رابطة العمل الشيوعي
الخميس: 15 دجنبر 2016
في نهاية الأسبوع السابق، 10 دجنبر 2016، كانت الحسيمة محطة لواحدة من أكبر المظاهرات الشعبية التي شهدها المغرب منذ حراك 20 فبراير، إذ عرفت شوارعها تظاهر عشرات الآلاف من المحتجين، الذين قدموا من مختلف مناطق المغرب، وخاصة من المدن والبلدات والقرى المجاورة، لتخليد الذكرى الأربعينية لاغتيال الشاب محسن فكري، يوم 28 أكتوبر 2016، مسحوقا في حاوية للأزبال، أو ما صار يعرف بقضية “طحن دين مو”.
ردد المتظاهرون شعارات قوية ضد “الحكرة” والاستغلال والدكتاتورية والتهميش، وفي مقدمتها شعار الثورتين المصرية والتونسية وحراك عشرين فبراير: “كرامة، حرية، عدالة اجتماعية”، وطالبوا بمحاسبة المسؤولين عن قتل الشاب محسن، معتبرين أن النظام كله هو المسؤول عن الجريمة وليس فقط المنفذين المباشرين للجريمة.
إبداعات المتظاهرين كانت بلا حدود حيث رفع طفل لافتة كتب عليها، بالانجليزية: “مرحبا كوب 22، نحن نحمي البيئة لكننا نسحق البشر”، كما رسم الشباب لوحة بيكاسو “غرنيكا” التي تجسد المعاناة والاضطهاد، والتي أثارت رمزيتها رعب السلطات التي طالبت بإزالتها من الساحة (ساحة الأحرار.
التطور المثير للاهتمام الذي شهدته الحركة هو تبنيها لطرق نضال كفاحية نوعية، فبالإضافة إلى التظاهر والمسيرات، انتقلت الحركة إلى أسلوب الإضراب العام! لقد أغلقت كل الدكاكين والمحلات أبوابها تضامنا واحتجاجا ودعما لمطالب الحركة. وعمل سائقو سيارات الأجرة على نقل الوافدين من نواحي الحسيمة بالمجان للوصول إلى ساحة الأحرار.
حراك شعبي أم فتنة؟
بمجرد ما انطلقت الحركة، مباشرة بعد سحق الشاب محسن فكري، وصولا إلى تخليد الذكرى الأربعينية، تجندت وسائل إعلام النظام وكتائبه الالكترونية ومساجده، الخ لشن حملة ترهيب واسعة النطاق برفع شعار “التحذير من الفتنة”، “إما أن تصمتوا وإما ستكون هناك فتنة، ويتحول المغرب إلى سوريا”، الخ.
لكن كل تلك التهديدات الإجرامية لم تؤد إلى إخافة الجماهير ومنعها من النضال. قدر منظمو الذكرى الأربعينية، والعديد من شهود العيان، عدد المتظاهرين بما بين 60 ألف و80 ألف متظاهر. وقد كان هذا العدد ليكون أكبر بكثير لولا مختلف العراقيل التي قامت بها أجهزة الدولة لمنع التحاق المزيد من المتظاهرين، سواء بالمنع المباشر لبعض المتظاهرين أو بواسطة أبواقها الإعلامية بنشر الإشاعات ضد الحراك وترهيب الناس. والجدير بالذكر أن المئات من سكان قرية آيت عبد الله قطعوا أكثر من 35 كيلومتر، مشيا على الأقدام، للالتحاق بالمحطة النضالية.
ولم تكن المرأة المغربية الكادحة بعيدة عن هذا الحراك. فقد شكلت النساء حوالي ثلث المتظاهرين، وهو الرقم الذي يعتبر ضخما جدا بالنظر إلى مختلف الصعوبات والإكراهات التي تواجهها النساء وتمنعهن من المشاركة.
يا له من تضامن شعبي رائع! يا لها من ملحمة عظيمة أخرى تسطرها الجماهير! آلاف المحتجين يطهرون شوارع الحسيمة من تواجد النظام وقواته القمعية ويفرضون عليه الاختباء. ورغم ذلك لم تحدث أية حالة عنف ضد الأشخاص أو الممتلكات، ولم يصب أحد ولو بخدش. كان الشباب هم من ينظمون ويشرفون على الأمن. فلتخرس إذن كل الألسنة التي ترفع شعار الفتنة وخطر الخراب والبلطجة كلما نهضت الجماهير إلى النضال. إن الخراب الحقيقي هو الذي تتسبب فيه الطبقة الحاكمة ودولتها. وسبب الفتنة هو النظام الدكتاتوري القائم.
راية الثورة عوض راية ليوطي
قال مناضل ماركسي، مشارك في الحراك: «لم يرفع أحد راية ليوطي*، الرايات التي رفعت هي فقط راية الأمازيغية وراية الجمهورية الريفية، إضافة إلى صور تشي غيفارا». إن هذا تطور نوعي، فراية الجمهورية الريفية تحمل بالنسبة للجيل الجديد من الشباب رمزية النضال ضد الاستعمار وأعوانه. وهو ما سبق لنا أن قلنا بصدده في مقال سابق:
«ومما زاد في إثارة رعب الطبقة السائدة، رفع العديد من المتظاهرين لعلم جمهورية عبد الكريم الخطابي. لقد عاد شبح الثورة الريفية ضد الاستعمار وعملائه العلويين إلى الحياة على يد أحفاد مولاي محند.
إن رفع راية الجمهورية على يد هؤلاء الشباب ممارسة تقدمية نؤيدها نحن الماركسيون من كل قلوبنا ولا نرى فيها أية نزعة شوفينية، كما يزعم البعض. إنها راية ترمز للنضال ضد الاستعمار والنظام العميل الذي وقّع معه “معاهدة الحماية” وتعاون معه على استعمار المغرب واستغلاله. إنها راية ترمز إلى الرغبة في التحرر من الاضطهاد والرغبة في التغيير والثورة. يشرفنا أن ننتمي إلى ذلك التراث التقدمي ونشكل الاستمرارية النوعية له، من خلال إعطاءه الشعار الوحيد الذي يجعله ممكنا: شعار النضال من أجل الاشتراكية.
فلتسقط كل محاولات تجريم تعاطف الشباب مع التقاليد المشرقة لنضال شعبنا، والقادة العظام لنضاله من أجل الحرية ولتسقط راية الجنرال ليوطي ونظامه ولتحيا راية الثورة».
صمت الإعلام
لعل أبرز ما يمكن تسجيله هو أن حركة بمثل هذه القوة والعمق لم تجد طريقها إلى وسائل الإعلام، لا الرسمية منها ولا التي تسمي نفسها مستقلة، ما عدا بعض المواقع الالكترونية القليلة التي يشرف عليها نشطاء من الحركة.
قد يستغرب البعض لهذا الوضع، كيف لحراك بهذا الحجم أن يبقى بدون تغطية! لكن العجب يبطل بمجرد ما نتذكر مضامين تسريبات الحساب الالكتروني الذي سمي “كريس كولمان”، الذي فضح كيف كان جهاز لادجيد (مديرية التوثيق والمستندات)، ومديره ياسين منصوري، يوجه الأوامر الصريحة للصحفيين بما يجب عليهم أن يكتبوه ومتى وكيف، عندما كان يتعلق الأمر بحراك عشرين فبراير وبعض الفضائح التي تمس القصر مباشرة الخ، مقابل حفنة من الأموال. لا بد أن صمت إعلام العهر أمام أخبار هذا الحراك الرائع وراءه أوامر وتوجيهات “زدي ياسين” وحفنة من دراهم العار. ليس هناك من تفسير آخر.
لكن هذا التعتيم لوحده دليل على قوة الحركة ومدى الرعب الذي سببته للنظام القائم. إنه يعلم بعجزه عن إخمادها بالقمع، ولا يريد أن يدخل معها، في الوقت الحالي، في مواجهة قد تؤدي إلى المزيد من امتدادها وتجذرها، لذا فهو يعمل على إحكام الحصار الإعلامي عليها.
فلنكن نحن الإعلام البديل، فلنعمل على تشكيل لجان للإعلام والتواصل، من بين صفوف نفس الشباب المشاركين في الحراك، تكتب التقارير عن أخبار الحراك ومطالبه وتكسر جدا الصمت بالحقيقة والكلمة الحرة. وفي هذا الصدد إعلامنا نحن الماركسيون سواء الالكتروني (www.marxy.com) أو الجريدة (جريدة الثورة) رهن إشارة الحراك ومناضلي الحراك.
“ستنسى أم ستكون لها عواقب؟”
لوحة بيكاسو “غرنيكا” التي رسمها شباب الحراك ونصبوها بساحة الأحرار، والتي أثارت رمزيتها رعب السلطات التي حاولت إزالتها من الساحة
نظم أحد المواقع الالكترونية (الناير) استطلاعا مثيرا للاهتمام حول مستقبل الحراك، حيث طرح السؤال التالي: هل ستكون قضية محسن فكري مثل سابقاتها وتنسى وتطوى، كما طويت قضية “فاتحة” وقضايا أخرى أم سيكون لها عواقب وتبعات وخيمة؟
بينما المقال قيد الطبع وصل مجموع من صوتوا 790، قال 450 من بينهم (أي 57%) إنها قضية ستنسى، بينما قال 340 (أي 43%) إنه سيكون لها عواقب وتبعات وخيمة.
من وجهة نظرنا نحن الماركسيون، كلا الموقفين صحيحين بنفس القدر. فالحراك الحالي ستكون له بالضرورة تبعات. يعلمنا الجدل أن لا شيء يختفي بشكل كامل، وأن كل شيء يتحول، ليعود إلى الوجود مرة أخرى من نقطة أعلى. وعليه فإن هذا الحراك لن يختفي كما لو انه لم يكن. فذلك مستحيل. دروسه ستتراكم في الذاكرة الشعبية، خاصة إذا ما تم استخلاصها بوعي وحفظها وتصنيفها لكي تنير طريق التحركات المستقبلية. كما أن هؤلاء الشباب، وتلك الجماهير نساء ورجالا، الذين شاركوا في هذا الحراك وقادوه لن يعودوا إلى منازلهم ومدارسهم وأماكن عملهم بنفس مستوى وعي وأفكار ما قبل مشاركتهم في هذا الحراك. لا بد أن مياها كثيرة قد مرت تحت الجسر.
لكن هذا الحراك في نفس الآن محكوم بأن تخبو جذوته تدريجيا إلى أن ينطفأ. وذلك بسبب غياب القيادة الثورية القادرة على تقديم برنامج علمي واضح للحراك لكي يصل إلى غاياته. لعل أبرز درس قدمته السنوات الخمس الأخيرة للشباب الثوري، سواء في المغرب أو في تونس أو في مصر، الخ، هو أن أعظم التحركات الثورية وأروع الملاحم الشعبية تضيع هباء دون أن تحقق أهدافها في حالة غياب التنظيم والبرنامج والبديل.
17 مليون متظاهر في مصر خرجوا إلى الشوارع دفعة واحدة، في أكبر مسيرات عرفها التاريخ على الإطلاق، يوم 30 يونيو. نفس الشيء في تونس، كما أن ملايين الشباب والعمال المغاربة تظاهروا لشهور طويلة في شوارع مختلف مدن المغرب خلال حراك 20 فبراير، لكن كل تلك التضحيات العظيمة ضاعت بدون أن تحقق النصر. هل كان ذلك بسبب غياب الكفاحية عند الجماهير؟ إن مجرد قول ذلك هو إهانة للجماهير وللحقيقة وللتاريخ. لقد قدمت الجماهير كل ما يمكن أن تقدمه في تحركات ثورية كان بإمكانها أن تسقط ليس نظاما واحدا بل عدة أنظمة. هل كان ذلك بسبب قوة النظام؟ كلا على الإطلاق، إن النظام القائم بالمغرب ضعيف ومرعوب ويعرف ذلك. وبمجرد ما انطلق الحراك اختفت قوى القمع من الشوارع واضطر الملك إلى الخروج بشكل مذل لتقديم الوعود بإصلاحات دستورية والديمقراطية والمن والسلوى، كما اضطر في مناسبة أخرى إلى الاعتذار والتساؤل عن أين الثروة وغيرها من المناورات.
الأزمة هي أزمة القيادة الثورية
السبب وراء تبدد جهود الجماهير ونضالات الشباب الثورية هو غياب التنظيم والبرنامج الثوري. بدونهما لا يمكن للجماهير أن تبقى في الشوارع إلى الأبد. لا يمكن للعمال والفلاحين أن “يحترفوا” المظاهرات والمسيرات. إن التاريخ يعلمنا أن الجماهير قادرة على تقديم أعظم التضحيات عندما يكون لديها أفق واضح تناضل من أجله، لكنها لا يمكن أن تبقى في حالة حراك وغليان إلى ما لا نهاية. وما نعرفه نحن الماركسيون يعرفه النظام القائم ومنظروه أيضا، وهذا هو ما يراهنون عليه. إنهم عاجزون الآن عن التدخل لسحقها، خوفا من التسبب في زيادة اشتعالها، لكنهم يراهنون على عامل الوقت وعلى استنزاف الحركة لقواها قبل أن يتدخلوا في النهاية لكي يقضوا عليها، أو على ما تبقى منها، بالقمع.
لذا يجب علينا أيها الشباب الثوري أن نعمل بشكل جدي على مسألة بناء القيادة الثورية باعتبارها المهمة الأهم والأكثر آنية، فالأزمة، كما قال تروتسكي بحق، هي أزمة القيادة الثورية.
هذه هي المهمة التي وضعناها على كاهلنا نحن الماركسيون، رابطة العمل الشيوعي، الفرع المغربي للتيار الماركسي الأممي، فإن كنتم تتفقون مع أفكارنا التحقوا بنا في هذا النضال.
هوامش:
*: في إشارة إلى العلم الرسمي للملكية بالمغرب، والذي كان بالفعل المقيم العام الفرنسي الجنرال ليوطي هو من جعل منه العلم الرسمي للمغرب.