يقدم لنا الجزء الثاني من فيلم ريدلي سكوت الملحمي المزيد من نفس الأحداث: معارك الكولوسيوم والأباطرة المنحطين وتصوير الانحدار الإمبراطوري. وفي هذا المقال تقارن أوليف رود بين قصة الفيلم الخيالية والواقع التاريخي لروما.
بعد فيلم نابليون الغريب (2023)، أنتج المخرج البريطاني ريدلي سكوت فيلمًا من المؤكد أنه سوف يأسر أولئك الذين يقضون وقتهم في التفكير في الإمبراطورية الرومانية.
فقد يبدو للوهلة الأولى وكأنه مجرد إعادة إنتاج حديثة للجزء الأول من فيلم المصارع (Gladiator I). ومحاولة ساخرة ومدروسة لاستعادة إشادة النقاد بنجاحه السابق. ففي نهاية المطاف، نال سكوت خمس جوائز أوسكار عن غزوته الأصلية للكولوسيوم، بما في ذلك جائزة أفضل فيلم.
مع موسيقى تصويرية تبدو مستوحاة بشكل كبير من أعمال هانز زيمر، وسرد يردد صدى العديد من الإيقاعات المألوفة، يعيد الفيلم زيارة العصر الذي أعقب نهاية باكس رومانا – بالرغم من كونه خياليًا إلى حد بعيد.
وفي الوقت نفسه، فهناك أسباب قوية لإعادة تقديم هذا الفيلم.
تكمل الحبكة المؤامرة السياسية للفيلم الأصلي، مما يجعله تكملة مناسبة. فهو يحتفظ بالخطوط والدراما والمعارك الملحمية التي جعلت فيلم المصارع (Gladiator) محبوبًا للغاية. وبينما تتجاوز بعض مشاهد الأكشن حدود المعقول، فإن مزيجًا من الرسوم المتحركة والمؤثرات العملية يبث الحياة في رؤى سكوت الأكثر طموحًا وغرابة.
تحذير: هذه المراجعة تحرق الأحداث.
“مملكة الحديد والصدأ”
يركز الفيلم الأول على صراع القوة بين الإمبراطور كومودوس، الابن النرجسي لماركوس أوريليوس، الذي كان يطمح إلى أن يصبح مصارعًا، وماكسيموس، الجنرال الموقر وخليفة الإمبراطور السابق، والذي أصبح رجلًا مطاردًا وعبدًا.
يبلغ الصراع بينهما ذروته في قتال حتى الموت في الكولوسيوم الروماني – مما يمثل نهاية حياة الرجلين وبداية عقود من الاضطرابات.
تاريخيًا، كانت هذه حقبة من عدم الاستقرار، حيث صعد خمسة أباطرة وسقطوا في غضون خمس سنوات فقط، مما أدى إلى تدشين سلطة سلالة سيفيران المضطربة. وتحولت روما، على حد تعبير أحد الكتاب: “من مملكة الذهب إلى مملكة الحديد والصدأ”.
ومن خلال منعطف من القدر، نكتشف أن ماكسيموس كان له ابن سري، لوشيوس، وُلد من علاقة غرامية بابنة ماركوس أوريليوس.
وبعد مرور عشرين عامًا، نلتقي بلوشيوس (الذي يؤدي دوره بول ميسكال)، الذي يعيش الآن بأسم هانو ويدافع عن نوميديا - “أخر مدينة حرة في شمال أفريقيا” – ضد غزو الجيش الروماني.
يؤدي هذا الهجوم، الذي قاده الجنرال ماركوس أكاسيوس (بيدرو باسكال) إلى مقتل زوجة هانو، أريشات، خلال المعركة.
يبدو أن موت أريشات أصبح المحفز لغضب هانو العارم ضد الإمبراطورية، هذا الغضب الذي يدفعه للنجاح في المصارعات – الطريق الوحيد إلى الحرية للعبيد.
يعكس هذا أحداث الفيلم الأول بشكل واضح.
ولكن بالرغم من أن القصة تتناغم مع القصة الأصلية، إلا أن الجزء الثاني يفتقر إلى التنفيذ.
بعد أن شهد وفاة والده على يد عمه، والآن يتحمل خسارة زوجته، قد يتوقع المرء أن يكون غضب لوشيوس ذا ثقل عاطفي أكبر. لكن الفيلم، بالرغم من أداء مسكال الجدير بالثناء، يتعثر في إظهار عمق علاقته بأريشات أو ارتباطه بوطنه بالتبني (نوميديا – المترجم).
فوفاتها حدثت في وقت مبكر جدًا من الفيلم لدرجة أنها تبدو متسرعة وغير مكتملة. علاوة على ذلك، فإن الكشف عن أن لوشيوس هو ابن ماكسيموس لم يتضح مبكرًا، مما يجعل دوافعه تبدو جوفاء.
يتناقض هذا بشكل صارخ مع الجزء الأول من فيلم المصارع (Gladiator)، حيث يتوق ماكسيموس ديسيموس ميريديوس، الذي سئم من سنوات الحملات العسكرية، إلى العودة إلى عائلته في إسبانيا. إن خسارته المدمرة – مقتل زوجته وابنه على أيدي الحرس الإمبراطوري – تترك صدى عاطفيًا لا مثيل له، مما يؤسس بقوة لسعيه للانتقام.
الخبز والسيرك
بعد أن وقع لوشيوس في الأسر خلال المعركة واستُعبد، إلى جانب العديد من أسرى الحرب الآخرين، تميزت رحلة لوشيوس إلى روما بسلسلة من الأحداث المروعة.
ومن بين هذه الأحداث مواجهة وحشية في الساحة مع قرود قاتلة شرسة ينجو منها بفضل مهارته وعزيمته.
وفي النهاية، يتم نقله إلى روما بواسطة ماكرينوس، العبد السابق الذي تحول إلى انتهازي سياسي منافق، والذي يضمر استياءً عميقًا لمجلس الشيوخ، ويحاول استخدام لوسيوس كأداة في مخططاته.
إن أداء دينزل واشنطن المبهج لشخصية ماكرينوس، وتجسيد فريد هيكينجر شخصية الإمبراطور المستبد كاراكالا، من بين أفضل الأدوار في الفيلم.
فتحت حكم كاراكالا وشقيقه جيتا انحدرت روما إلى الفوضى. حيث تصطف حشود جائعة مصابة بالأمراض في شوارع المدينة تتسول فتات الخبز.
وعلى الرغم من مكانته العسكرية المرموقة، فقد أصيب الجنرال الأكثر شهرة في روما بخيبة الأمل وتوق إلى التقاعد. وكان غاضبًا بشكل خاص من خطط الأباطرة لمزيد من الفتوحات في بلاد فارس والهند، حيث صاح: “إن شعب روما يحتاج إلى الطعام!”.
وفي حين أن الجماهير الرومانية تبدو منبهرة في البداية بالعروض المتقنة في الكولوسيوم، بما في ذلك إعادة تمثيل المعارك البحرية الملحمية، فإن الإثارة تتلاشى بسرعة.
إن البروليتاريا ـ الأحرار الذين لا يملكون أرضًا في الإمبراطورية ـ تصاب بالقلق والاضطراب، حيث تفشل الإلهاءات الباذخة التي يرعاها الإمبراطوران التوأمان في إخفاء الأزمة المتفاقمة التي تعيشها روما.
تتصاعد التوترات مع بدء غضب الشعب في الغليان. كما يتصاعد السخط بين الطبقة السائدة، في الوقت نفسه، مع تآمر شخصيات مثل الجنرال أكاسيوس ولوسيلا للإطاحة بكاراكالا وجيتا. ومع ذلك، فإن إعدام أكاسيوس المحبوب على نطاق واسع لم يؤد إلا إلى تأجيج الغضب العام، مما أثار اضطرابات واسعة النطاق.
ومع تسرب السلطة من بين أيديهم، يجد الإمبراطوران التوأمان نفسيهما محاصرين من الجماهير الغاضبة، التي تحاصر القصر في عمل أخير من أعمال التمرد.
إن الانحطاط والانهيار السياسي يتجسدان في الصراع الشخصي بين كاراكالا وجيتا. إن تصاعد شغفهما بالدماء، سواء في الكولوسيوم أو خارجه، يفضح انحدار الإمبراطورية ذاتها.
إن انحدار كاراكالا إلى الجنون ــ الذي بلغ ذروته بقراره السخيف بتعيين قرده الأليف كمستشار أول ــ يشكل انعكاسًا غريبًا لتفكك روما.
“حلم روما”
بلم شمله مع والدته لوسيلا، يتعلم لوشيوس مصيره: تحقيق “حلم روما”.
تتضمن هذه الرؤية روما حيث يتحرر الناس من الطغيان، حيث يتم استعادة الحرية، ويتولى مجلس الشيوخ السلطة بدلًا من الأباطرة.
وفي محاولة لاستغلال فراغ القيادة الذي خلفه الأباطرة المختلون ومجلس الشيوخ غير الفعّال، يخطط ماكرينوس لتعزيز سلطته بالقوة الغاشمة، وهو تصوير يتماشى بشكل وثيق مع الصراعات السياسية التاريخية في الإمبراطورية الرومانية.
ولكن لوشيوس يعتقد أن هذا لا يمثل سوى عنصر واحد في المعادلة. فيقرر تحقيق حلم ماركوس أوريليوس في استعادة سلطة مجلس الشيوخ وإنهاء الحكم الإمبراطوري، بهدف توحيد تحالف من الطبقات الاجتماعية المتنوعة في روما لتحقيق هذا الهدف.
حيث يبدأ المشهد الأخير من الفيلم بخطاب عاطفي يلقيه لوشيوس على المصارعين العبيد في الكولوسيوم. ويحثهم على القتال ليس من أجل البقاء في الساحة، بل من أجل هدف أعلى: التحرر من العبودية وخلق مستقبل أفضل.
إن هذه الدعوة إلى العمل تشعل تصميمهم على مقاومة القوات الإمبراطورية.
وعلى الرغم من موجة الدعم الأولية، يضطر لوشيوس إلى البحث عن تحالفات خارج الساحة، مناشدًا الزمر العسكرية في الجيش الروماني والحرس الإمبراطوري أن يتحدوا في السعي إلى تحقيق “حلم روما”.
وعلى عكس فيلم المصارع الجزء الأول (Gladiator I)، فإن نهاية الجزء الثاني تميل نحو التفاؤل. فتشير القصة إلى أن المكافأة الحقيقية لا توجد في الاستسلام أو انتظار الموت، بل في النضال المستمر من أجل مستقبل أفضل.
وفي حين يمتنع ريدلي سكوت عن إجراء مقارنات صريحة مع الحاضر، فإن الفيلم يصور بفعالية موضوعًا أوسع: وهو أن الأنظمة التي تعاني من الأزمات – سواء كانت قديمة أو حديثة – تواجه حتمًا أزمات في القمة، وانتهازيين سياسيين (أخيار أو أشرار)، وانتفاضات شعبية.
بونابرت وليس سبارتاكوس
إن الجزء الثاني من الفيلم يبذل جهودًا كبيرة لتكرار شعار الفيلم الأصلي: “ما نفعله في الحياة يتردد صداه في الأبدية”.
صحيح أن بعض الأفراد والشخصيات التاريخية ــ التي تمثل تطلعات ومصالح طبقات معينة ــ قادرة، في ظل الظروف المناسبة، على إحداث تغيير اجتماعي شامل.
ولكن من الناحية التاريخية، وعلى الرغم من رغبات بعض الشخصيات المؤثرة لم يتم استعادة الجمهورية. وبدلًا من ذلك، فقد أعقبت هذه الحقبة فترة من الفوضى المعروفة باسم “أزمة القرن الثالث”.
إن سقوط الإمبراطورية الرومانية، ذلك النظام المصمم لحماية ممتلكات وامتيازات طبقة مالكي العبيد، لم يكن ليتحقق إلا بثورة موحدة للطبقات المضطهَدة. وكان فشلهم في مواجهة هذا التحدي سببًا في ضمان انحدار الإمبراطورية على المدى الطويل.
وعلى النقيض من ذلك، فإن لوشيوس، بالرغم من مُثُله النبيلة واعتماده المبكر على تحالف العبيد والانتفاضات الشعبية داخل المدينة، يستمد قوته في نهاية المطاف من الجيش وملاك الأراضي والوضع الراهن.
إن دوره في هذا الصدد أقل شبهًا بدور سبارتاكوس، الثوري الذي حارب من أجل المظلومين، وأكثر تماثلًا مع شخصيات تاريخية مثل بونابرت أو قيصر.
إن هذه الديناميكية تظهر التاريخ الإمبراطوري. لقد كان أشخاص مثل دقلديانوس هم من أنهوا أزمة القرن الثالث، وذلك بالصعود من خلال الجيش وكسب ثقة القوات. وقد نجح بذلك في تثبيت استقرار الإمبراطورية وبدء فترة من السلام النسبي – وإن كان ذلك السلام لم يؤد إلا إلى تأخير زوالها في نهاية المطاف.
ولكن ما يبرزه الفيلم هو الحاجة إلى الارتقاء فوق النضال من أجل البقاء، واحتضان الأفكار التي تسمح لنا بالعيش حقًا، وتحرير أنفسنا من القمع والطغيان، والاستناد إلى الطبقة التي يمكنها جعل هذا المجتمع حقيقة واقعة.
بالنسبة لأولئك الذين يبحثون عن فيلم “متوسط الجودة” مع توازن بين الأكشن والحوار فإن هذا الجزء الثاني يقدم الكثير للاستمتاع به. ومع ذلك، يجب على المشاهدين أن يخففوا من توقعاتهم – إنه فيلم قوي وجذاب، لكنه ليس تحفة فنية.
أوليف رود
21 نوفمبر/تشرين الثاني 2024
ترجم عن موقع الشيوعي:
Readers recommend: ‘Gladiator II’ – Roman rust, rebellion, and revenge