ما تزال لحد اللحظة (مساء الأحد 30 دجنبر 2012) المواجهات مستمرة بين جماهير حي سيدي يوسف بن علي، بمراكش، وبين قوات القمع بمختلف أنواعها. وكل المعطيات تؤكد أن قوات القمع لم تتمكن من إخماد الاحتجاجات، التي يمكنها أن تمتد إلى أحياء أخرى. كما أن الحملة الإعلامية المكثفة التي قام بها الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي جعل من المستحيل على النظام الحيلولة دون انتشار أخبارها ودروسها.
المجريات
يوم أمس الجمعة 28 دجنبر 2012، بمراكش، اندلعت مواجهات عنيفة بين قوات القمع وبين شباب الحي العمالي المهمش سيدي يوسف بن علي. وما تزال هذه المواجهات مستمرة إلى حدود كتابة هذه الأسطر.
جاءت هذه المصادمات على إثر قيام قوات القمع بمهاجمة سكان الحي الذين كانوا ينظمون مظاهرات احتجاجية سلمية ضد غلاء أسعار فواتير الكهرباء، والتي استمرت منذ أكثر من شهر بكفاحية منقطعة النظير ضد الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء، المعروفة اختصارا بـ “راديما”.
حصيلة المواجهات ما زالت غير معروفة لحد الآن بالنظر إلى تضارب المعطيات، والحصار المضروب على الحي وتستر النظام عن خسائره الحقيقية. إلا أن ما توفر لدينا لحد الآن من معطيات يؤكد أن جرحى قوات القمع تجاوزوا 60 جريحا. بينما يبقى عدد الجرحى في صفوف الجماهير غير معروفا بدقة بالنظر لرفض أغلب المحتجين الذهاب إلى المستشفيات خوفا من الاعتقال. إلا أن تجنيد النظام لمختلف أجهزة القمع واستعمال قنابل الغاز وخراطيم المياه (وهناك أنباء، غير مؤكدة لحد اللحظة، عن استعمال الرصاص المطاطي)، دليل على أن الحصيلة مرتفعة.
نفس الشيء يقال بخصوص المعتقلين، إذ لحد اللحظة لا توجد أرقام دقيقة عن أعدادهم أو هوياتهم أو الظروف التي يوجدون فيها. البلاغ الذي أصدرته وزارة الداخلية يحصر عددهم في 30 معتقلا، إلا أنه ليس من المستبعد أن يكون الرقم أضخم من هذا بكثير. فللوزارة مصلحة واضحة في تقليص الرقم الحقيقي للمعتقلين خاصة وأن هؤلاء المعتقلين يتعرضون في ضيافتها للتعذيب، كما تؤكد مصادر حقوقية (الجمعية المغربية لحقوق الإنسان).
لقد تفاجأ المسؤولون بقوة رد الفعل الجماهيري، والصمود البطولي الذي عبر عنه المحتجون، والروح الكفاحية التي تميز بها أبناء ذلك الحي العمالي. فبالرغم من تجييش أعداد هائلة من البوليس والقوات المساعدة والدرك، واللجوء إلى إجراءات إرهابية في القمع، ورغم التطويق وضعف الإمكانيات تمكن سكان الحي، رجالا ونساء وأطفالا، من الصمود طيلة يومين كاملين وقاوموا بشراسة قوات القمع وتمكنوا من إصابة عدد كبير منهم، بل هناك أنباء عن تمكنهم من اعتقال بعض رجال البوليس. ولحد اللحظة لم تتمكن قوات القمع من التقدم قيد أنملة داخل الحي الصامد.
هذه الانتفاضة منعطف جديد للصراع الطبقي
بعد تراجع وتيرة الحراك الشعبي الذي أطلقته حركة عشرين فبراير، اعتقدت الطبقة السائدة أن الوقت قد حان لشن الهجومات على مكاسب العمال والفقراء. فسارعت الحكومة إلى الرفع من الأسعار بصورة صاروخية وتجميد الأجور، مقابل زيادات إجرامية في الميزانيات المخصصة للأغنياء (ميزانية القصر، الخ).
وقد صاحبت هذه الإجراءات تصريحات وممارسات استفزازية بطريقة عنجهية، الهدف منها إذلال الطبقة العاملة والفقراء لتأكيد السطوة والانتصار بأسلوب الجيوش المنتصرة في التاريخ القديم. فمن اعتقال شباب حركة عشرين فبراير وقمع كل الأشكال الاحتجاجية، والاستهزاء بمطالب الشباب العاطلين والاعتراف بقمعهم بل والدفاع عنه صراحة، إلى تدمير بيوت الأحياء المهمشة وتشريد سكانها، ومن الدفاع عن الرفع في الأسعار بحجة الأزمة، إلى تنظيم المهرجانات الفخمة بحجة “الانفتاح”. كل هذا الوضع جعل بركانا من الغضب يتراكم بصمت، وصار من الحتمي انفجاره. ولم تعد المسألة سوى مسألة وقت.
وقد قمنا في مقالات سابقة بالرد على كل المحبطين الذين رأوا في تراجع الحركة الجماهيرية، وكذا على الإصلاحيين والمدافعين عن الرأسمال الذين أطلقوا صرخة الانتصار ظنا منهم أن العاصفة قد مرت، فأكدنا أن التراجع مؤقت، وأنه سيتلوه بالضرورة نهوض نضالي أكثر كفاحية وأكثر جذرية، بمطالب طبقية واضحة (الأجور، والأسعار، والشغل، الخ).
وليس خروج فقراء حي سيدي يوسف بن علي للتظاهر ضد الرفع في أسعار الماء والكهرباء سوى تأكيد لما سبق لنا أن أشرنا إليه. ها هي الجماهير الشعبية عادت إلى النضال مجددا بقتالية أكبر وطرق كفاح أكثر جذرية وبمطالب طبقية واضحة.
يمتلك حي سيدي يوسف بن علي بمراكش تاريخا مجيدا في النضال يعود إلى ما يقارب ثلاثة عقود من الزمن. فلقد كان في طليعة الأحياء الشعبية التي انتفضت ضد الحسن الثاني خلال الانتفاضة المجيدة، يناير 1984، وقدم العديد من الشهداء والمعتقلين، وقاوم ببطولة زحف التتار على المدينة الحمراء، حتى اضطر الدكتاتور الراحل إلى ذكر الحي بالاسم في خطابه السوقي الشهير.
وهاهو الحي العمالي مرة أخرى، وعلى مشارف شهر يناير مجددا، يستعيد تقاليده النضالية العظيمة ويقدم الدروس في طرق مقاومة القمع والتضحية. إن هذه الانتفاضة الجديدة والانتصارات التي حققتها جماهير حي سيدي يوسف بن علي لحد الآن ستشكل، مهما كانت النتيجة المباشرة لهذه المعركة خلال الساعات والأيام المقبلة، شرارة انطلاق موجة جديدة من الانتفاضات الجماهيرية ستعرفها الأحياء العمالية في المدن الكبرى، وعاملا هاما في رفع معنويات الجماهير في غيرها من المدن والبلدات.
النقابات العمالية
كان من المفترض أن تقوم النقابات العمالية بقيادة النضال ضد ارتفاع الأسعار وضد التراجعات الخطيرة التي تنفذها الحكومة على مختلف الجبهات. لكن اليد الميتة للبيروقراطية النقابية وطنيا تقبض بشدة على الزمام، وتكبح كل التحركات. وهو ما يجعل النقابات عاجزة عن التدخل في هذه المعركة المصيرية، ويمنع الطبقة العاملة من التدخل بشكل منظم، عبر أشكال نضالها التقليدية: الإضراب الوطني العام. إن البيروقراطيات قد اختارت موقعها بصراحة، وبصمتها وتواطئها وجبنها وتقاعسها عن تنظيم المقاومة انضمت إلى معسكر المستغلين ضد العمال والمقهورين. وفي ظل هذا الفراغ الذي يخلقه عدم تحرك النقابات العمالية، من الطبيعي أن تحمل جماهير الأحياء الفقيرة المشعل، وتنهض إلى النضال بطرقها الخاصة والمبتكرة.
إلا أن هذه الانتفاضة الشعبية وغيرها من الانتفاضات التي بدأ المغرب يشهدها مؤخرا، وتصاعد الغضب بين صفوف العمال، سيكون له أثر إيجابي جدا على فضح تلك القيادات، وتسريع وتيرة طردها من صفوف الحركة النقابية، واستبدالها بقيادات كفاحية ديمقراطية، تعيد النقابات إلى موقعها الطليعي في قيادة النضالات.
نضال خبزي؟
إن واقع اندلاع هذه الاحتجاجات على خلفية مطالب متعلقة بغلاء فواتير الكهرباء ليس دليلا على صحة تصورات الإصلاحيين بأن المرحلة ليست ثورية وأن السقف الوحيد الممكن هو النضال الخبزي. كما لا يؤكد ادعاءات العصبويين والفوضويين ولا يقلل مطلقا من أهميتها التاريخية.
إنها بالرغم من الشكل الذي تظهر به ليست في عمقها مجرد تحركات خبزية وبمطالب خبزية. إنها معركة سياسية بامتياز. نعم إنها نضال ضد ارتفاع أسعار الكهرباء، إلا أنها في نفس الوقت، وفي جوهرها، معركة ضد سياسة التفقير، وضد الدكتاتورية والتهميش والاستغلال. وستكون أحداثها ودروسها معدية جدا، إذ سرعان ما ستنتشر وتصبح مرجعا لغاضبين آخرين في أحياء أخرى ومدن وبلدات أخرى.
لقد اندلعت الثورة الروسية نفسها على أساس المطالبة بالخبز والسلام، كما أن الثورة التونسية اندلعت على خلفية النضال ضد الحكرة، وكذلك هي الثورات دائما، بعد أن يصير انفجارها ضرورة، تعبر عن نفسها من خلال عوامل عرضية.
القمع/ التنازلات
إن حجم القمع الذي سلطه النظام الدموي ضد الجماهير المنتفضة ليس دليلا على القوة، بل دليل أكيد على الرعب والضعف. لقد لجأ النظام إلى تلك الهجمة القمعية الشرسة في محاولة لوأد التحرك في حينه، والحيلولة دون انتشاره. فهو يعلم يقينا أن كل شروط الانفجار متوفرة. وأشد ما يخشاه الحاكمون هو أن تتمكن الحركة من الاستمرار أياما أخرى وتمتد إلى أحياء أخرى، ومن تم إلى مدن أخرى. وهذا ما سيعمل على منعه بكل الوسائل الممكنة.
من بين هذه الوسائل هي المزاوجة بين القمع والتنازلات. فإذا استمر الصمود ساعات إضافية، سيلجأ الحاكمون إلى تغيير التكتيك، فيعلنون استعدادهم للحوار، وإيجاد الحلول. وسيقدمون كل الوعود الممكنة والمستحيلة. يجب علينا ألا نثق في وعودهم. فطالما قدموا لنا الوعود وطالما تبين لنا زيفها. إن كل ما يريدونه هو دفعنا إلى العودة إلى الخنوع مرة أخرى، وبعدها سينظمون انتقامهم.
لكن من المحتمل، في ظل ضعف القيادة الثورية، أن يتمكن النظام من إسكات الحركة بتنازلات وهمية، لكن حتى في هذه الحالة لن نكون أمام هزيمة للجماهير، بل على العكس من ذلك ستتعلم الجماهير بتجربتها أن النضال هو الوسيلة الوحيدة لإجبار الحاكمين على التراجع عن هجوماتهم. وهذا الدرس له انعكاسات عظيمة على مستقبل الصراع الطبقي بالمغرب.
إننا في رابطة العمل الشيوعي إذ نعبر عن تضامننا المطلق مع الجماهير المنتفضة، ونندد وندين بشدة القمع الهمجي الذي يمارسه النظام الدكتاتوري ضد أبناء شعبنا في مراكش، وفي كل مكان، نطالب بـ:
- الاستجابة الفورية لجميع مطالب المحتجين بما فيها تخفيض الأسعار وربطها بالسلم المتحرك للأجور
- محاكمة جميع المسئولين عن قمع المواطنين المحتجين في حي سيدي يوسف بن علي إطلاق سراح جميع المعتقلين على خلفية هذه الأحداث.
- ضمان حق المواطنين في التظاهر والاحتجاج والإعلام
ونؤكد أنه:
- علينا ألا نثق في وعود النظام ولا أذنابه ولا عملائه الإصلاحيين.
- علينا أن نعمم التضامن والاحتجاج لتحصين معركة جماهير سيدي يوسف بن علي علينا أن نناضل من أجل أن تنخرط النقابات العمالية في النضال ضد ارتفاع الأسعار وغيرها من الهجومات
- علينا أن نطهر النقابات من عملاء البرجوازية، من خلال النضال الديمقراطي المستند إلى القواعد العمالية، لا للانبطاح أمام البيروقراطية النقابية، لا للأساليب الانقلابية.
- علينا أن نسارع إلى تشكيل جبهة عمالية موحدة تضم كل التيارات اليسارية المناضلة والنقابات العمالية على قاعدة النضال ضد السياسات الحكومية وضد الاعتقال والدكتاتورية والقمع.
- علينا أن نعمل على بناء القيادة الثورية لنضالات شعبنا حتى لا تضيع كل هذه التضحيات هباء.
إننا في رابطة العمل الشيوعي، الفرع المغربي للتيار الماركسي الأممي ندعو كل المناضلات والمناضلين العماليين والثوريين إلى الالتحاق بنا في نضالنا ضد الرأسمالية والدكتاتورية، من أجل مغرب المساواة والعدالة، مغرب اشتراكي بحكومة عمالية.
رابطة العمل الشيوعي
السبت: 29 دجنبر 2012