اليوم بعد 6 سنوات، خرجت اول تظاهرات شعبية، قليلة العدد ممكن، تفتقر للسياسة أكيد، لكنها خرجت وكسرت هيبة وسطوة وقبضة الدولة، وهتفت ضد السيسي، والشعب يريد اسقاط النظام. ننشر هذا المقال الهام الذي توصلنا به من طرف الرفيق أحمد منتصر، المناضل الماركسي الثوري من مصر، يتناول فيه الاحتجاجات التي عمت مختلف المدن المصرية، ومهام المناضلين الثورين.
انظروا جيدا، إنه في سبتمبر 2019 تم إسقاط صورة السيسي في ميدان عام، خرج الآلاف يهتفون ضد السيسي في القاهرة والمحلة والإسكندرية ودمياط والسويس، لقد استغرق الأمر 6 سنوات فقط!
بعد ان خرج علينا طوال السنين السابقة سيل من العدميين الذين قرروا نبذ السياسة حتي يرتاحوا ويعيشوا حياتهم، والحقيقة ان الواقع هو من نبذهم، كم مرة سمعنا بأن لن يستطيع احد الخروج على السيسي؟! سيدهسكم السيسي؟! ستكونون معتقلين جدد في سجون السيسي؟!
ما حدث بالأمس بكل تأكيد هو بعيد عن أيدي السياسيين والأحزاب والحركات، لكن ما حدث بالأمس هو رغم ذلك أول هبّة جماهيرية تخرج علنًا في الشوارع ضد السيسي.
“الشعب لن تقوم له قائمة! الشعب يحب حياة الكُرباج!!”
واحدة من الجُمل الافتتاحية التي تعقب وصف حالة الصمت واللامُبالاة السائدة، وبالفعل نحن نعيش حالة من الصمت اللامُبالي للجماهير الذي يدل على استلابها ومدي السيطرة عليها، والحقيقة ان تشخيص اللامُبالاة هذا يمثل مشكلة فقط لمن هم “في السُلطة” او “الثوريون” الذين يريدون الاستيلاء على السُلطة، لماذا ؟!
لأن الفريقين السابق ذكرهما، يبني كل منهما تصوراتهم وخططهم بناء على مبالاة/لامبالاة الجماهير.
فالسُلطة تتخذ قوانينها وإجراءاتها وتشريعاتها، وبناء على صمت ولامبالاة الجماهير، تشرع السلطة في تمرير المزيد مما كانت تخضعه للظروف، وسياسة رفع الدعم خير شاهد على ذلك، الخطة التي كان محدد لها خمس سنوات، شرعت الحكومة بتنفيذها في ثلاثة فقط وفي وقت مكثف فائق للتوقعات -بحسب تصريح مندوبة صندوق النقد كريستين لاغارد-، كل هذا كان بناء على رد الفعل اللامبالي من الجماهير.
وفي الجهة المقابلة، الثوريون، يرون تمرير سياسة تلو الأخرى، قمع تلو آخر، وإهمال وإعدامات و جور ما بعده جور من السلطة، ثم ينظروا للجماهير؟! يجدوها لا مُبالية! ولكنّ؛ تلك اللامُبالاة الصامتة هي “سلاح الجماهير المطلق” بحسب تصريح احد الفلاسفة الذين يأسوا سابقًا من الجماهير والتغيير “بودريار”، بل ويزيد قولًا :
“الجمهور رغم القيام بعمليات مسح له حتي الموت، إلا أنه لا يقول هل الحقيقة مع اليسار أم مع اليمين؟! ولا يقول هل يفضّل الثورة أم القمع؟! الجمهور يستخدم صمته اللامُبالي كقدرة على التحمّل وكقدرة أخري على تدمير كل أشكال السلطة”
ففي فترة ما كان الخطاب الشعبي العام -الترند/الحالة – عبارة عن نقاش حول السياسة، انتخابات مجلس الشعب، الدستور، انتخابات الرئاسة، محاسبة نظام مبارك … الخ، وتلك كانت فترة من 2011 حتي ما قبل السيسي 2013، الفترة التي اتسمت بالمدّ الجماهيري الذي إن لم يتم التعبير عنه على مستوي الفعل والحراك، فكان التعبير على سبيل الخطاب والتداول الأيديولوجي، وتلك الفترة بالرغم من قصرها إلا انها كانت معبّرة عن نضج الظروف الموضوعية والذاتية وقتذاك التي أنتجت حالة ثورية عامة، وتلك الفترة سبقها فترة انحطاط وركود ورجعية عاصرت وجود مبارك وتراكمت على مدار ثلاثين عامًا، ثلاثون عامًا انتجت وضع ثوري تم مراكمته على كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ذلك الوضع بدوره أنتج حالته الثورية التي تم التعبير عنها في 2011، والآن مصر ما بعد السيسي تعيش فترة انحطاط لا يضاهيها احد فيها، بتحوّل الخطاب الشعبي العام لكرة القدم وخناقات رجال الإعلام وطبعا لا ننسي ترند “فخر العرب” وتناول السقطات والفلتات التافهة والساذجة من جسم فلانة ولبس فلان وكلام علان، وكل هذا ان دلّ على شيء فإنه يدل على انعكاس حالة الردة والانحطاط التي خُلقت من الجو العام للحكومة، حكومة الثورة المضادة التي همّشت المواطن بسياسات الإفقار والتجويع، وهمّشت السياسي بعزله وفصله عضويًا عن باقي السياسيين بالقمع والاعتقال والإعدام، وفصله عضويًا عن الشعب بالإلهاء والتأثير الأيديولوجي العام.
ما رأيته بالأمس من هتافات الآلاف بالشوارع واهتمام الملايين في البيوت والمواصلات وأمام شاشات التليفزيون يتابعون ما يحدث في بلدنا، هو جديد، جديد على حقبة مصر السيسي، و اذا كنا كسياسيين لم نستطع ان ننتج وضع سياسي، فالجماهير الشجاعة التي اخترقت حواجز الدولة الأمس خلقت وضعًا جديدًا، وعلينا توجيههم.
في 30 يونيو 2013 نزلت الناس للشوارع، مطالبة برحيل مرسي والإخوان، كان الكثيرون يريدون التخلص من الاخوان المسلمين بأي ثمن وبلا شروط وبأي مُخلّص، هكذا كانت بداية دعاوي 30 يونيو، وبالفعل كان أغلب السياسيين يعرفون ان ما بعد مرسي لن يكون سوي المجلس العسكري، وقد كان، وأتي المجلس، ودفع بمرشحه للرئاسة الجمهورية، وبدء عهد السيسي، والجميع يعرف ما هو عهد السيسي.
اليوم بعد 6 سنوات، خرجت اول تظاهرات شعبية، قليلة العدد ممكن، تفتقر للسياسة أكيد، لكنها خرجت وكسرت هيبة وسطوة وقبضة الدولة، وهتفت ضد السيسي، والشعب يريد اسقاط النظام، من جديد دوّى الهتاف، ولكنّ ؛لا نريد التخلص من السيسي بأي ثمن وبلا شروط وبأي مُخلّص، من اليوم تم فتح باب فترة جديدة للعمل السياسي، الناس خرجت للشارع، لابد من طبع البيانات والأوراق وتوجيه الجماهير، السيسي لا يمثّل نفسه، السيسي له طبقة ناهبة بالدرجة الاولى، السيسي وطبقته لا ينتجون فسادًا، إن جزء من وجودهم مرتبط بإنتاج الفساد، السيسي وطبقته من جنرالات القوات المسلحة ورجال المخابرات وكبار موظفي الدولة ورجال الأعمال وملاك الأراضي والعقارات هم الطبقة التي مصّت قوت الشعب على مدار فترة وجودهم، وعلى الشعب والمناضلين الثوريين ان يقفوا ضد كل ما هو سيسي، وكل ما سيكون سيسي جديد.
جميع السياسيين البرجوازيين سواء كانوا من قادة الجيش أو الإخوان أو الأحزاب اللبرالية أو الإصلاحيين بكل طوائفهم، عاجزون عن تحقيق مطالب الجماهير “عيش، حرية، عدالة اجتماعية” لأنه لا وجود لأي حل في ظل الرأسمالية، خاصة في ظل أزمتها التاريخية العميقة التي تعيشها على الصعيد العالمي. لا بد من النضال من أجل مشروع اشتراكي يضع السلطة والثروة في يد الطبقة العاملة، عبر مجالس العمال والفلاحين والجنود الثوريين، مثل تلك التي أنشأتها الطبقة العاملة الروسية خلال السنوات الأولى التي تلت ثورة أكتوبر 1917.
ولتحقيق ذلك لا بد من بناء حزب على شاكلة الحزب الذي بناه المثقفون الثوريون للطبقة العاملة الروسية آنذاك، حزب لينين وتروتسكي الذي وفر للطبقة العاملة برنامجا وبوصلة وقيادة.
أحمد منتصر
23 شتنبر 2019