سقوط حلب ونفاق الإمبريالية

حميد علي زاده
الأربعاء: 14 دجنبر 2016

  لقد سقطت حلب. بعد أربع سنوات من الحرب الدامية والاستنزاف، ها هي المدينة، التي كانت قبل الحرب الأهلية مركز سوريا التجاري وأكبر مدنها، قد صارت مرة أخرى تحت السيطرة الكاملة لنظام الأسد. يمثل هذا بالنسبة للمتمردين وداعميهم الأجانب ضربة مذلة سيكون لها آثار كبيرة على الصعيد العالمي والمحلي.

كان ثمن هذه السنوات الأربع من الحرب آلاف القتلى وعشرات الآلاف من المشوهين ومئات الآلاف من الذين طردوا من منازلهم. تلخص حلب مأساة الحرب الأهلية السورية: إنها مدينة عريقة سكانها عصريون بثقافة غنية، تحولت إلى واد من الدماء وركام من الخراب. سيستمر الشعور بآثار الجرائم التي ارتكبت فيها على مدى أجيال قادمة.

كان معقل المتمردين في حلب الشرقية، منذ غشت الماضي، تحت الحصار بحكم الأمر الواقع. وخلال الشهر الماضي، بدأت عملية مخطط لها بدقة من قبل الميليشيات السورية والإيرانية واللبنانية والعراقية والفلسطينية في التقدم بشكل مطرد، مع دعم جوي من قبل الطائرات والقاذفات السورية والروسية.

نعم لقد تصرف بوتين والأسد بكلبية ووحشية. لقد عملا على إخلاء مدن كاملة من خلال قصف المدارس والمستشفيات والأسواق وغيرها من البنى التحتية المدنية الأخرى. من الواضح أنه ليست هناك ذرة من الإنسانية في أعمالهما، لقد تصرفا انطلاقا من مصلحتهما الذاتية وبتجاهل تام لحياة البشر. لكن سيكون من الخطأ أن نرى بقع الدم في هذه الجهة دون الأخذ بعين الاعتبار أنهار الدماء التي تتدفق من الجهة الأخرى.

تاريخ من الفظائع والنفاق

لكي يتعرف المرأ على الحقيقة بخصوص هذه الحرب الرجعية، عليه أن يحفر عبر جبل من الأكاذيب والخداع والنفاق النتن. كل قادة ما يسمى بـ “العالم الحر” غارقون في الدموع، وكبريات وسائل الإعلام تصب جام غضبها على وحشية القوات الروسية والسورية التي قاتلت في حلب. إنهم يدينون بوتين والأسد بسبب عمليات القصف وإطلاق النار وقتل الناس (في الحرب!). لكن ليس لديهم أية مشكلة مع ميليشياتهم الخاصة “المعتدلة” التي تفعل بالضبط نفس الشيء، وبطرق ليست أقل وحشية من تلك التي يستعملها بوتين. وفي حين امتلأت وسائل الإعلام كل أسبوع وعلى مدار العام الماضي أو نحو ذلك، بقصص قصف “المستشفى الأخير في حلب“، لم تكن هناك أي إشارة إلى القصف المستمر والعشوائي على غرب حلب أو حي الأكراد في الشيخ مقصود. لا يمكن للمرء سوى أن يتصور حجم الرعب والدمار الذي كان سيحدث لو أن الميليشيات المعارضة كانت تمتلك قوة جوية هي أيضا. يبدو القتل جريمة فقط عندما يتم تنفيذه من قبل خصوم الطبقات الحاكمة الغربية.

جرائم حروب الإمبريالية الغربية عبر التاريخ لا حصر لها: قتل مئات الآلاف في هيروشيما وناكازاكي؛ قصف السكان المدنيين في مدينة دريسدن، خلال الحرب العالمية الثانية، بما يقرب من 4000 طن من القنابل مما أسفر عن مقتل أكثر من 25.000 شخص؛ عملية “الرعد الدوار” (Rolling Thunder) التي أودت بحياة مئات الآلاف من المدنيين في فيتنام… هذه الجرائم يتم التكتم عليها أو حتى تمجد في كتب التاريخ.

سلوك هؤلاء السيدات والسادة المعاصرين في الشرق الأوسط ليس أفضل حالا. يخلص تحقيق قامت به منظمة أطباء من أجل المسؤولية الاجتماعية، سنة 2015، إلى أن «الحروب تسببت، بشكل مباشر أو غير مباشر، في قتل حوالي مليون شخص في العراق و220.000 في أفغانستان و80.000 في باكستان، أي ما مجموعه حوالي 1,3 مليون نسمة. (…) إن العدد الإجمالي للوفيات في البلدان الثلاثة المذكورة أعلاه يمكن أيضا أن يزيد عن 2 مليون نسمة، في حين أنه من غير المرجح للغاية أن يكون الرقم أقل من مليون». وبالتالي فإذا جمعت معا أعمال القتل المرتكبة من طرف الأسد وبوتين وحتى داعش، فإنها لن تصل إلى أرقام أو مستويات الدمار التي تسببت فيها الإمبريالية الغربية في الشرق الأوسط.

وفي الوقت نفسه أدت الحرب الاجرامية في العراق إلى زعزعة البلاد والمنطقة بشكل كامل وأطلقت العنان للقوى الأكثر تخلفا ورجعية. إن حجم المأساة يذهب أبعد من مجرد أرقام القتلى، والتي هي ضخمة للغاية.

وحتى اليوم، تسبب الحصار والقصف العشوائي الذي يتعرض له اليمن على يد الطائرات السعودية، بدعم وثيق من قبل القوات الأمريكية والبريطانية، في تهديد أكثر من نصف السكان، البالغ عددهم 28 مليون نسمة، بخطر الموت جوعا. ورغم ذلك فإن هذه الكارثة والمأساة الإنسانية يتم تجاهلها ببساطة من قبل السياسيين والصحافة في الغرب. قال منسق الشؤون الانسانية للامم المتحدة في اليمن إن هذه الحرب هي «على الارجح واحدة من أكبر الأزمات في العالم، لكنها مثل أزمة صامتة، حالة صمت وحرب منسية».

في #اليمن يموت كل 10 دقائق طفل واحد على الأقل بسبب أمراض يمكن الوقاية منها مثل الإسهال وسوء التغذية والتهابات الجهاز التنفسي.

وكذلك لا يذكر شيء عن الضحايا المدنيين بسبب حصار مدينة الموصل والهجوم عليها، وهي التي تضم من المدنيين أكثر بكثير من شرق حلب. والمفارقة هي أن الغرب تعاقد مع بعضٍ من نفس تلك المجموعات التي تتعرض للانتقاد في حلب من أجل القيام بالعمل القذر في الموصل تحت غطاء جوي غربي.

إن قادتنا الأعزاء قلقون بشكل كبير بسبب محنة الشعب السوري. لكن أفعالهم تروي قصة مختلفة. وصف تقرير داخلي حديث للامم المتحدة سربه موقع The Intercept العقوبات الغربية على سوريا بأنها “واحدة من أكثر أنظمة العقوبات تعقيدا واتساعا على الاطلاق”. وأفاد أن العقوبات الأمريكية قاسية للغاية “بخصوص تقديم المساعدات الإنسانية” [التأكيد من عندنا]. ويصف تسريب آخر للأمم المتحدة، في نفس الموقع، العقوبات بأنها “العامل الرئيسي” في تدهور نظام الرعاية الصحية.

وبالإضافة إلى ذلك من المثير للسخرية الشديدة أن هؤلاء السادة والسيدات، محبو السلام، قد وعدوا الآن بإرسال المزيد من الأسلحة والمال إلى سوريا بعد سقوط حلب.

نعم إن أصدقائنا الديمقراطيين الأعزاء سريعون في توجيه أصابع الاتهام، لكنهم سريعون بنفس الدرجة في نسيان الإرهاب والهمجية التي تسببوا فيها ويواصلون دعمها في جميع أنحاء المنطقة.

سوريا

حتى في حلب نفسها، كان من الممكن تجنب كل الفظائع التي حدثت لو أن الولايات المتحدة كانت قد وافقت على اتفاق وقف إطلاق النار مع روسيا ونظام الأسد قبل شهر واحد فقط. فشلت الصفقة بعد أن قصفت الطائرات الأمريكية وقتلت حوالي 100 جندي من الجيش السوري الذين كانوا يقاتلون ضد داعش في قطاع دير الزور المحاصر. قال موقع the Middle East Eye إن تقريرا صدر مؤخرا عن القيادة المركزية الأمريكية يبين بوضوح «أن ضباطا كبارا في قوات الجو الأمريكية، في مركز العمليات الجوية المشتركة (CAOC) في قاعدة العديد الجوية بقطر، كانوا مسؤولين عن قرار تنفيذ الغارة الجوية، شهر شتنبر الماضي في دير الزور:

  • ضللوا الروس حول المكان الذي تنوي الولايات المتحدة ضربه حتى لا تتمكن روسيا من أن تعرف أنهم سيستهدفون القوات السورية.

  • تجاهلوا المعلومات والتحاليل الاستخباراتية التي حذرت من أن المواقع المستهدفة كانت للحكومة السورية وليس للدولة الإسلامية.

  • تحولوا فجأة من عملية استهداف متعمدة إلى هجوم فوري في انتهاك لإجراءات سلاح الجو العادية».

– (US strikes on Syrian troops: Report data contradicts ‘mistake’ claims)

كانت نتيجة هذه الضربة ليس فقط إنهاء وقف إطلاق النار في حلب، بل كانت أيضا بمثابة ضربة قوية للقوات السورية التي كانت محاصرة من قبل داعش لأكثر من عامين.

بعد انهيار وقف إطلاق النار، تم وقف حملة القصف الجوي الروسية والسورية على حلب لمدة ثلاثة أسابيع، وخلالها تم فتح ثمانية طرق لخروج المدنيين والمقاتلين من حلب الشرقية ونقلهم إما إلى مناطق النظام، حيث سيمنح للمتمردين العفو مقابل إلقاء السلاح، أو يتم نقلهم مع أسلحتهم الخفيفة (!) إلى مناطق يسيطر عليها المتمردون في إدلب. لكن رد أصدقاء الغرب “المعتدلين” في حلب كان هو إطلاق النار وقصف كل من يحاول مغادرة المنطقة. في الواقع، قامت الميليشيات المعارضة بأخذ كل شرق حلب رهينة وحولت سكانها إلى دروع بشرية.

ومع هذا ما تزال وسائل الاعلام الغربية تدعم هؤلاء “المتمردين المعتدلين”، وتصورهم كمقاتلين من أجل الحرية يمثلون الشعب ضد نظام الأسد. من هي تلك الجماعات المعتدلة؟ لا يرد ذكرها بشكل مباشر بالاسم في أي مكان. لكن بالنظر إلى المجموعات الموجودة في حلب، فقد كانت أقواها هي: جبهة فتح الشام، التي هي الفرع السوري لتنظيم القاعدة، والتي أنشئت أصلا من قبل ما يعرف الآن بداعش؛ وتجمع أحرار الشام، التي كانت لعدة سنوات تسيطر على كل محافظة إدلب إلى جانب جبهة فتح الشام ، والتي انصهرت فيها تقريبا قبل بضع سنوات؛ وأخيرا جماعة نور الدين زنكي، التي هي جماعة إسلامية لديها علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة. في الصيف الماضي اكتسبت جماعة زنكي شهرة عالمية بقطعها رأس صبي يبلغ من العمر 14 عاما. في واحد من بين العديد من أشرطة الفيديو لتنفيذ الجريمة، نسمع أحد أعضاء جماعة زنكي يقول: “نحن أسوأ من داعش”. نعم، قد يكون هؤلاء الأشخاص “معتدلين”، لكن مقارنة مع من؟

الحقيقة هي أن “المتمردين” داخل مدينة حلب، وكما هو الحال في العديد من المناطق الحضرية الأخرى في سوريا، لا يتمتعون بالكثير من الدعم. لم تسقط مدينة حلب في البداية في أيدي المعارضة إلا بعد الهجوم عليها انطلاقا من الريف. وقد نشرت صحيفة الغارديان، في غشت 2012، تقريرا قالت فيه:

«مقاتلو المعارضة – حوالي 3000 منهم – هم الوحيدون تقريبا الذين يتحركون في جميع أنحاء النصف الشرقي الذي يسيطر عليه الآن الجيش السوري الحر. يبدو أن الأعداد القليلة من غير المقاتلين الذين بقوا لا توليهم اهتماما كبيرا، بينما قليل منهم من يبدو عليه أنه يرحب بهم.

قال الشيخ توفيق أبو سليمان، أحد قادة المتمردين، الذي كان يجلس في الطابق الأرضي لمقره الرابع الجديد: “نعم هذا صحيح، حوالي 70٪ من مدينة حلب هي مع النظام. كان الوضع على هذا النحو دائما. الريف معنا والمدينة معهم. نحن نقول بأننا سنبقى هنا فقط المدة التي يتطلبها إنجاز مهمة التخلص من الأسد. بعد ذلك، سنغادر ويمكنهم بناء المدينة التي يريدون”.»

في الواقع، عندما بدأت الثورة الأولى تنحط الى صراع طائفي تسيطر عليه الجماعات الإسلامية، تحولت الغالبية العظمى من السكان، الذين كان الكثير منهم متعاطفين مع الحراك الأول، إلى جانب النظام.

عندما رأت الإمبريالية الغربية وحلفائها: السعودية وتركيا والأردن ودول الخليج، الثورة تزعزع استقرار نظام الأسد، عام 2011، بدأوا يضخون مليارات الدولارات في الجماعات الإسلامية في سوريا. كشف تقرير صادر عن وكالة استخبارات وزارة الدفاع الأمريكية، سنة 2012، أنه: «على الصعيد الداخلي، تتخذ الأحداث بوضوح اتجاها طائفيا (…) السلفيون والإخوان المسلمون وتنظيم القاعدة في العراق [الذي تحول لاحقا إلى جبهة فتح الشام وداعش] هي القوى الرئيسية التي تقف وراء التمرد في سوريا. الغرب ودول الخليج وتركيا يدعمون المعارضة؛ في حين تدعم روسيا والصين وإيران النظام. (…) وهناك إمكانية لإقامة إمارة سلفية، معلنة أو غير معلنة، في شرق سوريا (الحسكة ودير الزور)، وهذا هو بالضبط ما تريده القوى الداعمة للمعارضة، من أجل عزل النظام السوري…».

الاضطراب

هذا هو السبب الحقيقي وراء البكاء والعويل الذي يثيره الغرب، فكل مؤامراتهم التي حاكوها للبلد سقطت هباء. وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وهو دبلوماسي محنك يقيس كلماته بعناية، قال للصحفيين: «تعبت من سماع هذا العويل من جانب زملائنا الأمريكيين».

سقوط حلب إذلال تام للإمبرياليات الغربية. وبينما كان ضم شبه جزيرة القرم – الذي في حد ذاته إهانة كبيرة للإمبريالية الأمريكية – حدثا قرب “مجال نفوذ” روسيا، فإن ما حدث في حلب إذلال علني وسحق لوكلاء الولايات المتحدة في وسط منطقة كانت الولايات المتحدة تعتبرها تقليديا مجالها الخاص. كما كان واضحا في حربي العراق وأفغانستان، لقد اعتقدت الإمبريالية الأمريكية دائما أنه يمكنها أن تفعل ما تشاء في الشرق الأوسط، لكن في حلب كانت القيود المفروضة على الإمبريالية الأمريكية واضحة للجميع. وليس من قبيل المصادفة أن أهم المفاوضات حول حلب كانت تتم بين روسيا وتركيا، دون مشاركة الولايات المتحدة.

عندما عطل البنتاغون وقف إطلاق النار في أكتوبر، كان ذلك نابعا من موقف الغطرسة والتحدي تجاه روسيا. لكن بعد ذلك شرعت روسيا وإيران وسوريا في سحق وكلاء الولايات المتحدة، أمام أعين القوات المسلحة الأمريكية (والتركية) التي كانت تتمركز على بعد بضع عشرات من الأميال… وكانت الولايات المتحدة عاجزة عن فعل أي شيء حيال ذلك. وقف الغرب وحلفائه، والذين اعتادوا على التحكم في الأحداث، موقف المتفرج العاجز في حلب.

ذلك ليس فقط لأنهم استثمروا الشيء الكثير في حلب نفسها، ولكن لأن سقوط المدينة يعني أن المتمردين قد طردوا الآن من جميع المناطق الحضرية الرئيسية في سوريا. وفي حين أن الحرب الأهلية قد تطول لسنوات قادمة، فمن الواضح أن الخطر على نظام الأسد قد انتهى، انهيار الروح المعنوية بين المتمردين سيزيد من توطيد سلطته. جميع مخططات قوى التدخل تحولت إلى خراب، وهو ما سيكون له عواقب وخيمة.

انفضاح عجز الولايات المتحدة بشكل علني يعني أنها سوف تتعرض لضغوط من طرف عدد من القوى الأصغر عالميا، والتي ستختبر حدود الإمبريالية الأمريكية و”النظام العالمي” الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة. سيبدأ هؤلاء “الحلفاء” والأعداء في الاضطلاع بدور من شأنه أن يصبح أكثر استقلالية عن الولايات المتحدة ومصالحها. وهذا بدوره سوف يؤدي الى مزيد من الاضطراب على الصعيد العالمي.

في تركيا، يشكل سقوط حلب ضربة كبيرة لمخططات أردوغان العثمانية الجديدة للهيمنة على الشرق الأوسط، وأضرت بقوة بهيبته، وجاءت بالضبط في الوقت الذي يمكن أن يسقط فيها الاقتصاد التركي في أزمة خطيرة، وهو ما يمكن له بدوره أن يؤدي إلى تطور هائل للصراع الطبقي. في سوريا، لم يساعد أردوغان قليلا سوى واقع أن روسيا سمحت لتركيا بتواجد محدود في ريف حلب الشمالي، على الرغم من أن حتى هذا الجيب يمكن أن يتعرض للضغوط في الفترة المقبلة. في الواقع كل ما تبقى من سياسة أردوغان في سوريا هي ذلك الهدف الطوباوي المتمثل في القضاء على الجيوب الكردية في سوريا. إلا أن هذا الهدف في حد ذاته يمكن، عند نقطة معينة، أن تكون له نتائج عكسية ويؤدي إلى تفكك تركيا.

لكن أكبر ضربة هي تلك التي تلقتها السعودية، التي تشهد التراجع السريع لموقفها على الصعيد العالمي. لم تعد للمملكة الرجعية أي أوراق مهمة للمساومة في سوريا، مع انحصار أغلب وكلائها داخل الإمارة الإسلامية في محافظة إدلب، حيث لا يشكلون تهديدا لأحد. سيكون لفشل التدخلات السعودية في سوريا والعراق، والهزيمة القادمة في اليمن، آثار كبيرة داخل المملكة، الواقعة في شبكة من الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

ما الذي يجب عمله؟

يشعر الكثير من الناس باشمئزاز مبرر من مأساة حلب، ويتسائلون بقلق حقيقي: “ماذا يمكننا أن نفعل؟”. يقترح البعض ضرورة فرض منطقة حظر جوي، وكأن الحرب دون قصف الطائرات هي حرب أكثر إنسانية على نحو ما. لكن من الناحية العملية الواقعية، ليست المطالبة بمنطقة حظر الطيران سوى طريقة أخرى للدعوة إلى حملة جوية من قبل الغرب لدعم المتمردين ضد نظام الأسد. وهي الخطوة التي أبعد من أن تكون أكثر إنسانية، لأنها ستعني توفير غطاء جوي لبعض القوى الأكثر رجعية على هذا الكوكب. كما أن مثل هذا التدخل سيزيد أيضا من الدعم لنظام الأسد بين السوريين.

لن يؤدي التدخل الغربي إلى أي تطور تقدمي في الشرق الأوسط. وفي الحقيقة، ذلك التدخل هو السبب الجوهري لكل الهمجية التي نشهدها في المنطقة اليوم. وكما يوضح تاريخ التدخل الغربي الذي أشرنا إليه أعلاه، فإن هذه الحكومات لا تتحرك بناء على دوافع “الإنسانية”، بل فقط لخدمة مصالحها الامبريالية الضيقة. إنهم ينددون بجرائم بوتين والأسد، ويذرفون دموع التماسيح على مأساة حلب؛ لكنهم، في الوقت نفسه، يخبئون جرائم الحرب التي يرتكبونها في اليمن وأماكن أخرى تحت السجادة.

لم تؤد التدخلات في العراق وأفغانستان وليبيا واليمن إلى تحقيق “الديمقراطية” و”الحرية”، بل دمرت تماما أسس الحياة المتحضرة في تلك البلدان. ينبغي أن يكون هذا دليلا واضحا على ما يمكن لنا أن نتوقعه من أي تدخل غربي في سوريا.

إذا كنا نريد أن نفعل شيئا ما، إذا كنا نريد تحقيق أي نوع من التغيير، فإن أول خطوة يجب أن تكون هي خوض صراع جدي ضد الطبقات الرأسمالية والإمبريالية الحاكمة داخل بلداننا، والتي ارتكبت أبشع الجرائم في تاريخ الشرق الأوسط.

قال لينين ذات مرة إن: “الرأسمالية هي الرعب بلا نهاية”. تتضمن هذه المقولة حقيقة عميقة، إن الحرب والاضطرابات جزء لا يتجزأ من الرأسمالية، التي هي نظام يقوم على دوافع المصلحة الذاتية والمنافسة والربح الفوضوية والتي لا أحد يمارس عليها أي سيطرة حقيقية.

في مرحلة الأزمة – عندما تتصاعد حدة الصراع الطبقي ويتزعزع استقرار الاقتصاد العالمي، وتحتد المنافسة بين مختلف الدول الوطنية – تتفاقم الصراعات الداخلية والاضطراب العام. الحقيقة هي أن كل القوى التي لها مصالح في الشرق الأوسط تريد الاستقرار في المنطقة، لكن فقط وفقا لشروطها، والتي هي دائما في تناقض مع مصالح القوى الأخرى وعلى حسابها. وللدفاع عن مواقفها ومصالحها الضيقة هي على استعداد لتغرق المنطقة بأسرها في بحر من الدم.

إن الحرب في سوريا، ومهما كانت درجة مأساويتها، لن تكون الحرب الأخيرة من نوعها. سوف تستمر الرأسمالية في إنتاج المزيد من هذه الحروب حتى اليوم الذي سيتم إسقاطها فيه من طرف الجماهير العاملة. إن الشيء الحقيقي الوحيد الذي يجب فعله هو إعداد القوة الثورية التي يمكنها أن تعجل بسقوط هذا النظام المتعفن على الصعيد الأممي.

عنوان النص بالإنجليزية:

The fall of Aleppo and the fog of war

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *