
من بين أهم نقاط قوة الحركة: المشاركة المكثفة للنساء

فيما يتعلق بمسألة التيارات، توجد داخل الحركة تيارات متعددة، فإلى جانب التيارات اليسارية الثورية وبعض التيارات الإصلاحية هناك الأصوليون إضافة إلى شباب بدون انتماءات سياسية او تنظيمية.

أما ما يتعلق بنقاط القوة والضعف، فإن أهم نقاط قوة الحركة الشبابية الثورية الحالية هي المشاركة المكثفة للنساء، من موقع طليعي في أغلب الأحيان. وهذا ما يعطي للحركة زخما كفاحيا بالنظر إلى أن وضعهن في ظل المجتمع الرأسمالي أكثر سوءا ومطالبهن أكثر جذرية وبالتالي فمن بين صفوفهن ستخرج العناصر الأكثر كفاحية والأكثر حزما والأكثر ثورية.

وقد يبدو غريبا للبعض أن نضيف أن أهم نقطتين من نقاط قوة الحركة الشبابية الثورية، عشرين فبراير، هي بالضبط أهم نقطتين من نقاط ضعفها! لكن هذا هو الواقع!

فهي أولا حركة شبابية غير منظمة، مما يعني أنها منفلتة من سيطرة بيروقراطية الأحزاب الإصلاحية وبيروقراطيات النقابات، لكن غياب التنظيم يعني في نفس الوقت غياب قيادة ممركزة تمتلك برنامجا واضحا وتكتيكات علمية وقادرة على مراكمة التجارب والاستفادة من دروس الثورات، سواء الجارية في الوقت الحالي بالعالم العربي أو في الماضي.

كما أن أغلبية الشباب المشاركين/ ات فيها، بل وحتى رموزها، هم شباب بدون تجربة نضالية سابقة، فهم/ هن مناضلون ومناضلات يدخلون إلى ساحة النضال لأول مرة في حياتهم/ هن، وهو ما يعني أنهم / هن متخلصون/ ات من إحباطات الجيل السابق المتعب وأوهامه وأحكامه المسبقة، إنهم/ هن جيل جديد مليء بالحماس الثوري لم يعش هزائم الماضي، نهض إلى النضال في عز المد الثوري والانتصارات وكله إصرار على إكمال المسيرة الثورية إلى النهاية.

لكن نقطة القوة هذه هي في نفس الآن نقطة ضعف خطيرة، لأن هذا الجيل الشاب من المناضلين والمناضلات، لا يمتلك الخبرة الكافية ولا يمتلك النظرية الثورية، إنه جيل من البحارة الشجعان الذين يصارعون أمواجا عاتية ببسالة الأبطال لكنهم بدون بوصلة ولا خريطة.

أما أبرز نقاط الضعف الأخرى فهي: استمرار فرض بعض أبناء الطبقة الوسطى المدللين أنفسهم زعماء للحركة بمساعدة ممنهجة من قبل وسائل الإعلام وباستعمال الطرق الإقصائية ضد المناضلين الجذريين النابعين من بين صفوف الطبقة العاملة والكادحين.

إنهم أشخاص لم ينتخبهم أحد، ولم يعينهم احد، ومع ذلك يعتبرون أنفسهم، وتعتبرهم وسائل الإعلام البرجوازية، قادة الحركة المتوجين، فهم وحدهم لهم الحق في تحديد سقفها وهم من له الحق في تحديد من ينتمي إليها ومن لا ينتمي الخ. وقد اتضح في عدة مناسبات أنهم الطابور الخامس الذي يستعمله النظام وأذنابه لضرب الحركة وشق صفوفها (الموقف من الدستور، الموقف من الانتخابات الخ).

ثم هناك مشكلة وإن كانت مؤقتة وعابرة إلا انها تلعب دورا هاما في عرقلة تطور الحركة في الوقت الحالي، ألا وهي انتشار الوهم بين بعض فئات الشباب حول عدم أهمية التدقيق في مسألة البرامج والاختلافات السياسية بين التيارات، واعتبار أن كل المشاركين في الحركة هم “اصدقاء للحركة” وأنه “على الجميع التزام الهدوء وتأجيل الخلافات إلى وقت لاحق”، حرصا على “الوحدة”.

وقد سبق لنا أن أشرنا إلى موقفنا من هذا في مقال سابق (المغرب: حركة عشرين فبراير مقترحات للنقاش)، حيث قلنا إن

«الحركة، من وجهة نظرنا، وصلت الآن إلى نقطة صار من الضروري عليها، أو بالأحرى على مكوناتها أن تدقق في المطالب والشعارات، وتحدد بشكل واضح ماذا تريده والبديل الذي تطرحه. فما المقصود بالديمقراطية؟ وماذا يعني كل مناضل/ة في الحركة وكل تيار بالدستور البديل؟ وما هو نظام الحكم المنشود؟»

كما وضحنا أن القائلين بذلك الرأي

« ينقسمون عموما إلى فئتين: فئة من ذوي النيات الحسنة الذين يريدون الدفاع عن وحدة الحركة، ويعتبرون أن كل سعي إلى التدقيق سوف يؤدي حتما إلى شق صفوفها، كما أنهم لا يرون أي فائدة في “التركيز على التفاصيل”، “فالمهم هو النضال بينما كل شيء يمكن تأجيله”. وفئة أخرى من أصدقاء الحركة المزيفين وأعدائها الراغبين في استمرارية “عفويتها” أي في استمرارية خضوعها للفكر السائد والإيديولوجية السائدة، التي تظهر تحت قناع “الرأي العام” و”البديهيات”…».

  • هل التحقت الحركة العمالية بالنضال السياسي؟
العمود الفقري للحركة يتشكل من العمال وأبنائهم وبناتهم (من طلبة وعاطلين..الخ)

يتواجد العمال بطبيعة الحال بشكل مكثف في مظاهرات الحركة، ويشكلون هم وأبنائهم وبناتهم (من طلاب وعاطلين الخ) العمود الفقري للحركة. لكن تواجدهم هذا ما زال لحد الآن تواجدا غير منظم، كما ما يزال بدون شعارات سياسية طبقية واعية. وتلعب قيادة النقابات في هذا السياق دورا مشئوما إذ ترفض تعبئة الطبقة العاملة على قاعدة مطالب واضحة والانخراط المنظم في الحركة بشعارات سياسية ممركزة وبالأشكال النضالية التقليدية للطبقة العاملة وعلى رأسها الإضراب العام مما من شأنه، لو تحقق، أن يحسم الصراع بأسرع وقت ممكن وبأقل ما يمكن من الخسائر.

إن البروقراطيات النقابية رهينة لأوهامها حول “السلم الاجتماعي” وتخشى النضال الثوري مثل خشية البرجوازية له. وهذا ما دفعها مؤخرا إلى عقد مساومة مع الدولة لتحييد الطبقة العاملة عن الصراع من خلال القبول بزيادة هزيلة في الأجور (600 درهم للموظفين في القطاع العام) مقابل ضمان “السلم الاجتماعي” من جانب واحد. وهي الزيادة التي ما كان بإمكان الحصول عليها من طرف البرجوازية لولا تهديدها بالخيار الثوري.

  • ما هو الشيء الضروري لإسقاط النظام الآن؟

إن النظام في الواقع ضعيف جدا. يتخبط في أزمات على كل الأصعدة، وقاعدته الاجتماعية ضعيفة وضئيلة، ثم إن الدعم من قبل أسياده الإمبرياليين لم يعد مضمونا بدون شروط، كما تبين لنا ذلك تجربة تونس ومصر وليبيا، الخ.

أعيان البوادي، الذين طالما شكلوا له قاعدة صلبة لاستمراره، لم تعد لديهم نفس قوتهم السابقة. والطبقة الوسطى المدينية صارت تتآكل باستمرار، بل وتلتحق بعض فئاتها الدنيا بالحركة، أو على الأقل بالمتعاطفين معها. الأحزاب الإصلاحية لا قدرة لها على التأثير في الشارع. والوعود الكاذبة بشأن الإصلاحات والعهد الجديد لم يعد لها نفس التأثير السابق، خاصة وان الوقائع التي تعيشها الجماهير يوميا، في ظل البؤس والاستغلال والاضطهاد، أقوى من كل الأكاذيب.

جهاز القمع متعب وبدأت بوادر التذمر تظهر من حين لآخر بين صفوفه، كما ان الجيش منقسم على نفسه ويشهد غليانا صامتا، وعند أول محاولة لتوجيهه ضد الحركة سيتفكك إلى أشلاء على أساس طبقي. وهذا ما يفسر تأخر النظام في استخدامه لحد الآن، حيث يفضل استعمال البلطجية وتجنيد العصابات من بين أبناء الطبقة الوسطى وحثالة البروليتاريا، بدل الاعتماد عليه.

كل المعطيات الاقتصادية والسياسية تدل على أن النظام القائم بالمغرب أضعف بما لا يقاس من نظام بن علي في تونس ومبارك في مصر والقذافي في ليبيا. وبالتالي فإن إسقاطه ليس مسألة مستحيلة.

لكن واقع الحركة الثورية بالمغرب هو ما يؤخر هذه المهمة، ونجمل معطياتها فيما يلي:

أولا عدم التحاق الطبقة العاملة بالحركة عبر مطالبها المستقلة وطرق نضالها التقليدية: الإضراب العام والانتفاضة المسلحة الخ.

ثانيا ضعف قوى اليسار الثوري.

ثالثا ما تزال النقابات واقعة تحت سيطرة بيروقراطيات قوية تمتلك تاريخا طويلا من الخيانة وخبرة عالية في تلجيم تحركات الطبقة العاملة وإضعاف روحها المعنوية، وقمع كل أصوات الاحتجاج والنقد. وهو العامل الذي لا يمكن الاستهانة به في خضم وضع ثوري، إذ يظهر لنا تاريخ أغلب الثورات في القرن الماضي أن تآمر مثل هؤلاء القادة هو ما أودى بحياة ثورات كانت قاب قوسين من النصر.

رابعا تآمر القوى الأصولية على الحركة، إذ وبالرغم من الصورة التي يحاولون الظهور بها امام اعين الجماهير، باعتبارهم “ثوريين” و”مناضلين من اجل التغيير”، فإنهم لا ينفكون يستغلون كل الفرص الممكنة والقنوات المتاحة (بما فيها السفارة الأمريكية) لطرح أنفسهم بديلا ممكنا للحفاظ على استمرارية النظام ككل. إن موقفهم هذا واستمرار انخداع فئة مهمة من الشباب بهم، يعرقل تطور الحركة وسيرها نحو إسقاط النظام.

لو توفر حزب ثوري، ببرنامج واضح؛ لو توفرت قيادة منظمة وواعية من بضعة آلاف منغرسة في النقابات والأحياء العمالية ببرنامج انتقالي واضح، ومصداقية في أعين الجماهير، لصار من الممكن ليس فقط إسقاط النظام، كما حصل في مصر وتونس، بل لصار من الممكن أيضا حسم الطبقة العاملة للسلطة السياسية.

إن من يستهينون بقدرة بضعة آلاف من المناضلين الماركسيين، المنغرسين حقا بين الجماهير، على قيادة الثورة لا يفهمون شيئا عن الثورة، لا سواء في الماضي أم في الحاضر. إذ خلال الثورات الحقيقية تقوم الجماهير بالقسم الأكبر من المهام: تسقط الأنظمة، تشكل المجالس ولجان الدفاع الذاتي، تقسم الجيش إلى أشلاء، الخ. الشيء الذي يبقى مفتقدا هو من يرفع الشعار الصحيح: “ينبغي الهجوم فورا على فرساي وتأميم البنك المركزي”. والثورة التونسية والمصرية أعطتا الدليل الواضح على ما نقوله.

  • هل يشارك الأصوليون بدورهم في الحركة؟ هل هم ديمقراطيون حقا وما هو تأثيرهم؟

نعم يشاركون، وأقصد بالتحديد العدل والإحسان، لكنهم يشاركون بشكل انتهازي، ففي البداية كانوا يحضرون بشكل هزيل، خاصة عندما تكون الحركة مهددة بالقمع. لكن في كل مكان تمكنت فيه الحركة من تحقيق المكتسبات وفرضت موازين قوى لصالحها يخرجون بكثافة لوضع بصمتهم على الحركة.

إن علاقتهم بالحركة مرتبطة بمصالحهم الأنانية المبنية على الضغط على النظام لتحقيق مكاسب سياسية لأنفسهم، من قبيل الحق في تكوين حزب سياسي. خاصة وأنهم لا يتبنون في الواقع أي نقطة من النقاط التي تتبناها الحركة، فهم ليسو ديمقراطيين وليسو ضد الاستبداد ولا ضد الرأسمالية.

فعبد السلام ياسين نفسه سبق له أن كتب مبررا الاستبداد قائلا:

«من الإسلاميين من يتصور أنّ على الأمير أن يشاور ولا يتعدَّى الشورى قيد أُنملة. معنى هذا الشللُ التامُّ العامَّ. ومنهم من يأنَف من مسألـة الطاعة وكأنه يرى في كل حبل مفتول أفعى قاتلة لطول ما عانينا من الاستبداد».

كما كتب ضد الديمقراطية قائلا:

«الديمقراطية: ترقيعٌ هو من أصله اقتراح ديمقراطية في بلاد المسلمين، والتنادي إلى تخليق هذه الديمقراطية الغريبة ,عن وطنها وعن شروط حياتها ترقيع على ترقيع. غريبةٌ هي وغريبٌ مشروع تخليقها المقترحُ في ديارنا».

كما قال عنها أيضا إنها:

« […] زبدة تجربة جرت وقائعها في مناخ اجتماعي تاريخي غير مجتمعنا وتاريخنا، فهي لذلك نبتة غريبة ,أنّى لها أن تستنبت في أرض غير أرضها».

وليست هذه الاستشهادات سوى غيض من فيض من مواقف الجماعة من الديمقراطية وهو ما سبق لنا أن فضحناه في مقالات سابقة (انظر مقالنا الصادر في جريدة الشيوعي، العدد 07)

ولا بد من الإشارة هنا إلى أن تأثيرهم يبدو كبيرا في الظاهر، حتى إن بعض التيارات التي تدعي نسبتها إلى اليسار وإلى الماركسية رفضت الانضمام إلى الحركة بحجة سيطرة الأصوليين عليها. لكن الواقع شيء آخر مناقض تماما.

إن الحركة تقوم على قاعدة مطالب مادية ملموسة: الصحة والتعليم والخبز، والقضاء على الاستبداد الخ وليس فرض الحكم الأوتوقراطي وتطبيق الشريعة وفرض الحجاب وما إلى ذالك من نقاط مشروعهم.

إن الحركة الثورية الحالية ليست مصدرا لقوتهم، بل هي مصدر لأزمتهم. ليس فقط في المغرب بل حتى في ليبيا وتونس حيث تمكن هؤلاء الأصوليون من الوصول إلى السلطة والاشتراك في اقتسام الكعكة. إذ أن ذلك سينزع أخيرا كل الأقنعة التي طالما تستروا ورائها ليظهروا للجماهير، التي ما تزال لديها أوهام حولهم، باعتبارهم مجرد أحزاب برجوازية مثل بقية الأحزاب الأخرى، جوهر مشروعهم هو الدفاع عن النظام الرأسمالي والملكية الخاصة والاستغلال.

  • ما هو دور القوى اليسارية من قبيل النهج الديمقراطي واليسار الاشتراكي الموحد؟

شباب تلك الأحزاب مناضلون/ات كفاحيون/ات. إنهم متواجدون في كل الأشكال النضالية ويقدمون التضحيات، ويقفون في طليعة الحركة. إلا أن الحركية المفرطة وغياب التصور النظري وقلة الخبرة تجعل من المناضلين منفعلين بالحركة اكثر من كونهم فاعلين فيها.

كما أن تلك الأحزاب عموما ضعيفة وقليلة التأثير لحد الان، وما تزال قيادتها تتخبط في كل أنواع الأوهام والأخطاء النظرية والتنظيمية، ذات الأصول الستالينية الماوية. إضافة إلى انتشار النزعة العصبوية بين صفوفها، فلا تقاليد للعمل المشترك على قاعدة تكتيك الجبهة العمالية الموحدة، ولا استعداد لتقييم طريقة التعامل مع الجماهير، ولا قدرة على تدقيق برامج ثورية تقدم للجماهير بديلا ثوريا واضحا ومقنعا.

وأغلبية تلك الأحزاب والتيارات تفاجأت بالمد الثوري، وبعضها ما يزال لحد الآن لا يصدق أن هناك ثورة تجري أمام انظاره.

لكن الثورة تعلم وتصقل، وفي خضمها ستتعلم الفئات الأكثر ثورية والأكثر نقدية، من بين صفوف تلك الأحزاب والتيارات، كيف تحسم مع الأخطاء وتعيد الاعتبار للتصور الماركسي لكيفية قيادة الجماهير وإنجاز الثورة حتى النهاية، تصور ماركس وإنجلز ولينين وتروتسكي.

  • ما الذي يقوم به مناضلو/مناضلات رابطة العمل الشيوعي في هذا النضال؟

نحن، في رابط العمل الشيوعي، لا نشكل استثناء من حالة اليسار عموما، فنحن أيضا ما نزال مجموعة صغيرة، وما يزال تأثيرنا في الطبقة العاملة ضعيفا. كما ان الحركية المفرطة التي تفرضها علينا الثورة، تشكل ضغطا هائلا على قوانا الفتية.

لكننا وعلى خلاف التيارات اليسارية الأخرى نمتلك برنامجا انتقاليا نطرحه للحركة ونتدخل على أساسه فيها. كما أننا نمتلك، وهذا هو الأهم، منظمة أممية ومنظورا أمميا للنضال، نؤطر ضمنه تدخلنا في الحركة محليا. هذا إضافة إلى أننا نولي أهمية كبرى للنظرية سيرا على نهج لينين الذي طالما أكد أنه لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية.

إننا نعمل على كسب الشباب الثوري داخل الحركة إلى الفكر الماركسي وتنظيمه من اجل بناء القيادة الثورية، التي نعتبر أن وجودها ضروري لنجاح الثورة. كما أننا نعمل في كل اماكن تواجدنا على إعطاء المنظور الماركسي والأممي للحركة، مع احترام الديمقراطية الداخلية وعبر شرح تصورنا بصبر بدون فرض آرائنا.

كما نعمل من خلال كل الوسائل المتاحة لنا: بيانات، مداخلات، مقالات، الخ على دعوة التيارات اليسارية التقدمية إلى تشكيل جبهة عمالية موحدة على قاعدة الديمقراطية والوحدة في الممارسة، من أجل تقوية فعل اليسار وتأثيره داخل الحركة.

وطبعا يسير كل هذا جنبا إلى جنب مع التدخل الميداني والمشاركة في كل الأشكال النضالية، بكل ما يفترضه هذا من تضحيات جسيمة، من بينها المضايقات والاعتقالات والقمع (انظر على سبيل المثال: المغرب: دعوة للتضامن الأممي مع ضحايا القمع بعد مظاهرات 20 فبراير)

موقع الدفاع عن الماركسية
الأربعاء: 09 نوفمبر 2011

نص الحوار بالإنجليزية:

A balance sheet of eight months of revolutionary struggle in Morocco

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *