استمر الجيش الإسرائيلي، طوال يوم الثلاثاء 18 مارس، يمطر سكان غزة بوابل من القنابل، محطما بذلك وقف إطلاق النار الهش بوابل من الموت والدمار. قُتل في تلك الغارات أكثر من 400 فلسطيني وجُرح أكثر من 600 أخرين، مما جعله اليوم الأكثر دموية في حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية منذ أواخر عام 2023.
وكما هو معتاد فقد بررت إسرائيل قصفها الأخير باتهام حماس بخرق اتفاق وقف إطلاق النار. لكن الحقائق تكشف خلاف ذلك.

كان اتفاق وقف إطلاق النار، الذي وقع في يناير، قد تضمن ثلاث مراحل: المرحلة الأولى، التي اكتملت في فبراير، شهدت إعادة حماس 33 رهينة، مقابل حوالي 1900 “سجين” فلسطيني -هم في الواقع، رهائن- محتجزين في السجون الإسرائيلية. بينما تتضمن المرحلة الثانية الانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة، مقابل إطلاق سراح جميع الرهائن المتبقين، والوقف النهائي للأعمال العدائية. المرحلة الثالثة ستتناول إعادة الجثامين وإعادة إعمار غزة.
لكن منذ انتهاء المرحلة الأولى في الأول من مارس، رفضت إسرائيل المضي قدما في المرحلة الثانية: الانسحاب الموعود للجيش الإسرائيلي من غزة، وخاصة من ممر فيلادلفيا على طول حدودها مع مصر. وليس هذا فحسب، بل لقد خالف نتنياهو قواعد الاتفاق، حيث طالب حماس بإعادة جميع الأسرى المتبقين فورا، ليس مقابل إيقاف الحرب، بل فقط مقابل هدنة لمدة 30 إلى 60 يوما. أي أنه بمعنى آخر، قدم لهم عرضا لا يمكنهم إلا أن يرفضوه.
وفي غضون ذلك، أمر نتنياهو بمنع جميع شحنات المساعدات إلى غزة في بداية مارس، وقطع آخر خطوط الكهرباء. كما أن المسؤولين الإسرائيليين يهددون الآن بقطع ما تبقى من إمدادات المياه عن غزة. وبذلك فإنهم يستهزئون باتفاق وقف إطلاق النار، محاولين تجويع الفلسطينيين لإخضاعهم.
إن صمت المؤسسة الليبرالية إزاء استئناف الإبادة الجماعية يكشف مجددا عن نفاقها المطلق. أين هي قممهم ردا على جرائم الحرب هذه؟ أين خططهم لإرسال “قوات حفظ سلام” لحماية الشعب الفلسطيني؟ وبينما هم على استعداد لإنفاق مئات المليارات من الدولارات لحماية “حق تقرير المصير” في أوكرانيا، فإن إسرائيل حليفتهم، وبالتالي يمكنها أن تفعل ما يحلو لها.
صراع نتنياهو من أجل البقاء
لماذا خرق نتنياهو الآن وقف إطلاق النار، بينما كان الصراع المستمر منذ 17 شهرا يقترب من نهايته؟
من الجدير بالذكر أن نتنياهو قد خرب، خلال كل مراحل الصراع حتى الآن، كل اتفاقات وقف إطلاق النار مع حماس، متذرعا بمختلف أنواع الأعذار. وقد كان تدخل ترامب في بداية يناير هو ما أجبره على توقيع الاتفاق.
ومع ذلك فقد أوضح نتنياهو منذ البداية أنه يعارض تطبيق “المرحلة الثانية” من وقف إطلاق النار. إذ بينما يمكنه قبول تبادل الأسرى الفلسطينيين بالرهائن الإسرائيليين، إلا أنه لا يستطيع قبول إنهاء الحرب. وذلك لأن بقاءه السياسي يعتمد على استمرار الصراع. وقد أوضح أمير تيبون، في مقالٍ له بصحيفة هآرتس بتاريخ 25 يناير، أن: “… نتنياهو الذي وقع الاتفاق في النهاية، هو نفسه الذي كان يخبر حلفاءه السياسيين المحليين بأنه لا ينوي الالتزام به أو تنفيذه”.
وأوضح إيتامار يعر، النائب السابق لرئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، قائلا إنه: “لدى نتنياهو مصلحة شخصية في استمرار الحرب. ليس لديه أي شعور بالاستعجال لوقفها”.

كان نتنياهو حتى قبل 07 أكتوبر 2023، يواجه أزمات متعددة. وقد كان منصبه باعتباره رئيسا للوزراء هو ما سمح له بتأجيل الملاحقة القضائية بتهم فساد متعددة. ومع تراجع شعبية حزبه، اضطر بشكل متزايد إلى الاعتماد على المتعصبين الصهاينة اليمينيين المتطرفين لدعم حكومته الائتلافية الهشة. وكانت محاولاته لترسيخ سلطته من خلال الإصلاح القضائي قد أشعلت حركة احتجاجية هائلة هددت بإسقاط نظامه في ربيع عام 2023.
لكن طالما أن إسرائيل في حالة حرب -ضد حماس وشعب غزة في البداية، ثم ضد حزب الله في لبنان أيضا- سيبقى في مقدور نتنياهو صرف الانتباه عن مشاكله الداخلية، ومحاولة حشد اليهود الإسرائيليين خلفه.
إلا أن توقيع وقف إطلاق النار في يناير مثل مشكلة كبيرة لنتنياهو، إذ أن وزير الأمن القومي السابق اليميني المتطرف، إيتامار بن غفير، سحب حزبه عوتسما يهوديت (القوة اليهودية) القومي المتطرف، من الحكومة احتجاجا على ذلك. وهدد وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، بالسير على خطاه إذا لم يتم استئناف الحرب بعد “المرحلة الأولى” من وقف إطلاق النار.
لا يرضى هؤلاء المتعصبون بأقل من استكمال المشروع الصهيوني المتمثل في: التطهير الاثني للسكان الفلسطينيين؛ وأن يسيطر المستوطنون اليهود سيطرة كاملة على غزة والضفة الغربية. وهم يرون في الحرب فرصة مثالية لتحقيق أهدافهم.
لا يستطيع نتنياهو تجاهل بن غفير أو سموتريتش، فالوقت ليس في صالح حكومته. فإذا لم يتمكن من إقرار ميزانية عام 2025 بحلول 31 مارس، فسيتم حل حكومته بشكل تلقائي وإجباره على إجراء انتخابات من المرجح أنه سيخسرها.
سمح خرق وقف إطلاق النار لنتنياهو بإعادة تعزيز ائتلافه المتصدع، استعدادا لذلك التصويت الحاسم. وبمجرد أن أمر نتنياهو باستئناف قصف غزة، أعلن بن غفير عودته إلى الحكومة. لكن حتى وإن أدى ذلك إلى تعزيز ائتلاف نتنياهو مؤقتا، فإن إطالة أمد الحرب ستزيد في الواقع من تعقيد مشاكل نتنياهو على المدى البعيد.
حدود ترامب
لقد كشف استئناف الصراع عن حدود دبلوماسية ترامب. في يناير الماضي، أبدى ترامب سروره لأنه، من خلال وكيله ستيف ويتكوف، أجبر نتنياهو على وقف إطلاق النار، وهو ما فشل فيه بايدن سابقا.
وعندما بدأ الاتفاق في الانهيار في فبراير -مع سعي الإسرائيليين إلى تعديل شروط المرحلة الثانية، تدخل ترامب لزيادة الضغط على حماس. حتى أنه تولى إدارة المفاوضات مع حماس، مهمشا الإسرائيليين. من الواضح أن ترامب قد اعتقد أنه باستخدام ما يكفي من التهديد والتنمر، سيمكنه إجبار حماس على الاستسلام لشروط الإسرائيليين.
وفي الخامس من مارس، هدد في منشور على موقع “تروث سوشيال” بأن سكان غزة “سيموتون” ما لم تفرج حماس فورا عن جميع الرهائن المتبقين. وقال: “سأرسل لإسرائيل كل ما تحتاجه لإنهاء المهمة، ولن يكون أي عضو من حماس بأمان إذا لم تفعلوا ما أقوله”. وهدد قائلا: “أطلقوا سراح الرهائن الآن، وإلا سوف تدفعون ثمنا رهيبا!”.
ولكن من وجهة نظر حماس، إذا أطلقوا سراح جميع الرهائن فورا -مقابل “هدنة” قصيرة فقط- فلن يكون هناك أي شيء يمنع الإسرائيليين من إطلاق عنان (المزيد من) الجحيم عليهم على أي حال. إنه مطلب لا يمكنهم قبوله.
يفكر ترامب ويتصرف كملياردير من أقطاب قطاع العقارات في مانهاتن، لكنه يمتلك تحت تصرفه موارد أقوى جيش في العالم. وهو يعتقد أنه بالضغط الكافي والتهديد، يمكنه إجبار خصومه على توقيع أي اتفاق. لكنه يكتشف الآن، وبكل ألم، أن هناك حدود لما يمكنه حتى هو تحقيقه في مواجهة قوى اجتماعية خارجة عن سيطرته.
يريد ترامب، في عالمه الخيالي، أن يبعد حماس عن غزة، كما أوضح ذلك. وكما ذكرت صحيفة تايمز أوف إسرائيل بوضوح في يناير الماضي فإن “مايك والتز، مرشح الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب لمنصب مستشار الأمن القومي، يقول إنه يجب تدمير حماس وقطع أي دور لها في غزة ما بعد الحرب”. يريد ترامب إنهاء الصراع حتى يتمكن من إعادة تركيز موارد الإمبريالية الأمريكية على تعزيز “الحدود المجاورة”، في مواجهة خصمها الرئيسي أي: الصين. لكن وعلى عكس أوكرانيا، حيث يمكنه التخلي عن الحرب لكي يتولى الأوروبيون معالجة الفوضى، فإنه لا توجد قوة أخرى قادرة على ملء الفراغ الأمريكي فيما يتعلق بإسرائيل.
لذا فإن كل ما يمكن لترامب فعله تجاه حماس هو التهديد بإطلاق العنان لكلاب الجيش الإسرائيلي المسعورة ضدها مرة أخرى. لكن تجدد الأعمال العدائية في غزة لن يؤدي إلى تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، بل سيؤدي فقط إلى تفاقم الوضع المتوتر أصلا في المنطقة.
رفع الرهان
في هذه الأثناء صعد نتنياهو حملة اضطهاد الفلسطينيين في الضفة الغربية، مانحا الضوء الأخضر للمستوطنين المتعصبين لارتكاب مجازر بدعم من الجيش الإسرائيلي. لقد تم تهجير آلاف الفلسطينيين في الضفة الغربية، بينما قُتل المئات. وقد زاد هذا من زعزعة استقرار الضفة الغربية، مما ساهم في تنامي الغضب في جميع البلدان العربية المجاورة.
في الواقع، لقد زعزع نتنياهو استقرار المنطقة بشكل كامل خلال العام الماضي. فمن خلال توسيعه لنطاق الحرب إلى لبنان عام 2024، وإجبار حزب الله على التركيز على جبهته الداخلية، ساهم في تهيئة الظروف لسقوط الأسد في سوريا. وقد أدت المجازر التي ارتكبها نظام هيئة تحرير الشام منذ توليه السلطة إلى تحريك مسار الأحداث الذي من المرجح أن يشهد عودة سوريا إلى دوامة الحرب الأهلية.

ومن الواضح أن ترامب استبق قصف نتنياهو الأخير على غزة، فشن، بتواطؤ مع بريطانيا، هجوما واسع النطاق يوم السبت على الحوثيين في اليمن. كان ترامب يعلم أن انتهاك وقف إطلاق النار سيجبر الحوثيين على استئناف هجماتهم على السفن المتحالفة مع الولايات المتحدة في البحر الأحمر، تضامنا مع الفلسطينيين.
وظن أنه يستطيع كبح جماح الحوثيين بإطلاق التهديدات، فرفع الرهان بتهديد إيران بـ”عواقب وخيمة” في حال ما إذا رد الحوثيون بقوة. وكانت النتيجة الوحيدة لذلك هي زيادة التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، حيث رد الحوثيون بالفعل بإطلاق الصواريخ على إسرائيل.
لطالما سعى نتنياهو إلى جر الولايات المتحدة إلى الدخول في حرب مع إيران. وقد أوضح ترامب أنه يدفع في الاتجاه المعاكس لاستعادة بعض مظاهر الاستقرار. لكن ما يريده وما يحصل عليه سيناريوهان مختلفان تماما. إن هجماته على الحوثيين والمطالب التي يفرضها على النظام الإيراني تهدف إلى دفع المفاوضات نحو اتفاق ما، لكنه قد ينتهي به الأمر إلى مزيد من زعزعة استقرار الوضع برمته.
الأزمة الداخلية الإسرائيلية
أعلن نتنياهو أن قصف غزة يوم الثلاثاء “ليس سوى البداية”. وبالفعل فقد شن الجيش الإسرائيلي غزوا بريا جديدا في اليوم التالي، مستعيدا الأراضي التي انسحب منها بموجب شروط وقف إطلاق النار.
قال وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، في بيان له: “لم يكن الهجوم الجوي على إرهابيي حماس سوى الخطوة الأولى”. وهدد غزة “بالتدمير الكامل إذا لم يتم إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين ولم يقض على حماس”. وقال: “ستتصرف إسرائيل بقوة لم تعرفوها من قبل”.
إلا أن القول بالقضاء على حماس أسهل بكثير من تحقيقه. فقد بذلت إسرائيل على مدار الأشهر السبعة عشر الماضية قصارى جهدها لتحقيق ذلك الهدف تحديدا. وقتلت، في سياق ذلك، ما لا يقل عن 48 ألف شخص، ودمرت 90% من منازل غزة، وحولت بنيتها التحتية إلى أنقاض. ومع ذلك فإن حماس لم تُهزم. لقد أثبتت صمودا مذهلا، وشهدت تدفقا للمجندين الجدد ودعما شعبيا مستمرا. ووفقا لوكالة رويترز فقد “جندت حماس ما بين 10.000 و15.000 عضو منذ بدء حربها مع إسرائيل”.
لقد أثارت سياسة الإبادة الجماعية الإسرائيلية غضب شعب بأكمله، لم يعد لديه ما يخسره. وقد جندت حماس شريحة جديدة من المقاتلين الشباب، المتلهفين للانتقام من جرائم إسرائيل. لقد ظهر هذا جليا طوال فترة الصراع: فكلما انسحبت قوات الجيش الإسرائيلي من أي منطقة في غزة، تستعيد حماس السيطرة على الفور. وبالتالي فإنه لا يمكن ببساطة إزاحة حماس أو “القضاء عليها” بالقوة؛ فهي مرتبطة ارتباطا وثيقا بمقاومة سكان غزة وسبل عيشهم.
لن تؤدي إطالة أمد الصراع إلا إلى تفاقم أزمة النظام الإسرائيلي. وقد أشار رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجديد، إيفال زامير، إلى أن الهجوم البري المتجدد سيتطلب عدة فرق من الجيش. وهذا يعني حملة استدعاء جديدة واسعة النطاق لجنود الاحتياط.
وكان يعقوب عميدرور، مستشار الأمن القومي السابق لنتنياهو، قد أعطى لمحة عما يتطلبه هجوم جديد كهذا من الجيش الإسرائيلي حين قال:
“لم تكن لدينا في السابق قوات كافية للسيطرة على المناطق [التي استولينا عليها في غزة] وتطهيرها. كنا نقتل من كانوا هناك. لكننا انسحبنا بعد ذلك. والآن، علينا أن نشن عملية نبقى فيها لفترة أطول”.
لكن المزاج السائد في المجتمع الإسرائيلي، وبين صفوف الجيش الإسرائيلي، يزداد معارضة ضد إطالة أمد الحرب.
كشف عدد من استطلاعات الرأي الأخيرة عن مدى تناقص شعبية الحرب -ونتنياهو- بين شريحة واسعة من الإسرائيليين. وكما لخص مقال في صحيفة هآرتس الإسرائيلية الليبرالية، فإنه بالنسبة لـ “ما يقرب من نصف [الإسرائيليين] الذين لا يعتقدون أن إسرائيل قادرة على تحقيق أهدافها الحربية، وإلى 60% الذين يريدون استقالة نتنياهو، و73% الذين يفضلون إنهاء الحرب تماما والانسحاب من غزة، هل بقي لديهم أي دافع للقتال؟”.
وأشارت الصحيفة إلى أنه بحلول منتصف عام 2024، كان الجيش الإسرائيلي يعاني بالفعل من انخفاض معدلات الاستجابة لاستدعاءات قوات الاحتياط. وقد تفاقم هذا الوضع بحلول وقت وقف إطلاق النار في يناير، واستمر حتى مارس، فبحلول ذلك الوقت: “لم يلتحق سوى حوالي نصف جنود الاحتياط بالعديد من وحدات الجيش”.
وسيزداد هذا المزاج سوءا مع عودة المزيد من الجنود إلى ديارهم قتلى أو جرحى، وإذا (وهو أمر مرجح) مات المزيد من الرهائن الإسرائيليين.
في الواقع، لقد كانت قضية عودة الرهائن الإسرائيليين إحدى القضايا الرئيسية داخل إسرائيل طوال فترة هذا الصراع. لكن ومع استمرار الحرب، وتزايد عدد الرهائن الذين لقوا حتفهم، فقد أصبح من الواضح بشكل متزايد أن نتنياهو مهتم بإطالة أمد الصراع لأسباب شخصية أكثر من اهتمامه بإنقاذ حياة الرهائن.

وعلى سبيل المثال، فقد أصدر منتدى عائلات الرهائن والمفقودين بيانا عقب غارات يوم الثلاثاء، قائلا إنه “مصدوم وغاضب وخائف” من انتهاك وقف إطلاق النار. واتهم حكومة نتنياهو “بالتعطيل المتعمد لعملية إعادة أحبائنا”، مما قد يعرض حياتهم للخطر.
وبالمثل، فقد كتب يائير غولان، زعيم حزب العمل في إسرائيل، على منصة التواصل الاجتماعي X أن: “الجنود على الخطوط الأمامية والرهائن في غزة مجرد أوراق في لعبة البقاء التي يخوضها [نتنياهو]”.
وفي الوقت نفسه، يواجه نتنياهو رد فعل عنيف بسبب خططه لإقالة رونان بار، رئيس جهاز الأمن الداخلي (الشاباك)، وكذلك غالي بهاراف ميارا، المدعي العام الإسرائيلي؛ اللذان يعتبران من أشرس منتقديه.
وصادف أن الشاباك كان يحقق مع ثلاثة من مستشاري نتنياهو بشأن مزاعم تلقي أموال من قطر، وقد اعتقلت الشرطة اثنين منهم هذا الأسبوع. كان بار بالفعل في مرمى نيران نتنياهو، بسبب انتقادات جهاز الأمن العام (الشاباك) اللاذعة لنتنياهو أثناء تحقيقه في الإخفاقات الأمنية التي سبقت 07 أكتوبر.
لذلك، يرى الكثيرون أن إقالة بار هي مجرد محاولة أخرى من جانب نتنياهو لتطهير الدولة الإسرائيلية من معارضيه، مما يعيد إشعال فتيل الأزمة الدستورية في إسرائيل. حتى أن البعض ربط توقيت القصف الأخير على غزة بالرغبة في تشتيت الانتباه عن تلك الخطوة. وقد خرج 40 ألف شخص إلى شوارع تل أبيب ليلة الخميس احتجاجا على تلك الإقالة الأخيرة، بينما اندلعت المظاهرات في مدن إسرائيلية أخرى. وانتقد المتظاهرون “تشبث نتنياهو بالسلطة” واستئنافه للحرب.
لا حل في ظل الرأسمالية
في يناير الماضي، كانت هناك آمال كبيرة في أن يخف أخيرا الجحيم المسلط على شعب غزة، ولو جزئيا. لكن تلك الآمال تحطمت بقسوة هذا الأسبوع.
ما دام نتنياهو متمسكا بالسلطة، فمن مصلحته إطالة أمد الصراع. لكنه بذلك يلعب بالنار، نار تهدد بالخروج عن سيطرته واجتياح المنطقة بأسرها.
ورغم أنه ما يزال هناك دعم قوي للصهيونية داخل إسرائيل، فإن نتنياهو وحلفاؤه من اليمين المتطرف يكشفون بالأفعال أنه لا يوجد “أمن” حقيقي لليهود طالما بقي الشعب الفلسطيني مضطهَدا. إن تكثيفهم للحرب لن يقضي على حماس، ولن يحقق إطلاق سراح الرهائن. بل سيفاقم، في المقابل، الأزمات داخل إسرائيل، على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية.
ومع بدء ارتفاع حصيلة قتلى حصار غزة المتجدد وقصفها، سيزداد غضب الجماهير العربية ضد تواطؤ النظامين في مصر والأردن. وليس من المستبعد أن تنفجر التوترات عند نقطةٍ ما، مطلقةً العنان لموجةٍ جديدةٍ من الثورات العربية.

في الغرب، بات من الواضح للملايين أن الإمبرياليين لا يملكون حلا لهذه الأزمة. وتواطؤ ترامب وستارمر وماكرون وغيرهم في دعم الإبادة الجماعية الإسرائيلية، في الواقع، لن يولد، كلما طال أمده، إلا المزيد من الاشمئزاز بين العمال والشباب. لقد انفضح قناع الديمقراطية البرجوازية المبتسم على حقيقته، باعتباره واجهة للاستغلال الوحشي لعمال العالم وفقراءه من قبل عصابة من أصحاب الملايير الذين سيبذلون قصارى جهدهم للدفاع عن مصالحهم.
للفلسطينيين الحق في وطن. لكن لا أحد يفعل أي شيء ملموس لتحقيق ذلك. لقد دعم الإمبرياليون الغربيون، سواء في أمريكا الشمالية أو أوروبا، حرب الإبادة الجماعية التي يشنها نتنياهو. أما الأنظمة العربية المحلية، فقد تعاونت، بطريقة أو بأخرى، مع إسرائيل إما بشكل مباشر أو أطلقت عبارات فارغة عن دولة للفلسطينيين. إنهم ليسوا أصدقاء للشعب الفلسطيني بأي حال من الأحوال.
إلا أن ملايين العمال والشباب والفقراء والمضطهَدين في جميع أنحاء الشرق الأوسط يتعاطفون مع إخوانهم وأخواتهم في فلسطين ويدعمونهم. إن الإطاحة الثورية بكل المسؤولين عن هذه الجرائم -الإمبرياليين والصهاينة والأنظمة المتواطئة معهم في مختلف أنحاء الشرق الأوسط- هي وحدها القادرة على خلق الظروف اللازمة للتحرر الحقيقي لفلسطين، ووضع حد للرعب وإراقة الدماء.