رابطة العمل الشيوعي
الأحد: 06 نونبر 2016
“طحن دين مو” (اسحقه)*، بهذه الكلمات الجديرة بفيلم رعب هوليودي وجه أحد رجال السلطة أمره لشريكه في الجريمة لتشغيل جهاز السحق بشاحنة جمع القمامة، لتحول جسد الشاب محسن فكري إلى أشلاء، استغرق استخراجها من الشاحنة ساعة ونصف كاملة، أمام دهشة وذعر واستنكار الجماهير الحاضرة.
بعد هذا الحادث قال شاهد عيان: «إن الشعور السائد في الحسيمة هو شعور رهيب، مليء بالصدمة، والغضب والحزن العميق، وبالظلم و”الحكرة” والدونية، ولا أحدا يستطيع التعليق على ما حدث، إنها المصيبة… لم نعد نشعر بأننا بشر كباقي البشر، نحن كالحشرات في نظرهم، لم يبقى هناك صبر أكثر من هذا». يا لها من كلمات بليغة!
وقعت الجريمة يوم الجمعة 28 أكتوبر عندما قفز محسن فكري، وثلاثة من أصدقاءه، إلى الشاحنة لاسترداد بضاعتهم التي صادرتها منهم الشرطة بطريقة تعسفية. كانوا يعتقدون أنهم بذلك سيدفعون رجل السلطة للتراجع عن نيته في تدمير سلعتهم وقوت يومهم، لكن ذلك الأخير كان له رأي آخر، وهو الذي تدرب طويلا على احتقار حياة وكرامة المواطنين والاستهتار بسلامتهم، والذي تعود على أن الجرائم ضد أبناء الشعب الكادح تمر دائما بدون عقاب، بل وتكون سببا في الترقية ورضا الرؤساء، فأصدر أمره باردا، مباشرا، دمويا: “طحن دين مو”.
وقد كان رد فعل الجماهير مباشرا وبطوليا، إذ انفجرت موجة من الغضب ضد البوليس واندلعت مظاهرات تضامنية ضمت أعدادا لا تلبث تتضاعف وتنتشر. كما عمت المظاهرات الاحتجاجية كل ربوع المغرب وما تزال الوقفات والمسيرات نشيطة وكفاحية حتى يوم كتابة هذه السطور (06/11/2016)، خاصة في الحسيمة والنواحي.
في الحسيمة احتلت الجماهير الشوارع طيلة أيام وطهرتها من كل مظهر لتواجد البوليس، وتم تنظيم إضراب عام ناجح ومسيرات متواصلة بشعارات تطالب بمحاسبة المسؤولين عن الجريمة، وأيضا بالكرامة وبإسقاط الفساد والغلاء والاستبداد.
لم يسبق للمغرب، منذ تحركات 20 فبراير، أن شهد مثل هذه التحركات في كفاحيتها وامتدادها المجالي. لقد شملت حسب جريدة القدس العربي أكثر من أربعين مدينة، مما يؤكد أننا أمام محطة نوعية من محطات الصراع الطبقي بالمغرب، وليس فقط حركة تضامن إنساني مع ضحية للحكرة والقمع البوليسي.
وانتقل الاحتجاج إلى جامعات مدن مجاورة كمرتيل ووجدة. وأعلن النشطاء عن خروج تظاهرات في الحسيمة، والرباط، وطنجة، والقنيطرة، والدار البيضاء، ومراكش، وتطوان، وبني ملال، والقصر الكبير، وسيدي سليمان، ووجدة، وإمزورن، والصويرة، وبوكيدان، وأكادير، وبني بوعياش، والناظور، والدريوش، وخريبكة، ومكناس، وفاس، والعرائش، وتارودانت، وتزنيت… وغيرها.
كما نظمت العديد من الاحتجاجات خارج حدود المغرب، في فرنسا واسبانيا وبلجيكا وهولندا وتونس… وانتشرت أخبار الجريمة والاحتجاجات على صفحات أكبر الصحف العالمية والمواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي.
وفي المقابل انسحب جهاز القمع ولم يتجرأ أبدا على استفزاز المتظاهرين، حيث لم تحدث أية حالة قمع لأي مسيرة من المسيرات التي شهدتها البلاد. مما يعكس حالة الرعب التي تعيشها الطبقة السائدة ودولتها من تحول الحراك إلى ثورة.
أجبرت الاحتجاجات عامل المدينة على التدخل بسرعة وإلقاء كلمة وسط المحتجين أعلن فيها عن بعض الإجراءات لامتصاص غضب الجماهير وتطويق الوضع، إذ أكد أنه قرر إيقاف مندوب الصيد البحري بالمدينة وإجراء بحث “شفاف ونزيه في وفاة الشاب تحت إشراف النيابة العامة”، و”أن السلطات ستتابع الوضع أولا بأول”. على نفس النغمة أنشد الوكيل العام للملك والذي أضاف أن “القانون سيأخذ مجراه في القضية”.
لكن الجماهير خبرت بتجربتها الطويلة زيف الوعود ولجان التحقيق المزعومة والتي الهدف منها دائما هو طمس الجرائم وامتصاص الغضب، مثلما حدث مع جريمة قتل خمسة شباب من حركة 20 فبراير وحرقهم بطريقة بشعة، دون أن يقدم أي أحد إلى المحاكمة، فلم تنطل عليها الحيلة وواصلت النضال، وما تزال، مطالبة بالحقيقة والمحاسبة.
لقد أدى الرعب إلى إجبار الملك نفسه على الدخول على الخط، حيث أرسل على عجل وزير داخليته محمد حصاد، والوزير المنتدب في الداخلية الشرقي الضريس، إلى المدينة، ليقوما “بتقديم العزاء لأسرة محسن فكري” حسب البلاغات الرسمية، بينما كان الهدف الحقيقي هو ممارسة الضغوط على أسرة الشهيد وتهديدها وتحميلها المسؤولية عن أي انفلات قد يحدث بسبب الاحتجاجات، كما أكد ابن خالة محسن فكري.
وصرح وزير الداخلية أن “الداعيين للاحتجاجات معروفين لدى أجهزته”. بينما أصدر عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة والأمين العام حزب العدالة والتنمية الإسلامي، توجيها لقواعده الحزبية يأمرهم بعدم المشاركة في الاحتجاجات. وبطريقة استفزازية قال في تصريح له إن: «القضية بالنسبة إليّ بسيطة، فهذا حدث مؤسف وقع، والدولة تحركت لنعرف الحقيقة» وأن الاحتجاجات التي دعا لها عدد من المغاربة تضامنا مع بائع السمك «لا معنى لها».
استمرار الاحتجاجات وتطورها أدى بالدولة إلى تغيير تكتيكها، حيث لجأت إلى التهديد بخطر “الفتنة” و”الحرب الأهلية” وذلك عبر وسائل الإعلام الرسمية والمواقع الالكترونية، بل وحتى عبر رسائل نصية عبر تطبيق الواتساب وغيرها من الوسائل، تضمنت التأكيد على أن استمرار هذه الاحتجاجات سيؤدي إلى الفتنة.
خطباء المساجد بدورهم لم يقفوا بعيدا عن الجوقة، فقد تم تخصيص خطب يوم الجمعة 04 نونبر 2016 لذكرى “المسيرة الخضراء” وتحذير المصلين من مخاطر الفتنة، ما أدى إلى إثارة سخط العديد من المصلين، مثلما حدث في مسجد بمدينة بني ملال حيث قاطع أحد المصلين الخطيب مباشرة بعدما دعا في خطبته إلى عدم الاحتجاج و وصف الاحتجاجات بالفتنة، فقاطعه قائلا: «حسبي الله ونعم الوكيل، لفقيه بغا اقول لكم اعتصموا بحبل الفساد جميعا ولا تفرقوا … لي بغا الفتنة هو لي طحن خونا مغربي في شاحنة الازبال». مما يعكس عمق الانقسام ودرجة الوعي والغضب بين صفوف الجماهير.
يكشف التهديد بالفتنة عن طبيعة الطبقة السائدة والنظام القائم الدكتاتورية الدموية الإجرامية: «إما أن تصمتوا وتقبلوا بالذل والسحق والاستغلال والتقشف وكل الهجمات الأخرى، وإما الفتنة والحرب الأهلية. لا مجال لأي حل آخر، أما أن تفكروا في العيش بكرامة والتخلص من الاستغلال والحكرة، فهذا مستحيل ولا يمكن السماح به».
إلا أن هذا التهديد لم يخف الجماهير التي واصلت الخروج في مسيرات بعشرات الآلاف من المتظاهرين دون أن تكسر نافذة ولا يجرح طفل ولا تتعرض امرأة للتحرش أو أي كان لأي اعتداء، مما يعطي الدليل للمرة الألف أن الفتنة والعنف يأتي دائما من جانب النظام وقواته القمعية وبلطجيته وليس من جانب العمال والشباب.
ومما زاد في إثارة رعب الطبقة السائدة، رفع العديد من المتظاهرين لعلم جمهورية عبد الكريم الخطابي. لقد عاد شبح الثورة الريفية ضد الاستعمار وعملائه العلويين إلى الحياة على يد أحفاد مولاي محند.
إن رفع راية الجمهورية على يد هؤلاء الشباب ممارسة تقدمية نؤيدها نحن الماركسيون من كل قلوبنا ولا نرى فيها أية نزعة شوفينية، كما يزعم البعض. إنها راية ترمز للنضال ضد الاستعمار والنظام العميل الذي وقع معه “معاهدة الحماية” وتعاون معه على استعمار المغرب واستغلاله. إنها راية ترمز إلى الرغبة في التحرر من الاضطهاد والرغبة في التغيير والثورة. يشرفنا أن ننتمي إلى ذلك التراث التقدمي ونشكل الاستمرارية النوعية له، من خلال إعطاءه الشعار الوحيد الذي يجعله ممكنا: شعار النضال من أجل الاشتراكية.
فلتسقط كل محاولات تجريم تعاطف الشباب مع التقاليد المشرقة لنضال شعبنا، والقادة العظام لنضاله من أجل الحرية ولتسقط راية الجنرال ليوطي ونظامه ولتحيا راية الثورة.
يا أيها الشباب الثائر إن الثأر لمقتل الشهيد محسن فكري ومحاسبة نظام القتلة يتطلب أكثر من التظاهر والشعارات في الشوارع، إنه يقتضي الانخراط في بناء أدوات النضال الثوري، أي الحزب الماركسي الذي يمكنه أن يقود تلك النضالات نحو إسقاط نظام الحكرة والاستغلال والسحق. كما أن تبني التقاليد الثورية يقتضي عدم الاكتفاء بالتماهي مع معركة أنوال وملاحم النضال الثوري ضد الاستعمار في كل ربوع المغرب، بل يقتضي الانخراط في صنع الثورة للجيل الحالي ضد نظام الاستعمار الجديد وعملائه الآن هنا.
فإن كنت تتفق معنا التحق بنا، نحن مناضلو رابطة العمل الشيوعي، نحن أنصار جريدة الثورة، الفرع المغربي للتيار الماركسي الأممي، في نضالنا من أجل بناء القيادة الثورية وتحقيق مغرب المساواة والعدالة والكرامة، المغرب الاشتراكي.
هوامش:
* حرفيا اسحق دين أمه