ستجرى الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية المزورة في مصر يومي 16 و17 يونيو. وسوف سيتواجه في هذه الانتخابات أحمد شفيق، الوزير السابق في عهد مبارك، ومحمد مرسي عن الإخوان المسلمين. لا يمكن للماركسيين أن يقدموا أي دعم لأي من هؤلاء المرشحين، فكلاهما يمثل قوى الثورة المضادة. لكن الاشتراكيين الثوريين في مصر قرروا أن يقوموا بذلك، الشيء الذي يعتبر خطأ فادحا.
«من الأفضل أن تصوت لشيء تريده ثم لا تحصل عليه، من أن تصوت لشيء لا تريده فتحصل عليه». (يوجين دبس)
نشر موقع الاشتراكيين الثوريين الالكتروني، عدد 2305 (يوم 02 يونيو 2012)، مقالا تحت عنوان “بيان الاشتراكيين الثوريين حول الانتخابات الرئاسية المصرية”.
هذه المقالة مخزية إلى درجة أنني اضطررت لقراءتها مرتين وللبحث في موقع حزب العمال الاشتراكي البريطاني للتأكد من أنها ليست خدعة. لكن لا، إنها ليست خدعة. إن الاشتراكيين الثوريين المصريين (أتباع طوني كليف) يدعمون جماعة الإخوان المسلمين في الجولة الثانية من الانتخابات ويدعونهم إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية موسعة ضد “الفاشية”.
وقد كتب الاشتراكيون الثوريون بيانا يبدأ هكذا:
«تؤكد حركة الاشتراكيين الثوريين على موقفها المبدئي المعادي لمرشح المجلس العسكري والحزب الوطني المنحل وقوى الثورة المضادة أحمد شفيق.»
غني عن القول إن جميع الاشتراكيين يعارضون مبدئيا المجرم المعادي للثورة أحمد شفيق. إن هذا الرجل مجرم وعدو للشعب المصري. وعندما كان رئيسا للوزراء في عهد الرئيس السابق مبارك، كان مسؤولا عن الهجمات الدموية لقوات القمع ضد الثورة. ليس ترشيحه سوى التعبير الأكثر وضوحا على الطبيعة المخادعة لهذه الانتخابات والدستور الوهمي الذي أعد لها.
نتيجة لتزوير وخداع مكثفين، تمكن شفيق من الوصول إلى الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، حيث سينافس مرشح الإخوان المسلمين الدكتور محمد مرسي. ويقول المقال بشكل صحيح إن:
«هذا تحقق بفضل احتشاد معسكر الثورة المضادة بكامل قوته وتنظيمه وأجهزته القمعية والإعلامية ورجال أعماله خلف شفيق.
«نجاحه يعكس حملات التشهير والقمع المنهجي والتخويف للقوى الاجتماعية والشعبية التي بلغت ذروتها قبل الانتخابات من طرف حثالة النظام القديم الذين تجرئوا على خوض الانتخابات».
من الواضح جدا أن النظام القديم – الذي لم يتحطم تماما مع سقوط مبارك – يستخدم كل الوسائل المتاحة له لخداع الجماهير وسرقة انتصارها. لقد استخدم حملة تزوير واسعة النطاق لضمان النصر للمجرم أحمد شفيق. لكن هل هذا الواقع يبرر تقديم الدعم لمرشح جماعة الإخوان المسلمين؟
ما الذي أظهرته الانتخابات؟
إن ما كشفت عنه الانتخابات كان قبل كل شيء ضعف النظام القديم. ففي الانتخابات الأخيرة لم يكن هناك مرشحان اثنان بل ثلاثة مرشحين رئيسيين: مرسي، مرشح الإخوان المسلمين في المرتبة الأولى بـ 24،4٪ من الأصوات، يليه أحمد شفيق الذي حصل على 23.3٪، ثم حمدين صباحي، الناصري، الذي حصل على 20.3٪.
شفيق مرشح النظام القديم، والقطاع الأكثر رجعية داخل الطبقة الحاكمة والجيش والبيروقراطية. لقد كان آخر رئيس وزراء في ظل النظام القديم، وأطيح به بعد ثلاثة أسابيع من سقوط مبارك. انه دمية في يد الجيش، ومن الواضح أن قوى الثورة المضادة اتفقت على ترشيحه. ويعتقد انه عبئ حزب مبارك -الحزب الوطني الديمقراطي- لحملته الانتخابية. لقد تم دعم حملته الانتخابية من قبل جميع وسائل الإعلام، وربما أجبرت بعض أقسام القوات المسلحة إلى هذا الحد أو ذاك على التصويت لصالحه.
على الرغم من كل شيء، لم يتمكن معسكر شفيق من جمع سوى خمسة ملايين صوت لمرشحهم. ويشكل هذا الرقم المجموع الكلي لجميع القوى الرجعية في مصر، وقد يكون التقدير مبالغا فيه. علاوة على ذلك، لم يصوت سوى 26 مليون شخص من أصل عدد السكان البالغ 80 مليون نسمة. بينما في أوج الثورة خلال العام الماضي رأينا ما بين 10 و20 مليون شخص في الشوارع – يبدو أن جزءا كبيرا منهم لم يشاركوا في الانتخابات.
هذا لا يؤشر على أن القوات المعادية للثورة تكتسب المواقع. من ناحية أخرى شهدنا صعود حمدين صباحي، الناصري الذي يعطي للحركة الثورية تعبيرها السياسي الأولي المشوش (تسميه فاينانشال تايمز اشتراكيا، إلا أنه يجب أن نأخذ المصطلح بمعناه الناصري القديم).
وكتبت صحيفة هندو: «إن السيد صباحي المنحدر من عائلة من الفلاحين، ركز على برنامج لمكافحة الفقر بطريقة من شأنها أن تعود بالنفع على الفلاحين أو المزارعين الصغار، وكذلك الطبقة العاملة الصناعية الغاضبة في مصر». لقد وعد بزيادة الاعتمادات الاجتماعية المخصصة للفقراء، والحد الأدنى للأجور والدعم الزراعي، وهي الوعود التي خطط لتمويلها من خلال رفع قيمة الضرائب على المصريين الأثرياء. ومن بين ما قال انه يقترح “ضريبة التحرير”، على اسم ميدان التحرير، التي من شأنها أن تفرض على المصريين الذين يملكون أكثر من حوالي 900.000 دولار دفع 10% من صافي ثرواتهم دفعة واحدة.
صباحي هو أيضا المرشح الأكثر عداء لإسرائيل والغرب. حيث قال: «سوف أدعم كل أشكال المقاومة المسلحة» ضد إسرائيل، «سواء أتت من الأرض الفلسطينية، أو من لبنان أو من أي بلاد أخرى.» وأضاف قائلا إن: «مصر لن تعود مجددا عرابا لإسرائيل في هذه المنطقة، إن هذا سينتهي».
حصل صباحي على نتيجة جيدة جدا، وفاز تقريبا في كل المراكز السكانية الرئيسية في مصر، بما في ذلك القاهرة والإسكندرية والأقصر ومنطقة البحر الأحمر، وهي المناطق التي لم يكن حتى يعتبر فيها منافسا قبل بضعة أسابيع. يعتقد أن وعده بعدم الوقوع تحت تأثير أي حزب أو تحت تأثير الجيش هو ما حقق له هذا الدعم الواسع، وقد ازدادت شعبيته عندما حل في المركز الثالث في الانتخابات. يتحدث البعض عن كتابة اسمه على ورقة الاقتراع خلال جولة الإعادة. ويرى آخرون أن مكانه في جولة الإعادة سرق منه من قبل الحكومة التي قامت بتزوير الانتخابات.
عندما تم الإعلان عن نتائج الجولة الأولى خرج الآلاف من الناس إلى ميدان التحرير للاحتجاج بسبب اقتناعهم (وهم محقون بدون شك) بأن صباحي تعرض لسرقة مكانه في جولة الإعادة التي ستقام في الأسابيع القادمة. يبدو أن صباحي دعا إلى مقاطعة الجولة المقبلة من الانتخابات. وفي ظل هذه الظروف، كان ذلك هو التكتيك الوحيد الصحيح الممكن. لكن الاشتراكيين الثوريين وبدل الاعتماد على هذا المطلب الثوري حقا، قاموا بدعم مرسي، مرشح جماعة الإخوان المسلمين.
إن التصويت لحمدين صباحي يبين الإمكانات الهائلة التي يمتلكها اليسار للانتصار في مصر. لكن من أجل الاستعداد للانتصار في المستقبل، من الضروري على الثوريين ألا يشوهوا سمعتهم أمام الجماهير من خلال الدخول في تحالفات غير مبدئية مع أعداء الطبقة العاملة. وعلينا أن نضيف أن هؤلاء الأعداء ليسوا بقايا النظام القديم فقط، بل أيضا تلك التشكيلات السياسية البرجوازية الأخرى مثل جماعة الإخوان المسلمين.
أهون الشرين؟
تقول وثيقة الاشتراكيين الثوريين:
«نحن مقتنعون أيضا بأن انتصار شفيق في الجولة الثانية من الانتخابات ستكون خسارة كبيرة للثورة وضربة قوية ضد مكاسبها الديمقراطية والاجتماعية. سيعطي فرصة ذهبية لتحضيرات الثورة المضادة لهجوم انتقامي أكثر وحشية وأكثر اتساعا تحت شعار “إعادة الأمن إلى الشارع في غضون أيام”.»
لا يمكن أن يكون لأي أحد أوهام بشأن طبيعة شفيق، والدور الذي يلعبه. لكن هل يعد هذا مبررا كافيا للدعوة للتصويت للإخوان المسلمين؟ ومن أجل تبرير هذا، تستند الوثيقة إلى المقولة القديمة “أهون الشرين”. لقد سمعنا هذه الحجة عدة مرات من قبل. وفي كل مناسبة، ما كان من المفترض أن يكون أهون الشرين تحول إلى شر كبير جدا.
في روسيا قبل الثورة البلشفية، تم تقديم الكاديت (الليبراليون) باعتبارهم أعداء للقيصرية ومدافعين عن الديمقراطية. وقد دافع الجناح الانتهازي داخل الاشتراكية الديمقراطية الروسية دائما عن أنه يجب على الحركة العمالية أن تدعم الليبراليين ضد النظام القيصري الرجعي باعتبارهم “أهون الشرين”. وقد رفضت هذه الحجة على الدوام بأشد الازدراء من قبل لينين وتروتسكي. كان هذا هو السؤال المركزي الذي ميز التيار الثوري (البلاشفة) عن الجناح الإصلاحي والانتهازي (المناشفة).
وسيرا على خطى ماركس، الذي وصف “الحزب الديمقراطي” البرجوازي بأنه “أكثر خطورة بكثير على العمال من الليبراليين السابقين”، أوضح لينين أن البرجوازية الروسية، بعيدة عن أن تكون حليفا للعمال، وأنها ستقف لا محالة إلى جانب الثورة المضادة.
كتب في عام 1905: «إن البرجوازية في مجموعها سوف تتحول حتما نحو الثورة المضادة، نحو الحكم المطلق، ضد الثورة، وضد الشعب. وبمجرد ما ستتم الاستجابة لمصالحها الضيقة والأنانية، سوف تتخلى عن الديمقراطية المتسقة (وقد بدأت بالفعل تتخلى عنها!)» (الأعمال الكاملة، المجلد 9، الصفحة 98 –الطبعة الانجليزية، المترجم-).
ما هي الطبقة التي يمكنها، من وجهة نظر لينين، أن تنجز الثورة البرجوازية الديمقراطية؟
«يبقى “الشعب”، أي البروليتاريا والفلاحين. وحدها البروليتاريا من يمكن الاعتماد عليها للسير حتى النهاية، لأنها تذهب أبعد من الثورة الديمقراطية. هذا هو ما يجعل البروليتاريا تناضل في المقدمة من أجل الجمهورية، وترفض بازدراء النصيحة الغبية والتافهة بأن تأخذ في الاعتبار إمكانية نكوص البرجوازية» (نفس المرجع).
منذ كتاباته المبكرة وحتى وفاته، استمر لينين يحذر مرارا وتكرارا العمال من الثقة في الليبراليين البرجوازيين.
وكان لتروتسكي نفس الموقف، كما نرى في كتاباته عن إسبانيا وألمانيا. وعندما اتهم الستالينيون تروتسكي بدعم برونينج ضد هتلر في ألمانيا بمبرر “أهون الشرين” رد قائلا:
«الاشتراكيون الديمقراطيون يدعمون برونينج، وصوتوا لصالحه، ويتحملون المسؤولية تجاهه أمام الجماهير – على أساس أن حكومة برونينج هي “أهون الشرين”… نحن الماركسيون نعتبر برونينج وهتلر، وبراون أيضا، أجزاء من نفس النظام. ليس للسؤال عن أي واحد منهم هو “أهون الشرين” أي معنى، لأن النظام الذي نناضل ضده يحتاج جميع هذه العناصر» (النضال ضد الفاشية في ألمانيا، ص 138).
كانت سياسة لينين وتروتسكي للنضال ضد الردة الرجعية هي تشكيل الجبهة العمالية الموحدة، وليس تنظيم تكتلات غير مبدئية وصفقات انتخابية مع الأحزاب البرجوازية.
في إسبانيا سنوات الثلاثينات، كنست الملكية من قبل الجماهير بعد الانتخابات المحلية لعام 1931. انضم الحزب الاشتراكي إلى تحالف مع الجمهوريين البرجوازيين تحت شعار “الدفاع عن الديمقراطية”. لكن ظروف الجماهير كانت تسوء بشكل متزايد. وكانت النتيجة هي صعود الفاشية – أولا بزعامة جيل روبلس، وفيما بعد بزعامة فرانكو.
رفع الفاشيون الإسبان (Falangists) شعارا فعالا للغاية بالنسبة للفلاحين والعمال: “Que te da a comer la Republica?” ماذا أعطتك الجمهورية لتأكله؟ نفس الشيء سيحدث في مصر، حيث سيقول الرجعيون للعمال العاطلين عن العمل، ولأصحاب الدكاكين المفلسين والفلاحين الجائعين: ماذا أعطتكم الديمقراطية لتأكلوه؟ بهذه الطريقة تمهد “الديمقراطية” البرجوازية الطريق للفاشية والرجعية.
جماعة الإخوان المسلمين والإمبريالية
«لذلك ندعو جميع القوى الإصلاحية والثورية وبقية المرشحين الثوريين لتشكيل جبهة وطنية تقف ضد مرشح الثورة المضادة، ونطالب الإخوان المسلمين إعلان التزامهم بما يلي».
ثم تأتي قائمة من المطالب يقدمها الاشتراكيون الثوريون لقادة الإخوان المسلمين مثل قائمة التسوق. عليهم تشكيل تحالف رئاسي يضم حمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح كنائبين للرئيس. وعليهم اختيار رئيس للوزراء من خارج صفوف الإخوان المسلمين. وعليهم أن يصادقوا على قانون بشأن الحريات النقابية، وهلم جرا.
لكن دقيقة! إذا قمت بالتصويت لصالح مرشح الإخوان، ما الذي يضمن لي أنه سيتم تحقيق أي من هذه “المطالب”؟ يقول الاشتراكيون الثوريون إنه على قادة الإخوان أن يفعلوا هذا، ويفعلوا ذلك. لكن كيف يمكننا أن نجبر هؤلاء القادة على فعل أي شيء بمجرد ما يتم انتخابهم؟ إن هذه المطالب مثل حبات السكر التي توضع على الحبوب المرة لمساعدة المريض على ابتلاعها. لكن لا يمكن لأي كمية من السكر أن تخفي الطعم المر لهذه الحبة بالتحديد، والتي سوف تسبب للطبقة العاملة في مصر آلاما سيئة جدا في المعدة.
إن ما يدعوا إليه قادة الاشتراكيين الثوريين ليس حتى جبهة شعبية. والتي من شأنها أن تكون تحالفا بين أحزاب عمالية وحزب برجوازي ليبرالي. بل هذا أسوأ من ذلك بكثير. الإخوان المسلمون ليسوا حزبا برجوازيا ليبراليا بل تنظيم إسلامي رجعي معاد للعمال. كان في الماضي مدعوما وممولا من قبل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، باعتباره وسيلة مفيدة ضد الناصرية، حتى اللحظة التي غيرت فيها الامبريالية الأمريكية رأيها حول المنظمات الإسلامية.
بعد وفاة عبد الناصر لاحظت الامبريالية الأمريكية أن النظام في القاهرة قد غير سياساته وتبنى موقفا براغماتيا تجاه إسرائيل والغرب. حينذاك لم تعد في حاجة لخدمات جماعة الإخوان المسلمين، والذين تم التخلي عنهم تحت رحمة الدولة المصرية. ومع تفجيرات 11 شتنبر، تصلب موقف واشنطن من الإسلاميين عندما توقف حلفاءها وعملاءها السابقون مثل أسامة بن لادن عن قتل الروس وبدئوا في قتل الأميركيين.
لكن في الآونة الأخيرة يبدو أن واشنطن بدأت تغير موقفها مرة أخرى. والآن صارت تنظر إلى جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها أداة مفيدة ضد الثورة. لقد تفاجئ الأميركيون بالثورة المصرية. ففي 25 يناير 2011 صرحت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون قائلة: «تقييمنا هو أن الحكومة المصرية مستقرة وتبحث عن سبل لتلبية الاحتياجات والمصالح المشروعة للشعب المصري».
وبسبب خوفها من انتشار الثورة في الشرق الأوسط، قامت واشنطن الآن بتعديل موقفها من جماعة الإخوان المسلمين، التي ترى فيها على نحو متزايد حصنا ضد الثورة والشيوعية. أو بعبارة أخرى هي أيضا تنظر إلى جماعة الإخوان باعتبارها أهون الشرين. حول هذا الموقف يتفق الأميركيون وأنصار كليف، مع فارق أن أحدهما ينظر إلى الإخوان المسلمين باعتبارهم حصنا ضد الثورة، بينما الآخر ينظر إليهم باعتبارهم حصنا ضد الثورة المضادة. لا يمكن أن يكون كلاهما على حق. لابد أن يكون أحدهما مخطئا. من منهما يا ترى؟
من الواضح أن قادة الاشتراكيين الثوريين يشعرون بالخجل من سلوكهم. ومن تم يحاولون تغطية دعمهم عن طريق طمأنة مناضليهم بأنهم لم يتخلوا عن الموقف الثوري. ويتابع البيان:
«إن موقفنا لا يعني، بالطبع، أننا نتخلى عن نقدنا للبرنامج الاجتماعي والاقتصادي لحزب الإخوان المسلمين الحرية العدالة و”مشروع النهضة” المنحاز بشكل أساسي نحو اقتصاد السوق والمال والأعمال.
«كما لا يضعف نقدنا للأداء السياسي لقيادة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة والثقة التي أولاها هؤلاء القادة للمجلس العسكري وهجماتهم ضد الثوار خلال معارك شارع محمد محمود ومجلس الوزراء وغيرها».
لدينا هنا اعتراف خجول من قبل الاشتراكيين الثوريين بكونهم يطلبون التصويت لصالح حزب برجوازي رجعي. إن “مشروع النهضة” “منحاز بشكل أساسي نحو اقتصاد السوق والمال والأعمال”. يقولون هذا تقريبا كما لو أنهم تفاجئوا. لكن كيف يمكن لحزب يقوده رجال أعمال أثرياء ألا يكون “منحازا نحو اقتصاد السوق والمال والأعمال؟”. كيف يمكنه ألا يضع ثقته في الجنرالات الذين يهاجمون الشعب الذي صنع الثورة؟
يمكنهم أن يستمروا بقدر ما يريدون في القول بأنهم ينوون الاستمرار في “نقد” سياسات الإخوان المسلمين، و”يطالبونهم” باعتماد هذا البرنامج أو ذاك، لكن الحقيقة الموضوعية هي أنهم يزرعون الأوهام الانتخابية حول حزب برجوازي رجعي. .
ما هي مواقف الإخوان المسلمين
يمكن للمرء أن يقول أن لمصر نوعان من البرجوازية. إحداهما سيطرت على زمام السلطة لعقود، وأغنت نفسها من نهب للدولة. وتتجسد في المجلس العسكري ورجال العصابات مثل شفيق، وهم مصممون على التمسك بالسلطة وبامتيازاتهم مهما كان الثمن. وقد كان سقوط مبارك ضربة قاصمة لهم، لكنهم أعادوا تنظيم صفوفهم ويحاولون دفع الثورة إلى الوراء.
لكن هناك نوع آخر من البرجوازية، نوع لم يستفد من سلطة الدولة، وظل خارج السلطة لعقود. إنهم يمثلون طبقة واسعة جدا من الملاكين الصغار والمتوسطين، الذين لم يتمكنوا من السلطة بعد، لكنهم يسعون بنشاط للقيام بذلك. ومن خلال الاختباء وراء عباءة الدين يسعون الآن لاحتلال “مكان تحت الشمس”، الشيء الذي يجعلهم يدخلون في صراع مع الجناح الآخر للبرجوازية. وتدور كل الحياة السياسية في مصر اليوم حول محور الصراع بين هذين الاتجاهين البرجوازيين.
وراء كل ذلك الركام من الكلمات الجميلة عن الحرية والديمقراطية يكمن الصراع بين هذين الاتجاهين البرجوازيين. إنهم يتقاتلون مثل قطط محصورة في كيس للحصول على سلطة الدولة وعقودها المربحة، والإعانات والرشاوى وما إلى ذلك. لكن كلاهما متحدان بقوة ضد العمال وضد الثورة.
ليس هذا الصراع خال من الأهمية بالنسبة للطبقة العاملة، بل على العكس تماما. لكن هذا لا يعني أنه علينا أن نقف إلى جانب أحدهما أو ندعم أحد أجنحة البرجوازية ضد الآخر. يجب على العمال الواعيين أن يبذلوا كل جهد ممكن لكسب الفلاحين والعمال المتخلفين إلى رايتهم وعدم إتباع الإخوان المسلمين.
لقد تمت الإطاحة بديكتاتورية مبارك بفضل الجماهير، وخصوصا الطبقة العاملة المصرية البطلة. لم يكن هذا النصر بفضل الإخوان المسلمين بل على الرغم منهم. إن امتلاك أي أوهام في هذه الحركة الرجعية سيكون خطئا قاتلا.
ماذا كان دور الإخوان المسلمين خلال الانتفاضة ضد مبارك؟ في المرحلة الأولى دعا القادة مؤيديهم إلى عدم المشاركة في التظاهرات الاحتجاجية. ولم ينضموا إلى الحركة أخيرا إلا بعد أن بلغت أبعادا هائلة. لقد اضطروا إلى القيام بذلك وإلا كانوا سيفقدون قاعدتهم.
إن الإخوان المسلمين أبعد ما يكونون عن الدفاع عن الثورة، أو حتى عن وجهة نظر تقدمية وديمقراطية، إنهم يدافعون عن سياسة رجعية معادية للطبقة العاملة مختلطة مع أسوأ أنواع الظلامية الدينية. مرسي مرشح الإخوان، يدعي أنه المرشح الإسلامي الحقيقي الوحيد في السباق على الرئاسة، وأعلن أن برنامج حزبه هو خلاصة الإسلام نفسه. أشارت صحيفة نيويورك تايمز أن حملة الإخوان المسلمين بعد محاولة أولية للظهور بصورة التنظيم المعتدل، انعطفت بحدة إلى اليمين:
«بعد ابتعادهم عن السلفيين الأكثر محافظة أثناء وبعد عملية التصويت في البرلمان، اقترب السيد مرسي والإخوان منهم في الحملة الانتخابية، ووقفوا إلى جانبهم بحزم. لقد أسمى نفسه الإسلامي الحقيقي الوحيد في السباق على الرئاسة، ورفع هتافات تدعوا لتطبيق الشريعة الإسلامية، وصور برنامجه السياسي باعتباره خلاصة الإسلام». (نيويورك تايمز، 27 أبريل)
نشرت صحيفة الجارديان تقريرا يوم 25 ماي يقتبس كلام مرشح الإخوان المسلمين الذين يطلب الاشتراكيون الثوريون من الشعب دعمهم:
«خلال اللقاءات مع الحكومات الغربية، تؤكد جماعة الإخوان المسلمين قناعاتها المعتدلة والديمقراطية. لكن وجهات نظر مرسي الدينية متحفظة للغاية وتشكل بالتأكيد جزءا كبيرا من موقف حزب الحرية والعدالة.
«قالت الصحفية نهى الحناوي: “لقد حول أنصاره شعار الثورة الشهير: ‘الشعب يريد إسقاط النظام’، إلى: ‘الشعب يريد تطبيق شرع الله’،. وفي أحد التجمعات الانتخابية في مدينة المحلة بدلتا النيل، شبه مرشد جماعة الإخوان المسلمين، محمد بديع، مرسي بأحد أكثر صحابة النبي محمد تبجيلا وأول خلفاءه.”
«وقال بديع: “لقد بايعت الأمة [الأمة الإسلامية] أبا بكر، وعلى نفس المنوال سوف تبايع الأمة مرسي رئيسا لمصر إن شاء الله”. وفي أول تجمع له هتف مرسي شعار جماعة الإخوان المثير للجدل: “دستورنا القرآن”»
بالإضافة إلى ظلاميتها الدينية (والتي ليست مجرد تفصيل تافه بل لها عواقب رجعية) ليست جماعة الإخوان المسلمين معادية للجيش كما تود أن توهم الناس. كتبت نيويورك تايمز ما يلي:
«في الواقع، أشارت جماعة الإخوان أيضا إلى أنها تعتزم تبني موقف تصالحي تجاه الجنرالات، والسماح لهم بالاحتفاظ بالإمبراطورية التجارية التي يسيطرون عليها، وحماية ميزانيتهم من الرقابة العامة وحمايتهم من المحاكم المدنية» (نيويورك تايمز، 25 ماي)
فقط بعد الجولة الأولى حيث حاول مرسي تقديم نفسه كمُعادٍ لأعوان مبارك، مع نداء إلى جميع القوى للتوحد ضد أحمد شفيق. وأعلن مسؤولون في جماعة الإخوان المسلمين أنهم استدعوا بقية “المرشحين الثوريين” الآخرين –ما عدا السيد شفيق – إلى اجتماع لإجراء محادثات لتشكيل ائتلاف ضد رئيس الوزراء الأسبق وحول تقاسم السلطة في حكومة بقيادة الإخوان المسلمين. (نيويورك تايمز، 25 ماي)
كيف يمكن عرض وجهات رجعية مثل هذه كشيء تقدمي؟ ربما سوف يجادل الرفاق الاشتراكيون الثوريون بأن مصر بلد شبه مستعمر، مما يوجب تطبيق قواعد مختلفة. لكن هذا يتناقض بشكل تام مع كل ما كتبه لينين وتروتسكي عن الثورة في المستعمرات.
جماعة الإخوان المسلمين حزب برجوازي ويقوده رجال أعمال أثرياء. وقد كان أول مرشح لجماعة الإخوان المسلمين هو رجل الأعمال المليونير خيرت الشاطر. إن قادة الإخوان المسلمين ليسوا الممثلين السياسيين للجماهير بل مستغلوهم السياسيون.
ماذا تريد الجماهير؟
تمتلك جماعة الإخوان المسلمين قاعدة واسعة بين صفوف الفلاحين والبرجوازية الصغيرة والفئات الأكثر تخلفا من العمال وحثالة البروليتاريا. إنها فئات مضطهدة نهضت إلى الحياة السياسية بفصل الثورة. إنهم يكافحون من أجل إحداث تغيير في المجتمع، لكن مستوى وعيهم السياسي ما زال حتى الآن منخفضا جدا.
يمكننا تلخيص الموقف على النحو التالي: ليس للجماهير سوى فكرة غامضة عما تريده، لكنها تعرف جيدا ما لا تريد. ماذا تريد جماهير الشعب المصري؟ إن تطلعاتها ملتبسة، لكن من الممكن أن نرى أهدافها الرئيسية. إنها تريد الديمقراطية بالطبع. فبعد سنوات عديدة من حرمانها من أبسط حقوقها، ها هي تسعى إلى أخذ زمام شؤونها الخاصة. لكن الجماهير تفهم الديمقراطية بشكل مختلف عن فهم سياسيي الطبقة المتوسطة لها.
تعني الديمقراطية بالنسبة لسياسيي الطبقة الوسطى الوصوليين المحترفين الحصول على مقعد في البرلمان، وحقيبة وزارية، وراتب مرتفع وامتيازات أخرى. لكن بالنسبة للعامل أو الفلاح ليست الديمقراطية غاية في حد ذاتها، بل وسيلة لتحقيق الغاية: إنها وسيلة للحصول على وظيفة ومنزل ومستوى معيشي لائق.
لماذا خرجت الجماهير المصرية إلى الشوارع وعرضت حياتها للخطر من أجل إسقاط مبارك؟ لقد كانت تقاتل من أجل حياة أفضل. وبعبارة أصح كانت تقاتل ضد ظروف معيشية لا تطاق. وبفضل مجهوداتها وتضحياتها نجحت الجماهير في إسقاط الدكتاتور. لقد كان هذا انتصارا كبيرا. لكن ما الذي تغير حقا بعد مرور سنة؟ صارت البطالة أسوأ من أي وقت مضى، ومستويات المعيشة في انخفاض، والمشاريع الصغيرة مدمرة. كان هذا حتميا طالما أن الاقتصاد المصري ما يزال في أيدي الخواص، رهينا بتقلبات الاقتصاد الرأسمالي العالمي.
هل حقا أنه من خلال دعمنا للإخوان المسلمين سوف نمنع الرجعيين من العودة إلى السلطة؟ قد تكون هذه الحجة جذابة ظاهريا، لكنها زائفة حتى النخاع. دعونا نطرح السؤال ليس بشكل مجرد، من حيث “المبدأ”، لكن بشكل ملموس، من حيث ما الذي ستعنيه حكومة الإخوان المسلمين بالنسبة للجماهير. ليس الإخوان المسلمون حتى ديمقراطيين برجوازيين بل إنهم ظلاميون رجعيون. إن تقديمهم باعتبارهم “أهون الشرين” خطأ فادح للغاية.
ما الفرق الذي ستشكله حكومة الإخوان المسلمين؟ لا فرق على الإطلاق. فقادة الإخوان المسلمين هم أنفسهم رأسماليون ويدافعون على الحفاظ على اقتصاد السوق مهما كلف الثمن. سوف يستمرون في استغلال العمال تماما كما من قبل، إلا أن الأزمة الرأسمالية سوف تكون أعمق وأكثر شدة من ذي قبل.
الفقرة التالية غريبة إلى درجة السريالية تقريبا:
«علينا أن ندافع عن حق الجماهير في الاختيار واختبار هذه الخيارات كشرط لتطوير وعيها وتطوير موقفها من مختلف القوى السياسية»
هناك فرق شاسع بين الاعتراف بأن الإخوان المسلمين يتمتعون ببعض الدعم بين صفوف الجماهير في هذه المرحلة، وبين تقديم النصيحة للجماهير بالتصويت لصالح الإخوان المسلمين. من المؤكد أن تجربة حكومة الإخوان المسلمين سوف تساعد في تطوير وعي الجماهير وتطوير موقفها من مختلف القوى السياسية. لكن هذا صحيح فقط إذا لم يشوه الحزب الثوري نفسه بالدعوة للتصويت لصالح الإخوان المسلمين.
ستتعلم الجماهير درسا قاسيا جدا في مدرسة الإخوان المسلمين. ما هو الدرس الذي سيتعلمونه؟ إذا احتفظ اليسار باستقلاله، واستمر في الدفاع عن سياسة ثورية، سوف يظهر أمام العمال والفلاحين كممثلهم الحقيقي. وهذا من شأنه تمهيد الطريق لحصول انعطاف كبير لصالح اليسار في وقت لاحق.
لكن ما الذي سوف يحدث إذا ما أيد اليسار جماعة الإخوان المسلمين؟ عندها سوف يحمل على عاتقه المسؤولية الكاملة في كل ما ستقترفه حكومة الإخوان المسلمين – على الرغم من أنه لم يكن رسميا جزءا منها. فالجماهير لن تغفر لهؤلاء الذين أقنعوها بالتصويت لصالح الحزب الذي خان تطلعاتها.
في ظل هذه الظروف، ما هي الخلاصات التي من شأن الجماهير أن تستخلصها؟ سوف تلقي باللوم على اليسار. سيقول البعض: “لقد كنا أفضل حالا في ظل مبارك!”، وسوف تنفتح مرحلة من التحول الكبير نحو اليمين.
هذا هو المآل الذي ستؤدي إليه فكرة “أهون الشرين”.
من أي مرحلة نمر؟
إن صعود الإخوان المسلمين هو انعكاس لهذه المرحلة المبكرة من الثورة، إنها البوادر الأولى المرتبكة من الوعي عند الجماهير التي لم تكتسب بعد وعيا طبقيا للتمييز بين مصالحها الطبقية الحقيقية وبين مصالح هؤلاء القادة البرجوازيين للإخوان المسلمين. وهذا سيأتي مع الوقت. على الجماهير أن تمر من خلال مدرسة الإخوان المسلمين – وستكون مدرسة قاسية جدا في الواقع.
من ناحية أخرى لدينا العناصر الأكثر تقدما في المجتمع المصري، وخاصة الطبقة العاملة والشباب الثوري والمثقفين. لعبت الطبقة العاملة المصرية دورا أساسيا في الثورة، على الرغم من أن وسائل الإعلام البرجوازية قللت بشكل متعمد من أهمية هذا الدور. الحقيقة هي أن العمال المصريين من خلال كفاحهم البطولي مهدوا الطريق للثورة، ومن خلال تحركاتهم الحاسمة، لا سيما في المراحل الأخيرة، ضمنوا انتصارها.
لقد بدأت الحركة العمالية الشابة في مصر في اكتساب التنظيم، سواء نقابيا أو سياسيا. يمكن لنمو الاشتراكيين الثوريين أن يلعب دورا هاما في تطوير حزب سياسي مستقل حقا للطبقة العاملة. لكن الشرط المسبق لذلك هو أنه يجب على الاشتراكيين الثوريين الحفاظ على استقلالية مطلقة عن جميع الأحزاب السياسية والحركات البرجوازية، ويعرضونها لانتقادات صارمة ويفضحونها أمام الجماهير.
صحيح أن الإخوان المسلمين تعرضوا للاضطهاد من قبل النظام القديم، وتعرض قادتهم للسجن. هذا يعطيهم هالة من الاحترام في أعين الكثيرين كأعداء للنظام القديم، وكمناضلين من أجل الحرية. لكن هذه الصورة مضللة تماما. إن قادة الإخوان المسلمين هم في الواقع أثرياء ويشكلون جزءا من الطبقة البرجوازية، وهذا يعني أنهم أعداء للعمال والفلاحين. لقد كانت اشتباكاتهم مع النظام القديم اشتباكات بين جناحين مختلفين من نفس الطبقة.
حقيقة أن هذا الصراع استمر لفترة طويلة، واتخذ طبيعة مريرة وشرسة لا يتعارض أبدا مع هذا الواقع. أراد النظام القديم احتكار سلطة الدولة، ولم يكن على استعداد لمشاركتها مع الإخوان المسلمين. الشيء الذي كان قادة الإخوان المسلمين يريدونه ليس هو تغيير المجتمع (لديهم مصالح خاصة في الحفاظ عليه)، أو قلب نظام الدولة، بل فقط إيجاد مكان لأنفسهم في تلك الدولة واستخدامها لخدمة مصالحهم. كانوا يريدون من البيروقراطية القديمة أن تتزحزح شيئا ما وتترك لهم مساحة في السرير. إلا أن البيروقراطيين القدامى، وبعد عقود في السلطة اكتسبوا ثروة ضخمة وامتيازات من الفساد. كانوا مرتاحين جدا، وليسوا حريصين على إفساح المجال لقادة الإخوان المسلمين. هذا هو الأساس الحقيقي للـ “الصراع” الحالي.
يمكننا التنبؤ بثقة أنه، في اللحظة التي سيحكم الإخوان المسلمون قبضتهم على السلطة، سوف يسعى قادتها إلى الحصول على تسوية مع بيروقراطية الدولة القديمة، والجيش خصوصا، الذي سوف يحتاجونه للدفاع عن ثرواتهم وامتيازاتهم ضد الطبقة العاملة. وبمجرد ما سيصعدون السلم الذي بنته الجماهير، سوف يركلونه بعيدا وسيصنعون السلام مع الأعداء القدامى.
ويمكن لواشنطن، التي لديها فهم لآليات المجتمع الطبقي أفضل بكثير مما لدا بعض المحسوبين على اليسار في مصر ولندن، أن ترى هذا واضحا جدا. إن التجربة الطويلة علمت منظري الامبريالية التمييز بدقة بين الأعمال والأقوال. هذا هو السبب الذي جعل وزارة الخارجية الأميركية تغير موقفها من الإخوان المسلمين. لم يعد ينظر إليهم على أنهم “إرهابيون خطرون” بل شركاء محتملون في عملية إعادة ترسيخ النظام والاستقرار في مصر.
أما من ناحية أخرى فإن الجماهير، التي تفتقر إلى أي خبرة في السياسة، ما تزال ساذجة. وهي على خلاف الامبريالية لا تميز بين الأقوال والأفعال. إنها تثق بقادتها وتصدقهم فيما يقولون. سيكون عليها أن تمر من خلال تجربة حكومة الإخوان المسلمين من أجل استخلاص استنتاج مفاده أن “هؤلاء الناس ليسوا سوى نفس العصابة القديمة”. عملية التعلم هذه من شأنها أن تكون أقصر بما لا يقاس إذا ما حافظ الاشتراكيون الثوريون على استقلاليتهم المطلقة عن الإخوان المسلمين، وحذروا الجماهير من طبيعتهم ودورهم الحقيقيين. لكن عوض القيام بهذا يقوم الاشتراكيون الثوريون بنشر الأوهام حول جماعة الإخوان المسلمين، وبالتالي “تثقيف” الجماهير بالمقلوب.
يرتكب الرفاق الاشتراكيون الثوريون خطئا فادحا عندما يسمحون لأنفسهم بالارتباك من الدعم الجماهيري الكبير (الموجود بدون شك) الذي يتمتع به الإخوان المسلمون ومسألة الانتخابات. يرسمون بألوان قاتمة الآثار المزعومة لفوز شفيق من أجل تبرير دعمهم للإخوان المسلمين. للانتخابات أهمية معينة، لكنها ليست أهمية مطلقة.
ليست الانتخابات سوى نوع من لقطة تعبر عن الحالة المزاجية للجماهير في وقت معين. لكن هذه الحالة المزاجية تتغير باستمرار. من السهل أن نرى ما الذي تمثله الانتخابات الحالية في مصر. إنها تمثل المرحلة المبكرة والجنينية للثورة، عندما لم تتعلم الجماهير بعد من هو هذا ومن هو ذاك. بعض الفئات ترغب في المضي قدما وتحقيق التغيير الحقيقي، لكنها ما تزال أقلية (على الرغم من أنها كبيرة جدا)
وهناك فئة أكثر تحفظا، تخشى التغيير والفوضى وبعد عدة شهور من الاضطرابات المستمرة، والغليان، صارت تتوق إلى السلام والهدوء والعودة إلى “الحياة الطبيعية”. بينما هناك فئة ثالثة تتوق إلى التغيير، لكنها تبحث عن الطمأنينة في الرجال الذين يوفرون لها مخرجا سهلا. إنها تتطلع إلى الأسماء والشعارات المألوفة، وتعتقد أنها وجدت مخرجا سهلا من خلال التصويت لجماعة الإخوان المسلمين.
فراغ “الوسط”
فيما يتعلق بالسياسة المصرية، يمكن للمرء أن يحددها مؤقتا باسم “الوسط”. يصور قادة الإخوان المسلمين كرجال عقلانيين ومعتدلين. إنهم ليسوا ثوريين، و لن يغيروا الكثير في القريب العاجل. إنهم ليسوا إسلاميين متطرفين. وفي الواقع، إنهم ليسوا متطرفين على الإطلاق. هذه رسالة مطمئنة للغاية إلى الجماهير التي استيقظت حديثا إلى الحياة السياسية والخائفة قليلا من التطرف. بالنسبة لها يبدو الوسط هو الخيار الأكثر أمانا للتغيير من دون دموع.
لكن وبالضبط لأنه يبدو ككل شيء للجميع، يشكل الوسط الصيغة الأكثر فراغا من بين جميع الصيغ السياسية. وسيتم الكشف عن فراغه من خلال الأحداث. ومن شأن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية العميقة في مصر والغير قابلة للحل أن تقضي عليه. كل ما هو مطلوب هو القليل من الوقت للجماهير لكي تعرف ما الذي تمثله حكومة الإخوان المسلمين في الممارسة العملية.
إن المهمة التاريخية للمرحلة الحالية، وكل جوهر مشكلة الثورة المصرية يتمثلان في ضرورة امتلاك الجماهير الواسعة للوعي بحدود الحركات مثل الإخوان المسلمين، الديمقراطيين، وأنانيتهم الضيقة الأفق، وفتورهم وجبنهم واستعدادهم لتقديم التنازلات والخيانة.
يقول قادة الاشتراكيين الثوريين بأن دعمهم للإخوان المسلمين مجرد مسألة “تكتيكات”، وليست مسألة مبدأ. لكن هذا مجرد لعب بالكلمات. فالتكتيكات عموما تخضع للاستراتيجيا. والتكتيك الذي هو في تناقض مباشر مع الخط الاستراتيجي العام للحركة هو بالضرورة تكتيك ضار. إن الاشتراكيين الثوريين من خلال دعوتهم الجماهير لدعم الإخوان المسلمين في الانتخابات، يتخلون عن الاستقلالية الطبقية، التي هي أحد الأسس الجوهرية للسياسة البروليتارية الثورية، ويخضعون العمال لفصيل من البرجوازية. سوف يؤدي هذا إلى ارتباك هائل وتضليل الطليعة. وهذه ليست أبدا مجرد مسألة “تكتيكية”!
لو أن قادة الاشتراكيين الثوريين اعتمدوا ليس على ما يقوله قادة الإخوان المسلمين عن أنفسهم، بل على المصالح الطبقية الحقيقية التي يمثلونها، لما كانوا أبدا ليرتكبوا مثل هذا الخطأ الفادح. لدا الاشتراكيين الثوريين الكثير ليقولونه عن المصالح التجارية التي تقف وراء شفيق، لكن ليس لديهم ما يقولونه عن المصالح التجارية لقادة الإخوان المسلمين. حلل ولو قليلا آراء القادة السياسيين ومواقعهم الطبقية، وسوف تجد أن الإخوان المسلمين في الحياة الواقعية يريدون تبادل الامتيازات السياسية مع شفيق وشركائه.
لا يمكن لأي عامل أن يدعي أنه عامل واع طبقيا، إذا لم يدرك أنه من المستحيل أن يكون مناضلا حازما من أجل إلغاء عبودية العمل المأجور، في الوقت الذي يتمسك بقميص الإخوان المسلمين. من وجهة نظر العمال المصريين العاطلين، والفلاح الفقير أو صغار المالكين الذين تعرضوا للخراب، ليست المسألة بأي حال من الأحوال مسألة تقسيم الامتيازات السياسية، بل مسألة الخبز. لكن هذا هو بالضبط السؤال الذي لا يمكن لأي من الأحزاب البرجوازية – سواء كان شفيق أو مرسي، أن يحله. لا يمكن حل مسألة الخبز إلا عن طريق تغيير جذري في المجتمع: عن طريق استيلاء العمال والفلاحين على السلطة بين أيديهم.
“مصر ليست روسيا”
“لكن هذه ليست روسيا سنة 1917!” هكذا سيصرخ انتهازيو”نا” بسخط. “إن الحزب الثوري صغير جدا للاستيلاء على السلطة. لذلك، يجب علينا أن نكون واقعيين ونتحالف مع الخيار الأقل سوءا”. هذه أغنية قديمة جدا لم يتغير فيها حتى اللحن منذ أن قدمت من طرف المناشفة الروس، وبيرنشتاين، وكاوتسكي وجميع التيارات الانتهازية الأخرى داخل الحركة الماركسية. إنها حجة خاطئة حتى النخاع.
دعونا نؤكد على الأقل في الوقت الراهن أن الماركسيين المصريين ما زالوا أضعف من أن يقودوا العمال إلى السلطة – وهذا صحيح بالطبع. السؤال هو: كيف يمكننا أن نحول أنفسنا من أقلية إلى أكثرية؟ علينا أن نتذكر بأن البلاشفة الروس في فبراير 1917 كانوا هم أيضا أقلية صغيرة: حزب من نحو 8000 عضو فقط، في بلد يضم 150 مليون نسمة. نحن لا نعتقد أنهم كانوا أقوى بكثير من الماركسيين المصريين في بداية الثورة. لكن في غضون تسعة أشهر فقط نما الحزب البلشفي من 8000 عضو إلى حزب يضم مئات الآلاف يقودون الملايين من العمال والفلاحين.
كيف تم تحقيق ذلك التحول؟ هل كان ذلك من خلال دعم “الخيار الأقل سوءا”؟ هل دعا البلاشفة إلى التصويت لصالح الكاديت والحكومة المؤقتة لأنهما يقدمان ضمانة ضد عودة القيصر؟ على العكس من ذلك، هاجم كل من لينين وتروتسكي بلا رحمة الليبراليين البرجوازيين والحكومة المؤقتة ونددا بشدة بقادة السوفييتات الانتهازيين بسبب دعمهم لهم. إن السياسة التي يتبناها قادة الاشتراكيين الثوريين في مصر هي سياسة قادة السوفييتات الانتهازيين وليست سياسة لينين وتروتسكي.
نحن نعلم من التجربة التاريخية أن كل ثورة تمر عبر مرحلة أولية من الأوهام الديمقراطية. تبدو الجماهير في الشوارع وهي تتقدم باستمرار، وتدفع جانبا كل العقبات. تبدو مثل موكب لا يسير إلا في طريق واحد – نحو الأعلى. تشعر الجماهير بقوتها وتعتقد أنها لا تقهر. في هذه المرحلة من الثورة تكون الفكرة الرئيسية هي الوحدة الوطنية: “الشعب” متحد في النضال ضد عدو مشترك.
ثم تأتي المرحلة الثانية. تبدأ الجماهير بدءا من العناصر الأكثر تقدما ووعيا سياسيا، في فهم أنها قد خدعت، وأن أيا من أهدافها الرئيسية لم تتحقق، وأن لا شيء تغير من حيث الجوهر. هذه المرحلة، التي تترافق مع شعور بالإحباط وجميع أنواع الانتفاضات المتشنجة، هي بداية حدوث تمايز داخلي في معسكر الثورة. تدريجيا تبدأ أكثر العناصر ثورية والعناصر البروليتارية في فصل أنفسها عن العناصر المتذبذبة، والوصوليين والسياسيين البرجوازيين الذين استغلوا الثورة لأغراضهم الخاصة.
هذه مرحلة لا مفر منها. وهي المرحلة التي تمر منها الثورة المصرية الآن. بعد مرور عام على الثورة لم يتم حل أي من المشاكل. كانت هناك مقاومة واسعة النطاق ضد المجلس العسكري واحتلت الجماهير الشوارع عدة مرات وبأعداد كبيرة. وهناك تهديد دائم من قبل المعادين للثورة. لقد حاول المجلس العسكري اختبار الأرض للتمهيد للثورة المضادة من خلال مهاجمة جماعات معزولة داخل معسكر الثورة (الأقباط المسيحيين، مشجعو كرة القدم وما إلى ذلك) لكنهم اصطدموا في كل مرة بالمقاومة الجماهيرية في الشوارع.
ماذا كان دور الإخوان المسلمين في كل هذا؟ هل كانوا يناضلون ضد الثورة المضادة في الشوارع جنبا إلى جنب مع العمال الثوريين والشباب؟ كلا، فقد اختاروا بصمت وعلانية جانب الجيش في كل منعطف حاسم.
دور الإخوان المسلمين
هنا بعض المقتطفات من مقالة العامل الاشتراكي:
«تعرض الطلاب الناشطون في جامعة القاهرة أيضا لهجوم من قبل البلطجية خلال اعتصام في الأسبوع الماضي. واندلعت الاحتجاجات في الجامعات بعد إعلان وزارة التعليم العالي أن انتخابات اتحاد الطلبة ستمضي قدما دون أي تغييرات على دساتير اتحاد الطلبة.
«يعارض المناضلون الثوريون في الحركة الطلابية مثل هذه الخطوة، والتي سوف تؤدي إلى إعاقة إنشاء اتحادات طلابية مستقلة حقا.
«لكن المنظمات الطلابية للإخوان المسلمين تدعم إجراء انتخابات اتحاد الطلبة في ظل النظام القديم. إنهم يتجهون فيما يبدو للاستفادة من العلاقة الوثيقة التي تجمعهم مع الجنرالات» (التشديد من عندي، آلان وودز)
وهنا اقتباس آخر من العامل الاشتراكي:
«وقد تلت المجزرة حملات قمع ضد المناضلين الاشتراكيين الثوريين في الإسكندرية، وبلدات دلتا النيل المنصورة والمحلة والمحافظة الجنوبية بني سويف.
«اعتدى بلطجية بملابس مدنية وقوات الأمن بالزي الرسمي على الناشطين، ومزقوا لافتات تدعو للإضراب يوم 11 فبراير وأحرقوا الأعلام الحمراء للمنظمة.
«وقبضوا على مناضلين آخرين كانوا يكتبون على جدران المصانع لدعم الإضراب»
كان هذا استفزازا آخر معاديا للثورة. ما الذي قالته صحيفة العامل الاشتراكي عن دور جماعة الإخوان المسلمين؟
«وسائل الإعلام التي تديرها الدولة، والجريدة الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين، التي عارضت الإضراب، شنوا حملة تشويه ضد الاشتراكيين الثوريين.
«اتهموا الاشتراكيين الثوريين بالتحريض على العنف، وتدمير الاقتصاد بالإضرابات، بل والأكثر سخافة، بأنهم عملاء لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.
«وانضم نواب البرلمان المصري إلى تصريحات الإدانة والشجب للإضراب. ويسيطر الإسلاميون في جماعة الإخوان المسلمين والحركة السلفية على معظم المقاعد».
لاحظ أن مقالة العامل الاشتراكي تجمع معا بين وسائل الإعلام التي تديرها الدولة، أي لسان حال الردة الرجعية السافرة، وبين الجريدة الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين. كانوا جميعا متحدين في معارضة الإضراب والافتراء على الاشتراكيين الثوريين. ومع ذلك فإن هؤلاء الأخيرين يقولون لنا إن جماعة الإخوان المسلمين تمثل حصنا ضد الثورة المضادة ويطلبون من العمال المصريين التصويت لصالحها. أليست هذه فضيحة؟
نعم إنها فضيحة، وما يزيد الأمر سوءا هو واقع أن العمال المتقدمين والشباب فهموا بالفعل طبيعة الإخوان المسلمين، كما تشير إلى ذلك صحيفة العامل الاشتراكي، حيث كتبت ما يلي:
«منذ افتتاحه في 23 يناير، أصبح البرلمان هدفا لاحتجاجات العمال ونشطاء يطالبون بأن يتم تحقيق أهداف الثورة.
«وقد دعم معظم النواب حملة وزارة الداخلية لقمع المتظاهرين».
“معظم أعضاء البرلمان” من الإسلاميين وأعضاء في جماعة الإخوان المسلمين. ويوم 03 فبراير تجمع مئات الآلاف مرة أخرى في ميدان التحرير لإحياء الذكرى السنوية للثورة. وهذا ما كتبه حزب العمال الاشتراكي حول الموضوع:
«كان الشعار الذي سيطر على اليوم هو “فليسقط المجلس العسكري، فليسقط حكم العسكر”. وقد ساعد النجاح الباهر لاحتجاجات يوم الأربعاء في تجديد الثقة الشعبية في إمكانية الإجهاز على المجلس العسكري». ويضيف المقال:
«اليوم أيضا واجه الإخوان المسلمون عداءا مفتوحا حيث ينظر إليهم بوصفهم متعاونين مع الجيش.
«لقد فازوا بأغلبية المقاعد في البرلمان، كمؤشر عن انغراسهم والدعم الذي يتمتعون به. لكن على الرغم من أن البرلمان لم يجتمع للمرة الأولى إلا يوم الاثنين، فقد صاروا يظهرون وقد تخلوا عن الشعب.
«إن أحد الشعارات التي رفعت في ساحة التحرير خلال الثمانية عشرة يوما التي أسقطت مبارك هي “ارفع رأسك عاليا، فأنت مصري”.
«واليوم تحول هذا الشعار ضد الإخوان المسلمين حيث هتف المحتجون: “ارفع رأسك عاليا فأنت مجرد كرسي”، بمعنى أنهم باعوا الثورة فقط للحصول على مقعد في البرلمان.
«في هذه الليلة بميدان التحرير واجهت منصة الإخوان المسلمين الجماهير الغاضبة. وفي إحدى المرات رمى المتظاهرون بأحذيتهم على المنصة للتعبير عن غضبهم.»
دعونا نذكر مثالا آخر على السلوك المخادع لجماعة الإخوان المسلمين. في شهر فبراير دعا الاشتراكيون الثوريون والنقابات “المستقلة” إلى إضراب عام ضد المجلس العسكري. لم ينفذ الإضراب (مما يدل أيضا على ضعف قاعدة الاشتراكيين الثوريين) لكن وكما كتبت صحيفة العامل الاشتراكي فقد “كافح الإخوان المسلمون، الذين يهيمنون على البرلمان المنتخب حديثا، بضراوة من أجل وقف الإضرابات”، مثلهم في ذلك تماما مثل وسائل الإعلام، ورجال الدين والأئمة.
ومرة أخرى في 11 فبراير تعرض عدة أعضاء قياديين في منظمة الاشتراكيين الثوريين للاعتقال بتهم ملفقة. وكان هذا على الأرجح بسبب دورهم في الدعوة إلى الإضراب العام. وقد كتبت العامل الاشتراكي:
«يأتي الهجوم على الاشتراكيين الثوريين بعد حملة تشهير مكثفة قام بها المجلس العسكري بالتعاون مع حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين». (التشديد من عندي، آلان وودز)
وأخيرا، دعونا نقتبس من بيان الاشتراكيين الثوريين قبل الانتخابات:
«لذا من واجبنا عدم التخلي عن الجماهير، ولا أن نضع أنفسنا بغطرسة فوقها، بل الانخراط في المعركة لفضح المرشحين الذين يمثلون التحالف بين الجيش وجماعة الإخوان المسلمين، في حين ندفع الجماهير نحو استكمال الثورة من خلال التركيز على مطالب الثورة والقوى الثورية مثل…»
لقد أطلق الاشتراكيون الثوريون في مناسبات عديدة على الإخوان المسلمين اسم قوة معادية للثورة، خصوصا بعدما بدأت الجماعة تستهدفهم. إذن الإخوان المسلمين منحازون علنا إلى جانب الجيش والثورة المضادة؛ ويكسرون الإضرابات؛ ويهاجمون الثوار؛ و “باعوا الثورة فقط للحصول على مقعد في البرلمان”؛ والعمال والشباب الثوريون يتظاهرون ضدهم و”يرمون أحذيتهم على المنصة للتعبير عن غضبهم “.
لكن على الرغم من كل هذا، فإن الاشتراكيين الثوريين يدعون الجماهير للتصويت لصالحهم باعتبارهم حصنا ضد الثورة المضادة. لو لم تكن المسألة جدية جدا لكان هذا الموقف مضحكا.
تيار انتهازي بنيويا
ليس لدينا أي شك في أنه يوجد بين صفوف الاشتراكيين الثوريين العديد من العمال والشباب النزيهين والمخلصين، الذين يستحقون منا كل دعمنا الصادق. لكن ومن خلال اتخاذ هذا الموقف في الانتخابات، اقترف الحزب خطئا خطيرا جدا.
سوف نكون صريحين. إن القول بأي حال من الأحوال إن الإخوان المسلمين يمثلون قوة تقدمية في الحياة السياسية المصرية، وأنهم يخوضون صراعا جديا ضد النظام القديم، أو أنه يمكنهم بطريقة ما أن يكونوا حصنا ضد الثورة المضادة، هو إما تعبير عن الجهل أو الخداع. لكن لا يمكن لصحيفة العامل الاشتراكي أن تدعي أنها تجهل دور الإخوان المسلمين، كما تبين ذلك الاقتباسات الواردة أعلاه.
نحن لا نلوم الرفاق في مصر على هذا الخطأ. إن المسؤولية تقع بشكل كامل على عاتق قادة حزب العمال الاشتراكي البريطاني الذي استمر يقدم للرفاق المصريين نصائح خاطئة طيلة سنوات. إن حزب العمال الاشتراكي هو منظمة انتهازية للغاية يجمع بين الشعارات اليسارية المتطرفة وبين الممارسة الانتهازية في كل قضية كبرى.
كانت تلك الممارسة الانتهازية هي التي أدت بهم إلى الدعوة إلى إرسال القوات البريطانية إلى ايرلندا الشمالية عام 1969 “لحماية الكاثوليك”؛ وهي نفس الانتهازية التي دفعتهم لدعم المجاهدين المدعومين من قبل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ضد الحكومة اليسارية في كابول، وتقديم قطاع الطرق الرجعيين هؤلاء باسم “المقاتلين من أجل الحرية”. وفي السنوات الأخيرة لعب حزب العمال الاشتراكي دورا مخزيا في الانبطاح أمام الإسلاميين وتقديم الدعم غير المحدود لجماعة الإخوان المسلمين.
يرتكب حزب العمال الاشتراكي هنا “خطأ صغيرا”. إنه يخلط بين الثورة والثورة المضادة. إنه يبرر هذه السياسة المشينة من خلال الإشارة إلى “معاداة الامبريالية”، وضرورة مكافحة “الإسلاموفوبيا” [الخوف من الإسلام]. لكن من أجل مكافحة الإسلاموفوبيا ليس من الضروري دعم جماعات الإسلام السياسي. ومن الواضح أن الناس يمكنهم أن يناضلوا ضد الإمبريالية لأسباب متعددة: رجعية، وكذلك تقدمية.
من المحرج بعض الشيء أن نضطر إلى الإشارة إلى هذه الأمور، التي يجب على طفل في السادسة من عمره أن يفهمها. لكن وبما أن بعض “الماركسيين” (وحتى بعض “المنظرين الماركسيين”) الذين هم من كبار السن لا يفهمون أبجديات الماركسية، دعونا نشرح ذلك بلغة بسيطة جدا.
هناك فرق شاسع بين أن يشير الماركسي إلى حدود الديمقراطية البرجوازية وخداعها، وبين أن يهاجم فاشستي الديمقراطية البرجوازية. وبالطريقة نفسها، عندما يقول العمال والفلاحون والشباب الثوري في بلد مثل مصر إنهم يريدون محاربة الإمبريالية، نحن نصدقهم. لكن عندما يقول رجال الدين الرجعيون الشيء نفسه، فيجب علينا أن ننظر عن كثب إلى ما هي نواياهم.
تستخدم اليوم في العديد من البلدان المستعمرة سابقا الديماغوجية المعادية للامبريالية لإخفاء أشد أنواع الردة الرجعية شراسة. لقد رأى لينين هذا الخطر بشكل واضح جدا. دعونا نرى كيف طرح المسألة في مشروع أطروحاته للمسألة القومية والاستعمار للمؤتمر الثاني للأممية الشيوعية. فمباشرة بعد أن شرح الحاجة إلى دعم حركات التحرر الوطني الثورية، كتب ما يلي:
«ثانيا: الحاجة إلى النضال ضد رجال الدين وغيرها من العناصر الرجعية المؤثرة الأخرى والعناصر القروسطوية في البلدان المتخلفة؛
«ثالثا، ضرورة مكافحة نزعات الوحدة الإسلامية (Pan-Islamism) وغيرها من الاتجاهات المماثلة، التي تسعى إلى الجمع بين حركة التحرر الوطني ضد الإمبريالية الأوروبية والأمريكية وبين محاولة تعزيز مواقع رجال الدين، وملاك الأراضي، والملالي، الخ.»
ما الذي يجمع بين موقف لينين وبين سياسة الانبطاح المشينة أمام البرجوازيين الإسلاميين الرجعيين الذين يريدون فرض الشريعة الإسلامية وحكم رجال الدين على شعب مصر؟ ليس بينهما أي علاقة. إنها تمثل استسلاما انتهازيا لتيار رجعي في الحياة السياسية المصرية، والتخلي الكامل عن الموقف الطبقي.
وبالمناسبة فإن نفس التيار الذي يدعم الرجعية الإسلامية بمنتهى الحماسة في مصر، هو الذي يرفض في اليونان دعم حركة ائتلاف اليسار الجذري (Syriza) أو المشاركة في حكومة يسارية. لم يكن الانسجام السياسي أبدا ميزة لهذا التيار، الذي يمكن أن يقفز من اليسراوية المتطرفة إلى الانتهازية دون أن يرف له جفن.
لقد دعم التيار الماركسي الأممي الثورة المصرية بحزم منذ البداية. لقد رحبنا بتشكيل منظمة الاشتراكيين الثوريين. ونحيي كل نجاحاتكم بحماس. نحن أصدقائكم ورفاقكم. لكن الصديق الحقيقي ليس هو الشخص الذي يخدعك ويمدحك من دون سبب. لقد أشار لينين إلى أنه تم تدمير العديد من الثورات بسبب المديح والكلمات الفارغة.
الصديق الحقيقي هو الذي عندما يراك ترتكب خطئا، لا يخاف من أن ينظر في عينك مباشرة ويقول لك: “يا صديقي، إنك تتسبب بالضرر لنفسك”. نحن نحث الرفاق الاشتراكيين الثوريين على القطع مع هذا الخط الانتهازي، الذي لا يمكنه سوى أن يسبب أسوء العواقب للثورة المصرية. فقط سياسة طبقية متسقة هي من يمكنها أن تفتح الطريق إلى الأمام. قد يكون هذا الطريق على المدى القصير صعبا، لكنه هو الطريق الوحيد الذي يؤدي إلى النصر النهائي. لا توجد طرق مختصرة.
آلان وودز
الجمعة: 01 يونيو 2012
عنوان النص بالإنجليزية:
The Revolutionary Socialists and the Egyptian elections: Marxism or opportunism?