مسيرة يوم الأحد
يوم الأحد 24 يناير 2016، نظم الأساتذة المتدربون مسيرة احتجاجية أخرى، هي الثالثة من نوعها، للمطالبة باسقاط المرسومين سيئي الذكر والتنديد بالتدخل القمعي الهمجي الذي تعرضوا له يوم الخميس 07 يناير الماضي.
بمجرد الإعلان عن المسيرة خرجت الحكومة بتصريح عنتري على لسان وزير الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية، والقيادي في حزب العدالة والتنمية الحاكم، إدريس الأزمي الإدريسي، قالت فيه إنها «لن تسمح بتنظيم أي مسيرة غير مصرح بها مسبقا وفق القوانين الجاري بها العمل، وأنها ستتخذ جميع الإجراءات اللازمة لضمان احترام القانون».
كان هذا التصريح باتخاذ “جميع الإجراءات اللازمة” تهديدا واضحا بأن الحكومة ستشن حملة إرهاب جديدة ضد الأساتذة المتدربين، قد تفوق تلك التي شنتها ضدهم يوم الخميس الماضي.
لكن هذا التهديد لم يؤد إلى ما كانت الحكومة تطمح إليه، بل على العكس تماما، لقد أدى إلى المزيد من التفاف الأساتذة على مطالبهم وإصرارهم على تجسيد قرار المسيرة، ودفع بعشرات الآلاف من بناء الشعب إلى الالتحاق بهم.
وكما كان متوقعا لاقت هذه المسيرة نجاحا باهرا حيث شارك فيها، إلى جانب الأساتذة المتدربين، آلاف العمال والأساتذة الممارسين والطلاب والمناضلين الحقوقيين والنقابيين، أي كل من في المجتمع من حي وشريف. فاقت المشاركة في المسيرة كل التوقعات، فحسب التنسيقية الوطنية للأساتذة المتدربين بلغ عدد المشاركين في المسيرة ما يزيد عن 40 ألف مشارك!
كان المزاج السائد كفاحيا جدا وكانت الشعارات قوية، لم تقتصر على رفض المرسومين، بل تجاوزتها إلى شعارات اقتصادية وسياسية أخرى من قبيل: “هي كلمة واحدة.. هذه الدولة فاسدة”، بالإضافة لشعاري الثورة التونسية والمصرية وحركة عشرين فبراير: “عاش الشعب، وحرية، كرامة، عدالة اجتماعية”.
نجاح مسيرة يوم الأحد الماضي زاد من رعب الحاكمين، الذين وقفوا مشلولين أمام الطوفان الجماهيري الذي طهر شوارع الرباط ذلك اليوم. فلم يجدوا للانتقام سوى ذلك التقرير المضحك الذي قدمته القناة الثانية حول أن المسيرة «مرت في أجواء هادئة وشارك فيها بضعة مئات».
ولحد اللحظة لم يخرج لا بنكيران ولا الأزمي ولا وزير الداخلية ليشرحوا لنا أسباب “سماحهم” بتنظيم تلك المسيرة «غير المصرح بها مسبقا وفق القوانين الجاري بها العمل»، وعدم اتخاذهم «لجميع الإجراءات اللازمة لضمان احترام القانون»، في حق من دعوا إليها ومن شاركوا فيها؟
التضامن الأممي
لاقت معركة الأساتذة المتدربين تعاطفا قويا على الصعيد الوطني، حيث عبرت كل فئات الشعب المغربي عن مساندتها لمطلبهم ليس بالأقوال فقط بل وكذلك بالمشاركة الفعلية في نضالاتهم. لكن هذا ليس كل شيء، فقد لاقت كذلك تعاطفا واهتماما أمميا مهما.
لقد أعلن التيار الماركسي الأممي عن مساندته لنضالات الأساتذة المتدربين، ودعا كل عمال العالم والمناضلين النقابيين والثوريين إلى التعبير عن دعمهم للمعركة وإدانتهم للقمع ضد المسيرات السلمية التي نظموها.
والتيار الماركسي الأممي هو منظمة ماركسية ثورية أممية، لديها فروع ومجموعات في عشرات البلدان في جميع قارات العالم. هدفها توحيد نضالات العمال والشعوب والشباب الثوري في كل أنحاء العالم من أجل النضال ضد الرأسمالية العالمية وبناء الاشتراكية في العالم بأسره.
إن التيار الماركسي الأممي هو المنظمة الأممية الوحيدة التي عبرت عن تضامنها مع الأساتذة المتدربين، كما سبق لها أن عبرت عن تضامنها مع العديد من النضالات العمالية والشبابية في المغرب.
وبالفعل لقد نشر التيار الماركسي الأممي مقالا عن المسيرات التي تعرضت للقمع يوم الخميس 07 يناير، على موقعه الرسمي www.marxist.com. وقد لاقت الدعوة إلى التضامن نجاحا كبيرا حيث نظمت العديد من فروع التنظيم الأممي في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والسويد، الخ أنشطة للتعريف بالمعركة ومطالب الأساتذة وما يتعرضون له من قمع ومضايقات، وبعثوا رسائل التضامن إلى المحتجين والمقموعين.
المهزلة
لقد وجد النظام نفسه في وضع مثير للرثاء. وقد دفعه الرعب واليأس إلى اتباع تكتيكات مثيرة للسخرية، حيث لجأ إلى أسلوب منع الأساتذة والمتعاطفين معهم من السفر في الحافلات والقطارات. بل ومنعهم حتى من الدخول إلى المحطات رغم توفرهم على تذاكر السفر. فضلا عن إنزال بعضهم من الحافلات بالقوة أو منع هذه الحافلات من التحرك نحو الرباط. فعندما تبدأ المهزلة لا تنتهي.
لكن كل هذه الأساليب وكل الترهيب وكل الافتراءات التي أطلقتها أبواق الحكومة وأحزابها ضد المسيرة لم تؤد إلى تراجع المحتجين عن عزمهم على إنجاح المسيرة. بل أبدعوا وسائل متعددة، وفي النهاية تمكنوا بطبيعة الحال من الالتحاق بالعاصمة.
كيف تبادر إلى ذهن الحاكمين أنهم قادرين على منع شعب من التنقل؟ لا أحد يمتلك الجواب عن هذا السؤال سوى هؤلاء “الخبراء الاستراتيجيين” و”المفكرين الكبار” الساهرين على إنتاج القرار في “المملكة السعيدة”. لا شك في أن هذا الأسلوب المضحك المعبر عن أقصى درجات اليأس والعجز سوف يستمر طويلا مادة للتنذر والنكتة بين أوساط المناضلين والجماهير.
تكتيك جديد
ما أروع هذا النجاح الجديد الذي حققه الأساتذة المتدربون والحركة الجماهيرية عموما ضد الحكومة والدولة. لقد تمكنوا من الخروج بكثافة وتحدوا التهديد بالقمع وفرضوا الشلل على أجهزة الدولة.
لكن كيس الساحر لا يفرغ بسهولة، والحكومة ما تزال تمتلك في جعبتها الكثير من الألاعيب. فبعد أن فشل تكتيك العصى في تحقيق النتائج المرجوة، ها هي الحكومة تلجأ إلى تكتيك الجزرة. فقد خرج نفس الوزير السيء الذكر، بعد نجاح المسيرة رغم أنفه، في تصريح للموقع الالكتروني لحزبه، قال فيه إن باب «الحوار مع الطلبة الأساتذة سيظل مفتوحا». يا سلام على روح الحوار!
وأشار ذات الموقع الالكتروني أنه «من المرتقب أن تواصل الحكومة جلسات الحوار مع الأساتذة المتدربين إلى حين طي صفحة الخلاف وعودة الأساتذة المتدربين إلى مقاعد الدراسة».
وبالفعل تم تنظيم حوار، يوم الأربعاء 27 يناير 2016، جمع أعضاء من تنسيقية الأساتذة المتدربين، وممثلين عن الحكومة وممثلين عن المركزيات النقابية و”الفعاليات المدنية”، من جهة ومن جهة أخرى والي جهة الرباط ممثلا عن الحكومة وممثل عن مديرية الأكاديميات ومديرية مراكز تكوين مهن التربية والتكوين ومدير مندوبية التخطيط.
خلال ذلك الحوار الذي دام ثلاث ساعات عبر الأساتذة المتدربون عن تشبثهم بإلغاء المرسومين نهائيا، بينما اعتبر الوالي، ممثل الحكومة، أنه لا يمكن التراجع عن المرسومين، مقترحا توظيف هذا الفوج دفعة واحدة عبر إجراء مباراة. وكان الموقف الكارثي والخياني، كما هي العادة دائما، هو موقف “الفعاليات المدنية” التي اقترحت تجميد المرسومين بالنسبة لهذا الفوج فقط مع تعديله مستقبلا، أما مقترح المركزيات النقابية فقد قال بالاعتماد على صيغة مباراة التخرج بشكلها القديم لتوظيف هذه الدفعة كاملة، والحفاظ على نفس قدر المنحة السابقة، والاستمرار في الحوار بخصوص المرسومين لإدخال التعديلات عليهما مستقبلا.
