تصاعدت الأحداث في مصر بعد نشر المقاول محمد علي مقاطع فيديو في الثالث من شتنبر الحالي، بوتيرة متصاعدة، وسرعان ما أصبحت حديث الشارع ومواقع التواصل في مصر، ليليها بعد ذلك مؤتمر للسيسي حذر فيه من خطورة الحراك الشعبي، لترد الجماهير بالنزول الى الشوارع ليلة 20 شتنبر، أحداث هذه الليلة كانت علامة فارقة ستغير ما سيأتي بعدها. وهذا المقال الهام الذي توصلنا به من طرف الرفيق محمد حسام، المناضل الماركسي الثوري من مصر، يتناول فيه أسباب هذه الاحتجاجات، وآفاقها، وكذا مهام المناضلين الثوريين.
الأنباء تتواتر في نهاية اليوم، العشرين من سبتمبر، عن احتجاجات تنتشر في عدة مدن مصرية. احتجاجات في القاهرة و الاسكندرية والمحلة والسويس وعدة من أخرى. لأول مرة الجماهير المصرية تدخل ميدان التحرير منذ خمسة أعوام، أنباء عن وجود قتيل برصاص القوات الحكومية في شوارع الإسكندرية، تمزيق للافتات الديكتاتور السيسي في شوارع طنطا، أنباء عن وجود عشرات المعتقلين في جميع أنحاء.
لأول مرة من بداية حكم السيسي تندلع احتجاجات عفوية بهذا الزخم والشكل، بالتأكيد من المبكر أن نجزم الثورة بدأت في مصر، لكن ما حدث اليوم هو علامة فارقة سيغير ما سيأتي بعده. لقد تجاوز المصريين حاجز الخوف مجدداً، وداسوا على ذاكرة الموت والمجازر المرتبطة باسم الديكتاتور الدموي عبدالفتاح السيسي.
أسباب الحراك:
اندلعت المظاهرات نتيجة الدعوات التي أطلقها رجل الأعمال محمد على آثر كشفه لمعلومات -كانت أغلبها معلومة لدى الجماهير- تتعلق بنمط حياة الديكتاتور السيسي وأسرته، من بناء قصور فارهة تتعدى تكلفتها مئات الملايين في نفس الوقت الذي يعاني فيه أغلبية الجماهير المصرية من وطأة الفقر وارتفاع جنوني لأسعار المواد الأساسية، وهو ما كانت تبرره الدولة بأنها تدابير ضرورية لما يسموه كذباً “الإصلاح الاقتصادي”، وفي الحقيقة ما هو إلا إعادة تقسيم السوق المصرية لحلفاء السلطة في الداخل والخارج.
دعوة رجل الأعمال هذه ما كانت إلا الشرارة التي سمحت بإشعال وقود الغضب في وجه السلطة في مصر. فالجماهير المصرية تعاني منذ خمسة أعوام من سياسات النظام الاقتصادية التي يمليها عليه أربابه في صندوق النقد الدولي، من تعويم للجنيه المصري، رفع الدعم عن كثير من المنتجات البترولية والسلعية وما يتبعه ذلك من ارتفاع جنوني في الأسعار مع ثبات المرتبات، وصولاً لفتح السوق المصري على مصراعيه للمستثمرين الأجانب لنهب الجماهير المصرية ومقدراتها.
هذا هو السبب الأول والمركزي. أما السبب الثاني، أصبح من الواضح أن هناك تشققات داخل الطبقة الحاكمة المصرية، وهناك في الحقيقة صراع أجنحة داخل السلطة في مصر. هذه الانشقاقات يمثلها فريقين أساسيين، الفريق الأول أبرز رموزه هم عبدالفتاح السيسي وعباس كامل وهذا الفريق هو صاحب اليد العليا في مصر منذ عدة سنوات، ويحظى بدعم قوي من العصابات التي تحكم الخليج ومن الكيان الصهيوني، كما يحظى بدعم جزء كبير من الرتب العليا في المؤسسة العسكرية، والإدارة الأمريكية منقسمة. والفريق الآخر يمثله سامي عنان -الموضوع تحت الإقامة الجبرية منذ الانتخابات الرئاسية الماضية- ومراكز قوى داخل جهاز المخابرات العامة، وهذا الفريق يحظى بدعم بعض مراكز صنع القرار في أوروبا، وفئات من رجال الأعمال المصريين -مثل محمد على ونجيب ساويرس وغيرهم- الذين تضرروا من توغل وسيطرة الجيش على جزء كبير من المجال الإقتصادى.
هذه هي معادلة السلطة في مصر الآن، الفريقين دخلوا في حرب مفتوحة ويسعون لكسب الجماهير، لكن أى حديث عن أن هذا الحراك الجاري هو من صنع أحد الفريقين داخل السلطة هو إهانة للجماهير ومحاولة تصويرها على أنها بلا عقل ويتم تحريكها بدون إرادة منها، فلكي يستطيع أحد تحريك الجماهير الساكنة لابد أن يمتلك قاعدة شعبية في قلب الجماهير وهو ما يفتقده الفريقين الموجودان في السلطة في مصر. ما حدث هو أن الجماهير انتهزت بشكل غير واعي فرصة وجود تشققات داخل الطبقة الحاكمة لصالحها، وهو ما يمكن أيضاً استخدامه لتحقيق مكاسب ثورية لا يمكن تحقيقها إلا في ظل وجود مثل هذه التشققات.
ما العمل:
إن الحراك الدائر اليوم عفوي وغير منظم ولم يندلع بفعل القوى السياسية المتهالكة والتي فقدت ثقة الجماهير المصرية فيها، وهذا ما يعطي قوة للحراك تحميها من الضربة الأمنية و وأدها في المهد مثل غيرها من الاحتجاجات في السنوات الفائتة، ويجب أن يستغل الثوريين هذه الميزة في الانخراط بكل قوة وحذر في نفس الوقت في الحراك.
لا أحد يستطيع أن يتكهن بمستقبل الأحداث في الأيام والأسابيع القادمة، لكن بالتأكيد أنها حُبلى بالأحداث والمفاجأت، وهو ما يجب أن يتجهز له الثوريين، يجب أن يتم بلورة خطاب ثوري واضح عن طبيعة الصراع والأحداث الجارية، والهدف منها، يجب أن نقول للجماهير في الشوارع أن المشكلة ليست في شخص عبدالفتاح السيسي فقط، ولكن المشكلة في كل البنية السياسية والاقتصادية القائمة.
على الثوريين البدأ في تنظيم هذا الحراك في أقرب وقت ممكن، لكي يستطيعوا تصدير خطابهم للجماهير، بدون التنظيم سيتم وأد الحراك إن عاجلاً أو آجلاً، حتي لو أثمر الحراك الحالي عن سقوط الديكتاتور عبدالفتاح السيسي، وهو بالتأكيد مكسب ثوري مهم سيفتح الباب على مصرعيه على احتمالات كثيرة، وهذا المكسب هو ما يجب العمل عليه في اللحظة الراهنة. لكن سقوط عبدالفتاح السيسي فقط لن يحل مشاكل أغلبية الجماهير المصرية، ما سيحل مشاكل الجماهير المصرية هو تغيير النظام الاقتصادي الرأسمالي الريعي في مصر، وليس اسقاط عبدالفتاح السيسي والقدوم بجنرال آخر مثل سامي عنان سيطبق نفس السياسات وإن بوطأة أخف.
تلخيصاً لمهام الثوريين في الحراك الحالي:
أولاً، الانخراط بقوة في الحراك ومحاولة تجذير المطالب الجماهيرية.
ثانياً، العمل على تكوين جبهة واسعة في وجه سلطة عبدالفتاح السيسي.
ثالثاً، توجيه خطاب ودعاية ثورية واضحة وشرح دؤوب لطبيعة الصراع والحل الثوري له، كفيل بقلب ميزان الأحداث.
- المجد للشهداء والشفاء للجرحى والحرية للمعتقلين
- يسقط عبدالفتاح السيسي وعصابته
- الشعب يريد إسقاط النظام
- ابنوا الخلايا والتنظيمات الثورية في كل مكان
محمد حسام
21 شتنبر 2019