رابطة العمل الشيوعي
الخميس: 10 نونبر 2016
لقد مرت حتى الآن أزيد من عشرة أيام على جريمة سحق رجل السلطة للشاب محسن فكري. عشرة أيام من المظاهرات الحاشدة التي شملت ربوع البلد وانتقلت إلى تونس وبلدان أوربية عديدة. ورغم الوعود بفتح التحقيق وتشكيل اللجان ورغم التهديدات الإجرامية بإشعال الفتنة والخراب التي أطلقتها وسائل إعلام النظام الدكتاتوري وأبواقه المأجورة، فإن الاحتجاجات تواصلت وما تزال.
كانت فترة الهدوء النسبي التي تلت تراجع حراك عشرين فبراير قد أصابت البعض باليأس والقنوط، كما أثارت عند الطبقة السائدة وممثليها الابتهاج والثقة في النفس. بينما استمرينا نحن الماركسيون نؤكد أن كل عوامل الانفجار قائمة وأنه عاجلا أو آجلا ستعود عواصف الصراع الطبقي لتهب في شوارعنا وجامعاتنا ومعاملنا وأحياءنا الفقيرة وقرانا المهمشة. قلنا أن الضرورة ستعبر عن نفسها من خلال مصادفة ما*، وها هو النهوض الحالي يؤكد ما قلناه.
عشرات الآلاف من الشباب والعمال والكادحين (نساء ورجالا) خرجوا إلى الشوارع، تحدوا القمع وطالبوا بالكرامة ومحاسبة القتلة ووقف الحكرة وإسقاط الاستبداد، بينما وقف جهاز القمع مشلولا عاجزا. ما الذي يمكن للمرء أن يطلبه أكثر من الجماهير والشباب الكادح؟ النضال؟ الكفاحية؟ التضحية؟ ليس هناك ما يمكن أن يطلبه أكثر، فالجماهير كتبت فعلا ملاحم تاريخية خلال السنوات الأخيرة، وها هم الجماهير والشباب قد عادوا مجددا للنضال على خلفية قتل الشاب محسن فكري.
نقطة قوة الحركة هو عفويتها، فقد خرج الشباب بشكل عفوي تدفعهم مشاعر التضامن الطبقي والإنساني النبيل مع شهيد الحكرة، والغضب ضد جهاز القمع الذي لا يتوقف عن سحق كرامة أبناء الشعب وأجسادهم في كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة وفي كل ربوع البلد.
عفويتها جعلتها بدون رأس يمكن للنظام قطعه أو المساومة معه لوقف الحراك. كما جعلته عاجزا عن توقع تحركاتها وحدودها واحتمالات تطورها… وهذا سبب آخر من أسباب رعب الدولة.
لكن، وللمفارقة الجدلية، تمثل العفوية في نفس الآن نقطة ضعف الحركة. فالحركة بعفويتها وبدون قيادة حازمة ببرنامج علمي وتكتيكات صحيحة، محكومة باستنزاف قواها والتلاشي تدريجيا أمام القمع والمناورات وغياب الأفق والمكاسب الملموسة. طبعا لن تضيع دروسها، لكنها محكومة بتكرار سيناريو حركة عشرين فبراير وغيرها من الانتفاضات والتحركات التي شهدها الصراع الطبقي بالمغرب طيلة عقود.
إن النظام الآن يراهن على ترك الحركة تكرر نفسها وأشكالها الاحتجاجية وتتعب من تلقاء نفسها، قبل أن يتدخل لتفريق شملها. إنه الآن يراهن على عامل الزمن وواقع أن الجماهير لا يمكنها أن تبقى إلى الأبد في الشوارع والوقفات والمسيرات بدون أفق ولا مكاسب ملموسة. إنه يقف على الهامش يراقب وبمجرد ما ستبدأ الجماهير في الانسحاب من الشوارع وتنعزل الطليعة المكافحة لوحدها في وقفات معزولة سينقض عليها بقمع انتقائي يستهدف أكثر الشباب كفاحية لقمعها بشكل نهائي.
هذا فقط هو السيناريو الأكثر احتمالا، لكن يمكن للأحداث أن تسير في مسار أكثر تصعيدا فيتخذ الحراك طابعا ثوريا أكثر عمقا وامتدادا وكفاحية. لكن حتى في ظل مثل ذلك الوضع ستكون العفوية نقطة ضعف قاتلة. إذ بدون قيادة ثورية توضح للجماهير، وعلى رأسها الطبقة العاملة، طريق التغيير الثوري وحسم الصراع لصالحهم، ستتمكن الطبقة السائدة ودولتها، بالتعاون مع حلفائها في المنطقة وأسيادها الإمبرياليين، من إطالة أمد الأزمة وربما إلحاق الهزيمة الساحقة بالحركة.
إن تطوير الحراك اليوم يحتاج إلى رفع الشعارات المناسبة وتطبيق تكتيكات صحيحة، يحتاج إلى رفع شعار لا للإفلات من العقاب. يجب محاكمة كل المسؤولين عن مقتل الشهيد محسن فكري، بدءا من ذلك المجرم الذي أعطى الأمر بسحق الشهيد وذلك الذي نفذ الأمر.
لكن يجب أيضا محاكمة وزير الداخلية ورئيس الحكومة باعتبارهما المسؤولين السياسيين عن كل ما يقوم به أعوان الجهاز الذي يشرفون عليه. كما يجب أن يحاكم كذلك رئيس الدولة باعتباره الحاكم الفعلي، والذي تتبع له كل الأجهزة القمعية من المقدمية إلى القياد إلى العمال والولاة الخ.
يجب النضال من أجل تحقيق نزيه ومحاكمة ومحاسبة المسؤولين عن الجريمة. لكن هذه المطالب ستبقى بدون مضمون فعلي بدون آليات وإجراءات ملموسة لتنفيذها على أرض الواقع. لذلك فإنه لضمان التحقيق النزيه يجب ألا نثق في لجان وزارة الداخلية، يجب أن يتم تشكيل لجان التحقيق من ممثلي المتظاهرين ينتخبون بشكل ديمقراطي، وتقدم لهم الداخلية، والدولة عموما، كل التسهيلات للقيام بعملهم، والقدرة على الوصول إلى المعلومة والاستماع إلى كل المتهمين والمشتبه فيهم والشهود، الخ. ولضمان المحاكمة العادلة والمحاسبة يجب ألا تتم على يد نفس القضاة الفاسدين، قضاة النظام الدكتاتوري نفسه، فهؤلاء القضاة لم يتم تكوينهم وتعيينهم في مناصبهم لكي يقوموا في يوم ما بمحاكمة أسيادهم. لا بد من محاكمة شعبية يشرف عليها ممثلون منتخبون ديمقراطيا من طرف الجماهير الشعبية.
لو توفرت في الحسيمة، خلال الأيام الماضية، منظمة ماركسية ولو من بضعة مئات، ببرنامج ثوري وتكتيكات صحيحة، لكان من الممكن لها أن تتحول إلى قوة سياسية جبارة ولكانت قد تمكنت من إرشاد الجماهير إلى كيفية أخذ مصيرهم بأيديهم من خلال انتخاب مجالس شعبية في الأحياء العمالية وأماكن العمل. ولكانت الحسيمة عادت مرة أخرى مهدا للثورة.
لو تشكلت مثل تلك المجالس الشعبية واستولت على السلطة ووضعتها في يد الجماهير المنظمة، ولو لأيام قليلة فقط، وحتى لو تعرضت للقمع بعد ذلك، لكانت ستقدم للشعب المغربي والمنطقة المغاربية والعالم بأسره مثالا يحتذى في النضال ضد الرأسمالية، مثلما قدمت الثورة الريفية، في بدايات القرن الماضي، المثال في النضال ضد الاستعمار.
الإصلاحيون وضيقو الأفق سيقولون إن العقلانية تقتضي وضع الثقة في لجان وزارة الداخلية (أو لجان برلمانية في أحسن الأحوال) وقضاة جلالته وقوانينه. لكن الجميع يعلم، ما عدا هؤلاء الأغبياء الجبناء، أن اللجان التي سيشكلونها لن تكون ذات جدوى ولن تعمل سوى على إلهاء الجماهير وخداعها.
وسيعتبرون أن المطالبة باللجان المنتخبة والمحاكمة الشعبية إجراءات غير ممكنة التحقيق. لكن دعونا ننظر إلى الواقع كما هو وليس كما يريد هؤلاء الجبناء الإصلاحيون ضيقو الأفق أن يصوروه: لقد تمكنت جماهير الحسيمة في الأيام الأخيرة من احتلال الشوارع وتطهيرها من كل تواجد للبوليس. لفترة من الزمن لم تعد للدولة البرجوازية سلطة على الشوارع، وكانت السلطة الفعلية بين يد المتظاهرين الغاضبين الواثقين في أنفسهم. ما الذي كان يمنع هؤلاء الشباب والعمال وعموم الكادحين من أن يأخذوا المبادرة بأيديهم ويجسدوا سلطتهم بإجراءات عملية مباشرة من قبيل انتخاب مجالس لتسيير شؤون المدينة وحماية الأمن وتشكيل محكمة شعبية، الخ؟ لم يمنعهم سوى غياب التنظيم والبرنامج الثوري.
سيصيح هؤلاء الجبناء قائلين: “سلطة الشعب؟ يا للهول! الفتنة!”، لكن تاريخ المنطقة نفسها، تاريخ الريف نفسه، وخاصة تاريخ الثورة الريفية المجيدة، كان بالضبط تجسيدا لسلطة الشعب (في إطار القبيلة) الذي ينتخب ممثليه لمجلس الجماعة بدون تدخل من دولة أعوان الاستعمار في الرباط. علينا الآن فقط أن نمارس تلك الديمقراطية لكن من نقطة أعلى وعلى أساس برنامج اشتراكي.
إن كل شاب يشارك بجدية في الحراك الحالي ويريد له أن يحقق أهدافه لا بد أن يكون قد واجه سؤال الأفق الممكن لهذا الحراك، وخطر تبدد كل هذه التضحيات هباء، وضياع دماء محسن فكري بدون ثأر. لهؤلاء الشباب نقول إن الضمانة الوحيدة لكي لا تتبدد تلك التضحيات، مثلما سبق لأخرى أن تبددت، هي بناء القيادة الثورية.
وفي هذا السياق نحيي، نحن الماركسيون، أنصار جريدة الثورة، ونؤيد تلك الدعوات التي أطلقها الشباب المتظاهرون إلى وضع برنامج مطالب اقتصادية وسياسية للحراك، تنطلق من أشد مطالب الجماهير الشعبية والشباب إلحاحا، من تعليم وصحة وتشغيل وبنية تحتية وديمقراطية، الخ. وندعوهم إلى تنظيم صفوفهم في مجالس منتخبة ديمقراطيا في أماكن العمل والأحياء والثانويات والجامعات.
لهؤلاء الشباب نقول لم تعد مسألة ضرورة القيادة الثورية، أي الحزب الماركسي ببرنامج اشتراكي ثوري ومنظور أممي، نقاشا نظريا مجردا، بل هي حاجة ملحة آنية وراهنية جدا جدا. خلال السنوات الخمس الأخيرة كان في مقدور الطبقة العاملة المغربية وعموم الكادحين أن ينجحوا ليس ثورة واحدة فقط، بل عدة ثورات. لكن كل تلك التضحيات والكفاحية ضاعت هباء. والسبب هو غياب القيادة الثورية.
لو توفرت القيادة الثورية المنغرسة بين صفوف الجماهير، أثناء حراك عشرين فبراير لكان من الممكن للطبقة العاملة أن تحسم السلطة السياسية والاقتصادية لصالحها وتقضي على الطبقة الرأسمالية السائدة ونظامها، نظام الاستغلال والدكتاتورية الهمجي. لكن هذا بالذات ما كان مفتقدا وما يزال كذاك، وهذه هي مهمتنا أيها الشباب الثوري.
علينا أن نشرع في بناء تلك القيادة، فمهمة بناءها ليست “مهمة الآخرين” ولا هي مهمة ستنجز من تلقاء نفسها دون عمل صبور لكسب أفضل الطلائع الشبابية الثورية وتنظيمها وتكوينها على أساس الماركسية والبرنامج الاشتراكي ، أي دون ذلك العمل الذي كان لينين يطلق عليه اسم: “العمل الطويل الصعب الممل” لبناء الكوادر الثورية وتثقيفها بالمنظور الاشتراكي والانغراس في صفوف العمال والفلاحين الفقراء والشباب الثوري.
هذه هي المهمة التي وضعناها على كاهلنا نحن أنصار جريدة الثورة، رابطة العمل الشيوعي، الفرع المغربي للتيار الماركسي الأممي. فإن كنتم تتفقون معنا التحقوا بنا في هذا النضال من أجل هذا الهدف، الذي هو الهدف الوحيد الذي يستحق أن يعيش المرء من أجله ويضحي من أجله ويموت من أجله.
هوامش:
*: انظر على سبيل المثال وثيقة منظورات المغرب المصادق عليها في مؤتمرنا الوطني الأخير.