رابطة العمل الشيوعي
الاثنين: 12 دجنبر 2016
سبق لنا أن قلنا في مقال سابق أننا نحن الماركسيون “لا نولي أهمية حاسمة لتوالي الحكومات، خاصة عندما يتعلق الأمر بأنظمة ليست الحكومات فيها سوى واجهة شكلية بدون صلاحيات”، إلا أنه يتوجب علينا أن نقدم قراءة لتعذر تشكيل الحكومة بعد مرور أزيد من شهرين على الانتخابات التشريعية، التي جرت يوم 07 شتنبر 2016، وهو ما يعكس مناورات الطبقة السائدة وممثليها السياسيين من أجل اقتسام الكعكة.
مناورات تشكيل الحكومة
بعد ثلاث أيام من إجراء الانتخابات كلف الملك، رئيس الحكومة المنتهية ولايته عبد الإله بنكيران، بتشكيل الحكومة بعد أن تصدر حزبه (العدالة والتنمية) هذه الانتخابات بـ 125 مقعد من أصل 395 مقعد، لتستمر المناورات السياسية التي كانت قد انطلقت أثناء الحملة الانتخابية من أجل إضعاف حزب العدالة والتنمية، من خلال نشر أخبار الفضائح الجنسية والمالية التي تورط فيها العديد من قادته، وتنظيم مسيرة “ضد أخونة الدولة” في البيضاء، بل وحتى مشاركة أعوان السلطة فعليا في الدعاية ضده لصالح حزب الأصالة والمعاصرة، خاصة في البوادي.
سرعان ما ابدي إسلاميي العدالة والتنمية فرحتهم بالنصر الذي حققوه هم وحلفاءهم في الحكومة المنتهية ولايتها حيث حصلوا جميعا على 201 مقعد من أصل 395 مما يمنح لهم فرصة أكبر في تشكيل الحكومة، وموقعا مريحا للإسلاميين في هذه الحكومة نظرا لتراجع مقاعد حلفائها وارتفاع مقاعدها، إلا أن العدالة والتنمية قرر أن يعزز صفوفه بالتحالف مع حزب الاستقلال (46 مقعد) ليكون له إمكانية تمرير مختلف القوانين بالبرلمان التي تتطلب تصويتا اكبر من الأغلبية النسبية.
سرعان ما أعلن حزب الاستقلال وحزب التقدم والاشتراكية عن التحاقهما بالحكومة، وهو الشيء الذي رد عليه حزب التجمع الوطني للأحرار (الشريك القوي في الحكومة السابقة) بالتحالف مع أحزاب الحركة الشعبية والاتحاد الدستوري ليتفاوضوا من موقع قوة مع رئيس الحكومة باعتبار توفرهما على 83 مقعد مشترطين إبعاد حزب الاستقلال من الحكومة.
لم يكتف حزب الأحرار بهذا بل انخرط أمينه العام في جولات الملك في الدول الإفريقية فلم يجد حزب العدالة والتنمية من يحاوره بهذا الخصوص، وظهر بنكيران منتصف نونبر وهو يتحدث عن مؤامرة تحاك ضد حزبه؛ ويدين ما وصفه بـ “الانقلاب” و”عرقلة” مسار تشكيل الحكومة فيما بدا وكأنه اعتراف صريح بوصول المشاورات إلى طريق مسدود واتهام للأحزاب المقربة من القصر الملكي بالتورط في إعاقة مسار تشكيل الحكومة.
ماذا يعني هذا؟
لقد عرف المغرب حالة مشابهة سنة 2013 حيث ظل البلد 82 يوما بدون حكومة. وقلنا في مقال على اثر تشكيل حكومة جديدة أنه بالرغم من مرور كل هذا الوقت فإن البلد “تسير مثلما كانت دائما تسير، لا شيء تغير ولا شيء تأثر، فماذا يعني هذا؟ إنه يعني بكل بساطة أن كل هؤلاء السادة والسيدات مجرد طفيليات يستنزفون ثروات الشعب المغربي دون أن يكون لهم أي دور” وهذا ما ينطبق حتى على الحكومات البرجوازية الديمقراطية، حيث أن مركز القرار الحقيقي ليس في يد الحكومة أو الوزراء، ولا هو في يد البرلمان، إنه موجود في مجالس إدارة كبريات الشركات الاحتكارية والأبناك، وقيادات الجيش.
أما في المغرب حيث تمارس الطبقة السائدة حكمها بوقاحة أكبر، عن طريق تركيز السلطات في يد الحاكم الفردي المطلق، فإن الحكومات جميعها ليست سوى أدوات لتأثيث المشهد بينما القرارات الحقيقية في يد القصر. إلا أن القصر يختار بعناية الواجهة والأداة التي يفضل أن يؤثث بها المشهد.
فبعدما أدت العدالة والتنمية مهاما بشكل جيد، على اثر موجة ثورات ما يعرف بالربيع العربي، حيث كلف بتشكيل الحكومة وهو مصحوب بالكثير من الأماني المعسولة والوعود الخلابة. باعتباره “الحزب المعارض”، وترأس أول حكومة تأتي على اثر بعض التنازلات التي قدمها القصر من خلال تعديلات طفيفة على الدستور، وبعض الزيادات في أجور الموظفين.
لكن ومع تراجع موجة الثورات آن الأوان لعودة جميع الدجاجات إلى الخم لكي تضع بيضها.
الملك يسود ويحكم
تعالت العديد من الأصوات التي نادت خلال حراك 20 فبراير تطالب بالملكية البرلمانية، حيث يسود الملك ولا يحكم، وتحييد المؤسسة الملكية من الصراع السياسي، وقد كان موقفنا واضحا حينئذ حيث اعتبرنا أن الملكية في المغرب ليست مجرد جهاز يسود ويحكم يمكن أن نحوله إلى يسود دون أن يحكم، إنه قوة اقتصادية تسيطر على أغلبية المناجم وأغلبية الرأسمال المالي وأغلبية الأراضي الخصبة الخ، وبالتالي فإن تحويلها إلى مجرد سلطة شكلية تبقى فكرة خيالية إذا لم يتم مصادرة أملاكها ووضعها تحت الرقابة الديمقراطية للشعب. ولكي يتم هذا لا بد من موازين قوى أخرى إن تحققت فلن يبق السقف هو الملكية وإن لم تتوفر فإن سقف الملكية البرلمانية سيكون عاليا جدا… أي أنها في كلتا الحالتين مستحيلة.
وهو ما تحقق تقريبا فعدم تطور الحراك وفتوره أدى إلى أن يصبح سقف الملكية البرلمانية عاليا جدا، حيث بمجرد أن مالت الكفة لصالح النظام بدأ يتراجع على كل التنازلات الصغيرة التي منحها خلال حراك 20 فبراير، سواء في تلك الزيادات الطفيفة التي حققها الموظفون، أو الإجراءات الشكلية التي منحت بواسطة دستور 2011 لرئيس الحكومة، حيث عاد الملك للاحتكار الفج لكل السلطات، وعدم احتكار الشكليات التي منحها في 2011.
آفاق الحكومة المقبلة
يعتبر كثير من أتباع حزب العدالة والتنمية أن سبب نهج حكومتهم لسياسة تقشفية معادية للجماهير، بكون “التحكم” و”الدولة العميقة” تقيد “برامجهم” الإصلاحية، وكذا يتبعهم في نفس الموال بعض “الديمقراطيين جدا” بكون حزب الأصالة والمعاصرة حزب الدولة، وهو يمثل التحكم، والدليل هو الدعاية ضد العدالة والتنمية خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة لصالح حزب الأصالة والمعاصرة، خاصة في البوادي.
لكن ما لا يقوله هؤلاء السادة هو أن حزب العدالة والتنمية ليس بدوره سوى مسخ خرج من دواليب القصر ووزارة الداخلية. إنه حزب الدولة بامتياز. إن الأب الروحي للحزب ومؤسسه الفعلي (بتوصية من الحسن الثاني وإدريس البصري) هو عبد الكريم الخطيب، الذي احتضن فصيلا من الإسلاميين (حركة الإصلاح والتجديد ورابطة المستقبل الإسلامي) في حزبه الصغير الهامشي “الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية”، وبالتالي فحزب العدالة والتنمية ليس بدوره سوى حزب للقصر، وما يهمنا نحن أكثر هو كونه حزب برجوازي رجعي، مهمته الدفاع عن مصالح الرأسماليين الكبار والطغمة الحاكمة. ويطبق سياسات معادية للطبقة العاملة على جميع المستويات. كما سيواصل السير في نفس طريق العمالة للامبريالية.
لقد قامت الحكومة السابقة التي ترأسها حزب العدالة والتنمية بتطبيق حزمة من السياسات التقشفية الصارمة: الرفع من الأسعار وتجميد الأجور، ضرب صندوق المقاصة، ضرب مجانية التعليم، تقييد حق التوظيف، ويستعد للقيام بإجراءات أخرى أكثر شؤما، في حالة تمكنه من تشكيل الحكومة.
ورغم القيود والعراقيل التي تقوم بها الأحزاب المنافسة من أجل عرقلة العدالة والتنمية من تشكيل الحكومة، فليس الهدف منها هو معارضة البرنامج التقشفي للحكومة، إنما هو تنافس على اقتسام الكعكة بين وصوليي أحزاب النظام.
وكيفما كانت الحكومة فإنها ستطبق برنامجا اقتصاديا مفروضا من طرف صندوق النقد الدولي، ستكون حكومة متحكم فيها بشدة من قبل القصر وكبار رجال الأعمال والمصرفيين لتنفيذ سياسة تخدم مصالحهم. المحاور الأساسية لهذه السياسة هي الحفاظ على العمل الهش وتجميد الأجور وفرض الاقتطاعات وتقليص الإنفاق الاجتماعي؛ وفرض تشريعات رجعية للحد من الحقوق الديمقراطية لاحتواء الاحتجاجات الاجتماعية.
إلا أن النظام خلالها لن يكون له “معارضة برلمانية” ذات قاعدة اجتماعية، فإذا استثنينا حزب العدالة والتنمية، فكل الأحزاب لا تمتلك قاعدة، واعتمدت على “الأعيان” للوصول إلى البرلمان، ولن تتمكن فيدرالية اليسار من لعب دور معارضة حقيقية نظرا لضيق أفقها الإصلاحي، واعتمادها على خطاب نخبوي لا يلامس اهتمامات ومطالب الطبقة العاملة، وغياب برنامج اشتراكي يمكنها من الوقوف في وجهه سياسة التقشف.
ماذا بعد؟
استمرار تطبيق سياسة تقشفية معادية للجماهير، وعدم وجود معارضة متحكم فيها تستطيع أن تلعب صمام الأمان، تجعل الظروف مواتية لصعود حركة احتجاجية قوية، وسترد الطبقة العاملة وعموم الكادحين، من طلاب وفلاحين فقراء وعاطلين، بقوة سواء بواسطة ومن خلال أجهزتها التقليدية من نقابات وإطارات أو من خارجها في إطار تنسيقيات تتكاثر بتكاثر الفئات المستهدفة من طرف الحكومة.
لكن كل هذه النضالات التي ستتفجر مستقبلا ستضل بدون نتيجة مثل بخار بدون مكثف، وذلك لغياب حزب ثوري يوحد نضالات الطبقة العاملة وعموم الكادحين في هجوم موحد عارم يكون قادرا ليس فقط على إسقاط نظام الطفيليات ومصاصي دماء البشر، بل أيضا على تطهير البلد من كل فقر وكل اضطهاد وكل تخلف. لكن هذا بالضبط هو ما ينقص وهذا بالضبط ما يجب على العمال الطليعيين والشباب الثوري أن يركزوا على بناءه.
إن كنت تتفق وتتفقين مع أفكارنا التحق والتحقي بنا في النضال من أجل بناء تلك القيادة، التحقوا بنا في رابطة العمل الشيوعي، الفرع المغربي للتيار الماركسي الأممي.