يوم الخميس 07 يناير، خرج الأساتذة المتدربون بالمغرب في مسيرات احتجاجية جهوية موحدة في الزمن، تنفيذا لقرار التنسيقية الوطنية للأساتذة المتدربين بالمغرب، للمطالبة باسقاط المرسومين: المرسوم 2/15/588 الذي ينص على فصل التكوين عن التوظيف. والمرسوم 2/15/589 القاضي بتخفيض الراتب الأساسي للأستاذة المتدربين في المراكز من 2450 إلى 1200 درهم.
الجريمة
كانت المسيرات سلمية وكان الأساتذة، عزلا إلا من حناجرهم وإصرارهم، يمارسون، في منتهى الانضباط، حقهم في التعبير عن مطلبهم المشروع؛ لكن النظام الدكتاتوري كان له رأي آخر، حيث أطلق قوات القمع بأوامر واضحة تنص على الضرب بوحشية وبدون تمييز، مع استهداف الرأس والوجه على وجه الخصوص، إمعانا في الإرهاب والتنكيل.
خلف الهجوم الوحشي حصيلة ثقيلة جدا، عشرات الجرحى، بعضهم مصابون بجروح خطيرة وما زالوا لحد اللحظة يخضعون للعلاج. وحسب تقرير نشرته الجمعية المغربية لحقوق الإنسان عن ذلك الهجوم، كانت الحصيلة ما يلي:
1- مدينة إنزكان : قمع أمام المركز أدى إلى حوالي 100 إصابة، 50 حالة تم نقلها إلى المسشفى.
ـ الأستاذة لمياء : كسر في الكتف، كسر في القفص الصدري، وكسر في الوجه يستدعي عملية تجميلية .
ـ الأستاذ الخمار: كسر في العمود الفقري يستدعي عملية جراحية، فقدان جزئي للبصر .
ـ أستاذة حامل أصيبت بنزيف .
ـ إصابات على مستوى الرأس ( 7 إلى 10 غرز)
ـ إصابات في الأكتف و الأرجل
ـ إغماءات
2 – مدينة مراكش: 20 حالة .
ـ حالة شلل نصفي ( العناية المركزة)
ـ كسر على مستوى الرجل
ـ إغماءات
3 – مدينة طنجة: 8 حالات خطيرة
ـ أستاذة: التواء في الرجل و اختناقات رئوية .
ـ أستاذ : تشقق في الرجل
ـ أستاذة: تشقق في الذراع
ـ إصابات قريبة من العمود الفقري
ـ إغماءات
4- مدينة الدار البيضاء: 40 حالة
ـ كسر على مستوى الذراع
ـ كسر على مستوى الرجل
هذا إضافة إلى الإعتداء على الأساتذة، من طرف قوات البوليس، بالسب والشتم والإهانات الحاطة بالكرامة، على حد تعبير بيان الجمعية الحقوقية.
ردود الفعل
كان ما حدث يوم الخميس جريمة بكل المقاييس. لكن الأمر لم يتوقف عند ذلك الحد، بل جاء رد الحكومة ليزيد في صب الملح على الجراح. كانت تصريحات المسؤولين بعد المجزرة في منتهى الوقاحة والاستفزاز. فقد عبر رئيس الحكومة بنكيران عن تضامنه مع قوات البوليس، “التي كانت تؤدي مهمتها”، ودعا شبيبة حزبه إلى عدم التضامن مع الأساتذة المعنفين. أما وزارة الداخلية فقد أنكرت وجود أي قمع ونفت وجود أية إصابات بين الأساتذة وقالت إن الفيديوهات مفبركة، وإن الأساتذة إنما كانوا يتظاهرون بالاغماء وما حدث لبعضهم من “جروح طفيفة” كان فقط بسبب التدافع !!!
إنه منطق النظام الدكتاتوري القائم بالمغرب، نظام لا يقيم وزنا لحرمة أجساد المواطنين ولا لحقوقهم ولا لكرامتهم. إنه منطق الطغيان والاستبداد والهمجية، إسالة دماء العزل في الشوارع، لا لشيء سوى لأنهم تظاهروا سلميا، ثم تحويل معاناتهم وجراحهم إلى مادة للسخرية بكل احتقار ووقاحة ودناءة.
أما الرد الشعبي فقد كان موجة من السخط ضد وحشية قوات البوليس، وتضامنا واسعا عبرت عنه العديد من الفئات: أساتذة ممارسون وعمال وتلاميذ وباعة متجولون، ومناضلون نقابيون ومثقفون ديمقراطيون جذريون وغيرهم.
كان الهدف من وراء ذلك القمع الهمجي، بتلك الطريقة وتلك الحدة، إثارة الخوف في نفوس الأساتذة المتدربين وتحطيم معنوياتهم ودفعهم إلى التوقف عن النضال، إضافة إلى توجيه رسالة دموية إلى كل فئات الشعب المغربي الأخرى من عمال وطلاب، وغيرهم، بأن مصيرهم سيكون مماثلا إن هم تجرؤوا على المطالبة بحقوقهم أو التصدي للسياسات التقشفية ومختلف الهجومات التي تشنها الطبقة الحاكمة ودولتها.
لكن العكس تماما هو الذي حصل. إذ أن ذلك القمع، وبالرغم من حدته، لم ينل مطلقا من معنويات الأساتذة المتدربين وكفاحيتهم، كما لم يؤد سوى إلى اتساع دائرة التضامن الشعبي معهم، وإشاعة روح التحدي.
الرعب ينتقل إلى المعسكر الآخر
إن النظام الآن في ورطة، لأن القمع إذا لم يؤد إلى النتيجة المرجوة منه، أي إرهاب الجماهير، فإن الرعب يغير معسكره وينتقل إلى الجهة المقابلة: جهة الطبقة السائدة ودولتها.
وبالفعل ومباشرة بعد المجزرة، تمت الدعوة إلى تنظيم وقفة احتجاجية حاشدة أمام البرلمان، يوم الأحد 10 يناير، للتنديد بالقمع والمطالبة بالاستجابة لمطالب الأساتذة بإلغاء الموسومين. وهي الوقفة التي لاقت نجاحا باهرا، ووقفت الدولة عاجزة عن القيام بأي رد فعل أمامها.
نفس ذلك النظام الدكتاتوري الذي كسر عظام الأساتذة، يوم الخميس 07 يناير، وأسال دمائهم في الشوارع، هو الذي تراجع، يوم الأحد 10 يناير، عن الظهور أمام أعين الجماهير الغاضبة أمام البرلمان. وذلك ليس لأنه تناول جرعة مفاجئة من الديمقراطية، بل فقط لأنه أصيب بالرعب من مغبة القيام بأي استفزاز للمحتجين قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه من وجهة نظره.
واستمرارا للتعبير عن الغضب ضد الدكتاتورية والتضامن الشعبي مع الأساتذة شهدت مدينة بني ملال، يوم الإثنين 11 يناير، وقفة احتجاجية حاشدة بساحة المسيرة. وهي الوقفة التي تحولت إلى مسيرة شاركت فيها أعداد غفيرة من الجماهير، لم تشهد المدينة مثلها منذ تظاهرات 20 فبراير، ورفعت خلالها شعارات قوية لم تكتف بالتنديد بما تعرض له الأساتذة والمطالبة بإسقاط المرسومين، بل انتقلت إلى التأكيد على حق أبناء الشعب في الاستفادة من تعليم جيد ومجاني، إلى جانب مطالب أخرى اقتصادية وسياسية.
ومرة أخرى اكتفت قوى القمع بالمشاهدة وحرصت على عدم التدخل أو القيام بأي استفزاز تعرف جيدا انه سيؤدي إلى انفجار الوضع القابل للاشتعال بسبب تراكم البطالة والفقر ومشاعر القهر والغضب.
من الذي انتصر ومن الذي انهزم الآن؟ إن الجواب عن هذا السؤال واضح للغاية. لقد انتقل الرعب إلى المعسكر الآخر. ورغم كل ما تحقق حتى الآن، فإن أسوء أيام الحاكمين هي التي لم تأت بعد.
شعارات لمواصلة المعركة
صرح بنكيران مؤخرا أنه لن يتراجع عن المرسومين حتى ولو أدى ذلك إلى إسقاط حكومته. نحن أيضا لسنا مستعدين لضرب حقنا في التشغيل وحق كل هؤلاء الكادحين الذين تعاطفوا معنا ووقفوا إلى جانبنا في محنتنا وعبروا عن تضامنهم معنا وحبهم لنا وغضبهم ضد ما تعرضنا له. فلتسقط الحكومة إذن! فليكن شعارنا هو إسقاط الحكومة وحل البرلمان الذي انبثقت منه هذه الحكومة!
ثم إن جريمة الاعتداء على المتظاهرين لا يجب أن تمر بدون عقاب. إن الدماء التي سالت ليست بدون ثمن. يجب أن تتم محاسبة كل المتسببين في المساس الخطير بالسلامة البدنية والنفسية للأساتذة المتدربين. لا بد من محاكمة كل من أعطى الأوامر ومن نفذ.
من هو العدو الحقيقي؟
من الواضح أن حكومة الإسلاميين قد فقدت شعبيتها تماما. وبنكيران، الذي كان قبل أربع سنوات فقط يرقص منتشيا بتحقيقه لفوز انتخابي ساحق على خصومه، وصل الآن إلى الحضيض. يتضح ذلك جليا في الشعارات التي ترفع خلال الوقفات الاحتجاجية وفي النقاشات الدائرة على مواقع التواصل الاجتماعي ونقاشات المقاهي وحلقيات الطلاب وغيرها.
لقد تمكن الإسلاميون طيلة عقود من الزمن من كسب تعاطف فئات واسعة من الجماهير من خلال لعبهم الماكر لدور “المعارضة الجذرية” وتنديدهم المنافق بمظاهر الظلم الاجتماعي ومفاسد الطبقة السائدة.
كان من الصعب فضحهم آنذاك. إذ أن الصراع ضدهم كان غالبا ما يتخذ شكل صراع فكري مجرد، لكن الجماهير لا تتعلم في الكتب ونقاشات الحلقيات والندوات الفكرية، بل في الواقع الملموس.
سبق لماركس أن قال إن شرط التجاوز التحقق. وبالفعل كان من الضروري لتجاوز مرحلة الثقة في أكاذيب تلك التيارات، أو بعضها على الأقل، تحقق مشاريعها على أرض الواقع. سنوات قليلة من التجربة كانت كافية لكي تفضحهم أمام أعين الجماهير الشعبية، ليس فقط في المغرب، بل وكذلك في مصر وتونس وغيرهما من البلدان.
لقد اتضحت طبيعتهم الرجعية وأنهم ليسو سوى تنويعة من تنويعات أحزاب الطبقة الرأسمالية السائدة، وأنهم يطبقون في الحكم نفس السياسات ويمارسون نفس الأساليب ويخدمون نفس المصالح: مصالح كبار الرأسماليين.
بضعة سنوات من تجربة الإسلاميين في الحكم ليست بالثمن الباهظ لكي تتوصل الجماهير إلى هذه الخلاصة التاريخية. وها هي فئات واسعة قد توصلت إليها الآن. وفهمت أنهم أعداء لها.
لكن هذه الخلاصة ليست سوى جانب واحد للعملة. أما الجانب الآخر فهو معرفة الطبقة التي تستفيد من السياسات التي يطبقها الإسلاميون و”العلمانيون” وجميع الأحزاب الرسمية الأخرى. فلنكن موضوعيين، إن بنكيران وحزبه وحكومته ليسو سوى أدوات في يد طبقة اجتماعية محددة لخدمة مصالحها، ويدافعون عن نظام اجتماعي محدد.
ليس بنكيران كشخص ولا حكومته ووزراؤه هم الوحيدين الذين جاء المرسومان لخدمة مصالحهم. إن فصل التكوين عن التوظيف وتخفيض قيمة المنحة وغيرها من الإجراءات التقشفية التي طبقتها الحكومة الحالية هي إجراءات في خدمة الطبقة الرأسمالية والنظام الرأسمالي.
ليس بنكيران وحكومته هم من يسيرون اليونان ولا اسبانيا ولا تونس ولا مصر، الخ. لكن كل حكومات تلك البلدان وغيرها، على اختلاف أشكالها، “يسارية” ويمينية، تطبق نفس السياسة: سياسة التقشف والاقتطاعات والخصخصة وضرب المكتسبات الاجتماعية للعمال. وكلهم يدافعون عن نفس المصالح: مصالح أصحاب الأبناك وكبريات الشركات المحلية والعالمية.
الطبقة الرأسمالية ونظامها هما العدو الحقيقي. هذا ما يجب علينا أن نفهمه ونشرحه لكل من يريد أن يفهم، إذا كنا نريد بالفعل النضال بشكل فعال ضد أصل الشرور والمظالم التي نعيشها نحن العمال والفلاحون الفقراء والشباب الكادح، واقتلاعها من الجذور.
طبعا من الضروري النضال ضد كل مظاهر الاستغلال وجميع أشكال الهجومات صغيرة كانت أم كبيرة، ومهما كانت جزئية وفئوية، لكن يجب علينا في نفس الآن أن نمتلك منظورا شاملا وفهما علميا لطبيعة العدو وبرنامجا يجيب عن الحاجات الآنية وعن الهدف النهائي في نفس الوقت.
إن المشاكل الجذرية تتطلب حلولا جذرية. فإذا كنا نريد سياسة بديلة عن السياسة التي تنهجها الحكومة الحالية، بل كل الحكومات الرأسمالية، علينا أن نناضل من أجل إسقاط الطبقة الرأسمالية نفسها. علينا أن نناضل من أجل مصادرة مفاتيح الاقتصاد والسلطة من طرف الطبقة العاملة وبناء الاشتراكية.
رابطة العمل الشيوعي
الثلاثاء: 12 يناير 2016