وفي النهاية لم يتوصل المتحاورون إلى حل نهائي بسبب تباعد المواقف بين مقترحات الحكومة وبين ممثلي الأساتذة المتدربين. وكانت النتيجة هي «الاتفاق على جولة ثالثة من الحوار لم يحدد موعدها، ستكون بمبادرة من ممثلي الحكومة، بعد تدارس المقترحات التي قدمتها المركزيات النقابية و”مبادرة الفعاليات المدنية”، من أجل الحسم في قرار بهذا الشأن».
لقد أبان المفاوضون باسم التنسيقية عن براعة كبيرة في إدارة المفاوضات، فقد تشبثوا بمطالبنا وعبروا عنها بشكل جيد، هذه هي الطريقة السليمة للتفاوض. علينا أن ندخل إلى تلك المفاوضات لكي نفرض مطالبنا، خاصة وأن موازين القوى لصالحنا بشكل كبير. لكن علينا ألا نولي أهمية كبرى لتلك “الحوارات” الماراطونية التي ليس لها من هدف سوى استنزاف الحركة وإبعادها عن الشارع وعن حاضنتها الشعبية وعزلها في الغرف المقفلة والنقاشات القانونية والمجاملات والوعود. سنحسم معركتنا وسننتصر بالنضال.
ليست الحوارات والمفاوضات في حد ذاتها شيئا سيئا، بل إنها ضرورية وحتمية عند نقطة معينة من تطور الصراع. لكنها في نفس الوقت ليست هدفا في حد ذاتها. علينا ألا نسمح لهم بتجريدنا من سلاحنا الذي هو وحدتنا وتنظيمنا وقدرتنا على الخروج إلى الشارع للاحتجاج. إن ما يحسم نتيجة المفاوضات، في آخر المطاف، ليس “النوايا الحسنة” أو “الوساطات” بل ميزان القوى على الأرض.
علينا ألا ننسى أن نفس تلك الحكومة ومسؤوليها، من والي وغيره، والذين يستقبلوننا اليوم بالابتسامات والكلمات الجميلة، هم أنفسهم من أعطوا الأوامر بضربنا وكسر عظامنا، وهم أنفسهم من وجهوا لنا التهديد في حالة ما تجرأنا وخرجنا يوم 24 يناير الماضي، ولن يتورعوا بالتأكيد في إعادة الكرة مجددا، بل إنهم يتحرقون شوقا لتنفيذ مجزرة أشد في حقنا.
كما يجب علينا ألا ننسى أن تلك “الفعاليات المدنية” ليست في تسعة أعشارها سوى ملحقات لوزارة الداخلية وأجهزتها، ومن منهم ليس عميلا مباشرا للمخابرات فإنه في الغالب من شبيبات نفس الأحزاب الرسمية وخاصة الحزب الحاكم وشرذمة من المرتزقة وزبالة المجتمع من وصوليين محترفين.
أين كان بيروقراطيو النقابات هؤلاء وأين كانت تلك “الفعاليات” عندما خرج المرسومان لأول مرة؟ وأين كانوا طيلة شهور ونحن نخوض المعارك لوحدنا؟ ليس لأحد أن يتكلم باسمنا ما عدا الهياكل الرسمية للتنسيقية والممثلين الذين انتخبناهم بشكل ديمقراطي وعبروا في الممارسة الفعلية أنهم يستحقون الثقة التي أوليناهم إياها.
علينا ألا نثق سوى في قوتنا وتنظيمنا وفي أبناء شعبنا من عمال وشباب ثوري وكل هؤلاء الكادحين الرائعين الذين خرجوا وتضامنوا معنا وسيخرجون بالتأكيد مرة أخرى للنضال إلى جانبنا إذا ما رأوا أننا نستحق ذلك. ولن نستحق ذلك إلا إذا استمرينا في التشبث بضرورة اسقاط المرسومين نهائيا.
انتشار التحدي
وما تخشاه الحكومة وأسيادها حصل فعلا. فقد ألهمت معركة الأساتذة المتدربين فئات أخرى للنهوض إلى النضال ورفع راية التحدي. حيث خرج أساتذة سد الخصاص والتربية غير النظامية للتظاهر بدورهم صباح يوم الثلاثاء 26 يناير، أمام البرلمان لمطالبة وزارة التربية الوطنية بتسوية وضعيتهم المالية والإدارية. بعد أن شاركوا بمعية الاساتذة المتدربين في عدد من الاشكال الاحتجاجية.
كما أعلنت “التنسيقية الوطنية للممرضين المعطلين” بدورها، عزمها تنظيم مسيرة وطنية يوم 04 فبراير المقبل بالعاصمة، للمطالبة بالعمل.
وأكدت التنسيقية الوطنية للممرضين في بيان لها على إستعداد الممرضين والخريجين والطلبة «لجميع أنواع الأشكال الاحتجاجية من اعتصامات وإضرابات عن الطعام ومسيرات احتجاجية» حتى تحقيق المطالب.
والجدير بالذكر هو أن هذه التحركات تأتي بدورها بعد نجاح تحركات جماهيرية مع الطلبة الأطباء ضد مرسوم مشابه وتحركات سكان العديد من المدن الشمالية ضد شركة أمانديس لتوزيع الماء والكهرباء، وهي التحركات التي انتهت جميعها بتنازلات مذلة للحكومة.
وبعد هؤلاء وأولئك سيأتي دور فئات أخرى ستخرج بدورها للنضال ضد سياسة التقشف ومختلف الهجومات التي تشنها الطبقة السائدة.
كما تأتي في سياق نهوض نضالي تشهده كل منطقة شمال افريقيا الجزائر وتونس ومصر ضد الرأسمالية والقهر.
ماذا بعد؟
سوف تنتصر هذه المعركة حتما، إذا استمر الأساتذة المتدربون في صمودهم، وسوف يفرضون على الحكومة الاستجابة لمطالبهم. وسواء كان انتصارا كاملا على شكل إلغاء كلي للمرسومين، أو جزئيا على الأقل عبر استثناء الفوج الحالي من تنفيذه، فإن الانتصار حتمي في كلا الحالتين، وهزيمة الحكومة مؤكدة كذلك. لكن هل سيكون ذلك نهاية المطاف؟
على الشباب الأكثر وعيا وطليعية بين الأساتذة والأطباء والممرضين وغيرهم من الفئات، أن يطرحوا هذا السؤال على أنفسهم بوضوح. أليس من الممكن والواجب مواصلة النضال من اجل القضاء جذريا على هذه المخططات وهذه الاعتداءات وهذا القمع لكي يعيش الشعب المغربي آمنا من القمع والاستغلال والبطالة والأمية والفقر، في وطن يستفيد فيه كل أبناءه من ثرواته على قدم المساواة؟
هل من الحتمي أن تستمر قلة من الطفيليات في نهب كل الثروات وتحميل الأغلبية الساحقة من الكادحين تبعات أزمة نظامهم المتعفن؟ هل قدر الشعب المغربي أن يستمر إلى الأبد تحت أحذية النظام الدكتاتوري الوحشي الذي يقمع كل تفكير وكل تعبير وكل معارضة؟ طبعا لا! ليس من ضرورة لبقاء مثل هذا الوضع الشاذ. بل من الممكن والضروري تغييره بواقع آخر إن أردنا اجتثاث الفقر والجهل والمرض والبطالة والقمع وغيرها من تقيحات الرأسمالية.
لذلك يجب علينا نحن الشباب ألا نقتصر في نضالنا على هذا المطلب الجزئي أو ذاك، ولا نحصر جهدنا في التصدي لهذا المظهر أو ذاك من مظاهر الاستغلال، وأن نتوجه إلى امتلاك نظرة أعمق وأشمل للمشاكل التي نعانيها ويعانيها شعبنا.
علينا أن نعمل على بناء القيادة الثورية، أي الحزب العمالي الثوري، الذي وحده من يمكنه أن يوحد كل هذه النضالات المشتتة والجزئية والمعزولة، ويقدم لها برنامجا ثوريا ومنظورات علمية وتكتيكات صحيحة لضمان الانتصار النهائي على طبقة الرأسماليين ونظامها الدكتاتوري اللذان قادا البلاد إلى الخراب.
إن بناء القيادة الثورية ليست مهمة يمكن تأجيلها إلى ما لا نهاية، فهي لن تسقط بالتقادم، كما أن إنجازها ليست مهمة “الآخرين”، إنها مهمة كل مناضل ثوري حقيقي وكل مناضل عمالي حقيقي وكل مثقف ثوري، عنده قناعة حقيقية بضرورة التغيير والثورة وبناء الاشتراكية.
إن رابطة العمل الشيوعي منظمة ماركسية ثورية، فرع للتيار الماركسي الأممي، تضع على كاهلها مهمة بناء الحزب الماركسي الثوري بالمغرب، إن كنت تتفق معنا في أفكارنا التحق بنا في نضالنا لبناء القيادة الثورية وإنجاز الثورة الاشتراكية في المغرب والعالم.
رابطة العمل الشيوعي
الأربعاء: 27 يناير 2016