نيكلاس ألبين سفينسون
17 يوليوز 2019
صناعة الأدوية قطاع مربح للغاية، خاصة عندما لا تكون هناك بوصلة أخلاقية. وقد تمكنت شركة جاز (Jazz) للصناعات الدوائية من مضاعفة قيمتها 15 مرة في سبع سنوات بفضل دواء واحد باهض الثمن.
هناك نوع من الأدوية المعروفة في قانون الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة باسم “الدواء اليتيم”، وهو دواء يكون قد تم تطويره خصيصا لمرض نادر أو حالة فريدة. فإذا تمت الموافقة على حصول الدواء على صفة “الدواء اليتيم”، يتم منح شركة الأدوية التي قدمت الطلب حق التفرد بتصنيع الدواء لفترة من الزمن. تمتد تلك الفترة في الاتحاد الأوروبي 10 سنوات، أما في الولايات المتحدة فهي سبع سنوات.
كانت أورفن ميدكل ”Orphan Medical” شركة متخصصة في هذه الأدوية اليتيمة. وقد كانت على وجه الخصوص تحاول العثور على ترخيص لدواء أوكسيبات الصوديوم، المعروف أيضا باسم GHB أو Xyrem. أوكسيبات الصوديوم مادة كيميائية موجودة منذ سبعينيات القرن التاسع عشر وقد استخدمت بطرق مختلفة لعلاج البشر منذ ستينيات القرن العشرين. وخلال التسعينيات كانت تنتج وتباع بشكل غير قانوني كمخدر يستعمل خلال الحفلات وعمليات الاغتصاب. لم يكن لديها أي استخدام طبي معتمد بشكل سليم، لكن شركة أورفن ميدكل أخذت تلك المادة في أواخر التسعينيات، وعملت على تطويرها لعلاج مرض النوم القهري (Narcolepsy).
مرض النوم القهري (أو الخدار) هو اضطراب عصبي نادر يصيب حوالي أربعة أشخاص من بين كل 10.000 نسمة. لا يزال سبب المرض غير معروف لكنه مرتبط بتدمير بضع عشرات الآلاف من الخلايا العصبية في منطقة ما تحت المهاد (الموجودة في الجزء الأمامي من الدماغ)، ولديه مجموعة من الآثار على المصابين به، من بينها، على وجه الخصوص، أنه يؤدي إلى ما يسمونه بالنعاس المفرط خلال النهار (شعور لا يمكن السيطرة عليه بالرغبة في النوم) والجمدة cataplexy (فقدان مفاجئ للسيطرة على العضلات). وهو ما يسبب للمصابين به إنهاكا عاما. لا توجد علاجات فعالة لهذا المرض، ويعالج المرضى عموما بأنواع مختلفة من المنشطات.
لأوكسيبات الصوديوم تأثير مختلف عن المنشطات في مساعدة المصابين بالنوم القهري. من بين أعراض النوم القهري عدم القدرة على الوصول إلى نوم عميق وهادئ، مما يجعل المصاب يشعر بالتعب حتى بعد ثماني ساعات من النوم. هنا يأتي دور أوكسيبات الصوديوم بحيث تعطي للمرضى النوم العميق الذي ينقصهم، وبالتالي تساعد في تقليل حالة النعاس المفرط في النهار وكذلك الجمدة. ولذلك فإن المرضى غالبا ما يفضلون هذا الدواء على الأدوية الأخرى.
عام 2002، تمكنت شركة أورفن ميدكل من الحصول على موافقة إدارة الغذاء والدواء (FDA) في الولايات المتحدة الأمريكية لعلاج مرض النوم القهري باستخدام أوكسيبات الصوديوم. ومع ذلك، يبدو أن الشركة لم تكن فعالة بما يكفي للترويج للعقار. وفي عام 2005 تم شراء الشركة من قبل شركة جاز للأدوية، والتي كانت قد تأسست في عام 2003.
التربح من العلاجات
ما تلا ذلك كان فترة من الترويج المكثف للدواء. لم تهتم شركة جاز بالكثير من التفاصيل عند بيعها لذلك الدواء المعتمد حديثا. ومثلها مثل تجار زيت الثعبان في الماضي، ادعت الشركة أن دواءها يمكنه أن يعالج كل أنواع الأمراض الجسدية والعقلية. في عام 2007، وافقت شركة Jazz (من خلال فرعها Orphan) على دفع 20 مليون دولار كعقوبات وتعويضات عن ممارسات التسويق غير القانونية. وفي أواخر شهر أبريل من هذا العام، وافقت الشركة على دفع 57 مليون دولار أخرى بعد أن تبين أنها قدمت عمولات لتسويق عقاقيرها.
ومع ذلك فقد أصبح الدواء الآن شائعا بين المرضى المصابين بالخدار، وكذلك الأطباء، وبدأت أرقام المبيعات في الارتفاع. في عام 2011، تم علاج 9000 مريض في الولايات المتحدة بـ Xyrem. وبحلول عام 2017، وصل العدد إلى 13.500، من بين حوالي 80.000 مريض تم تشخيص حالتهم. ومع ذلك فقد ارتفعت الأرباح أسرع بكثير من عدد المرضى.
في عام 2012، حققت جاز، التي تم تسجيلها في أيرلندا لأغراض ضريبية، ربحا صافيا بنسبة 50%. ضاعفت الشركة مبيعاتها من 115 مليون دولار عام 2009 إلى 267 مليون دولار في عام 2011. تضاعف حجم التسويق والإشراف وتجاوز 108 ملايين دولار، مع تخصيص 14 مليون دولار للبحث والتطوير، و14 مليون دولار لتكلفة الإنتاج، و7 مليون دولار للاستهلاك، و125 مليون دولار للأرباح. هذه أرباح مهمة، لكن أمور الشركة زادت تحسنا.
في عام 2011 كانت قيمة الشركة 192 مليون دولار، لكن بعد الاندماج مع شركةEUSA Pharma عام 2012، ارتفعت قيمتها إلى مليار و100 مليون دولار. ثم اشترت شركة Gentium في عام 2014 مقابل مليار دولار، وشركة Celator عام 2016 مقابل مليار و500 مليون دولار. والآن تبلغ قيمة الشركة 2 مليار و800 مليون دولار، وتمتلك أصولا غير ملموسة (Intangible assets) بقيمة 2 مليار و700 مليون دولار (بعدما كانت 14 مليون دولار في البداية). كان هذا ارتفاعا مذهلا حقا.
في العام الماضي باعت الشركة ما قيمته مليار و850 مليون دولار من الأدوية (لتصبح في الرتبة 60 بين أكبر شركات الأدوية في العالم)، وباعت مليار و400 مليون دولار من دواء Xyrem وحده. كانت تكلفة إنتاج الأدوية 121 مليون دولار فقط، مما ترك هامش ربح مذهل نسبته 94%.
كان أحد أسباب الارتفاع الهائل في الإيرادات هو زيادة سعر دواء Xyrem. كان ثمن أوكسيبات الصوديوم، في عام 2007، باهظا أصلا حيث بلغ 2,04 دولارا للجرعة الواحدة، لكن ذلك ليس شيئا يذكر أمام ما أصبح عليه الوضع لاحقا. فمع ازدياد شعبية الدواء، ارتفع السعر. وبحلول عام 2014 صارت تكلفة الجرعة 19,40 دولار. أدى هذا السعر إلى زيادة هائلة في أرباح شركة جاز، على حساب المرضى.
تتراوح تكلفة الدواء في الشهر ما بين 450 إلى 900 دولار، حسب مقدار الجرعة الموصوفة للمريض. من الواضح أن هذا المبلغ يتجاوز بكثير ما يستطيع معظم الناس تحمله. ويتم دفع التكلفة إما من قبل شركات التأمين أو نظام خدمة الصحة العمومية. وبسبب التكلفة الضخمة لتوفير هذا الدواء تقوم شركات التأمين ونظام خدمة الصحة العمومية بتقييد أو منع الوصول إليه. وعلى الرغم من أنه يعتبر الآن العلاج الأكثر فاعلية لمرض الخدار، فإن معظم المرضى لا يستطيعون الوصول إليه، على الرغم من أنه ينتشر تدريجيا في أوروبا والولايات المتحدة.
لاح بصيص من الأمل في الأفق بالنسبة للمرضى الذين حرموا من العلاج بفعل انتهاء حالة “الدواء اليتيم” عن Xyrem قبل عامين، وهو ما يعني أنه من المفترض أنه صار في إمكان أي شركة طلب الموافقة على إنتاج نسخة من الدواء. وهو الشيء الممكن لأن تركيبته معروفة جيدا. ومع ذلك فإن جاز عازمة على تجنب المنافسة في هذا السوق المربح، وقد تابعت أمام القضاء أول شركة صنعت نسخة للدواء بتهمة انتهاك حقوق الملكية، قبل أن يتوصل الطرفان إلى أنه يمكن إطلاق النسخة في عام 2023، مما يمنح لشركة جاز أربع سنوات أخرى من المبيعات والأرباح الهائلة.
تحب شركات الأدوية تبرير هذا الموقف بالقول إنها تنفق أرباحها على البحث والتطوير، لكن جاز لا تنفق سوى 12% من إيراداتها (227 مليون دولار) على الأبحاث. بينما يتم إنفاق 684 مليون دولار على التسويق والإدارة، ثم تحصل أرباحا رائعة تبلغ 447 مليون دولار أو 839 مليون دولار، حسب معيار المحاسبة المستخدم. بعض التكاليف الإدارية لا مفر منها، لكن جزءا كبيرا من هذه الأموال يتم إنفاقه على محاولة تسويق الأدوية بين الأطباء. والحقيقة هي أنه لا يتم إنفاق سوى حوالي 342 مليون دولار على تكاليف الإنتاج أو البحث من إجمالي مليار و900 مليون دولار من الإيرادات. هذا وضع غريب ويظهر عدم كفاءة القطاع الخاص. لو تم تحويل قطاع تصنيع الأدوية إلى الملكية العامة، لكان ذلك ذا فائدة كبيرة للمرضى ولكان سيوفر مليارات الدولارات من مصاريف الخدمات الصحية العمومية.
عنوان الحوار بالإنجليزية: