لقد مرت الآن سنتان منذ قيام الثورة المصرية بخطوتها الأولى. في البداية كانت الحركة في حالة من النشوة وتنتقل من نصر إلى نصر وتجرف كل عقبة تقف في طريقها. كانت المعنويات مرتفعة إلى حد الاحتفالية. توافد الملايين والملايين من أبناء الشعب المضطهد منذ عقود إلى ميدان التحرير للتعبير عن مطالبهم مشبعين بالشعور بقوتهم الخاصة ورأوا أنه بإمكانهم التغلب على جميع المشاكل بنفس السهولة التي أسقطوا بها مبارك. شعروا أنه لا يمكن إيقافهم، وكانوا على حق في الشعور بذلك.
لكن بعد وقت قصير من سقوط مبارك أدرك الثوار أن الأمور ليست على ما يرام. فبعد أن ناضلوا وقدموا التضحيات الجسام اتضح لأبناء شعب مصر أن السلطة تتسرب من بين أديهم وتعود مرة أخرى إلى يد بقايا النظام القديم في شخص قيادة الجيش.
لقد قلبت الثورة مصر رأسا على عقب. كل شيء تغير، لكن كل شيء ما يزال على حاله. ما تزال أهم مفاتيح السلطة أي الدولة والاقتصاد، في أيدي البرجوازية. وهكذا بدأت مرحلة جديدة من النضال. مرحلة حيث بدأت من جهة البرجوازية، التي أضعفتها الثورة كثيرا، تحاول المناورة للبقاء في السلطة، لكنها المضطرة، بسبب أزمة نظامها، لمهاجمة الثورة ومكاسبها. وحيث الجماهير الكادحة من جهة أخرى مضطرة للخروج إلى الشوارع مرارا وتكرارا، فقط لكي تجد أنه ليست هناك قيادة تستحق هذا الاسم.
إن عدم وجود قيادة ثورية هي العائق الوحيد الأكثر أهمية الذي يمنع الحركة الجماهيرية من التقدم إلى الأمام. لقد أظهرت الجماهير مرارا وتكرارا أنها تريد التصدي لهجمات البرجوازية وقادرة على ذلك. لكن عدم وجود قيادة للحركة يتسبب في توقفها وترددها، ويؤدي بها في نهاية المطاف إلى طريق مسدود لا يمكن تحمله.
هذا أمر محبط بالنسبة للجماهير في الشوارع. إنهم يقولون: “كل شيء تغير، لكن لا شيء قد تغير”. “فكلما أسقطنا ديكتاتورا يصعد آخر، وإن بأزياء مختلفة، ويأخذ مكانه”، فمن مبارك إلى طنطاوي إلى مرسي ليس هناك سوى اختلاف بسيط في ظروف الحياة اليومية للعمال والفقراء.
لكن بالنسبة للماركسيين ليس هناك وقت لنضيعه في اليأس. مهمتنا ليست البكاء ولا الضحك، بل الفهم. ما هي المشاكل الرئيسية للثورة؟ وما هي مهامنا نحن الماركسيين؟
من أجل موقف طبقي
لقد شرحنا خلال الانتخابات الرئاسية الطبيعة الرجعية لجماعة الإخوان المسلمين والموقف الخاطئ لقادة حركة الاشتراكيين الثوريين – التي هي مجموعة مرتبطة بحزب العمال الاشتراكي البريطاني – الذين قدموا الدعم لمرشح الإخوان.
وبالعودة إلى القرار الرسمي لمنظمة الاشتراكيين الثوريين نقرأ ما يلي:
«اقتناعا منا بأن فوز شفيق في الجولة الثانية يعني خسارة فادحة للثورة، وضربة قوية لمكتسباتها الديمقراطية والاجتماعية، واستعادة نظام مبارك لكافة أركانه، بل وفرصة ذهبية لاستعداد الثورة المضادة لهجوم انتقامي أكثر وحشية واتساعا، وهو ما يقوله شفيق صراحة في حملته (الفاشية) المبنية على الوعد بالقمع الانتقامي الواسع تحت عنوان “استعادة الأمن للشارع في أيام”».[1]
وقد كان ردنا على هذا الموقف هو ما يلي:
«لا يمكن أن يكون لأي أحد أوهام بشأن طبيعة شفيق، والدور الذي يلعبه. لكن هل يعد هذا مبررا كافيا للدعوة للتصويت للإخوان المسلمين؟ ومن أجل تبرير هذا، تستند الوثيقة إلى المقولة القديمة “أهون الشرين”.
«لقد سمعنا هذه الحجة عدة مرات من قبل. وفي كل مناسبة، ما كان من المفترض أن يكون أهون الشرين تحول إلى شر كبير جدا.» [2]
ما مدى صحة هذه الكلمات اليوم؟ بعد أقل من عام على انتخابه صار محمد مرسي اليوم أكثر رجل ممقوت في مصر. فبعد أن توصل إلى عقد اتفاق مع نفس جنرالات الجيش الذين كانوا يقدمون الدعم لشفيق، انقلب مرسي ضد الثورة في حملة تهدف إلى استرجاع كل ما حققته الثورة.
إنه يشن من خلال فرضه لمراسيم ديكتاتورية، وطرح الدستور المرفوض، ومهاجمة العمال ومنظماتهم، وإطلاق بلطجيته في الشوارع، وقتل مئات المناضلين وآلاف المظالم والتدابير الفاسدة الأخرى، حربا شاملة ضد الثورة منذ اليوم الأول لرئاسته.
في الواقع لم يعمل مرسي، من خلال ظهوره كرجل موالي للثورة ضد النظام السابق، سوى على استغلال “فرصة ذهبية للتحضير لهجوم انتقامي للثورة المضادة أكثر وحشية وأوسع نطاقا تحت شعار: “إعادة الأمن إلى الشارع “.
من خلال دعمهم لجماعة الإخوان المسلمين- وهو ما تلقوا بفضله الشكر الرسمي من طرف منظمي حملة مرسي الانتخابية بعد فوزه! – كان قادة الاشتراكيين الثوريين يزرعون الأوهام حول أن الإخوان المسلمين جزء من الثورة. في الواقع كتب عضو الاشتراكيين الثوريين، مصطفى بسيوني، في يونيو 2012، أن “الإخوان المسلمين يمثلون الجناح اليميني للثورة” و”ليس الثورة المضادة”. [3]
ليست هذه فكرة خاطئة فقط، وهو ما اتضح بشكل تام خلال التطورات اللاحقة، بل إنها تخدع العمال والشباب – وخاصة الفئات الأكثر تقدما بينهم- وتتركهم غير مستعدين للأحداث المستقبلية.
والمثير للاهتمام هو أن الرفيق تمكن من رؤية الخطأ الذي ارتكبته القوى الاشتراكية الأخرى بانضمامها إلى المعسكر “العلماني”. فحزب التجمع على سبيل المثال انتهى إلى دعم شفيق، وهو الشيء الذي لا يعتبر غريبا بالنظر إلى أنه سبق أن دعم أيضا مبارك ضد الإخوان. ومع ذلك فإن خطأهم لا يصير صوابا عن طريق ارتكاب الخطأ المعاكس ودعم مرسي.
سبق لتروتسكي أن أوضح وضعا مماثلا عند حديثه عن ألمانيا النازية:
«.. نحن الماركسيون نعتبر برونينج [سياسي ألماني برجوازي سنوات العشرينات والثلاثينات] وهتلر، وكذلك براون، أجزاء مكونة لنفس النظام. إن سؤال من منهم “أهون الشرين” لا معنى له، لأن النظام الذي نناضل ضده يحتاج إلى كل هذه العناصر. لكن هذه العناصر غارقة مؤقتا في صراعات مع بعضها البعض ويجب على حزب البروليتاريا الاستفادة من هذه الصراعات لمصلحة الثورة
(…)
«عندما يضع أحد أعدائي أمامي أجزاء صغيرة من السم يوميا، بينما الآخر، على وشك إطلاق النار علي مباشرة، سأعمل أولا على إسقاط المسدس من يد العدو الثاني، لأن هذا يعطيني فرصة التخلص من عدوي الأول. لكن هذا لا يعني أبدا أن السم هو “أهون الشرين” مقارنة مع المسدس.
«يتمثل سوء الحظ بالضبط في حقيقة أن قادة الحزب الشيوعي الألماني قد وضعوا نفسهم على نفس الأرضية التي يقف عليها الاشتراكيون الديمقراطيون، لا يختلفون سوى من حيث الشكل: فالاشتراكيون الديمقراطيون يصوتون لصالح برونينج، ويعتبرونه أهون الشرين. بينما الشيوعيون، من ناحية أخرى، الذين يرفضون أن يضعوا ثقتهم لا في براون ولا في برونينج بأي شكل من الأشكال (وهذا هو بالتأكيد الموقف الصحيح)، يخرجون إلى الشوارع لدعم استفتاء هتلر، أي محاولة الفاشيين للإطاحة ببرونينج. لكنهم بهذه الطريقة عملوا هم أيضا على اعتبار هتلر أهون الشرين، لأن انتصار الاستفتاء لن يحمل البروليتاريا إلى السلطة، بل سيحمل هتلر إليها».
إن مصالح البرجوازية متناقضة تماما مع مصالح الجماهير. هذه ليست مسألة إرادة أو خيار، بل هي مسألة شروط مادية. إن تفسير هذا الأمر وتوضيح التناقض الطبقي في المجتمع وبالتالي رفع الوعي الطبقي للعمال هو المهمة الرئيسية لأي ثوري/ة.
لكن الاشتراكيين الثوريين ومن خلال دعمهم لجماعة برجوازية في جوهرها، لم يمتنعوا فقط عن المساعدة في توضيح الانقسام الطبقي في المجتمع، بل إنهم في الواقع ساهموا في إخفاء التناقضات الطبقية. وهذا ما كان له، كما سنرى لاحقا، آثار على مجمل مسلسل الثورة.
الثورة أو الثورة المضادة
في شهر يوليو من عام 2012 عندما كان الإخوان يعملون على التوصل إلى اتفاق مع المجلس العسكري قال الرفيق سامح نجيب، احد أهم قادة الحزب الاشتراكي الثوري، في أحد المؤتمرات:
«انتصار مرسي، مرشح الإخوان المسلمين، هو إنجاز كبير في طريق دحر هذه الثورة المضادة ودحر هذا الانقلاب. في الوقت الراهن، هذا نصر حقيقي للجماهير المصرية ونصر حقيقي للثورة المصرية.
«قد لا يظهر هذا بوضوح. حيث أن الكثير من الناس، وخاصة في الغرب، وأيضا هنا، يتبنون موقف اسلاموفوبيا (الخوف من الإسلام) لا يسمح لهم بأن يروا طبيعة الإخوان المسلمين…»
وبعد ذلك يصل رفيقنا إلى أن يشرح لنا ما يلي:
«كلما كان هناك خطر الثورة المضادة، سوف يميل الإسلاميون نحو الجماهير – سيعملون على تعبئة الجماهير بمئات الآلاف ضد النظام العسكري. وكلما كان هناك تهديد من الأسفل، كلما ظهر أن الجماهير تكسر قبضة جماعة الإخوان المسلمين، سيصطف الإخوان المسلمون إلى جانب النظام العسكري، مع الجنرالات، في محاولة لإيقاف الجماهير».[4]
إن هذا التحليل يبدو محض خيال لأي شخص يعيش في مصر اليوم، لأنه لا يملك أية صلة بالحقائق القاسية التي عانتها الثورة على مدى الستة أو السبعة أشهر الماضية. إن أكبر خطأ بالنسبة للثوري هو خلط الثورة مع الثورة المضادة، لكن يبدو أن هذا بالضبط هو ما يقوم به الرفاق.
كما بينا ذلك أعلاه لم يكن من الصعب معرفة الاتجاه الذي سيسير فيه الإخوان المسلمون. لكن في إطار التساهل مع الرفيق يمكننا القول إن الطبيعة الرجعية للنظام لم تظهر بشكل كامل من الناحية العملية قبل عام 2012 حيث شن مرسي، من خلال طرح المرسوم الرئاسي الشهير، الحرب على كل مكتسبات الثورة.[5]
ومنذ ذلك الحين، كما يعلم الرفيق نجيب بالتأكيد، تم خوض صراع مرير دون انقطاع تقريبا في شوارع مصر. في الواقع وكما فهم العديد من المناضلين بشكل صحيح، برز على السطح “خطر الثورة المضادة”، لكن وعلى عكس ما توقعه الرفيق نجيب، لم يعمل الإخوان المسلمون على “تعبئة الجماهير بمئات الآلاف ضد النظام العسكري”. بل على العكس من ذلك، قام الإخوان بتوجيه الجيش وقواتهم الخاصة ضد الثورة. وكلما اصطدمت الجماهير بجماعة الإخوان المسلمين لم تعمل هذه الأخيرة فقط على الاصطفاف إلى جانب النظام العسكري والجنرالات “في محاولة لإيقاف الجماهير”، بل حاولوا سحق الحركة من خلال مهاجمتها بعنف، والعمل ليس فقط مع الجيش، ولكن أيضا مع الشرطة، والسلفيين وجميع القوى الرجعية الأخرى في مصر.
ينبغي أن تجعل كل هذه الأحداث من الطبيعة الرجعية للإخوان المسلمين مسألة واضحة بالنسبة للرفيق نجيب وبقية قادة الاشتراكيين الثوريين – ويجب أن نضيف أيضا قادة حزب العمال الاشتراكي البريطاني.
وقد جاء الجواب مخيبا للآمال في الطبعة الأخيرة من المجلة الاشتراكية (Socialist Review) حيث قدم لنا الرفيق نجيب، وبقية قيادة الاشتراكيين الثوريين، تحليله للوضع. لقد صدمنا لرؤية الرفيق سامح يكتب ما يلي:
«تكمن مشكلة الإخوان المسلمين في أنهم يمثلون الآن [!?! التشديد من عندنا] أهداف القطاع الخاص الكبير وهم مجرد أدوات بدولة مبارك. لقد شهدنا تصريحات مضحكة للإخوان المسلمين تتهم اللبراليين بعمالتهم لصالح عناصر من النظام القديم، في حين أنهم أنفسهم في تحالف واضح مع الجيش وبوليس مبارك. فالمقطع الخاص بالجيش في الدستور لم يحافظ على سلطة الجيش وفقط، بل عمقها ووطدها.» [6]
على الرغم من وقائع العام الماضي حيث هاجم الإخوان الثورة مرارا وتكرارا، وعلى الرغم من الاعتراف بأن الإخوان المسلمين “في تحالف مفتوح مع جيش مبارك وشرطته”، فإن الرفيق العزيز ما زال يصر على أن هذه ليست سوى ظاهرة مؤقتة! وأن الإخوان سيمثلون في وقت ما في المستقبل أو أنهم مثلوا في الماضي مصالح أخرى غير مصالح “القطاع الخاص الكبير وجهاز دولة مبارك.”
إذن “الإخوان المسلمون يمثلون الجناح اليميني للثورة” و”ليس الثورة المضادة”. وهم بالطبع يمثلون “الآن”، أي مؤقتا، “مصالح القطاع الخاص الكبير وجهاز دولة مبارك”.
تبدو هذه الكلمات سخيفة بالنسبة للثوار الذين يحتلون شوارع مصر اليوم ويخاطرون بحياتهم في النضال ضد جماعة الإخوان. لقد كان الإخوان ضد الثورة منذ البداية. ولم يقدموا للحركة دعمهم المتردد إلا بعد أن صارت حقيقة ثابتة. وحتى في ذلك الحين لم يعملوا سوى كمعرقل للحركة. وفي كل منعطف دخلته الثورة وضعت الجماعة يديها في يد الجنرالات حتى في الوقت الذي كانوا يقتلون فيه المتظاهرين في الشوارع خلال خريف عام 2011.
بعد الانتخابات الرئاسية أبرمت جماعة الإخوان، كما يعترف الرفيق نجيب نفسه، صفقة مع نفس جنرالات الجيش الذين كانوا حتى ذلك الحين يدعمون شفيق. كان ينبغي أن يجعله هذا يفهم أن الإخوان من وجهة نظر قيادة الجيش أناس يمكنها الثقة فيهم للدفاع عن موقفها وامتيازاتها وليسو أناسا قد ينقلبون عليها عند نقطة معينة.
منذ سقوط مبارك والإخوان يتبنون سياسات مؤيدة للرأسمالية بشكل حازم. وعندما عملت المحاكم على إعادة تأميم عدد من الشركات التي خصخصت سابقا، وذلك بفعل الضغوط من العمال، انخرط الإخوان في حملة لوقف هذه العملية. على أية طبقة كان الإخوان يستندون عندما كانوا يقومون بذلك؟ أو عندما طرحوا الكثير من التشريعات المناهضة للعمال خلال فترة قصيرة من حكم مرسي المطلق؟
هناك الكثير من الأمثلة التي يمكن إيرادها، ونحن واثقون من أن الرفيق يدرك تماما أن “الإخوان … يمثلون مصالح الشركات الكبرى”. ليس سرا أن جماعة الإخوان المسلمين تلعب – ولعبت أيضا في عهد مبارك – دورا هاما في الرأسمالية المصرية. تتكون قيادتها من أصحاب الملايين ورجال الأعمال مثل أسرة كمال والشاطر وهي مرتبطة ماليا بشكل وثيق مع شيوخ الخليج الرجعيين.
في الواقع ليس لدينا أي سبب لفضح الإخوان المسلمين. ونحن نأسف بشدة للقارئ الذي سيتم اختبار صبره، ولكن علينا أن نقتطف مطولا من واحد من نصوص الاشتراكيين الثوريين كتب يوم 26 يناير خلال المعارك الدامية التي اندلعت خلال الذكرى السنوية للثورة:
إن فوزهم الانتخابي لم يكن ليتحقق
«إلا في مواجهة شفيق والفلول، وبعد أن خدعوا الملايين بقناع التمسك بأهداف الثورة.
«وبعد أقل من عام سقطت الأقنعة وظهر الوجه الحقيقي لنظام الإخوان الذي بدأ عهده بتكريم قتلة المجلس العسكري والتحالف مع العسكر لحماية كرسي النظام مقابل تمكينهم من إمبراطوريتهم الاقتصادية وعدم خضوعها للرقابة.
«وسارع نظام الإخوان للتصالح مع رجال أعمال نظام مبارك الذين نهبوا ثروات مصر لسنوات، وارتمى في أحضان صندوق النقد ليطبق نفس برنامج الخصخصة وبيع البلد: خيرت الشاطر بديلا لأحمد عز وصكوك جمال مبارك أصبحت صكوكا إسلامية ومستثمري قطر بدلا من الأجانب، وميليشيات الإخوان بدلا من بلطجية الحزب الوطني.
«والثابت في الحالتين هو حرمان ملايين المصريين من الفقراء ومحدودي الدخل من ثروات بلدهم المنهوبة لتكويهم نار غلاء الأسعار وغياب حقهم في العلاج والتعليم والسكن والعمل، بل ليدفعوا حياتهم ثمنا للفشل الإخواني إما فوق قضبان القطارات أو تحت أنقاض مساكن متهالكة أو غرقى بمراكب الصيد أو في طوابير العيش والسولار والبوتاجاز.
«وانكشفت أكذوبة القصاص للشهداء التي قال مرسي إن دماءهم في رقبته، فلم تكن إلا مانشيتات للدعاية الانتخابية، وتم تجاهل تطهير وإعادة هيكلة الداخلية لتعود جهازا لحماية النظام والبطش بالمعارضين.
«ولم تتوقف سطوة المؤسسة العسكرية على البلاد، وها هم أهالي جزيرة القرصاية تحتل قوات الجيش أراضيهم ويحالون للمحاكم العسكرية.
«أما الإعلام والصحف الحكومية فعادت بوقا يمجد في الحاكم وإنجازاته، بينما يسعى النظام لتقييد القضاء في صراع على النفوذ لضمان ولاء النائب العام، بينما يقتل المعتصمين بالاتحادية بيد ميليشيات الإخوان».[7]
ليس في إمكاننا أن نصف الوضع بشكل أكثر وضوحا مما قيل. لكن على ما يبدو لا تعني هذه الحقائق سوى القليل جدا للرفاق في قيادة الاشتراكيين الثوريين. فبدلا من الاعتراف بالخطأ تراهم يتشبثون بعناد مرة أخرى بالصيغة القديمة.
يمكن للجميع ارتكاب الأخطاء، بمن فيهم الثوار. ماركس وإنجلز ولينين وتروتسكي جميعهم ارتكبوا أخطاء، لكن ما يميزهم عن الآخرين هو أنهم أدركوا أخطاءهم في الوقت المناسب واتخذوا كل الخطوات اللازمة لتصحيحها.
لكن إذا لم يعترف المرء بالخطأ ويعمل على تصحيحه، سوف يصبح الخطأ نزعة عضوية. إن ما يثير الدهشة رغم ذلك، هو أن الرفيق وقيادة الاشتراكيين الثوريين، ليس فقط لا يعترفون بخطئهم أو يصححوه، على الرغم من أنه واضح للعيان، بل يحاولون “لي عنق” الواقع إلى أقصى درجة ممكنة من أجل تبرير خطأهم.
وبالتالي يصل الرفيق إلى نتيجة مفادها أن الإخوان المسلمين يمثلون فقط “الآن” “الشركات الكبرى” – أي انه يحاول أن يغرس في أذهاننا فكرة لا أساس لها تماما بأنه ربما عملت في فترات أخرى على خدمة مصالح الشعب، وأنها يمكن حتى أن تفعل ذلك في المستقبل. انه يحاول التستر على الخطأ من خلال محاولة إقناع الثورة بأن الإخوان المسلمين يمكنهم أن يلتحقوا مرة أخرى بجانب الثورة. وأنهم يشكلون جناحها اليميني، مثل إصلاحيي اليسار. أي أنه ما زال يحتفظ بنفس الموقف السابق.
في نفس المقالة المذكورة أعلاه، يقول نجيب إنه “لا مجال للإحباط” لأن “أولئك الذين تصوروا أن الأمور ستتحسن عندما يكون الإخوان في السلطة، أصيبوا بالإحباط واليأس لكنهم يبحثون عن بدائل”.
وغني عن القول إننا نعتقد أن أغلب الناس المحبطين هم هؤلاء الذين زرع بينهم الرفيق نجيب الأوهام حول أن جماعة الإخوان المسلمين هي أهون الشرين مقارنة مع شفيق وأولئك الذين أقنعهم بأن جماعة الإخوان المسلمين “ستحشد الجماهير في مئات الآلاف ضد النظام العسكري” عند رؤية خطر الثورة المضادة.
قاعدة رجعية منذ البداية
لقد كانت جماعة الإخوان المسلمين دائما قوة محافظة ومعادية للثورة تستخدم خطابا إسلاميا ديماغوجيا من أجل الحصول على قاعدة دعم بين الفئات الأكثر فقرا وتخلفا. كان هذا هو الحال في ظل الحكم الملكي وفي وقت لاحق خلال حكم عبد الناصر. وليس من قبيل الصدفة أن وزير الخارجية الأمريكي السابق، جون فوستر دالاس، رأى إمكانيات كبيرة في استخدام جماعة الإخوان (التي وصفت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية زعيمها بأنه “فاشي، مهتم بتجميع الأفراد من أجل السلطة”) وغيرها من المنظمات السياسية الإسلامية – وقدرتهم، من خلال استخدام الدين لتجميع الشرائح الدنيا في المجتمع – على لعب دور ثقل موازن للحركات الشيوعية واليسارية في العالم العربي.
رغم كل حديثهم عن معاداة الإمبريالية والدفاع عن فلسطين، فإن الإخوان المسلمين لم يكن لديهم أي مشكل في الدخول، خلال عدة مناسبات، في علاقات وثيقة مع الأمريكيين أو البريطانيين أو الألمان.
في عهد السادات كان مسموحا للإخوان المسلمين بالعمل واستغل نفوذهم الديني لتبرير سياسات الخصخصة والانعطاف اليميني الواضح للنظام. في وقت لاحق كان صحيحا أن مبارك هاجم المنظمة، لكنه لم يمنعهم من الحفاظ على وجود كبير في برلمان العار.
كان الصراع الرئيسي بين قادة الإخوان وبين نظام مبارك يدور حول حجم قطعة الكعكة التي يمكنهم الحصول عليها. وكما صرح القيادي الإخواني حسن مالك لصحيفة Businessweek «لقد سمحوا لي بالوصول إلى مستوى معين، لكن كان هناك سقف» [8]
كان دور المنظمة بالنسبة لنظام مبارك هو صمام الأمان، كانت معارضة مأمونة دورها تحويل إحباط الجماهير إلى قنوات آمنة. وبهذا المعنى فقد كانت المنظمة خط الدفاع الأخير للرأسمالية المصرية والمصالح الإمبريالية الأمريكية في مصر – وهو الدور، الذي يمكن أن نضيف أنها، تلعبه على أكمل وجه اليوم.
في الواقع لقد أصبحت اليوم عمليا أهم المدافعين عن المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. من الواضح أن الأمريكيين يستخدمون الإخوان لحماية مصالحهم، ليس فقط في مصر، بل أيضا في تونس وجميع أنحاء العالم العربي. أما بالنسبة لإسرائيل العدو اللدود، فمن الواضح أن العداء ليس قويا إلى درجة أن تتوقف جماعة الإخوان عن دعم حصار غزة من خلال عدم فتح الحدود لفلسطين.
الإخوان المسلمون والجماهير
سيرد رفاقنا قائلين نعم كل ما تقولونه صحيح، ولكن بما أن «الإخوان المسلمين لديهم قاعدة جماهيرية، ولأنها تمتلك أكبر قاعدة دعم بين صفوف الطبقة العاملة المصرية وأيضا بين الفقراء المصريين، فإنه عليها أن ترضخ لإرادة الجماهير إلى حد ما.»[9]
دعونا نلقي نظرة على الحجة الأولى التي يعرضها الرفيق نجيب حول أن جماعة الإخوان المسلمين لديها قاعدة جماهيرية. بالطبع لا يمكن إنكار أن جماعة الإخوان المسلمين تمكنت، بسبب قوتها المالية وسياسة التسامح معها، من أن تلعب دورا كبيرا، وخصوصا بين الفئات الأكثر فقرا وتخلفا في المجتمع.
فأولا وقبل كل شيء كانت المنظمة الوحيدة التي تمتلك شبكة وطنية ومليارات الدولارات، التي وجه بعضها إلى جمعيات خيرية، مما مكنها من التواصل مع البطون الجائعة لبعض المصريين. وكانت ثانيا “المعارضة” الوحيدة المرئية حقا فتمكنت من استقطاب العديد من النشطاء، وخاصة منهم أولئك الذين يضعون أرجلهم لأول مرة في عالم السياسة. تماما مثل أغلبية الأحزاب البرجوازية ليست جماعة الإخوان المسلمين مجرد منظمة تتألف من دائرة ضيقة من الأغنياء وذوي النفوذ.
ولكن ومع تطور الثورة اتضح أن هذه القاعدة هشة للغاية. في واقع الأمر من المعروف أن جماعة الإخوان المسلمين انقسمت على نفسها عدة مرات أثناء الثورة وخلال الشهور التي سبقتها. من الواضح أن هناك انقساما بين قيادة المنظمة المشكلة من كبار رجال الأعمال والرأسماليين، الذين يعتبرون أنفسهم أساسا مكونا من مكونات الطبقة الحاكمة المصرية، وبين الفقراء والشباب في القاعدة.
لكن الحجة القائلة بأن هناك قاعدة جماهيرية كبيرة للحزب لا توضح شيئا عن طبيعة ذلك الحزب.
يملك الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة قاعدة جماهيرية كبيرة – حتى النقابات تدعم الديمقراطيين، لكننا لن نصفه أبدا إلا بكونه حزب البرجوازية.
حتى معبود الإخوان العظيم رجب طيب اردوغان وحزبه حزب العدالة والتنمية يمتلك قاعدة دعم جماهيرية، لكن هذا لا يغير من حقيقة أنه حزب شعبوي محافظ. كانت للمجلس العسكري قاعدة جماهيرية مباشرة بعد الثورة، بل ويمتلك حتى تقاليد تاريخية حيث يعتبرهم الكثيرون ثوريين حقيقيين معادين للامبريالية يجسدون تراث عبد الناصر. حتى هتلر كانت له قاعدة جماهيرية، لكني أعتقد أن الرفاق بدأوا يفهمون إلى أين يقود هذا.
القاعدة الحقيقية لجماعة الإخوان المسلمين هي بين البرجوازية العربية، ورجال الدين والفئات العليا من الطبقة الوسطى. هذه القاعدة البرجوازية هي بالضبط التي تستند إليها في جميع المسائل الهامة والتي لا تسمح للمنظمة بأن “ترضخ لإرادة الجماهير” – على الأقل ليس أكثر مما يمكن لأي حزب برجوازي آخر أن “يرضخ” (أو ينكسر) خلال ثورة. هذه الطبيعة هي بالضبط التي تضرب شعبيتها بسرعة بين الجماهير.
خلال الانتخابات البرلمانية، لم تتمكن المنظمات الإسلامية، على الرغم من تزوير الانتخابات، والرشاوى وامتلاكهم لجهاز الدولة كله والقانون الانتخابي المكتوب حديثا، من جمع سوى حوالي 10 ملايين صوت. مقارنة مع ما بين 15 مليونا و20 مليونا من المتظاهرين الذين كانوا في الشوارع في ذروة الثورة، لقد بدئنا نرى ميزان القوى الحقيقي.
وهذا يعني أن التصويت للإخوان هو فقط ثلثي الفئات النشيطة في الثورة، في أحسن الأحوال. ومع ذلك، فإن الصورة تغيرت تماما خلال الانتخابات الرئاسية – بعد ستة أشهر فقط- حيث تراجعت أصوات المرشحين الإسلاميين بحوالي النصف. وفي جميع القلاع الصناعية الكبرى وأهم المراكز الرئيسية للثورة، بما في ذلك القاهرة والإسكندرية تلقى الإسلاميون هزائم مذلة.
في الواقع، لو لم يكن هناك تزوير واسع النطاق في عمليات التصويت، ربما كان النصر سيعود إلى حمدين صباحي الذي كان ينظر إليه باعتباره المرشح الحقيقي للثورة. لكن الرفيق ما يزال يشرح لنا أن الجماهير تقف حقا مع الإخوان. من العار أن لا أحد قال للجماهير هذا عندما كانوا في الشوارع بالملايين على مدى الأشهر القليلة الماضية يتحدون بضعة آلاف من أعضاء جماعة الإخوان الذين تجرأوا للدفاع عن حكم مرسي، والشاطر وكمال، والجنرالات وكل رعاع النظام القديم الفاسد.
لكن هناك المزيد من الدروس لنتعلمها من الانتخابات الرئاسية. كيف تمكن حمدين صباحي من كسب قاعدته؟ يمكن أن نتفق على أن صباحي يمثل حركة بدون بوصلة، لن نتطرق هنا لمناقشة طبيعتها. لكن ما ميز صباحي عن جميع المتنافسين الآخرين هو أنه كان، إلى جانب تسمية نفسه بالاشتراكي، قد أوضح أنه لن يدعم أيا من مرسي ولا شفيق وانه سيقف فقط مع الثورة. وبدلا من تقييد نفسه بالاختيار بين أهون الشرين من بين المرشحين البرجوازيين، اختار أن يعتمد على الشوارع.
بغض النظر عن أوجه القصور عند صباحي، فقد كان هذا الموقف المبدئي الذي اتخذه ضد القوى البرجوازية هو ما أكسبه لقب مرشح الثورة. أما الموقف الذي تبناه الاشتراكيون الثوريون فلم يسهم إلا في عزلهم عن الفئات الثورية الأكثر تقدما، التي رأت بوضوح في الإخوان قوة معادية للثورة.
لو أن المنظمة اتخذت منذ البداية موقفا مبدئيا صحيحا لكانت الأشياء قد سارت في اتجاه مختلف. لو أنهم فضحوا، في كل منعطف، الطبيعة الطبقية للإخوان وأكدوا على الحاجة إلى موقف طبقي مستقل، لكان في مقدورهم أن يتطوروا إلى حد كبير على خلفية التجارب الجماهيرية. تحتوي المنظمة بدون شك على بعض أفضل الشباب في مصر، وبالتالي داخل الثورة. لو توفر لهم نهج صحيح لكان في إمكانهم تحويل هذا النفوذ إلى نمو حقيقي ولكانوا قادرين على إيصال الأفكار الاشتراكية الثورية إلى أوسع فئات الجماهير. لكن الشرط الأول للفوز بأي نفوذ حقيقي هو أن تكون قادرا على التمييز بين الثورة والثورة المضادة.
من الواضح أن جماعة الإخوان المسلمين، وكذلك المنظمات الإسلامية الأخرى، وبسبب عدم وجود حزب ثوري جماهيري، لديها بعض الدعم بين بعض الفئات، وخاصة البرجوازية الصغيرة والفقراء. ومن الواضح أيضا أنه يجب على الثورة، عند نقطة معينة، أن تكسب إلى صفوفها أجزاء من هذه القاعدة. لن ننكر أبدا أهمية هذا، لكن كيف يمكننا كسب البرجوازية الصغيرة؟
لم تكن طريقة ماركس أو انجلز أو لينين أو تروتسكي تقوم أبدا على تقديم أي تنازلات سياسية للقادة البرجوازيين، بغض النظر عن اتساع حجم القاعدة الجماهيرية لديهم. ويشرح تروتسكي هذا الأمر في رائعته “الثورة الدائمة”:
«ليست فقط المسألة الزراعية، بل أيضا المسألة القومية تعيّنان للفلاحين، الذي يشكلون الأغلبية الساحقة من سكان البلدان المتخلفة، دورا أساسيا في الثورة الديمقراطية. وبدون تحالف البروليتاريا مع الفلاحين لا يمكن تنفيذ مهام الثورة الديمقراطية ولا حتى طرحها بجدية. لكن تحالف هاتين الطبقتين يمكن تحقيقه فقط من خلال النضال الدؤوب ضد نفوذ البرجوازية الوطنية الليبرالية».
فقط من خلال تحديد الخطوط الطبقية بحزم حيث يمكن للبروليتاريا أن تخلص الفئات الدنيا من البرجوازية الصغيرة من قبضة البرجوازية الكبيرة – ولا يمكنها القيام بذلك إلا إذا تشبثت بالاستقلال الطبقي المطلق.
الرفيق نجيب نفسه يذكر أوجه التشابه الواضحة بين الثورة المصرية والثورة الإسبانية. لكن ما نسي أن يشير إليه هو أن الصراع الرئيسي الذي شنه الماركسيون في اسبانيا كان بالضبط ضد التعاون الطبقي من طرف الاشتراكيين والستالينيين واللاسلطويين، الذين استسلموا الواحد منهم تلو الآخر لحكومة الجبهة الشعبية مع البرجوازيين الديمقراطيين.
في سياق حديثه عن الثورة الإسبانية وموقف تروتسكي كتب المؤرخ بيير بروي ما يلي:
«[ كتب تروتسكي:] ‘عندما تضطر البرجوازية لإجراء تحالف مع منظمات العمال، من خلال وساطة جناحها الأيسر، تكون لديها آنذاك حاجة أكثر إلى الجهاز العسكري كثقل موازن.’ إن سياسة حكومة الجبهة الشعبية الجمهورية تجاه الجيش، وسماحها له بالإعداد علنا للإطاحة بها، لم تكن نتيجة ‘للعمى’، أو أي خطأ، بل كانت ببساطة سياسة البرجوازية الإسبانية. من وجهة نظر تروتسكي كان من يتحمل أكبر قدر من المسؤولية هم بالطبع القيادات العمالية الذين سمحوا بنجاح عملية الاحتيال التي قامت بها الجبهة الشعبية. وقد كتب: ‘يمكننا أن نرى الآن بشكل أكثر وضوحا الجريمة التي ارتكبها قادة الحزب العمالي للتوحيد الماركسي (POUM)، مورين[10] ونين[11]، في وقت سابق من هذا العام. يمكن لكل عامل واع أن يسألهما، وسيسألهما: “ألم تتوقعوا أي شيء؟ كيف أمكنكم التوقيع على برنامج الجبهة الشعبية، وجعلتمونا نمنح الثقة لأثانا[12] وشركاءه، بدلا من تحصيننا بأعظم مشاعر عدم الثقة في البرجوازية الراديكالية؟ والآن، سيكون علينا أن ندفع ثمن أخطائكم مع دمائنا“. وأضاف: “إن غضب هؤلاء العمال ضد نين وأصدقائه يجب أن يكون حادا بشكل خاص، لأنهم ينتمون إلى تيار قدم قبل بضع سنوات تحليلا دقيقا لسياسة الجبهة الشعبية، وكرر هذا التحليل في كل مرحلة، وجعلها أكثر ملموسية وأكثر دقة. لا يمكن لنين ادعاء الجهل (وهو العذر الواهي بالنسبة لقيادي) لأنه يجب أن يكون قد قرأ الوثائق التي وقعها.”»[13] -التركيز من عندنا-
سوف يكون ذلك هو نفس مصير قادة الاشتراكيين الثوريين إذا لم يصححوا أخطائهم.
من الواضح أنه علينا أن نتبنى موقفا وديا وصبورا تجاه الآلاف من أعضاء جماعة الإخوان من العمال والفقراء الذين يوجدون بلا شك في الميدان. لا يصدق هذا فقط تجاه العمال والفقراء الذين يدعمون جماعة الإخوان المسلمين، بل تجاه جميع العمال والفقراء. لكن لا يمكننا إخفاء الحقيقة. بل على العكس من ذلك، يجب علينا أن ننتقد ونفضح الطبيعة الطبقية الحقيقية لجماعة الإخوان وجميع التيارات البرجوازية الشعبوية الأخرى في جميع منشوراتنا وعند كل منعطف.
الثورة الروسية
إن إلقاء نظرة سريعة على الثورة الروسية ستؤكد النقاط المشار إليها أعلاه. ففي حين أعرب الاصلاحيون من مناشفة واشتراكيين ثوريين مباشرة بعد ثورة فبراير عن تأييدهم للحكومة البرجوازية المؤقتة، رفع لينين شعار القطيعة التامة مع الليبراليين البرجوازيين. من بين الشعارات الرئيسية التي رفعها البلاشفة طويلا هي “فليسقط الوزراء البرجوازيون العشرة”. أي طالبوا بضرورة قطيعة قادة العمال والفلاحين، أي المناشفة والاشتراكيين الثوريين، مع البرجوازية.
مباشرة بعد عودة لينين إلى روسيا في أبريل 1917 تبنى البلاشفة موقفا مبدئيا وطبقيا، وحذروا العمال من أي تعاون مع البرجوازية وقالوا لهم إنه ليس هناك من حل للمشاكل الرئيسية للثورة سوى الثورة الاشتراكية حيث سيستولي العمال على السلطة بأيديهم. في البدء كان هذا الموقف لا يحظى بشعبية وقوبل بالشكوك من طرف العمال الذين كانوا مباشرة بعد الثورة الأولى يضغطون من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن من الوحدة.
لكن وبمجرد ما بدأ يظهر للجماهير أنه لا يمكن أن تكون هناك وحدة بين البروليتاريا مع القوى البرجوازية، بدأ البلاشفة يحققون نموا سريعا. لم يقبل لينين في أي وقت من الأوقات إمكانية إجراء أي تحالف أو حتى تقديم دعم نقدي للقوى البرجوازية الليبرالية، على الرغم من أنه كان لديها بدون شك بعض الدعم بين بعض العمال والجنود في الأيام التي أعقبت ثورة فبراير.
المناشفة على العكس من ذلك أكدوا أن الثورة الروسية كانت ثورة ديمقراطية، وبالتالي فإنه على العمال أن يدعموا الليبراليين البرجوازيين ويساعدوهم على إنجاز الثورة.
أما البلاشفة من جهتهم فقد أكدوا على أن الليبراليين البرجوازيين، بسبب طبيعتهم الطبقية والأزمة العامة للرأسمالية، سيخونون الثورة وأنه على العمال اتخاذ موقف مستقل تماما تجاههم منذ البداية.
الديمقراطية والاشتراكية
بدون موقف طبقي واضح من المستحيل المضي قدما. إن واقع أن الرفاق كانوا غير مستعدين خلال حملة الانتخابات الرئاسية، التي كانت المعركة السياسية الأكثر أهمية حتى الآن من وجهة نظر الثورة، للقيام بمهامهم تسبب في عزلهم عن فئة كاملة من العمال والشباب الذين كانوا في ذلك الحين يدخلون إلى المجال السياسي.
إن النمو الهائل لتيار صباحي هو انعكاس للإمكانيات التي كانت موجودة. سوف تسنح مثل هذه الفرص مرة أخرى، لكن من أجل اقتناصها لا بد من امتلاك موقف طبقي صحيح. إلا أنه ليس كافيا أن تكون قادرا على تحديد من تدعم ومن لا تدعم – إن ذلك في الواقع هو مجرد أبجدية. إن ما يجب أن يكون الماركسيون قادرين عليه هو تقديم برنامج متماسك ينطلق من الوضع الملموس الذي تمر منه الثورة.
للأسف علينا أن نقول إن الرفيق نجيب يظهر عاجزا مرة أخرى عندما يتعلق الأمر بتطوير مثل هذا البرنامج. في سياق انتقاد الرفيق لجماعة الإخوان واللبراليين يقول ما يلي:
«لا يمكن تصور أن تصل الثورة إلى هذه الدرجة وتحتوي فقط تحولات ديمقراطية محدودة وسطحية، بدون تغييرات عميقة فيما يخص إعادة توزيع الثروة والسلطة في البلد. وهذا أصل أزمة الإخوان المسلمون. فالاحتجاجات ضد الدستور لم تكن فقط دفاعا عن الديمقراطية، ولكنها أيضا تعبر عن غضب الشعب، نتيجة تحطم التوقعات المشجعة من طرف الإخوان أنفسهم. توقع الناس أن الأجور سترتفع وأن الحياة سوف تتحسن، وهذا لم يحدث.»[14]
بصرف النظر عن حقيقة أننا لا نعتقد أن حجم ثورة ما يخبرنا بالكثير عن مسارها وطبيعتها، فإننا نتفق تماما مع الرفيق حول أن الثورة لم تكن “فقط” من أجل الديمقراطية. إن العوامل الرئيسية الكامنة التي أدت إلى اندلاع الثورة هي الفقر والبطالة والفساد إضافة إلى ديكتاتورية مبارك الخانقة.
لا المجلس العسكري ولا الإخوان المسلمون قادرون على حل هذه المشاكل، وبالتالي فإن الجماهير حاولت، من خلال العمل المباشر التصدي لحل تلك المشاكل بنفسها. خلال عام 2012 كان هناك أكثر من 3400 إضراب في مصر، وقع 2400 منها بعد انتخاب مرسي رئيسا. مقارنة هذا مع ما يقرب من 1200 إضراب خلال السنة السابقة – والذي كان معدلا تاريخيا في حد ذاته – تظهر لنا جزءا من هذه السيرورة.
يبقى السؤال رغم ذلك هو كيف يمكننا معالجة مسألة الخبز؟
لدى الرفيق نجيب التفسير التالي:
«مشكلة الإخوان والليبراليين كونهم لا يستطيعون البدء في اتخاذ خطوات محدودة لتخفيف أثر الأزمة على عامة الشعب دون فسخ العقد مع الجيش ورجال الأعمال. طريق الشعبوية مغلق لأن العالم تغير. خلال سنوات الخمسينات والستينات توفرت إمكانية للسياسات الإصلاحية والشعبوية (عندما كان الاقتصاد العالمي مزدهرا) لكنها منعدمة اليوم. فبدون فرض ضرائب تصاعدية حقيقية، يمكنهم إنفاق الأموال على المستشفيات والمدارس وتوفير السكن وخلق مناصب الشغل. إنهم يرفضون حتى إعادة تأميم الشركات الفاسدة التي كانت مرتبطة مباشرة بمبارك.
يستمر الناس في التساؤل: “من أين لنا المال؟” ليس هناك نقص في الأموال في مصر: لدينا الآلاف من العائلات من أصحاب المليارات. ليس هناك من طريقة لربح درجة واحدة من العدالة الاجتماعية بدون جعلهم يدفعون.»[15]
إذن ما فهمناه هو أن الليبراليين والإخوان لا يمكنهم اتخاذ خطوات لـ”تخفيف أثر الأزمة” لأن لديهم اتفاق مع الجيش وكبار رجال الأعمال، الذين ليسو مستعدين للقطع معهم. وطريق الشعبوية مغلق لأن هناك أزمة عالمية (نحن لا نعرف حقا ماذا يعني الرفيق بقوله، لكننا نفترض من السياق أنه يعني أنه من غير الممكن السير في طريق عدم المساس بثروات الأغنياء. على الرغم من أننا يجب أن نضيف أن هذا لم يكن هو الحال، حتى في سنوات الخمسينات والستينات). وبالتالي فإن السبيل الوحيد لكي نصير قادرين على “إنفاق المال على المستشفيات والمدارس وتوفير السكن وخلق مناصب الشغل” هو فرض ضرائب تصاعدية – أي الضرائب على الأغنياء! وهو الشعار الذي تعتبر المنظمة البريطانية الشقيقة لهم – حزب العمال الاشتراكي- أيضا مولعة جدا به. آه نعم، وينبغي ألا ننسى أنه يجب أن نسمح أيضا بإعادة تأميم شركات مبارك التي أصدرت المحاكم المصرية حكما بإعادة تأميمها، لكن جماعة الإخوان المسلمين عارضوه.
قبل أن نبدي رأينا في هذه المطالب دعونا نلقي نظرة على الوضع الحقيقي في الاقتصاد، والذي هو القضية الأكثر إلحاحا في مصر اليوم.
وفقا لصحيفة الفايننشل تايمز سجل الناتج المحلي الخام في عام 2012 نموا بنسبة 1,9% في حين كان يتراوح في السنوات القليلة السابقة للثورة، ما بين 4% إلى 7%. كما أن احتياطيات البلد من النقد الأجنبي وصلت أدنى مستوى لها خلال 15 عاما، وهناك حتى إمكانية حدوث انهيار كامل للاقتصاد في المستقبل القريب.
ووفقا لوزارة التخطيط من المتوقع أن يصل العجز في الميزانية لعام 2012 إلى 10% من الناتج المحلي الخام بحلول نهاية السنة المالية في يونيو المقبل. بل وتقدر بعض المصارف الخاصة الرقم الحقيقي بحوالي 12% أو 13%.
خلال النصف الثاني من عام 2012 فقط غادرت البلد خمسة ملايير دولار من الاستثمارات الأجنبية. وجلبت السياحة في عام 2012 عشرة ملايير دولار، مما شكل تحسنا مقارنة مع العام السابق، لكن ما يزال الرقم أقل من مداخيل عام 2010 عندما سجل 12.5 مليار دولار. لكن الصناعة بدورها تضررت. في المنطقة الاستثمارية ببورسعيد حيث يعمل 35.000 عامل، تم تسريح حوالي 4000 عامل العام الماضي عندما أغلقت حوالي 10% من المصانع أبوابها.
ماذا يعني هذا بالنسبة للجماهير؟ تظهر آخر الأرقام الرسمية أن البطالة ارتفعت إلى 13% في الربع الأخير من عام 2012. وبالمقارنة، فإن معدل البطالة بلغ عشية ثورة 2011، التي أطاحت بحسني مبارك، 8,9%. ووفقا للأرقام الرسمية بلغت البطالة 25% بين من هم دون الثلاثين سنة، والذين يشكلون 74% من السكان، حسب ما صرح به صندوق النقد الدولي.
وكما هو الحال دائما في مصر تعتبر هذه الأرقام وسيلة لتمويه حقيقة الوضع – الذي هو، بكل تأكيد، أسوأ بكثير- لكن الاتجاه الذي تكشفه حقيقي جدا. منذ بداية الثورة كان هناك ارتفاع حاد ومستمر في البطالة.
وكما نرى فإن التوقعات الاقتصادية ليست مشرقة. والآن لحل هذه المشاكل يقترح الرفيق علينا فرض الضرائب على الأغنياء، أي الرأسماليين. لمعرفة تأثير هذا الإجراء ليس علينا سوى أن نسافر بضعة آلاف من الكيلومترات شمالا نحو فرنسا. فهناك جاء الرئيس المنتخب حديثا، فرانسوا هولاند، إلى السلطة على قاعدة برنامج مماثل لما يقترحه رفاقنا: فرض الضرائب على الأغنياء، وتوسيع الإنفاق على الخدمات العمومية وتحفيز الاقتصاد- أي “خلق مناصب شغل جديدة”.
لكن التأثير الفوري لمحاولة هولاند تطبيق هذه التدابير كان هو هروب الرأسماليين الكبار إلى ملاذات اقتصادية آمنة حيث تكون مدخراتهم ورساميلهم في مأمن. وفي النهاية كانت النتيجة تعميق الدين العمومي للدولة الفرنسية وضرورة فرض مجموعة هائلة من إجراءات خفض الإنفاق.
مشكلة طريقة رفيقنا في طرح المسألة هي في كونه يظن أن مسألة السياسات ليست سوى مسألة إرادة. إنه يعتقد أن الإخوان المسلمين يطبقون السياسات النيوليبرالية لأنهم اختاروا أن يفعلوا ذلك. فإذا لم يرغبوا في القيام بذلك، وإذا ما أوقفوا اتفاقهم مع الجيش وكبار رجال الأعمال، سيمكنهم فرض ضرائب على الأغنياء وبناء دولة الرفاهية وكذلك خلق مناصب الشغل.
لكن المشكلة هي أن الرأسمالية ككل وكنظام عالمي تعيش في أزمة. هذه الأزمة، في جوهرها، هي أزمة فائض الإنتاج، والتي هي في آخر التحليل ناجمة عن عدم قدرة العمال على شراء قيمة ما ينتجونه. وينعكس هذا الوضع في الاقتصاد العالمي اليوم على شكل فائض ضخم في الإنتاج. ففي صناعة السيارات الصينية على سبيل المثال، في نهاية عام 2011 كانت هناك 6.000.000 وحدة فائضة. وهو ما يشكل ضعف عدد السيارات المباعة في ألمانيا عام 2012. وبشكل عام لا تشتغل الصناعة الصينية، وفقا لصندوق النقد الدولي، سوى بمعدل 60% من طاقتها الحقيقية.
ليس الوضع في أوروبا أفضل بكثير. وفقا لصحيفة الفايننشل تايمز تشتغل مصانع السيارات الأوروبية بمعدل 66% من طاقتها، مع وحدات فائضة تبلغ 10 ملايين وحدة، في 26 مصنعا للسيارات.
ويمكن ملاحظة نفس الاتجاه في جميع الصناعات. وهذا هو السبب الذي يجعل البرجوازية بصورة عامة لا تستثمر في الإنتاج وبالتالي لا تخلق فرص عمل جديدة.
لقد سبق لماركس أن أوضح هذه العملية في البيان الشيوعي:
«إن هذا المجتمع البرجوازي الحديث الذي أبدع كما في السحر وسائل الإنتاج والتبادل الضخمة، يشبه المشعوذ الذي فقد سيطرته على التحكم بالقوى الجهنمية التي استحضرها – فمنذ عشرات السنين، ليس تاريخ الصناعة والتجارة سوى تاريخ تمرد القوى المنتجة الحديثة على علاقات الإنتاج الحديثة، على علاقات الملكية، قوام حياة البرجوازية وسيطرتها. ويكفي ذكر الأزمات التجارية الدورية، التي تهدد أكثر فأكثر وجود المجتمع البرجوازي بأسره. ففي الأزمات التجارية، لا يتـلَف بانتظام جزء كبير من المنتجات فحسب، بل يتـلَف أيضا قسم من القوى المنتجة القائمة. وفي الأزمات يتـفـشى وباء مجتمعي ما كان ليبدو، في كل العصور السالفة، إلا مستحيلا، وهو وباء فائض الإنتاج. فإن المجتمع يجد نفسه فجأة وقد أعيد إلى وضع من الهمجية المؤقتة، حتى ليخيل أن مجاعة وحرب إبادة شاملة قد قطعتاه عن وسائل العيش؛ فتبدو الصناعة والتجارة وكأنهما أثر بعد عين. لماذا؟ لأن المجتمع يملك المزيد من الحضارة، والمزيد من وسائل العيش، والمزيد من الصناعة، والمزيد من التجارة. ولم تعد القوى المنتجة، الموجودة تحت تصرف المجتمع، تدفع بنمو علاقات الملكية البرجوازية قدما، بل بخلاف ذلك، أصبحت أقوى جدا من هذه العلاقات التي باتت تعيقها؛ وكلما تغلبت على هذا العائق جرّت المجتمع البرجوازي بأسره إلى الفوضى، وهددت وجود الملكية البرجوازية. فالعلاقات البرجوازية غدت أضيق من أن تستوعب الثروة، التي تحدثها. فكيف تتغلب البرجوازية على هذه الأزمات؟ من جهة بتدمير كتلة من القوى المنتجة بالعنف، ومن جهة أخرى بغزو أسواق جديدة، وباستثمار الأسواق القديمة كليا. وما هي عاقبة هذا الأمر؟ الإعداد لأزمات أشمل وأشد والتقليل من وسائل تداركها. »
إن مسألة السياسة البرجوازية، في الواقع ليست خيارا، بل هي ضرورة في ظل الرأسمالية. وبالطبع كلما ضربت الأزمة المجتمع أكثر كلما صار هامش المناورة أضيق. إن الإخوان المسلمين واللبراليين ينفذون أولا وقبل كل شيء سياسات بورجوازية، لأنهم هم أنفسهم برجوازيون أو أنهم الممثلون المباشرون لفئات من البرجوازية. لكن ثانيا، وهو الأهم في هذه المرحلة، لأنه لا يوجد أي طريق آخر أمامهم. فماذا يمكنهم أن يفعلوا من أجل الحفاظ على الرأسمالية المصرية واقفة على قدميها، إذا لم يهاجموا مستويات المعيشة؟ إن النموذج التركي الذي تحدثوا عنه غير ممكن في مصر اليوم حيث هناك أزمة واسعة النطاق. في الواقع حتى في تركيا بدأت الأزمة الآن تدفع الحكومة تدريجيا إلى تطبيق تخفيضات في مخصصات الرعاية الاجتماعية.
صحيح أن من أهم أسباب الأزمة في مصر عدم الاستقرار السياسي خلال السنوات القليلة الماضية، لكن الأزمة كانت ستحدث على أي حال عاجلا أو آجلا. إن مصر، تماما كما هو حال جميع البلدان الأخرى، خاضعة للسوق العالمية، ولا يمكنها أن تضع نفسها خارج هذا النظام.
إن رفع الضرائب في مصر لن يكون له أي تأثير على هذا الوضع، ما عدا وضع الرأسمالية المصرية في موقف أضعف، مما سيتسبب في هروب أكبر للرساميل والاستثمارات. كما أن تحريك الأشغال العمومية لن يحل المشكلة لأن المال اللازم لتلك الأشغال يجب أن يأتي من خزائن الدولة التي ستعمل مرة أخرى على الحصول عليه إما من العمال أو من الرأسماليين، وهو ما يعود بنا مرة أخرى إلى المربع الأول.
لماذا سيستثمر الرأسمال المصري في صناعة السيارات على سبيل المثال، في حين هناك ما بين 35% و40% من الفائض في السوق العالمية. وعلاوة على ذلك، فإن المبيعات للسوق الداخلية قد تراجعت بـ 29% منذ عام 2010.
لذلك ما الذي سيدفع أصحاب شركات صناعة السيارات المصرية إلى الاستثمار أكثر؟ دعونا نفترض على سبيل المثال أن حجم مبيعات السيارات سيرتفع بسبب تطبيق برنامج لتحسين وسائل النقل العام. سيتعين أولا “امتصاص” الفائض المفرط الموجود بالفعل، وثانيا سيُضرب قطاع السيارات مرة أخرى بالزيادة في الضرائب التي سوف تضطر الحكومة إلى فرضها لتمويل إنفاقها. سيؤدي هذا إما إلى 1- فرض المزيد من الضرائب على العمال، مما سيسفر عن انخفاض مبيعات السيارة أو إلى 2- فرض الضرائب على الرأسماليين وهو ما سيعني انخفاض الأرباح وانخفاض الحوافز للاستثمار عموما، وبالتالي سيؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة وبالتالي انخفاض الطلب مرة أخرى.
مصادرة البرجوازية
المشكلة هي أن البرجوازية لا يمكنها أن تجد وسيلة سريعة للخروج من الأزمة الحالية حتى ولو أن وجودها يتوقف على ذلك. فلننظر إلى العالم اليوم – لقد أسفرت الأزمة عن اندلاع حركات ثورية جماهيرية في جميع أنحاء العالم، بينما لا تملك البرجوازية سوى الوقوف عاجزة أمامها.
المشكلة الرئيسية للرأسمالية هي أنها نظام فوضوي لا يمكن لأحد أن يسيطر عليه. وعلى الرغم من حقيقة أنه في متناول البشرية قدرات إنتاجية هائلة، وجيش من العاطلين عن العمل – كثير منهم من ذوي المهارات العالية- مستعدون للعمل، وثروة من الموارد التكنولوجية لحل جميع المشاكل الرئيسية في المجتمع، فإن أغلبية البشر يعيشون في ظل ظروف الهمجية أو شبه الهمجية بينما تبذر القدرة الإنتاجية بألف طريقة وطريقة.
الرفيق نفسه يقترح، بشكل عرضي تقريبا، تأميم أجزاء من الاقتصاد. نحن نعتقد أن هذا اقتراح جيد جدا. ولكن هذا لوحده لا يمكنه أن يحل المشكلة، لأنه سيؤدي على الفور إلى هروب كثيف للرساميل وهو ما من شأنه أن يترك الاقتصاد مشلولا. من أجل التغلب على المشاكل الاقتصادية يجب مصادرة ثروات الطبقة السائدة، أي الرأسماليين، ووضعها تحت الرقابة الديمقراطية للطبقة العاملة. يعني هذا في بلد مثل مصر تأميم جميع البنوك وشركات التأمين، وجميع القطاعات الصناعية الرئيسية ووسائل الإعلام.
من خلال تطبيق اقتصاد مخطط يمكن وضع خطة ضخمة للتصنيع بتوظيف ملايين العاطلين المصريين. والأرباح، التي تختفي الآن في جيوب الشركات الكبرى، سيمكن إعادة استثمارها في مجال الرعاية الصحية، والتعليم، ورفع مستويات المعيشة بشكل جذري. إن جميع التدابير الأخرى، ما عدا مصادرة ممتلكات البرجوازية، ستترك النظام الرأسمالي سليما، وسيستمر المجتمع في السير وفقا لنفس قوانين هذا النظام ..
ربط النضالات
إن مسألة الديمقراطية كلها مرتبطة ارتباطا وثيقا بهذه المسألة الاقتصادية. يصور الرفيق نجيب، في مقالته، الثورة الديمقراطية والثورة الاجتماعية (الاشتراكية؟) كحدثين منفصلين. لكن ما هي الديمقراطية بالنسبة للعامل؟ إنها بالضبط حقه في المطالبة بمستوى معيشة أعلى. وهو المطلب الذي، كما رأينا، لا يمكن أن يتحقق في ظل النظام الحالي ويتطلب في نهاية المطاف من الطبقة العاملة أن تتجاوز إطار النظام الحالي.
لكن من المهم أيضا أن نفهم أن الدكتاتوريات التي حكمت في مصر وبقية العالم العربي، لم تقم بشكل تعسفي. إنها بالضبط تعبير عن عجز النظام عن تحقيق مستويات معيشة ملائمة وبالتالي ضرورة إبقاء الجماهير خاضعة بالقوة المحضة.
دعونا نلقي نظرة على الوضع الحالي في مصر. في سياق الأزمة العالمية للرأسمالية، مع ارتفاع البطالة والفقر ومع ارتفاع الثقة بفضل الانتصار الأولي للثورة، يخطو العمال في اتجاه تأمين ظروف أفضل وأجور أحسن وغيرها. لم تكن هناك إضرابات أكثر مما هي عليه الآن. لكن الرأسماليين، وفي محاولة منهم لحماية أرباحهم وقدرتهم على المنافسة مع غيرهم من الرأسماليين يتضررون من هذا. لو كان في مقدورهم لقاموا بمنح القليل من التنازلات للعمال في محاولة لشراء السلم الاجتماعي، ولكنهم وبسبب الأزمة غير قادرين على فعل ذلك.
وهكذا فإنهم سوف يرغبون عاجلا أو آجلا في استخدام الدولة لضمان بيئة عمل هادئة وليفرضوا على العمال العودة إلى القبول بمستويات معيشية تتراجع باستمرار. ولكن كلما تدخلت الدولة لتهدئة الاقتصاد، كلما تسببت في تجذر اكبر للمجتمع والتحضير للإطاحة الثورية بها، مما سيفرض عليها مرة أخرى تصعيد القمع.
البرجوازية المصرية اليوم ضعيفة جدا من جراء الأزمة. وقد اشتكى احدهم، علاء عرفة، الذي هو واحد من كبار مصدري الملابس، لصحيفة الفايننشل تايمز قائلا: «ما نواجهه هو أن الزبناء يخشون المجيء إلى هنا. وإذا كانوا ما يزالون على استعداد لتحمل مخاطر التأخير في التسليم بسبب الإضرابات العمالية في المصانع أو الموانئ، فإنهم يطالبون بالحصول على مكافأة مالية». وقال للصحيفة إن الأعمال تراجعت بحوالي 20% مما كانت عليه قبل الثورة.
سيكون من الخطأ أن نعتقد أنه لا يوجد الكثير من الناس مثل السيد عرفة، وجميعهم يضغطون على الحكومة. إنهم يطالبونها بأن تتدخل وتسحق الإضرابات والاحتجاجات من أجل ضمان بيئة مستقرة للأعمال.
إذن نرى هنا مرة أخرى أن القمع ومحاولات السير في اتجاه إرساء نظام ديكتاتوري ليس نابعا من رغبة ذاتية عند جماعة الإخوان المسلمين، بل نابعا من أن النظام الذي يدافعون عنه لا يترك لهم سوى هامش ضئيل للمناورة. بطبيعة الحال نحن لا ندعي أنه ستكون هناك ديكتاتورية قوية في الوقت الحالي. لأن الجماهير قوية جدا والبرجوازية ضعيفة جدا. ولكن هذا هو السبب الذي يدفع أي حكومة برجوازية لأن تسير في هذا الاتجاه. لهذا فإن النضال من أجل الديمقراطية ومن أجل المطالب الديمقراطية مرتبط بشكل وثيق بالنضال من أجل الاشتراكية.
يجب علينا كماركسيين وكثوريين أولا وقبل كل شيء أن نقول الحقيقة. لا يمكننا أن نزرع الأوهام حول النظام الرأسمالي ولا أن ننشر الفكرة الطوباوية القائلة بأنه يمكن الحفاظ على الديمقراطية الكاملة اليوم دون القطع مع النظام الرأسمالي. من واجبنا كماركسيين وكثوريين أن نشرح بجرأة للعمال والشباب الذين يريدون الديمقراطية، أن السبيل الوحيد أمامهم لتحقيق الديمقراطية الحقيقية هي بأن يستولوا بأنفسهم على السلطة.
كيف نتواصل مع العمال والشباب؟
من المهم تبني برنامج اشتراكي ثوري واضح وامتلاك أفكار واضحة، لكن كيف نقدم هذا البرنامج وهذه الأفكار؟ إن التواصل مع عامل، لم يقرأ البيان الشيوعي أو لم يسمع أبدا حتى بكارل ماركس، من خلال شعار معزول حول “الثورة الاشتراكية” قد يكون منفرا للغاية. لكن في نفس الوقت لا يمكننا إخفاء حقيقة أن النظام يحتاج إلى تغيير.
للأسف لا يجد المرء عند قراءة القرارات والمقالات الرئيسية للاشتراكيين الثوريين حلا لهذه المشكلة. يبدو أنه علينا أن نبذل مجهودا كبيرا للعثور على أية إشارة إلى ضرورة القطع مع النظام الرأسمالي. وعندما تتم الإشارة إلى ذلك تكون الإشارة مجردة ومعزولة.
في التوصية المنشورة يوم 26 يناير تحت عنوان: “عام سقوط الأقنعة: المصريون ضد تحالف الإخوان والعسكر ورأس المال” يرفع الرفاق الشعارات التالية:
«لذا ندعو الشباب الثوري بالجبهة للضغط من أجل تطهير صفوفها، والمشاركة معنا وكل الثوريين في بناء جبهة ثورية حقيقية تستكمل أهداف الثورة في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، تعمل في المصانع والأحياء والشوارع والنقابات المستقلة وتضع على رأس أولوياتها المصالح الاجتماعية للملايين من الفقراء ومحدودي الدخل من العمال وفقراء الفلاحين والموظفين وكل العاملين بأجر الذين أطاحوا بمبارك وسيطيحون بأي نظام يسير على طريقه.
المجد للشهداء والمصابين!
كل السلطة والثروة للشعب!»
وبالتالي فإن الشعارات التي رفعت في ذلك اليوم النضالي المهم جدا حين خرجت الجماهير في بورسعيد والإسماعيلية والمحلة إلى الشوارع هي فقط: تطهير صفوف جبهة الإنقاذ الوطني [من الفلول]، وبناء جبهة ثورية [أيا كان معنى ذلك]، تعمل في المصانع والأحياء والشوارع والنقابات المستقلة وتضع على رأس أولوياتها المصالح الاجتماعية للملايين من الفقراء، وكل السلطة والثروة للشعب.
بالطبع نحن متعاطفون مع أهداف الرفاق، لكنهم لم يبعثوا بالرسالة الصحيحة هنا. فباستثناء الشعار الصحيح حول تطهير جبهة الإنقاذ الوطني، ليس هناك أي مطلب واحد ملموس بين تلك التي أثيرت أعلاه، في يوم خرج خلاله مئات الآلاف من المتظاهرين إلى الشوارع في المناطق الصناعية الرئيسية في البلاد. فبدلا من الدعوة إلى خوض إضراب عام ضد سياسات جماعة الإخوان المسلمين طلب الرفاق من الشعب أن “يعمل” على وضع المصالح الاجتماعية للملايين من الفقراء على رأس أولوياته (؟؟!). وفي النهاية يدعون إلى إعطاء “كل السلطة والثروة للشعب” – إنه بيان لا يعني
أي شيء على الرغم من أن الفكرة من وراءه تبدو صحيحة.
إن أهم شيء عند وضع شعار، من وجهة نظر الماركسية، هو رفع الوعي الطبقي للجماهير وجعلها، من خلال تجربتها، تقترب لتبني برنامج الحزب. يتم ذلك عن طريق الانطلاق من النضالات اليومية الملموسة وربطها بمسألة الثورة الاشتراكية.
كتب تروتسكي في البرنامج الانتقالي:
«من الضروري مساعدة الجماهير، في سيرورة نضالاتها اليومية، على اكتشاف الجسر الواصل بين مطالبها الحالية وبرنامج الثورة الاشتراكية. ينبغي أن يتمثل هذا الجسر في مجموعة مطالب انتقالية، تنطلق من الظروف الحالية، ومن الوعي الحالي لدى أوسع شرائح الطبقة العاملة لتفضي إلى خلاصة واحدة وحيدة هي استيلاء البروليتاريا على السلطة.
إن الاشتراكية-الديموقراطية، التي طورت عملها في العصر الذي كانت فيه الرأسمالية تقدمية، كانت تقسم برنامجها إلى قسمين مستقلين الواحد عن الآخر: برنامج الحد الأدنى الذي كان يقتصر على إصلاحات في إطار المجتمع البرجوازي، وبرنامج الحد الأقصى الذي كان يعد بإحلال الاشتراكية محل الرأسمالية في مستقبل غير منظور. لم يكن هنالك من جسر بين برنامج الحد الأدنى وبرنامج الحد الأقصى، فالاشتراكية-الديمقراطية لا تحتاج إلى هذا الجسر، ذلك أنها لا تتحدث عن الاشتراكية إلا في أيام الأعياد.
لقد سلكت الأممية الشيوعية طريق الاشتراكية الديمقراطية في عصر الرأسمالية المتعفنة، في حين لم يعد بالإمكان إنجاز إصلاحات اجتماعية منهجية، ولا رفع مستوى معيشة الجماهير، وفي حين تستعيد البرجوازية باليد اليمنى ضعفي ما أعطته باليد اليسرى (ضرائب، رسوم جمركية، تضخم، “انكماش”، غلاء معيشة، بطالة، تنظيم بوليسي للإضرابات، الخ)، وفي حين يؤدي حتميا أي مطلب تقدمي للبرجوازية الصغيرة إلى أبعد من حدود الملكية الرأسمالية والدولة البرجوازية.»
لقد اتبع البلاشفة هذا الأسلوب في عام 1917 عندما استولوا على السلطة. حيث شاركوا خطوة خطوة في كل النضالات العمالية، وعملوا على تعميم النضال وربط مطالب العمال بمسألة السلطة.
“الأرض والخبز والسلام” شعار معروف، لكنه رفع دائما إلى جانب شعار “كل السلطة للسوفييتات“. أي أن البلاشفة شرحوا للعمال والشباب بصبر أنهم يؤيدون مطالبهم الديمقراطية الرئيسية لكن لا يمكن لتلك المطالب أن تتحقق إلا إذا استولى العمال أنفسهم على السلطة.
هذه هي مهمتنا نحن أيضا اليوم في مصر. إن المشاكل الرئيسية للثورة هي الخبز والحرية، أي: الديمقراطية والرفع في مستويات المعيشة. كلاهما مطلبان إصلاحيان، بمعنى أن كلاهما من الناحية النظرية يمكن تحقيقهما في ظل النظام الرأسمالي. لكن ما يجب علينا أن نشرحه في كل منعطف تمر منه الثورة هو أنه لا يمكن لتلك المطالب أن تتحقق دون استيلاء العمال أنفسهم على السلطة.
إذا ما تطورت حركة الإضرابات، يجب علينا عند نقطة معينة أن نرفع مطلب تأميم المصانع تحت الرقابة العمالية.
وعندما يدافع الإصلاحيون عن إعادة تأميم الشركات التي كانت سابقا مملوكة للدولة، ندافع عن ذلك المطلب وندعو إلى إعادة تأميم كل القطاعات المخصخصة ووضعها تحت الرقابة العمالية كخطوة أولى نحو المصادرة الكاملة لملكية البرجوازية
إذا ما تعرضت المكاسب الديمقراطية التي حققتها الثورة إلى الخطر يجب أن نشرح كيف أنه فقط من خلال إجراء قطيعة تامة مع الرأسمالية حيث يمكن أن نضمن قيام مجتمع حر وديمقراطي.
وإذا ما تعرضت الحركة للهجوم من طرف البلطجية يجب علينا أن نرفع مطلب تشكيل لجان الدفاع الذاتي كخطوة أولى نحو تشكيل ميليشيات شعبية.
يجب علينا في كل معركة أن نعتمد على أساس الوضع الحقيقي والملموس على أرض الواقع ونربطه مع مسألة السلطة ومسألة الملكية. إذا ما فسرنا بصبر هذه الأفكار بطريقة ودية سوف يصل العمال والشباب، تحت ضربات مطرقة الأحداث العظيمة، إلى نفس خلاصاتنا وسيلتفون حول رايتنا في النضال ضد البرجوازية.
لكن إذا ما رفعنا مطالب مجردة جدا أو خجولة جدا فلن نكسب سمع أولئك الذين يناضلون في الشوارع. إنهم يبحثون عن أفكار جذرية، لكن شريطة أن تكون أفكارا جذرية تتطابق مع العالم الحقيقي الذي يعيشون فيه وليس عالم طوباوي خيالي.
من أجل منظمة ثورية
نأمل أن تساهم المناقشة أعلاه في توضيح بعض القضايا الرئيسية المتعلقة بالثورة المصرية ومهام الاشتراكيين الثوريين.
لكن، وكما سبق لتروتسكي أن قال مرة، الأفكار من دون منظمة هي بمثابة سكين دون نصل. نحن لسنا ماركسيين لأن الأفكار الماركسية مثيرة للإعجاب، بل لأنها هي الأفكار الوحيدة التي يمكنها أن تفسر المجتمع الرأسمالي وتبين الطريق نحو تغييره. إن هذه الأفكار ضرورية للغاية من أجل قيادة الثورة المصرية نحو النصر.
نحن مؤمنون بأن منظمة الاشتراكيين الثوريين تحتوي على بعض أكثر الشباب الثوري موهبة وإخلاصا في مصر، ولكننا نؤمن أيضا أنه بالنظر لأخطاء القيادة، قد تم تهميش المنظمة داخل الثورة وصارت تواجه إمكانية الاختفاء كليا في طي النسيان.
من الضروري إجراء نقاش صادق حول تقييم الثورة والمواقف التي تم اتخاذها. ومن الضروري القيام فورا بتصحيح الأخطاء التي ارتكبت.
في هذا السياق يجب أن تنظم حملة لتكوين المناضلين/ات على قاعدة الكلاسيكيات الماركسية في كتابات ماركس وإنجلز ولينين وتروتسكي. لا يمكن بناء حزب ثوري حقيقي الا على قاعدة ايديولوجية صحيحة.
من الضروري القيام بذلك من خلال عقد اجتماعات أسبوعية منتظمة في خلايا تضم جميع الأعضاء. على حد علمنا ليست هناك اليوم سوى اجتماعات متفرقة لقواعد الحركة، بينما تؤخذ جميع القرارات وتتم كل المناقشات الرئيسية في المستويات العليا للمنظمة.
كما تم إبلاغنا أنه يتم تقسيم اللجان الموجودة إلى لجان للعمال ولجان للطلاب. بطبيعة الحال من الأكثر عملية أن يتم تنظيم خلايا العمال في المصانع والخلايا الطلابية بالجامعات. لكن يجب ألا يصل هذا إلى حد أن نحصل عمليا على منظمتين منفصلتين. ويجب في جميع الأحوال أن يتم توجيه الشباب الذين تم كسبهم في الجامعات نحو المصانع والأحياء العمالية.
كل هذه القضايا مرتبطة ببعضها البعض، وتفسر لنا في النهاية لماذا تتجه المنظمة في الطريق الذي تسير فيه. لا يساعد المنظمة بطبيعة الحال أنها، على حد علمنا، لم تعقد أي مؤتمر حقيقي أو اجتماع لهيئة تمثيلية لتقييم الوضع وتحديد الاتجاه.
هذا وضع غير مقبول على الإطلاق. إذ بعد عامين على سقوط مبارك، لا يوجد أي مبرر لعدم عقد مؤتمر ديمقراطي. لم تحاسب القيادة الحالية أبدا وبالتالي لم تعمل مطلقا على الدفاع بشكل صحيح عن القرارات التي اتخذتها. هذا سيء للغاية، وخاصة عندما تكون له عواقب وخيمة على وضع المنظمة ومكانتها في معسكر الثورة. ينبغي الدعوة على الفور إلى عقد مؤتمر لمناقشة القضايا الملحة التي تقلق بال العديد من الأعضاء.
طريق واحد فقط
من الواضح أن الوضع قد تغير في مصر. خاصة بعد الهجومات الوحشية على مدى الأشهر القليلة الماضية. لقد تغير المزاج تماما. هناك موقف جاد يتطور بين صفوف المناضلين الثوريين تجاه المسائل النظرية التي كانت تبدو دون أهمية في الماضي.
لكن الضربات القوية التي تلقتها الثورة كانت دعوة للاستيقاظ. الثورة ليست مزحة، والدم هو الثمن الذي يدفع مقابل الأخطاء. لكننا لا نملك ترف قضاء الوقت في الأنين والبكاء. يجب علينا توجيه غضبنا إلى الداخل ودراسة تجاربنا الخاصة وأخطائنا وتجارب الماضي وأخطاءه، حتى لا نكررها مرة أخرى.
إننا إذا لم نتعلم من أخطائنا، سيكون محكوما علينا بأن نكررها مرة أخرى. وهو ما سيجعل تلك الأخطاء لا تغتفر. لكن إذا ما نحن تعلمنا منها فسيمكننا تحويل هذه النكسات المؤقتة إلى هجوم عظيم. هذه هي أفضل وسيلة لتكريم ذكرى الشهداء الذين سقطوا.
تتعلم جماهير مصر اليوم بسرعة البرق حول طبيعة جماعة الإخوان المسلمين، وطبيعة الرأسمالية وطبيعة الديمقراطية البرجوازية. والشباب خاصة يبحثون عن الأفكار التي يمكنها أن تقدم فهما أعمق للوضع.
إن الوضع ملائم جدا لانتشار الأفكار الماركسية. إذا ما قمنا بدراسة هذه الأفكار وعملنا على هذا الأساس على تصحيح الأخطاء التي ارتكبت، ستكون الأرض خصبة بالنسبة لنا للتواصل مع أفضل العناصر بين العمال والشباب ومن خلالهم تسليح أوسع الجماهير الثورية بأفكارنا. هذا هو المطلوب منا، ليس من طرف أي فرد، بل من طرف التاريخ الذي يطالب بولادة عالم جديد ليحل محل نظام الرأسمالية الفاسد الذي يخنق أنفاس المجتمع البشري.
حميد علي زاده
الاثنين: 04 مارس 2013
هوامش:
[1] بيان الاشتراكيين الثوريين: يسقط شفيق.. يسقط مبارك الجديد
[2] الاشتراكيون الثوريون والانتخابات المصرية: الماركسية أم الانتهازية ؟
[3] Unity against generals’ attempted coup in Egypt
[4] From the eye of the storm in Egypt
[5] انظر: مصر : الفرعون الجديد يشعل غضب الجماهير، ومصر: الثورة ترفع رأسها مجددا فتهين مرسي
[6] مصر: الإخوان المسلمون تحت الضغط
[7] عام سقوط الأقنعة: المصريون ضد تحالف الإخوان والعسكر ورأس المال
[8] The Economic Vision of Egypt’s Muslim Brotherhood Millionaires
[9] From the eye of the storm in Egypt
[10] خواكين مورين خوليا: 12 يناير 1896- 05 نونبر 1973، مناضل شيوعي اسباني، وقيادي في حزب العمالي للتوحيد الماركسي. التحق بحكومة الجبهة الشعبية البرجوازية. المترجم
[11] أندرو نين اي بيريث: 04 فبراير 1892- 20 يونيو 1937، مؤسس الحزب الشيوعي الاسباني. كان عضوا في المعارضة اليسارية الأممية بقيادة تروتسكي، لكنه انفصل عنها بسبب خلافات نظرية وسياسية. تبنى سياسة انتهازية قامت على دعم حكومة الجبهة الشعبية البرجوازية. المترجم
[12] مانويل أثانيا دياز –10 يناير 1880، 03 نونبر 1940- سياسي برجوازي اسباني، شغل منصب رئيس الوزراء في الحكومة الجمهورية الثانية 1931- 1933، وكان آخر رئيس جمهوري 1936- 1939، لجا إلى فرنسا بعد هزيمة الجمهورية أمام جيوش فرانكو الفاشية. المترجم
[13] Trotsky and the Spanish Revolution
[14] مصر: الإخوان المسلمون تحت الضغط
[15]مصر: الإخوان المسلمون تحت الضغط
عنوان النص بالإنجليزية: