الرئيسية / الشرق الأوسط وشمال إفريقيا / شمال إفريقيا / المغرب / المغرب: تحرر النساء، المشروع الماركسي أم المشروع النسواني؟

المغرب: تحرر النساء، المشروع الماركسي أم المشروع النسواني؟

رابطة العمل الشيوعي – المغرب
الأربعاء: 08 مارس 2017

تقف الماركسية من قضية المرأة على طرف النقيض مع الحركة النسوانية سواء في منطلقاتها أو وسائلها أو في غاياتها. فبينما تعتبر الحركة النسوانية اضطهاد المرأة نتاجا لنزعة متأصلة في الرجل تطلق عليها اسم “الذكورية”، نزعة عابرة للزمان والمكان والطبقات الاجتماعية، فإن الماركسية تعتبر أن اضطهاد المرأة يجد جذوره في انقسام المجتمع إلى طبقات، طبعا لا ننفي وجود عنف الرجل ضد المرأة في البيت والشارع، الخ… لكن جذوره الحقيقية ليست موجودة في طبيعة متأصلة في الرجل، بل في طبيعة المجتمع القائم والعلاقات الاجتماعية وفكر الطبقة السائدة.

  وبينما تعتبر النسوانيات أن عدو المرأة هو “الرجل”، فإن الماركسية تؤكد أن عدو المرأة العاملة والفلاحة وربات البيوت المنتميات إلى الطبقة الكادحة، ليس هو الرجل العامل والفقير، عدوهن الحقيقي هو المجتمع الرأسمالي والدولة البرجوازية وسياسة التفقير والتقشف والاستغلال التي تنفذها لخدمة الطبقة الرأسمالية (برجالها ونسائها).

وإذ تحاول الحركة النسوانية إقناع النساء الكادحات بأن الحل لمشاكلهن ممكن في ظل النظام القائم عبر تغيير القوانين والدساتير وما إلى ذلك، فإننا، نحن الماركسيون، نؤكد أنه لا يمكن تحقيق أي حل جدي ودائم في أوضاع النساء في ظل النظام الرأسمالي.

طبعا نحن لا ننكر النضال من اجل التحسينات في أوضاع النساء، حتى أكثرها بساطة، بل على العكس تماما، إن موقعنا الطبيعي هو في مقدمة تلك النضالات، لكننا لا نسمح بأن يتم خداعنا بإمكانية تحقيق التحرر الفعلي للنساء في ظل نظام الملكية الخاصة والاستغلال والتقشف والجشع الدائم من أجل الربح، أي النظام الرأسمالي.

إن الفرق بيننا وبين النسوانيات ليس في أنهن يناضلن من أجل تحسين أوضاع النساء بينما نرفض نحن ذلك النضال أو نهمله لصالح النضال الثوري، كلا على الإطلاق. إن الفرق بيننا وبينهن هو أننا نضع النضال من اجل الإصلاحات في المسار الصحيح الوحيد الممكن له، أي مسار الاصطدام بحدود النظام القائم وتجاوزه، بينما هن مستعدات للنضال من أجل الإصلاحات فقط إذا لم تؤد تلك الإصلاحات إلى تهديد النظام القائم، ولا يترددن نهائيا في التخلي عن النضال والمساومة عليه كلما اتضح أنه قد يسير أبعد من الحدود المرسومة له سلفا في برامجهم الإصلاحية.

نحن نعتبر أن تحرر النساء الجذري والدائم مستحيل إلا بالقضاء على النظام الرأسمالي وبناء الاشتراكية. وهو ما يقتضي توحيد نضالات النساء الكادحات ربات البيوت والعاملات والفلاحات وبنات فقراء المدن والقرى مع نضالات رفاقهن الرجال في الأحياء والمصانع والجامعات والقرى على أساس برنامج مطالب انتقالية تربط أشد مطالبهن ومطالبهم إلحاحا بمطلب التغيير الاشتراكي الثوري للمجتمع.

البديل الذي نطرحه يبدو صعبا وبعيد المنال، مقارنة مع البديل الذي تطرحه السيدات والسادة في الحركات النسوانية والحركات الإصلاحية عموما. عادة ما يفكر هؤلاء السادة والسيدات قائلين: «ثورة اشتراكية؟ يا إلهي! أليس من العقلانية والأجدى المطالبة بإصلاح دستوري ومدونة أسرة حداثية ديمقراطية وقوانين صديقة للمرأة ومحاربة الذكورية، وما إلى ذلك من الحلول الممكنة التطبيق، عوض ذلك الأفق البعيد الذي تطرحونه أيها الماركسيون؟». في الواقع كنا سنقبل بكل فرح نحن أيضا لو أنه كان من الممكن تحقيق التحرر التاريخي والنهائي للكادحين نساء ورجالا باتخاذ إجراءات سهلة وبسيطة مثلا إصلاح القوانين والدساتير. آه كم كان سيكون من السهل جدا تغيير العالم لو كان الأمر يقتضي مجرد إدخال بضع إصلاحات هنا وهناك! وما إلى ذلك. لكننا مضطرون بكل أسف أن نصدم هؤلاء الطوباويين بالحقيقة المرة وهي أن التاريخ لا يطرح أمامنا بدائل سهلة، مثلما نحن آسفون بطبيعة الحال أن نخبرهم بأنه لا يمكن معالجة السرطان بكأس من الويسكي. إن المشاكل العميقة الجدية، تتطلب دائما حلولا عميقة جدية، وهذا هو حال قضية المرأة.

إن السير وراء أوهام النسوانيات لا يؤدي أبدا إلى أي نتيجة. وهذا ما تؤكده عقود طويلة من “النضالات” التي قمن بها والشعارات التي رفعنها، ماذا كانت النتيجة؟ لا شيء يذكر. حتى دستور 2011 الذي تتغنى به جميع النسوانيات باعتباره “خطوة جبارة إلى الأمام” لم يأت نتاجا لنضالاتهن الفلكلورية، بل جاء نتاجا عرضيا للنضال الثوري الذي خاضته شابات وشباب حراك 20 فبراير من اجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.

طبعا لا يعني قولنا هذا إن السيدات النسوانيات لا يحققن أي شيء من خلال “نضالاتهن”، بل على العكس تماما. السيدة أمينة بوعياش، على سبيل المثال، مناضلة نسوانية لا يشق لها غبار، اعتبرت أن «مسيرة المساواة، بدأها المغرب، من خلال مدونة الأسرة، وأصبحت تترسخ على مستوى جمعيات المجتمع المدني»، وسنة 2011 شاركت في “اللجنة الاستشارية لتعديل الدستور”، وبقليل من الجهد ها هي الآن قد صارت سفيرة للملك بمملكة السويد وجمهورية لاتفيا، وهذه ليست سوى البداية.

لطيفة جبابدي التي سبق لها أن اعتبرت أن «خطوة إصلاح قانون أحوال الأسرة في المغرب خطوة تاريخية وثورة حقيقية، إذ إن وقعها برأيها لن يتوقف في حدود رفع الحيف عن النساء، وإنما ترسيخ مفاهيم الديمقراطية من خلال الأسرة.

وأكدت أن عوامل عدة تضافرت في المغرب من أجل إصلاح القانون… أول هذه العوامل هو الإرادة السياسية، التي قادها الملك محمد السادس، الذي دعا منذ اعتلائه السلطة في العام 1999 إلى المساواة بين الرجال والنساء في الحقوق والواجبات…»[الوسيط]. كما أكدت أن خطاب 09 مارس كان خطاب إصلاحات شاملة بالنسبة للمرأة. حققت الكثير من الإصلاحات لنفسها بتسلقها لمناصب كثيرة من بينها مقعد في البرلمان وما يصاحبه من أجرة جزيلة وتقاعد مريح، ناهيك عن مناصب في الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية عديدة.

الإصلاحيون أناس عقلانيون جدا وعمليون جدا، عندما يصطدمون أمام واقع استحالة تحقيق الإصلاحات للجميع، لا يتركون الفرصة تضيع، بل يسارعون إلى تحقيق الإصلاحات لأنفسهم، فما لا يدرك كله لا يترك جله، كما قال “السلف الصالح”.

لكن بينما ترفل في النعيم المادي تلك الوصوليات الحقيرات، اللائي تسلقن اجتماعيا باستغلال بؤس ملايين النساء، تبقى أوضاع النساء الكادحات سيئة وتزداد سوءا يوما عن يوم. فبعد 13 سنة على تطبيق مدونة الأسرة، و6 سنوات على “الدستور الجديد”.

إن المغرب اليوم (حسب دراسة أجرتها مؤسسة “تومسون رويترز”) ثامن أسوء مكان يمكن للمرأة أن تعيش فيه، من بين 22 بلدا بمنطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط (ما يسمى بالعالم العربي)، أي خلف الجزائر وتونس والأردن وحتى جزر القمر. ولم يتقدم إلا أمام السعودية المغرقة في التخلف والبلدان التي تعرف الحروب والتوترات مثل اليمن وليبيا والسودان والعراق، الخ. كما أنه ما تزال مئات النساء يمتن كل سنة أثناء الوضع، بوتيرة أسوء حتى من تلك التي تعرفها بلدان تعيش الحروب الأهلية (مثل العراق وسوريا) أو الحصار (مثل فلسطين)، فسنة 2015 على سبيل المثال كان عدد وفيات النساء أثناء الوضع 121 امرأة لكل 100 ألف ولادة، بينما سجل العراق في نفس السنة 50 حالة وفاة وسجلت سوريا 68 حالة وفاة !!! كما تموت امرأة قروية كل يوم بسبب المضاعفات المرتبطة بالولادة.

كما تعاني المرأة المغربية من استفحال البطالة بين صفوفهن، فمعدل البطالة بين النساء من 15 إلى 24 سنة، تصل 19,1% (46,8% في المدن و4,3% في القرى). و17% بين النساء من 25 إلى 34 سنة (30,8% في المدن و2,1% في القرى)

ناهيك عن ما تعانيه العاملات من استغلال وحشي في مصانع النسيج والتصبير والمزارع المغطاة، الخ. لكن كل هذه الأوضاع لا تعني السيدات النسوانيات من قريب أومن بعيد، إذ أن كل ما يهمهن هو سلك أقرب طريق لتحسين أوضاعهن الخاصة والوصول إلى مناصب المسؤولية في الحكومة والبرلمان وإدارات المؤسسات الكبرى، أما قضية المرأة فليست سوى ورقة للمساومة.

نقول ونكرر، ولن نتعب أبدا من القول والتكرار: إن النظام الرأسمالي، في حد ذاته، هو سبب الوضع المأساوي الذي تعيشه النساء الفقيرات الكادحات. ولن تتحرر النساء فعليا إلا بالنضال من أجل إسقاط هذا النظام الظالم وبناء نظام جديد عادل، نظام يقوم على التسيير الديمقراطي لكل ثروات المجتمع لصالح كل أفراد المجتمع (نساء ورجالا): النظام الاشتراكي.

في ظل النظام الاشتراكي وحده سيصير من الممكن تحقيق المساواة الفعلية بين النساء والرجال، ليس على صعيد القوانين والكلمات فقط، بل في الواقع المعاش في المعامل والأحياء والمدارس والجامعات، الخ. في ظل المجتمع الاشتراكي وحده سيصير من الممكن القضاء على البطالة وتقسيم ساعات العمل المتوفرة اجتماعيا بين نساء ورجال المجتمع كله، وتعميم التعليم في كل مدينة وقرية وبناء ما يكفي من الحضانات ورياض الأطفال والمصابن العمومية والمطاعم العمومية، في كل مدينة وبلدة وقرية، بجودة عالية، مجانية أو بأثمنة في متناول نساء ورجال الطبقة العاملة، مما سيحقق فعلا تخلص المرأة، والرجل كذلك، من العمل البيتي العبودي غير المؤدى عنه، ليصير عملا اجتماعيا مدفوع الأجر. مما سيمكن النساء من المشاركة الفعلية في الإنتاج والثقافة والسياسة والحياة العامة، والمساواة مع رفاقهن الرجال.

لتحقيق ذلك المجتمع لا بد من كسب المناضلات الحقيقيات المنخراطات في الكفاح اليومي الذي يخوضه أبناء وبنات شعبنا الكادح ضد البطالة والتهميش والاستغلال وضد العنف ضد النساء وضد التقشف ومن أجل التعليم وغيرها من النضالات، كسبهن إلى النضال من أجل بناء القيادة الثورية والنضال من أجل الاشتراكية في المغرب والمنطقة والعالم.

إن تحرر النساء رهين بالاشتراكية، والاشتراكية رهينة بنضال النساء من أجل تحررهن. بدون مساهمة النساء الفعلية في النضال من أجل الاشتراكية ستبقى الاشتراكية حلما بعيد المنال، إذ لا يمكن تصور إمكانية انتصار النضال من أجل الاشتراكية دون نضال نصف قوات الطبقة العاملة، وأكثرها اضطهادا وكفاحية، من أجلها. هذه هي القناعة التي تجعلنا نبذل كل جهدنا لنشر الوعي بين صفوف النساء وكسب أفضل المكافحات من بين صفوفهن إلى قضية النضال من أجل الاشتراكية.