الرئيسية / قضايا نظرية / الإمبريالية / في الدفاع عن الثورة السورية: الموقف الماركسي من الثورة، وما يزعم عن موقع الأسد من معاداة الامبريالية

في الدفاع عن الثورة السورية: الموقف الماركسي من الثورة، وما يزعم عن موقع الأسد من معاداة الامبريالية

مر حتى الآن أكثر من سنة منذ وقوف الشعب السوري بوجه نظام الأسد. منذ آذار 2011، واجهت الدولة مظاهرات الشعب السوري، وإضراباته، وعصيانه المدني، بهمجية مفتوحة الدفعة تلوَ الأخرى. هذا الحراك جاء ردا على الدكتاتورية الخانقة، وبوجه التفاوت الطبقي، والبطالة والفقر في المجتمع السوري.

الإحصائيات تقدر العدد الإجمالي للضحايا المدنيين المقتولين على يد النظام بين 7500 و9000، بحسب مصادر متعددة، حيث هذا المعدل يتسارع كل يوم. بالإضافة إلى ذلك، يوجد تقارير عن إعدام الكثير من الجنود الذين لم ينصاعوا لأوامر قتل المدنيين. بالخلاصة، القتل والتعذيب والاعتقالات الجماعية، كلها تستخدم من قبل نظام الأسد لقمع الحراك الثوري في سوريا.

عنف الدولة وهمجيتها لم يؤدي إلا إلى إثارة الهمم الثورية. الثورة السورية، بعد أن كانت في بداياتها محدودة الامتداد في دمشق وحلب، تقدمت بشكل ملحوظ في الأشهر الأخيرة. حلب، مركز الثقل الصناعي والتجاري في سوريا، حصل فيها موجات كبيرة من العصيان المدني كاستجابة للدعوة للإضراب العام في ديسمبر 2011. والأهم امتداد الحراك إلى داخل دمشق، عاصمة الدولة، والتي ينظر إليها كأنها في قبضة النظام. ثم برزت ظاهرة تحول مواكب تشييع الشهداء الكبيرة إلى مظاهرات حاشدة. وهذا كلاه يدل على قفزة نوعية في الوضع السياسي لصالح الثورة.

ألوف العسكريين والضباط الذين انشقوا عن النظام شكّلوا الجيش السوري الحر. هذا الجيش الثوري عمد إلى محاربة جهاز الدولة وحماية المتظاهرين. لمواجهة المجازر، الكثير من المدنيين قرروا الانضمام إلى هذا الجيش الثوري، حيث تزايد عدد أفراده حتى أصبح يناهز 10 – 20 ألف بحسب بعض الإحصاءات.

في بعض المناطق، ولفترات قصيرة، فقد النظام السيطرة، وكان هناك ميل للناس نحو الانتظام في تنسيقيات شعبية تعنى بالكثير من المهمات التي تسيّر أمور الناس، كتأمين الحماية، الوضع الصحي، توزيع الطعام وحماية اللاجئين الهاربين من القمع. لدينا مثال الزبداني، التي تبعد حوالي 50 كلم فقط من دمشق، حيث تم استبدال جهاز الدولة الأساسي بـ “المجلس المحلي الحر للزبداني”، حيث انتخب كل ألف من السكان ممثلا عنهم في المجلس.وفي المجلس أيضا ممثلين عن الأقليات الدينية والجنود المنشقين. بقيت المنطقة تحت إدارة هذه السلطة الشعبية لعدة أسابيع قبل أن يدمرها جيش النظام للأسف.

في هذا النص سنحدد ما نعتقد أنه الموقع الماركسي الصحيح في علاقته مع الثورة السورية، ومع الامبريالية، والمهمات التي تنتظرنا. إنه واجب الماركسيين أن يدعموا ثورة الشعب السوري في التغلب على همجية نظام الأسد، واستشراف الطريق القادم بشكل متماسك.

علينا أن ننظر إلى الواقع ونفهم أن الثورة السورية تواجه عدة عقبات، ليس أقلّها الدور الذي تلعبه من تدّعي “قيادة المعارضة”. هذه القيادة السياسية لها برنامجها السياسي الذي لا يلتقي مع الحاجات الحقيقية للشعب السوري. ينتج عن ذلك محدودية حراك الطبقة العاملة بوجه النظام، على شكل إضرابات صناعية مثلا، التي قد تستطيع بسهولة شل النظام.

هذا هو المفتاح لفهم كيف أن الثورة لم تستطع أن تثمر سريعا كما طمح الكثير من الناشطين. وهذا يفسر أيضا كيف أن النظام استطاع أن يحجب على الأقل فئة من هذا الشعب عن الانخراط في الثورة، وبالتالي استطاع المحافظة على ركيزة يستطيع من خلالها قمع الحراك الثوري. ومن الضروري أن نوضح بشكل قاطع أن فشل “قيادة المعارضة” هذا هو السبب في ذلك.

من أجل أن تنتصر الثورة السورية في النهاية عليها أن تكسب تأييد الطبقة الحاسمة في المجتمع، وهي تحديدا جماهير الطبقة العاملة. وإلا، قد يطول أمد الثورة، وقد تجوبها مخاطر كبيرة، حيث يتم ملء الفراغ الناتج عن غياب هذه القوى، بقوى أخرى، هي قوى الثورة المضادة، التي تسعى لخطف الحراك واستغلال رغبة الناس في التغيير، لتقديم برنامجها الرجعي الخاص.

دفاع بعض “اليساريين” عن الثورة المضادة

لسوء الحظ أنه يوجد بعض التنظيمات، التي تدعى كونها “يسارية”، اتخذت موقعاً يحاكي بروباغاندا حكم الأسد، حيث تصوّر الحراك الثوري كهجمة امبريالية، أو فورة إسلامية. بعض القوى اليسارية وصفت الجيش الحر بأنه مجرد عصابات إرهابية ولصوص. عندما يفقد المرء الخلفية الماركسية في تحليله للأحداث في سوريا، لا يفاجئنا فهمه المشوَّه لها. يجب القول بدون أدنى شك أن هؤلاء قد اتخذوا جهة الثورة المضادة.

إن الموقف الذي اتخذته العديد من النشرات “اليسارية” كمجلة صوت الشعب، التابعة للحزب الشيوعي الكندي، هي مثال على هذا الموقف السخيف. نشِر بحثين في مجلة صوت الشعب العدد 19، الإصدار الثاني، حيث اتخذت المجلة فيهما موقفاً معارضاً للثورة السورية، تحذر المجلة من اغتصاب الحركة الشعبية عبر قوى ذات خلفية امبريالية تتظاهر بالثورية، ومن ثم توجه نقدا لاسعاً للجيش السوري الحر، الذي تصفه بـ “العصابات المسلحة”. بحسب صوت الشعب، هذا الحراك يسعى لفصل سوريا عن موقعها الوطني المعادي للامبريالية. الخلاصة التي يصل إليها البحث أن صوت الشعب تطالب نظام الأسد بإجراء إصلاحات، زاعمة أن إعطاء الطبقة العاملة امتيازات جدية، بما فيها الانضواء مع العمال في جبهة وطنية قوية، سوف “يصلح” سير الأمور.

هذه التحليلات هي تشويه كامل للتحليل الماركسي الصحيح والموقف المفترض للماركسيين في سوريا، ولا يمكن أن ينتج إلا ضياعاً في بوصلة الشباب الثوري والعمال في كندا وخارجها. كل هذا ساهم أيضا في قيام بعض الشكوك من قبل الجماهير السورية والثوار تجاه اليسار بشكل عام. نتفهم هذه الشكوك إذا ما أخذنا بعين الاعتبار قتل الآلاف من قبل نظام يدعمه مثل هؤلاء “الشيوعيون”.

طبيعة الثورة

يتم توجيه وتنظيم الحراك الجماهيري، في سوريا، منذ البداية عبر لجان التنسيق المحلية، “التنسيقيات”. وقد أوجدت هذه التنسيقيات قبل تشكيل الجيش السوري الحر. ولهذه التنسيقيات ثقل سياسي مهم في الثورة، ولديها سيطرة كبيرة على الوضع على الأرض. وقد أمدّت الحراك بدعم كبير، وهي حتى الآن تمنع الانحراف نحو حرب أهلية طائفية.

الجيش السوري الحر تشكل من الجنود المنشقين عن الجيش النظامي ومن المدنيين الذين قرروا حمل السلاح ضد النظام. وقد أنشئ كرد فعل مباشر على القتل الجماعي للمتظاهرين العزل الذي مارسته الشرطة والجيش. أيضا، الكثير من الجنود الذين رفضوا الأوامر بمهاجمة المتظاهرين تم إعدامهم. بعيدا عن وصف صوت الشعب للجيش السوري الحر على أنه مجموعة عصابات، يدعم الحراك الشعبي الجيش السوري الحر ويمده الشعب بالكثير من المتطوعين. إن الجيش السوري الحر هو نتاج عفوي وتلقائي للثورة، ولو توفرت له القيادة الصحيحة، لتمكن فعلا من تقويض الجهاز القديم للدولة باتجاه بناء جهاز تحت السيطرة المباشرة للشعب.

بالطبع، الجيش السوري الحر هو جهاز غير متجانس، ولا يخلو من التناقضات لأنه انعكاس صادق للثورة. تماما كما في باقي الثورات العربية، يوجد تشوش في الرؤية السياسية ل لجماهير السورية. قيادة الجيش السوري الحر أصرّت على أن لا يكون للجيش رؤية سياسة سعياً للحفاظ على وحدة هذا الجيش.

لكن كيف لهذه القيادات أن تجبر الجنود والمتطوعين على عدم امتلاك أي رؤية سياسية؟ هذه القيادات تتخوف فعلا من خروج الوحدات المقاتلة على الأرض من تحت سيطرة القيادات بشكل كامل. الحقيقة أن الأسئلة السياسية الضاغطة يجب أن يتم نقاشها في قلب الحراك الجماهيري وهي حيوية وأساسية لتطوير برنامج سياسي واقتصادي للثورة.

بالفعل، إنه بالضبط افتقاد التوجه السياسي هو الذي ترك الجيش السوري الحر مفتوحاً على محاولات اختطافه من قبل قوى من “النخبة” البرجوازية السورية المتمثلة بالمجلس الوطني السوري.

بات الآن من الواضح أن قيادات الجيش السوري الحر سيطرتها على الوحدات المقاتلة باتت محدودةً جداً، خصوصا أن هذه الوحدات المقاتلة لم تتلقى أي دعم فعلي من هذه القيادات، وأن هذه الوحدات المقاتلة باتت تتلقى توافد أعداد كبيرة من المتطوعين المدنيين المنضويين بشكر مباشر في الحراك.

بسبب هذا الفراغ في القيادة، بدأت دول الخليج بدفق المال إلى بعض المجموعات المحددة لتتلاقى مع برنامجها الرجعي. على كل حال، مستوى هذه العملية لا يزال غير واضح.

المجلس الوطني السوري هو الهيئة الأكبر “للمعارضة”، ومن ضمن أعضائه الإخوان المسلمين والبرجوازية “الليبرالية”. وهو مرتبط بالامبريالية بوضوح، والتي تستخدمه كأداة لدفع برنامجها داخل سوريا. ولكن أيضا يبدو واضحا أن المجلس الوطني السوري ليس لديه ركيزة مهمة على الأرض في سوريا، وليس له سوى تأثير محدود على الصراع الثوري في الشارع.

إن الطبيعة الرجعية للمجلس الوطني السوري توضحها نداءاته المتكررة للتدخل الأجنبي في سوريا، الأمر الذي يستطيع الأسد أن يستغله بسهولة، آخذاً بعين الاعتبار المزاج الشعبي المعادي للامبريالية عند أغلبية الشعب السوري. إن حقيقة أن المجلس الوطني السوري رفض دعم الجيش السوري الحر لعدة أشهر، هو دليل أيضا على حقيقة أن هدف هذا المجلس ليس الثورة الحقيقية، التي تعطي السلطة فعلا للشعب، بل هدفه تبديل الحكم بحسب مصالح الامبريالية، حيث تنقل السلطة لحكم مؤيد للدول الامبريالية الغربية.

بسبب ذلك، تتزايد الشكوك، والغضب الشعبي، تجاه المجلس الوطني السوري (وحتى بعض قيادات الجيش الحر، إلى حد ما) بسبب عدم قدرته الكاملة على تنسيق ودعم وتوجيه الثورة حتى بالمعايير الإنسانية المحضة. فهو بالرغم من تلقيه تبرعات بملايين الدولارات، فشل بتأمين الدعم الإنساني للاجئين في الدول المجاورة، ولعائلات الضحايا داخل سوريا، ولمقاتلي الجيش الحر على الأرض.

إن المزاج الشعبي العام يتجه بشكل متزايد نحو إدانة الفشل الذريع للمجلس الوطني السوري حتى في المهمات البسيطة بتأمين المعونات. في الفترة القريبة الماضية حصل لدى الجماهير وعي حقيقي أنها عليها “أن تعتمد على نفسها” وأنه كان “يتم خداعها والكذب عليها”. وهذا يؤشر أنه على الأقل ضمن العديد من الفئات الشعبية يتزايد الوعي بطبيعة المجلس الوطني المزيفة.

في الحقيقة، هذه “المعارضة” هي التي عملت على إضعاف الثورة. إن حقيقة أن المجلس الوطني السوري أنشئ من أجل المطالبة بالتدخل العسكرية الامبريالي، تفضح الدور الحقيقي له والمصالح التي يدافع عنها فعلا.

لم يغير المجلس الوطني السوري موقفه من الجيش السوري الحر إلا بعد أن خضع لضغوطات شعبية شديدة. وقد غير موقفه لأسباب تكتيكية من أجل الحفاظ على ما تبقى له من شرعية عند الشعب السوري.

وهذا أدى بالمجلس الوطني إلى تغيير إستراتيجيته، من معارضة الجيش السوري الحر، إلى محاولة السيطرة عليه. الهدف من ذلك واضح وهو محاولة عزل الثوار الحقيقيين والدفع بالعناصر الرجعية نحو الثورة. في هذه العملية تمثل السعودية وقطر رأس حربة الثورة المضادة، عبر إدخال عملائها نحو قلب الثورة، لتقويضها من الداخل وحرفها نحو مسار الثورة المضادة، كما فعلت في العالم العربي من المغرب إلى البحرين. وهذا أدى إلى تناقضات بين الشعب الثائر وبين “القادة السياسيين في المنفى”.

الجنرال الأميركي دمبسي، صرّح مؤخرا أنه يعتقد أن المعارضة المسلحة في سوريا مرتبطة بالقاعدة. بحسب دمبسي إذاً، على الولايات المتحدة أن لا تثق بالجيش الحر ولا تمد الثوار بالسلاح. إن تصريح الضابط الأكبر في الجيش الأميركي هذا هو مؤشر على الشكوك التي لدى الامبرياليين تجاه الجيش السوري الحر. فهم لا يعرفون مع من يتعاملون وبالتالي لا يثقون بهم. وهم يريدون بدلا عن ذلك قوة مسلحة يمكنهم الوثوق بها في تأسيس نظام جديد يحقق المصالح الامبريالية. وهم لا يرون الآن ذلك في الجيش السوري الحر.

بالرغم من هذا، يجب الإقرار أنه من المنطقي جداً أن تحاول القاعدة وغيرها من التنظيمات السلفية الاختراق والتغلغل في وحدات الجيش الحر، ويمكنهم استغلال افتقار الجيش لقيادة ثورية ذات رؤية سياسية واضحة، من أجل الدفع ببرنامجها الرجعي. وهذا ما يقوم النظام باستغلاله في محاولة لوسم المعارضة كلها بالسلفية.

إن استقلالية الجيش الحر عن السيطرة المباشرة للمجلس الوطني أمر مقلق جدا للنخبة البرجوازية السورية في المجلس الوطني، التي تحاول خطف الثورة، وللامبريالية على حد سواء. في الحقيقة، يوجد أقسام من الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة، تعتبر الأسد موثوقا به أكثر. هؤلاء لديهم تخوف كبير من الثورة السورية، ولديهم قلق من مرحلة ما بعد الأسد التي قد تكون أقل تعاونا. إن الحزب الشيوعي الكندي، من خلال إدانته للجيش الحر، هو في الحقيقة يتخذ موقفا مشابها لموقف الامبرياليين، بالرغم من ترديده لشعارات فارغة عن معاداة الامبريالية.

كما أشرنا سابقاً، يحاول المجلس الوطني السوري السيطرة على قيادة الجيش السوري الحر. بالرغم من “الاعتدال السياسي” المفترض للجيش الحر، طالب العديد من قادته، متجاهلين نداءاتهم الذاتية لإبعاد الجيش الحر عن اتخاذ اتجاه سياسي ما، بإقامة مناطق حظر جوي. قد يعكس هذا نوع من اليأس من الضعف العسكري للجيش الحر في مواجهة جيش النظام، ولكنه حتما موقف خاطئ، وهو ما يريده الأسد بالضبط، والذي يحاول أن يسم الثورة بالارتباط بالامبريالية. وهذا أيضا يؤكد أنه بغياب البرنامج السياسي الواضح الذي يكسب القادة ثقة الشعب، تصبح الاعتبارات الرجعية في المقدمة. إن المطالبة بتدخل امبريالي عسكري هو خيانة كبيرة للثورة.

بالرغم من ضعف القيادة، إن نشوء وتطور تنظيم شعبي مسلح هو بحد ذاته خطوة نحو الأمام. وإن حقيقة أن النظام السوري، بجيشه الكبير، يشقى في محاولة هزيمة هذا الجيش الثوري هو بحد ذاته شهادة على صحة دعمنا له، وهذا يؤكد أنه ليس عصابة مسلحة كما يعتبره البعض. لو لم يحظى هذا الجيش بدعم شعبي ولو لم تلتف الجماهير حول هذا الجيش، لما كان له أن يصمد أسبوعاً بوجه جيش النظام الذي يفوقه بأضعاف مضاعفة.

بالرغم من كل هذا، تعاني الثورة من عدة عقبات جدية. تحديداً في حمص وإدلب، حصنَا الثورة، الحرب الأهلية، التي تم رفضها منذ البداية، يحاول نظام الأسد أن يشعلها، فالنظام يحاول الدفاع عن نفسه عبر افتعال صراعات اثنية وطائفية، ويهدف من ذلك أيضاً تخويف الأقليات الدينية والإثنية في محاولة لجرهم إلى مواقف معادية للثورة. إن المجزرة الأخيرة في كرم الزيتون في حمص حيث تم الإبلاغ عن قتل واغتصاب 50 امرأة وطفل من السنّة من قبل رجال ميلشيا “علوية”، كان هدف النظام منها تأجيج الحقد الطائفي للضحايا تجاه العلويين بشكل عام. إن هذه السياسة مقصودة بشكل واضح من قبل النظام لكسب دعم العلويين للنظام، الذين سيشعرون نتيجة هذه الممارسات، بالخوف من الثورة!

إن الأنظمة الرجعية الإقليمية كالسعودية، متورطة بشكل جدي أيضا في صناعة وتأزيم الصراعات الإثنية والطائفية.

تدافع الامبرياليين نحو سوريا

لفهم علاقة الامبريالية بالأسد، من الضروري دراسة تاريخ تطور الاقتصاد في سوريا. سوف نناقش هذا بالتفصيل لاحقا. لتبسيط الموضوع، يمكننا القول أن الاقتصاد السوري كان موجها ومؤمّما إلى حد كبير. ولكن بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، اعتمد نظام الأسد النموذج الصيني في استعادة الرأسمالية، مما أدى إلى، المزيد من الاستثمارات الأجنبية،توسع شديد للملكية الخاصة، وتزايد الفروقات الاجتماعية في سوريا. وهذا كان عاملا أساسيا ومهما لقيام الثورة الحالية. إن شعارات “معاداة الامبريالية” و”التقدمية” التي ينسبها البعض للنظام، هي شعارات مخادعة وخاطئة بشكل كامل. وفي أقصى الأحول، في السنوات الأخيرة، كان لدى الأسد تضارب في المصالح مع بعض أطراف الامبرياليين، وتلاقٍ مع أطراف أخرى منها.

إن علاقة الأسد مع روسيا-بوتين الامبريالية، والتي سارعت إلى نجدة نظام الأسد، ودعمت عنف الثورة المضادة، هي مثال على ذلك. لروسيا مصالح اقتصادية كبرى في سوريا، سواء من حيث الاستثمارات أو من حيث تجارة الأسلحة. ولروسيا مصالح إستراتيجية مهمة في سوريا التي تسمح للجيش الروسي وقواه المسلحة باستخدام مجالاتها الجغرافية. إنها هذه المصالح الامبريالية السخيفة والضيقة هي التي دفعت بالطبقة الرأسمالية الروسية التي تسيطر على روسيا، بالقدوم لنجدة النظام السوري.

لا يوجد أي شك في أن مختلف الدول الامبريالية تحاول التدخل في الحراك السياسي في سوريا. وهذا ليس أمراً مفاجئاً، إذا أخذنا بعين الاعتبار الأهمية الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط، والموقع الاستراتيجي الحيوي لسوريا. إن جميع القوى الرأسمالية تتسارع لتثبيت مصالحها في سوريا. الأنظمة في روسيا، والصين وإيران تقف بشكل مفتوح مع نظام الأسد، وتقدم العون العسكري لها.

في الجهة الأخرى، الولايات المتحدة، كندا، إسرائيل، دول الخليج العربي، وسائر قوى الناتو منقسمة حول كيفية التعامل مع سوريا. هذه القوى الامبريالية المتشابهة، كانت سعيدة في الماضي بالتعامل مع الأسد، وتعاملت بإيجابية شديدة مع خطواته في تحويل الاقتصاد نحو اللبرلة والانفتاح، وبتعاونه في تحقيق “استقرار” المنطقة. الآن بدأت هذه القوى الامبريالية استشعار قرب انهيار نظام الأسد. وهذا هو الأساس في الموقف المتناقض لهذه القوى الامبريالية من النظام السوري. تخاف من مرحلة ما بعد النظام السوري، ولكن أيضا تحاول أن يكون لها تأثيراً من ضمن الحراك الذي من المرجح أن يطيح بالأسد، وذلك لحماية مصالحها في سوريا.

هذا هو الخطر الجدي على الثورة السورية. الامبرياليات الغربية، وحلفائها، الدول الخليجية، تحاول خطف الثورة وحرف سكة الحراك الثوري. إن التدخل في سوريا، والذي يشمل العلاقات المشبوهة لهذه الدول بالمجلس الوطني السوري، ساهم في خلق الارتباك والضياع وفي إضعاف الثورة. وهذا أيضاً كان لصالح نظام الأسد من حيث أعطاه الحجج لتبرير استخدام العنف لقمع الحراك الثوري. إنه من واجب الماركسيين أن يفضحوا تأثير الامبرياليين على الثورة السورية.

بعد سقوط الأسد، سيكون محور اهتمام الطبقة النخبوية البرجوازية السورية والامبرياليين تحقيق مصالحهم الخاصة والمحافظة الفاعلة على النظام الاقتصادي السابق، ونهب ثروة الوطن. وهم قلقون أن الشعب الثائر والمسلح سيكون عقبة كبرى أمام هذا الهدف.

التخلي عن المنظور الثوري

إن الموقف الذي اتخذه الحزب الشيوعي الكندي، كالكثير من الأحزاب التي تسمى شيوعية في هذا العالم، أن نظام الأسد هو نظام معاد للامبريالية، وعليه أن يقوم بإصلاحات لمصلحة العمال. إنه موقف سخيف وبعيد عن الواقع. إن الأسد يقوم بثورة مضادة وحشية، والحزب الشيوعي الكندي يطالب الثورة المضادة أن تقوم بإصلاحات لمصلحة العمال. إنها بالضبط الإصلاحات المعادية لمصلحة الطبقة العاملة، وسياسات اللبرلة، وخسارة مكتسبات الطبقة العاملة في السابق، هي بالضبط ما يقوم به النظام. إن خلق الأوهام بأن الأسد سوف يقوم بهكذا خطوات إصلاحية هو في أحسن الأحوال محاولة لذر الرماد في العيون لتشويش صورة الواقع لدى الجماهير.

إن مطالبة الأسد بالقيام بإصلاحات، في هذه الظروف، يعني تماماً الوقوف بجانب الثورة المضادة. المئات من السوريين يقتلون كل يوم في خضم هذا النضال الثوري. أن يقوم الأسد بالإصلاحات التي يطلبها منه الحزب الشيوعي الكندي، يعني أنه عليه أولا أن يقضي على الحراك الجماهيري. مهما حاول الحزب الشيوعي الكندي تجميل هذا الموقف، فالأسد يقوم بأعمال الإجرام الجماعي المضاد للثورة، وهو يقوم بدعمه.

إن هذا خيانة للأممية وتخلٍ عن النظرية الماركسية. إن موقف الحزب الشيوعي الكندي الذي يدعو نظام الأسد لإجراء إصلاحات وبناء جبهة وطنية هو موقف سلبي جدا، مثل الموقع الذي اتخذه التنظيم الشقيق له، الحزب الشيوعي السوري، كشريك محامٍ عن نظام الأسد، في الجبهة التقدمية الوطنية. كان الحزب الشيوعي السوري، لعقود، يسند النظام بينما كان هذا النظام يمارس أشد أنواع القمع (بما فيه القمع تجاه الحزب الشيوعي السوري نفسه!)، مع تدمير جميع التنظيمات العمالية المستقلة، وتأسيس نظام الحزب الواحد وتبنيه برنامج الانفتاح الليبرالي، الخصخصة… في الوطن. بينما رفع بعض المرات مستوى لهجته النقدية (كما فعلت مجلة صوت الشعب) فالدور الذي لعبه لا يعدو عن كونه دورا مخادعا للجماهير. وهذا ما زاد من صعوبة العمل الثوري الحقيقي، من خلال إرسال رسالة للعالم أن “اليسار” يدعم نظام الأسد.

إن الموقف الإجرامي الذي اتخذه هؤلاء الذين يدّعون الشيوعية التي تعود إلى الإيديولوجية الستالينية، هو حقا موقف خطير جداً لأنه يشوه كلمة “شيوعي” في وسط الجماهير في وقت أن الماركسية الحقيقية هي الأكثر تعبيرا عن الجماهير في سوريا اليوم. إن من واجب الماركسيين الحقيقيين أن يفضحوا محاولات الامبرياليين خطف الثورة. فضلا عن ذلك، إن الثورة السورية بحاجة للفكر الماركسي كي تنجح في بناء الديمقراطية الحقيقية، وفي حل المشكلة الاقتصادية المتفاقمة والحاجات الاجتماعية للشعب. فقط من خلال نظام اشتراكي حقيقي، مبني على أساس سيطرة العمال الديمقراطية على الاقتصاد الوطني، يمكن أن تحَلُّ التناقضات داخل المجتمع السوري التي أدت إلى الثورة في المقام الأول.

الحزب الشيوعي الكندي ليس الطرف اليساري الوحيد الذي اتخذ موقفا معاديا للثورة، ولكن لأن الموقف الذي تبناه التنظيم الشقيق له في سوريا، الحزب الشيوعي السوري، لعب دوراً سلبيا جدا خلال الأحداث الثورية التي تمر فيها سوريا، كان من الجدير الإشارة إليه.

ولكن علينا التمييز دائما بين قيادة تنظيم، كالحزب الشيوعي السوري، وبين الشباب اليساري والشيوعي الذي يشارك بفعالية في الحراك وبشكل واسع. إن المشاركة في هذا الحراك هو وسام هم يكسبونه، وهؤلاء الشباب هم فعلا العاملين المثاليين في الحراك الثوري وهم الشباب الناشط الذي يمكنه أن يلعب دورا مهما جدا في نشر الأفكار الماركسية الحقيقية.

إن هدفنا هو توضيح أن الفكر الماركسي اللينيني هو الأكثر تعبيراً عن الحراك الجماهيري في سوريا، وتوضيح أي تشوش يمكن أن يحصل لدى بعض الثوار الحقيقيين تجاه هذا الموضوع المهم. وبالتالي، الجزء الثاني من هذا البحث سوف يتمحور حول دراسة العوامل التاريخية والاجتماعية التي ساهمت في قيام الثورة السورية، والبرنامج السياسي الذي على الثوار السوريين أن يتسلحوا به لضمانة هزيمة الأسد وسقوطه.

من أسباب البلبلة الحاصلة عند اليسار من جهة فهمه لطبيعة النظام السوري هو الطبيعة السابقة لهذا النظام. فبعد الانقلاب البعثي في 1960، تمت محاولة تقليد النموذج الستاليني في الاتحاد السوفياتي كنظام اقتصادي في سوريا. وبالرغم من كونه نموذجاً تقدميا بالنسبة للمقاييس التي اتبِعَت، فلم يكن أبداً نظاماً مرتكزاً على الديمقراطية العمالية. السلطة كانت في أيدي النخبة البيروقراطية، وهنا يكمن خطر انقلاب هذه المقاييس التقدمية والعودة إلى النمط الرأسمالي لعلاقات الإنتاج.

على كل حال، بالرغم من سيطرة البيروقراطية، استطاع الاقتصاد الموجه والوطني أن يخدم تطوير الاقتصاد في سوريا وانعكس ذلك أيضاً ارتفاعاً في مستويات المعيشة عند الطبقات الشعبية في سوريا لمدّة معيّنة.

قبل هذه التجربة كانت الوحدة مع مصر، والتي لم تدم طويلا. تمت الوحدة في عام 1958 واستمرت حتى 1961. في العام 1957 كان في سوريا حزب شيوعي منظم بشكل جيد. ولكن، بإيعاز من عبد الناصر تم توجيه الحكومة السورية نحو القضاء على الشيوعيين.

في الحقيقة اعتبرت البرجوازية السورية الوحدة مع مصر كطريقة للجم التقدم الثوري في الداخل. كان هنالك دعما شعبيا للوحدة مع مصر نتيجة شعبية عبد الناصر، الذي رغم موقعه المعادي للشيوعية، قام ببرنامج تأميم وبإصلاحات تقدمية عديدة.

من السخرية، أن هذا البرنامج التأميمي الذي اتبعه عبد الناصر دفع الرأسماليين السوريين إلى العمل على كسر الوحدة لاحقا كطريقة للحفاظ على حكمهم وأملاكهم. في 28 أيلول 1961 قام ضباط الجيش بانقلاب وتم كسر الوحدة مع مصر. عدم الاستقرار الناجم أدى بحزب البعث عام 1963، عبر قطاعات من الضباط في سوريا، إلى الاستيلاء على السلطة من خلال انقلاب عسكري.

صعود نظام الأسد

في كانون الثاني عام 1965 قامت حكومة حزب البعث بتأميم 106 من أكبر المؤسسات الصناعية والمصارف. حاولت الطبقة الرأسمالية مقاومة هذا والقيام بثورة-مضادة. هذا الأمر أجبر حكومة البعث على التقرب من العمال والفلاحين من أجل كسب تأييدهم. بالنتيجة، ألوف الفلاحين أيدت الخطوات التي قامت بها الحكومة.

خلال هذه العملية، خُنِقَت الرأسمالية في سوريا وأنشئ نظام على النموذج السوفياتي الستاليني.

وهذا يعني أنه بينما تمت السيطرة على الاقتصاد من خلال الدولة وتم التخطيط له بشكل مركزي، لم تكن السلطة للعمال، بل لبيروقراطية تسيطر على العمال والفلاحين. في البداية، هذا أحدث نموا اقتصاديا ملحوظاً بلغ حوالي 80% في الستينيات وأكثر من 300% في السبعينيات.

منذ 1963 وحتى 1970، حدثت سلسلة من الصراعات والاغتيالات داخل المؤسسة العسكرية، نتجت عن صعود حافظ الأسد إلى الحكم. وبالتالي تأسست سلطة الحزب الواحد من خلال حزب البعث، منذ 1970 وحتى وقتنا هذا. عندما توفي حافظ الأسد في 2000، انتقلت الرئاسة لابنه، بشار الأسد، الذي مازال في سدة الحكم. مثَّل حافظ الأسد الجناح المحافظ من حزب البعث، وفي الحقيقة أوقف أي تقدم في خطة التأميم ووعد رجال الأعمال بحماية ملكيتهم. بالرغم من ذلك، فقد حَافظَ حافِظ الأسد على الصناعات التي قد تم تأميمها في العقدين الأوّلين.

بالرغم من زعمه أنه يمثل توجها اشتراكيا عربيا، فقد قام حزب البعث بمركزة الصناعات الوطنية في قبضة عصبة قليلة على رأس الهرم الاجتماعي. ولم يكن هناك أي نوع من الرقابة الديمقراطية على الاقتصاد من قبل العمال. قمع البعثيون السوريون أي محاولة من قبل العمال لبناء تنظيماتهم المستقلة، وبالأخص تم قمع التنظيمات الشيوعية بشكل عنيف.

بجميع الأحوال، منح الاقتصاد الوطني والتأميم مكاسب مهمة لصالح الجماهير (التوظيف، الحصول على البضائع الأساسية، المسكن، والخدمات…) وهذا أضفى بعض الاستقرار على حكم الأسد وكذلك وفّر له قاعدة دعم من قبل فئات شعبية مهمة منذ ستينات وحتى ثمانينات القرن الماضي. بالرغم من ذلك، أعطيت امتيازات واسعة للمحيط البيروقراطي حول العصبة المافيوية الحاكمة، هذه العملية كانت قد بدأت في ستينات القرن الماضي واستكملت خلال حقبة الأسد.

عندما سيطر حافظ الأسد على السلطة خلال السبعينيات، اعتمد بشكل كبير على استغلال وتحريض الانقسامات الطائفية داخل المجتمع السوري. هذه الانقسامات كانت قد عمدت الإمبراطورية العثمانية على خلقها وتقويتها، ومن بعدها أيضا الإمبريالية الفرنسية التي أعقبتها، اعتماداً للتكتيك المعروف “فرّق تسد”. بالرغم من ذلك، أضفى الاقتصاد الموجَّه والتطوير الاقتصادي المتعاقب درجة من الاستقرار على المرحلة الماضية.

لكن ما كان هذا الوضع ليَدوم، عندما تجاوزت السلطة البيروقراطية شيئا فشيئا تحديداتها. خلقت حالة عدم الاستقرار الناتجة عن ذلك ضرورة لتأجيج الانقسام والتناقض الطائفي كوسيلة للحفاظ على السيطرة. هذه الانقسامات كانت بشكل أساسي بين الطائفة العلوية والأغلبية السكانية السنية، بالإضافة إلى الكتل المسيحية والكردية في البلد.

في الحقيقة استخدم الأسد ما يفترضه “علمانية” كوسيلة لإثارة الانقسامات الإثنية في سوريا، فقد ادعى أنه المدافع عن الأقليات الدينية في مواجهة الأغلبية السنية، مما سمح له بالحفاظ على قاعدة من التأييد ضمن الطائفة العلوية والمسيحية، واللتان تشكلان قسما هاما من عدد السكان (اليوم تشكلان سوية 20% من إجمالي العدد السكاني). هذه “العلمانية” الطائفية كانت تستخدم لكبح المجموعات المعارضة والأغلبية السنية. بالرغم من هذا المظهر العلماني المخادع، اعتمد الأسد أيضاً على الزعامات المسيحية والإسلامية للحفاظ على السيطرة على الجماهير الكادحة.

رأسمالية بشار الأسد والطبقية في المجتمع السوري

منذ بداية تسعينات القرن الماضي بدأ الحكم الأسدي بالانتقال إلى إحدى أكبر سياسات تحرير السوق (اللبرلة) من أجل التشجيع على الاستثمار الخارجي في سوريا، ومن أجل توسيع امتداد القطاع الخاص. وهذه العملية تم تسريعها تحديداً منذ عام 2000 مع توسيع القطاع المصرفي الخاص والاستثمار. العصبة البيروقراطية الحاكمة، بترؤسها معظم الاقتصاد المؤمم، أدركت أنه بمقدورها زيادة ما تنهبه من خلال توسيع استثمارها الرأسمالي داخل البلد.

هذه الحركية الاقتصادية باتجاه التوسع الرأسمالي في سوريا حدثت في ظل سقوط الاتحاد السوفياتي وفي ظل عودة النظام الرأسمالي في مجموعة الدول الشرقية (1989-91). فوجد حافظ الأسد نفسه، حليف البيروقراطية الروسية، في أعقاب ذلك بدون قوة عظمى يمكنه الاستناد عليها.

العصبة الحاكمة في سوريا، استلهمت النموذج الصيني لاستعادة الرأسمالية، فبدأت بإجراء إصلاحات مشابهة من خلال برامج الخصخصة، بدئا بالاستعانة بالأموال الخارجية والانفتاح على الغرب والدول الامبريالية الأخرى. الدولة البيروقراطية السابقة، كما حصل في الصين، انتقلت من الارتكاز على نظام موجه تملكه الدولة، نحو خصخصة قطاعات الدولة بشكل يتلاءم مع مصلحة أعضاء العصبة الحاكمة نفسها، وتم السماح للـ”سوق الحرة” بالنمو. كنتيجة لسياسة الانفتاح الاقتصادي الليبرالي هذه، تزايدت الهوّة بين طبقة الأغنياء والفقراء في سوريا بشكل هائل.

إن الإحصائيات تؤشر أن نسبة السوريين الذين يعيشون دون خط الفقر تتراوح بين 33% و40%، والنسبة التي تعاني من “الفقر الشديد”، والذي يُعرَّف بعدم القدرة على تأمين معظم الحاجات الأساسية للحياة، تبلغ حوالي 13%. نسبة البطالة ارتفعت بشدة إلى 20%، وهي أعلى من ذلك بكثير لدى الشباب. وسبب هذا بالتحديد هو سياسة الخصخصة، والتي أدّت بالبنك العالمي للتعبير عن ارتياحه لديكتاتورية الأسد. إن الغضب الناتج عن تزايد الهوّة الطبقية هو عامل مهم جدا لتحريض الثورة التي اشتعلت في 2011.

إن سياسة الانفتاح الاقتصادي تشكل بوضوح تناقضاً مباشرا مع أي رصيد “تقدمي” تنسبه بعض القوى، المفترَض أنها يسارية، لحكم الأسد. إن انفتاح السوق السورية على الشركات الأجنبية جعلت الامبرياليين يتوافدون نحو الأسد. على سبيل المثال، شركة سنكورب (Suncorp)، وشركة الطاقة الكندية التي تملك بترو-كندا، استثمرتا حوالي 1,2 مليار دولار في استخراج الغاز السوري. من الشركات الاستثمارية الهامة الأخرى في سوريا رويال دوتش شال (Royal Dutch Shell) (المملكة المتحدة، الشركة الصينية الوطنية للبترول (China National Petroleum Company)، توتال (Total S.A.) (فرنسا)، Stroytansgaz (روسيا) وشركة النفط والغاز الهندية (the Oil and Gas Corporation). شركات تصنيع السيارات الإيرانية، كمجموعة سايبو مثلا، استثمرت في مصانع لتصنيع السيارات في سوريا. وحدث أيضا توسع هائل في القطاع المصرفي الخاص مع مستثمرين كبار بمن فيهم البنوك السعودية والكويتية الكبرى. بالإضافة إلى ذلك، ترتبط سوريا بروسيا حيث تؤمن سوريا المجال البحري لروسيا في المنطقة وأيضاً تشتري كمية هامة من العتاد العسكري منها. إن سياسة الانفتاح التي اعتمدها نظام الأسد تجاه الشركات الأجنبية تتعارض بشكل مباشر مع الرؤية التي تزعم له موقفا معاديا للامبريالية.

يعتبر رامي مخلوف من أقوى الأفراد ذوي السلطة الفعلية في سوريا ومن الدائرة المقربة جدا من الأسد. لديه سيطرة شبه كاملة على معظم عمليات الاستثمار الأجنبي في سوريا، ويملك سيرياتل، الشركة الأكبر للاتصالات في سوريا. بحسب الفاينانشال تايمز، يسيطر رامي مخلوف على 60% من الاقتصاد السوري، مع فوائد ربحية من الاتصالات، البترول والغاز، البناء والاستثمار العقاري، القطاع المصرفي، خطوط الطيران…

أحدثت عصبة الأسد تغييرات هامة في الاقتصاد السوري لتتمكن من توسيع أملاكها الخاصة. وهذا صنع طبقة صغيرة من السوريين ذوي الثراء الفاحش.

أصبحت سوريا مجتمعا رأسماليا حيث الثروة الاقتصادية العظمى تتراكم في أيدي عصبة مافيوية حول حكم الأسد. تحققت الخصخصة بدرجة كبيرة عبر انتقال أفراد السلطة الحاكمة إلى ملكيّة القطاعات المهمة من الاقتصاد والقطاع الخاص. ولكن، عملية الانفتاح هذه لم تكتمل بعد، ولازال قسم مهم من الاقتصاد تابع للقطاع العام.

هذا يعني وجود طبقة جديدة استفادت من استقدام العلاقات الرأسمالية، ولكن أيضاً يوجد طبقة تستفيد من وجود القطاع العام الموجود منذ السابق. الطرفين أمدّوا الأسد إلى درجة ما بالدعم. وأما بالنسبة للأغلبية الساحقة من الناس، فمكتسباتها من العهد السابق كان قد فُرطَ بها.

النتيجة هي وضع يهمل مصلحة الأغلبية الساحقة من السوريين، بينما تُصان أرباح الاستثمارات الكبرى (بما فيها الامبريالية منها). إن أولئك الذين يصرون على أن نظام بشار الأسد هو نظام معاد للامبريالية هم من يغرقون في أوهام مريعة في نظرتهم للمجتمع السوري.

علاقة الأسد بالإسرائيليين وبالامبريالية الأميركية

حافظ الأسد أولا، ومن بعده ابنه بشار، دخلوا في تحالفات بانتظام مع الدول الامبريالية الغربية. فقد لعب النظام السوري دوراً كبيراً في الثورة المضادة لقمع الانتفاضات الجماهيرية في لبنان بالتحالف مع القوى الامبريالية الإقليمية، وقد كان شريكاً حقيقيا لجورج بوش الأب في غزوه للعراق في 1991 ولعب دورا في التعاون فيما يسمى “الحرب على الإرهاب”. بعيداً من الصورة التي ينسبها بعض “اليسار” للأسد كمعادٍ للامبريالية، فقد كان من الشركاء الإقليميين للامبريالية وقد لعب دوراً تدميراً للحركات اليسارية في المنطقة، وخصوصاً في لبنان.

خلال الحرب الأهلية، 1975-1990، النظام السوري ومن يدور في فلكه، تورّط في هجوم مباشر للقضاء على الحركات اليسارية الثورية في لبنان، ممثلةً تحديدا بالجناح اليساري للمجموعات الفلسطينية، والحزب الشيوعي اللبناني. دعم الأسد الجناح اليميني للمارونية السياسية الحاكمة في لبنان والجماعات اليمينية المتطرفة، والتي استُخدمت لإغراق الحركة بالدم.

شكلت الحركات اليسارية في الدول المجاورة تهديداً حقيقيا يمكن أن يمتد لسوريا. الأسد أراد أيضا أن يؤسس ويركّز تأثيره في لبنان. الجيش السوري، والقوى المحلية المستندة على دعم النظام السوري شاركت بشكل مباشر في الحرب الأهلية. وقد عمل النظام، وحلفائه في الداخل اللبناني، على إذكاء الانقسامات الطائفية، كما فعل الأسد في بيته الداخلي، سوريا. خلال منتصف وحتى نهاية السبعينيات من القرن الماضي، استطاع النظام لجم قوة الحزب الشيوعي اللبناني والفصائل الفلسطينية الثورية. بعد نجاحه في تدمير التنظيمات اليسارية في لبنان، عاد لتدمير المجموعات اليسارية في سوريا، ومن ضمنها حزب العمل الشيوعي والحزب الشيوعي السوري.

بالرغم من توتر العلاقة بين سوريا والدولة الصهيونية، وأحياناً التصارع بينهما، اشتركتا في السيطرة على لبنان، وفي إغراق الحركات الثورية بالدم.

تجسدت إرادة التعاون مع الامبريالية عند حافظ الأسد عندما تحالف مع جورج بوش الأب خلال غزوه للعراق بعد دخول صدام للكويت. القوات السورية دعمت الهجوم الذي قادته الولايات المتحدة للعراق. لم تدخل القوات العسكرية السورية في معارك مباشرة، بل قدّمت الدعم اللوجستي وشكّلت المجموعات الاحتياطية للقوات الغازية. أكثر من مئة ألف عراقي قُتلوا في هذه الحرب الامبريالية.

منذ بدأت حملة “الحرب على الإرهاب” في 2001، قدّم النظام السوري نفسه كحليف إقليمي للولايات المتحدة. حكومتي الولايات المتحدة وكندا بدأتا تترصدان وتستهدفان المجموعات “الإرهابية”. هذه الجهود تضمنت الاستهداف الموسّع واضطهاد شعوب المنطقة العربية. والنظام الأسدي، مع خبرته الواسعة في قمع الإخوان المسلمين في سوريا، كان يعتبر حليفا مناسبا.

إن قضية السيد عرار، الكندي السوري، الذي تم تعذيبه في سوريا هو مؤشر أيضا يفضح كذبة معاداة الامبريالية من قبل نظام الأسد. في 2003 تم خطف السيد عرار، المواطن الكندي، خلال عطلته أثناء السفر. وضعت تقارير من قبل وكالة الاستخبارات المركزية وبالتعاون مع الاستخبارات الكندية، عن الاشتباه بضلوعه في نشاطات إرهابية. تم نقله من قبل وكالة الاستخبارات المركزية إلى سوريا للتحقيق معه. احتجِزَ عرار وعُذِّبَ في سوريا لمدة سنتين إلى أن تبيّن أنه لم يكن له أي علاقة أو صلات بأي تنظيمات “إرهابية”.

موقع الماركسيين من الثورة السورية

يمكننا اعتبار الثورة السورية عملية شديدة التناقض. كأي ثورة، الملايين من الناس يدخلون العمل السياسي للمرة الأولى. مضت سنة على بداية التحركات الشعبية، والجماهير أبدت درجة عالية من البطولة في مواجهة همجية النظام. المطالب التي يتم رفعها من قبل الحراك، في هذه المرحلة، هي مطالب ذات صبغة ديمقراطية إلى حد بعيد.

الفقر المنتشر والشديد، البطالة وارتفاع كلفة المعيشة، مترافقة مع التفاوت الطبقي الشديد والبذخ الهائل الذي تظهره الفئة الحاكمة التي تدور في فلك النظام كانت العوامل الكبرى التي أدت لقيام الثورة. في المرحلة الحالية، تنظر الجماهير لمطلب الديمقراطية كوسيلة يمكن من خلالها تحسين الظروف المعيشية لها.

في الحقيقة، القمع الذي يقوم به جيش الأسد خلال الأشهر الأخيرة الماضية تركّز على الأحياء الفقيرة المكتظة بالطبقة العاملة، هو مؤشر قوي للمكوّن الطبقي للحراك. حقيقة أن المتظاهرين قاموا بمهاجمة ممتلكات العصبة الحاكمة، مثل شركة سرياتل التي يملكها رامي مخلوف، يظهر الغضب المشتعل تجاه هذا التفاوت الطبقي.

في محاولة لمواجهة السقوط، يحاول الأسد بيأس تقديم بعض “التنازلات”. البعض منها له صبغة ديمقراطية، كالالتزام بإجراء انتخابات. والجدير بالذكر أن تنازلات الأسد للثورة تحمل، مع ذلك، طابعاً اقتصاديا أيضاً، كزيادة الأجور، والمزاعم بـ”اعتزال” رامي مخلوف العمل الاستثماري، ورغبته في توزيع ثروته على أعمال الخير والإحسان !

هذه الحقائق تظهر كيف أن المطالب الديمقراطية، في عيون الجماهير المفقَرة وفي صفوف الطبقة العاملة السورية، مرتبطة بالاحتياجات الاقتصادية الضاغطة. إن حكم الأسد يعي ذلك بشكل جيد. وهذا هو السبب الذي يدفع الفئات الشعبية لوهم الديمقراطية البرجوازية، كما حدث في مصر، وتونس وليبيا أيضا. تساوي هذه الجماهير بين “الديمقراطية” والعدالة الاجتماعية.

بشكل واضح، استمر الحراك في التعمّق – بالرغم من الهجوم المريع على حمص والمناطق الأخرى. إن التوسع الأفقي للحراك، نحو حلب ودمشق، ونشوء وتطور الجيش السوري الحر، شد من عزيمة المقاومة لدى هذا الحراك.

إن إنشاء المجالس الشعبية حيث أمكَنَ للناس تأسيس سيطرة تستبدل مؤقتا النظام القديم للدولة، هو بالفعل تطوّر هام جدا. ولكن حتى الآن، لم تدم هذه المجالس إلا لفترات قصيرة وفي أماكن محدودة من الوطن.

لكن، بالرغم من تعمّق هذا الحراك، فهو يعاني من ارتباك ملحوظ في اللحظة الحالية. ذلك أن معظم القوى التي تدعي تمثيل المعارضة، تتشكل من الإخوان المسلمين والتنظيمات البرجوازية الليبرالية. وهي القوى التي تسيطر على المجلس الوطني السوري. هؤلاء الذين يضعون أنفسهم في مقام “قادة” الثورة يتورطون في صفقات مع الحكومات الغربية.

هذه “القيادة” لعبت دوراً سلبيا ومدمّرا للحراك الثوري. لم تقدم برنامجاً متماسكاً يلبي المطالب الاقتصادية والسياسية، وقد تجاهلت بشكل كبير الجوانب الاقتصادية التي حملت الناس للنزول إلى الشوارع في بدء الأمر. وهذا يعكس موقعها البرجوازي. والعديد من هؤلاء يمارس لعبة الأسد أيضا بالتهويس للانقسامات الإثنية والطائفية، ولكن من الجانب الآخر. وكما شرحنا سابقا، دعا المجلس الوطني السوري لتدخل أجنبي في سوريا،

المشكلة ليست، على أي حال، أن المجلس الوطني يفتقد لبرنامج سياسي. بل المشكلة تكمن في طبيعة برنامجه وهو البرنامج السياسي لديمقراطية برجوازية تحت رعاية الولايات المتحدة. هذا البرنامج الرجعي والذي ينفّر الكثيرين من المعارضة، كما أن هناك عدم ثقة بليبراليي المنفى هؤلاء، الموظفين لدى الولايات المتحدة، عند الداعمين لحكم الأسد وعند الذين هم منضويين بشكل فعلي في الثورة ضد الأسد!

لذلك، أضعف البرنامج السياسي البرجوازي للمجلس الوطني، ونظرته الضيقة وموقعه المؤيد للامبريالية، الحراك الثوري بشكل هائل. العديد من الفئات التي أرادت أن تنضم لصفوف الثورة أخذت تتردد بسبب هذه القيادة المزعومة، التي تستلب فئات كبيرة من المجتمع السوري، وتجعل من السهل للأسد أن يحافظ على فئة تحيطه بالدعم.

ببساطة، لا يقدم المجلس الوطني السوري أي بديل ذو معنى للوضع القائم. إن فشل القيادة هذا يطيل فترة الثورة، وقد دفعت الفئات الشعبية ثمناً غاليا لهذا الفشل. بالفعل، إن المجلس الوطني يضع الثورة في خطر، وفي الحقيقة إنه يحاول أن يدفع بالثورة المضادة إلى الأمام.

إن تجربة المجلس الوطني العراقي، والشلبي، هي مثال جدير بالانتباه. كان المجلس الوطني العراقي عميلا للولايات المتحدة في العراق، والذي وقع الآن في أسر أصولية الصَّدر. علينا أن لا ننسى أنه كان هناك حراك ثوري في العراق أيضا، ولكن هذا الحراك قمع بالتدخل الامبريالي، ومن قبل صدام، ومن قبل الحزبين الرجعيين الكرديين من جماعة البرزاني والطالباني.

يوجد أيضاً عامل آخر علينا التنبه له، وهو أن العصبة الحاكمة في السعودية، وفي قطر، لديها أجندتها الخاصة في سوريا. لديهم رغبة في انهيار نظام الأسد لأن هذا سوف يضعف إيران. السعودية وقطر كلاهما لعبا دورا مهما في ليبيا وتونس في الدفع بعملائهما هناك. يبدو من الواضح أنه هنالك تسليح وتدريب لعناصر تابعة لهما في داخل المعارضة، تتهيأ لمرحلة ما بعد سقوط الأسد. وهذا في الحقيقة ما يتخوف منه الكثير من السوريين، أن الثورة سوف تأتي بقوى كالإخوان المسلمين في سدة الحكم في سوريا.

هذا الخوف قد زادته قطيعة حماس مع النظام السوري وانحيازها للثورة، حيث سحبت قياداتها من دمشق. وهذا قد يعني أيضا أنها تسعى لتحول الثورة في الاتجاه الإسلامي الأصولي، الأمر الذي قد يضعف الثورة أكثر.

مع أن الظروف مختلفة تماما، علينا أن نتعلم درسا من الحرب الأهلية الاسبانية، حيث أن الثورة أو الانتفاضة على فرانكو سيطرت عليها عناصر برجوازية. عندما حدث ذلك، أفرغت الثورة من مضمونها الاجتماعي، وكل ما بقي فيها هو فريقين برجوازيين. بالواقع، في كتابه الشهير حول الحرب الأهلية الاسبانية، كتب المؤرخ هوغ توماس الفصل الأول عن الانتفاضة والثورة”، ولكن الفصل التالي سمّاه “الحرب بين الثورتين المضادتين”. بمجرد ما أصبحت الحرب فقط من أجل الدفاع عن الديمقراطية البرجوازية مقابل الفاشية، مجردة من عناصرها الطبقية، كتأميم الأراضي والمصانع، فقدت القدرة على جمع الجماهير كقوة موحدة.

في سوريا اليوم، يوجد فراغ كبير على مستوى اليسار. إن التنظيمات الشيوعية التي كانت قوية يوما ما، أضعفتها سياساتها الستالينية. كما رأينا، خيانة الحزب الشيوعي السوري للثورة، الحزب الذي يعمل كمحامٍ دفاع يدعم نظام الأسد ووجوده الطويل في الجبهة الوطنية التقدمية، ينعكس في موقفه المساند تماماً للثورة المضادة حاليا.

هذا يزيد من صعوبة مهمات الماركسيين الحقيقيين، لأنهم أولا بحاجة لشرح كيف أن بعض “الشيوعيين” ليسوا مع الثورة، ويمايزوا أنفسهم عنهم، ومن ثم شرح الموقف الماركسي الحقيقي من الثورة السورية. إن الماركسيين هم جزء من الحراك الثوري في سوريا. وفي الوقت نفسه، نحن نشرح برويّة وصبر الدور السلبي الذي لعبه من زعم قيادة هذا الحراك، وتحديدا المجلس الوطني السوري. علينا أن نقدم نظرتنا الثورية الحقيقية، التي سوف تساهم في انتصار الثورة والتي سوف تحل المسائل الحياتية الضاغطة على العمال والمزارعين السوريين، والشباب، والعاطلين عن العمل.

عارض التدخل الأجنبي!

علينا أن ندرك تماما أنه لا يمكن للامبريالية أن تلعب أي دور إيجابي في سوريا. ونحن نرفض بشكل قاطع أي تدخل امبريالي في القضايا السورية. إن التدخل الهمجي في لعراق وأفغانستان أدى إلى مصرع مئات الآلاف من المدنيين، وحيث لم يحصل أي تقدم من أي نوع على مستوى المعايير الحياتية للناس، الإصلاحات الديمقراطية، حقوق المرأة أو أي تطور اقتصادي. كل ما أتت به الامبريالية هو الحروب الأهلية والصراعات الطائفية، بينما حصلت الشركات الكبرى على أرباح هائلة من ثروة النفط، إعادة الإعمار، صناعة الأسلحة….

خلال النضال الثوري في تونس، مصر، والبحرين، دعم الامبرياليون أنظمة الحكم القديم، وأمدوها بالعتاد العسكري. لازالت الولايات المتحدة وكندا ترسل الأسلحة والغاز المسيل للدموع للمجلس العسكري المصري بقيادة الطنطاوي. وكذلك السعودية لازالت المشتري الأكبر للسلاح الغربي، بينما قمعت السعودية الثورة في البحرين بشكل وحشي.

كما رأينا، النظام السوري مرتبط مباشرة بالنظام في روسيا وإيران. وكان أيضا شريكا مع الولايات المتحدة والامبريالية الإسرائيلية. يجدر القول أنه في هذه اللحظة يبدو أن الامبرياليات الغربية تتردد بشدة في التدخل المباشر في سوريا وقد اكتفت حتى الآن بلوم النظام السوري وبزرع عملائها.

إن تصريح الجنرال دمبسي الذي يدين الجيش السوري الحر هو مؤشر على الشكوك التي لدى الدول الغربية حول الثورة. سوف يستمر الغرب بمناوراته المضادة للثورة من خلال أصدقائه في المجلس الوطني السوري.

على الشعب أن يشجب هذه المحاولات من قبل الامبرياليين. إن مصالح الامبرياليين هي مصالح معاكسة وغير قابلة للتوافق مع مصالح العمال والمزارعين والشباب في الشرق الأوسط. إن الامبرياليين يسعون لنهب موارد المنطقة وتأمين سوق لبضائعهم. إن الجماهير في المنطقة تنهض وتثور تحديداً بوجه هذا النهب وعدم المساواة والتفاوت الطبقي. والوعي الجماهيري والوعي الثوري الذي حرضه الربيع العربي يهدد المصالح الامبريالية. لا يجب أن نغرق في أية أوهام عن دور ايجابي للامبريالية. نقول على الامبريالية أن ترفع يدها عن الشعب السوري وأن الشعب هو الذي سيسقط الأسد.

الطريق التي يجب ان تسلكها سوريا؟

إن “القادة” الرسميين الحاليين للتحرك نجحوا في معاكسة فئات مهمة من الناس التي كان يجب استمالتها نحو الثورة. الثورة تتقدم ببطء والسبب تحديداً هو غياب هذه الشرائح الاجتماعية والتي يحب أن تكون في قلب الثورة. هذه الحقيقة كانت بسبب عدة عوامل، من بينها الطبيعة البرجوازية للمجلس الوطني، وتعاونه مع الامبريالية، لا يزال يحظى الأسد بدرجة من الدعم، وهو الذي استطاع استخدام الانقسامات الإثنية والطائفية لصالحه.

كل ذلك يؤكد أهمية وجود قيادة حاسمة التي تستطيع أن تقدم برنامجاً متكاملا يجيب عن الأسئلة الاقتصادية والسياسية، ذو طبيعة ديمقراطية واشتراكية، وبالتالي العبور فوق الانقسامات الطائفية. إن عدم وجود هكذا برنامج هو حقا أكبر نقطة ضعف لثورتنا.

في الحقيقة، بعض “قيادات” المعارضة تظهر الثورة بصورة طائفية ودينية. إن تصوير الحراك الثوري كحراك “إسلامي” يبعد الكثير من الاثنيات والطوائف بعيدا عن الحراك، وكذلك قسم مهم من العلمانيين والتقدميين في سوريا، وخصوصا في حلب ودمشق. إن حرب الثورة المضادة التي يقوم بها نظام الأسد هي ليست حربا بوجه الإسلام، إنها حرب بوجه الشعب السوري، ولكن بسبب طبيعة “قادة” المعارضة، يتم تصويرها هكذا.

إن التركيز على المطالب الاقتصادية الاجتماعية سوف يبرهن أنها هي التي سوف تحسم المسألة، وسوف تجعل الثورة تتجاوز الانقسامات الإثنية والدينية. وهذا من المفترض أن يتم إعادة تأميم كل الصناعات التي تم خصخصتها، تأسيس سلطة العمال الديمقراطية على أماكن العمل، انتزاع أملاك شركات عصبة الأسد وإعادة الدعم على المواد الأساسية. إن المطالب الأساسية في التوظيف والتشغيل، تلبية الاحتياجات اليومية والخدمات، يجب أن تتصدر الثورة.

هؤلاء “القادة” الذين يرفضون أن يبرزوا المطالب الاقتصادية بسبب مصالحهم الاقتصادية الشخصية، يجب أن يستبدلهم الشعب بممثلين حقيقيين عن الشعب الثائر. إن القادة الحاليين يستخدمون الثورة فقط بشكل انتهازي من أجل تلبية مصالحهم الشخصية والحفاظ على الشكل القديم للنظام والفوارق الطبقية.

أظهر الشعب السوري حسا ثوريا عظيما. إن الأمثلة عن تأسيس المجالس الشعبية لاستبدال جهاز الدولة القديم، ولتنسيق الحياة الاجتماعية والاقتصادية يظهر ذلك. إن إنشاء الجيش الثوري، من قبل جموع الجنود المنشقين، والمدنيين الذين حملوا السلاح، كان خطوة حقيقية للأمام، ولكن إلى أن يترافق هذا مع برنامج اشتراكي ثوري تبقى الثورة محدودة، وسوف لن يتسنى لها التعبير عن قدرتها الهائلة على ذلك.

إن عدم وجود قيادة ثورية حقيقية للحراك سوف ينتج معاناة صراع دموي. في الحقيقة إن الأحداث الأخيرة في حمص وغيرها من المناطق تؤكد ذلك. إن القيادة الحالية تكرر نداءاتها نحو “الوحدة” بوجه أي انتقاد. في الحقيقة، بحجة الوحدة، يحاولون قمع المعارضة الحقيقية. في الحقيقة هؤلاء القادة السياسيين هم الذين يسببون الانقسامات في الحراك.

إن قيادةً حقيقية للثورة يجب أن تتخطى الانقسامات الطائفية، تعارض أي تدخل أجنبي وتدفع بالمطالب والاحتياجات الاقتصادية الاجتماعية نحو الأمام.هذه هي القيادة التي تستطيع أن توحد الفئات المختلفة في الحراك، وهي التي تستطيع أن تكسب وتحافظ على الأغلبية التي تستطيع أن تنهي نظام الأسد الهمجي المتوحش، وتأسيس اشتراكية ثورية في سوريا.

فرشاد آزاديان ومحمد السالم
الجمعة: 16 آذار 2012
ترجمه إلى العربية باسل عثمان

عنوان النص بالإنجليزية:

In Defence of the Syrian Revolution: The Marxist position on the revolution and Assad’s so-called “anti-imperialism”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *