لقد أدت محاولة مسلح، يبلغ من العمر 20 عامًا، اغتيال دونالد ترامب، خلال تجمع جماهيري في بنسلفانيا يوم السبت، إلى دفع الديمقراطية البرجوازية الأمريكية إلى أزمة تزداد عمقًا.
هذه ليست أول محاولة اغتيال لرئيس أمريكي -في هذه الحالة، رئيس سابق من المرجح أن يعود إلى البيت الأبيض في نوفمبر- لكنها الأولى التي تحدث على الهواء مباشرة وفي عصر وسائل التواصل الاجتماعي. كانت آخر محاولة لاغتيال رئيس أمريكي هي حادثة إطلاق النار على رونالد ريغان، في عام 1981. وخلال العقود الأربعة منذ ذلك الحين، عانت جميع المؤسسات السياسية الرسمية من تراجع الشرعية بجميع المقاييس تقريبًا.
حتى في الأسابيع التي سبقت هذا الحدث، لم يكن من المبالغة القول إن السياسة الأمريكية كانت بالفعل داخل “منطقة الأزمة”. إذ إن أداء جو بايدن الكارثي في المناظرة، ألقى بالحزب الديمقراطي في حالة من الذعر الكامل، مما أثار موجة من الدعوات للرئيس الحالي للانسحاب من السباق، لتفادي المخاطرة بمنح ترامب فوزًا سهلًا في نوفمبر. كان الاستراتيجيون السياسيون الليبراليون يطلقون على تداعيات مناظرة بايدن اسم “حالة التأهب الدفاعي 1” (DEFCON 1)، وهو مصطلح يشير إلى المستوى الأعلى من التأهب، والذي يشير عادة إلى هجوم وشيك أو حالة حرب.
يبدو أن كل حديثهم عن “حالة التأهب الدفاعي 1” كان سابقًا لأوانه بأسبوعين. فخلال الليلة الماضية، غمرت شبكة الإنترنت لقطات صادمة لرصاصة تلمس أذن ترامب حين كان يلقي خطابه، في حين دوت طلقات متعددة مما أسفر عن مقتل شخص واحد على الأقل من بين الجمهور وإصابة اثنين آخرين، وسماع صرخات الرعب من الحشد.
بعد أن أطلق عملاء الخدمة السرية النار على المسلح، الذي أطلق النار من سطح مصنع بجوار التجمع على بعد حوالي 300 قدم، وقتلوه، سارعوا إلى إبعاد ترامب عن مكان الحادث، لكن ليس قبل التقاط صورة تاريخية. لقد شعر ترامب بالقيمة السياسية لهذه اللحظة لحملته، فرفع قبضته بتحدٍ أمام الحشد، والدم يسيل على جانب وجهه، وهو يصرخ “كافحوا!” عدة مرات قبل أن يرافقه فريق الأمن بعيدًا عن المنصة.
لم تنشر حتى الآن سوى القليل من المعلومات حول القناص، توماس ماثيو كروكس، أو دوافعه. وتشير سجلات الناخبين في الولاية إلى أنه كان جمهوريًا. كان يعيش في بيثيل بارك، بنسلفانيا، على بعد ساعة تقريبًا من موقع التجمع. تخرج كروكس من المدرسة الثانوية في عام 2022 وعمل في مطبخ دار لرعاية المسنين. وعندما كان يبلغ من العمر 17 عامًا، قيل إنه تبرع بمبلغ 15 دولارًا لمجموعة حملة “ActBlue”، التي تدعم الديمقراطيين الليبراليين. كان التبرع في 20 يناير 2021، يوم تنصيب بايدن.
وصفه زملاؤه السابقون في المدرسة الثانوية بأنه شخص منعزل يأتي بـ”ملابس القنص” إلى المدرسة. وكان في يوم إطلاق النار، يرتدي قميصًا يحمل شعار “Demolition Ranch”، وهي قناة يوتيوب شهيرة تعرض محتوى عن الأسلحة والمتفجرات. عثرت الشرطة على مواد لصنع القنابل في منزله وفي سيارته المتوقفة قرب التجمع. ومع أن التحقيق ما زال جاريًا، فإن مكتب التحقيقات الفيدرالي يعتقد حاليًا أن ذلك الشخص تصرف بمفرده، وأن وابل النيران المتفرق الذي أطلقه على الحشد يعكس الافتقار إلى دقة التصويب. أي لم تكن له أي صلات عسكرية.
لماذا يعارض الشيوعيون الإرهاب الفردي
مهما كانت دوافع مطلق النار، يجب أن نكون واضحين في أن الشيوعيين يعارضون الإرهاب الفردي. نحن نعارضه ليس لأسباب أخلاقية، أو لأسباب سلمية، بل لأنه يأتي بنتائج عكسية من منظور الصراع الطبقي، وضار بتطور الوعي الطبقي للبروليتاريا.
لقد كانت قاعدة ترامب مقتنعة فعلًا بأن انتخابات 2020 سُرقت من مرشحهم، وأن جميع المؤسسات الرسمية، بما في ذلك وسائل الإعلام والنظام القانوني، كانت تتآمر ضده. وفي لحظة واحدة، تضاعفت عقلية القلعة المحاصرة عشرة أضعاف، مما دفع الملايين من ناخبي ترامب إلى حالة من الذعر والغضب.
وبعد الحادث مباشرة بدأ جهاز ترامب في اتهام “اليسار الراديكالي” بهذا الهجوم. إن هذه هي لغة الديماغوجية الصرفة، والتي لن تخدم إلا في زيادة احتمالات وقوع هجمات عنيفة أكثر تواترًا من جانب اليمين. وتعطينا كلمات أحد المؤيدين لترامب صورة عن المشاعر الحالية لدى أغلب قاعدته: “لقد أطلقوا النار أولًا! وهذا يعني الحرب!”.
ليس من الصعب أن نتخيل ردة فعل قاعدة ترامب لو أن رصاصة القناص أصابت هدفها. من المرجح أن تشعل انفجارًا اجتماعيًا من أعمال الشغب والعنف ضد أي شخص يُنظَر إليه على أنه من “الجانب الآخر”.
إن الشيوعيين يعارضون دونالد ترامب بطبيعة الحال. لكنه من الواضح أن أي نتيجة لمحاولة اغتياله ستؤدي إلى تطورات رجعية تمامًا، لن تخدم بأي حال من الأحوال مهمة توضيح الانقسام الطبقي الموجود في المجتمع، بما في ذلك داخل معسكر ترامب نفسه.
تتألف أغلبية قاعدة دعم ترامب من العمال الذين تعرضوا للخداع مؤقتًا وصدقوا ديماغوجيته. ومهمتنا هي شحذ الموقف الطبقي في المجتمع ورفع مصالح الطبقة العاملة برمتها إلى المقدمة، وأن نشرح للعمال إن عدوهم المشترك هو الطبقة الرأسمالية، وليس شريحة أخرى من الطبقة العاملة. وعلى هذا الأساس سيمكن تقسيم قاعدة ترامب على أسس طبقية.
في نوفمبر المقبل، سوف يُطلب من العمال الاختيار، مرة أخرى، بين الديمقراطيين والجمهوريين. لكن الملايين من الناس يشعرون بالنفور بحق من ترامب وبايدن وبقية ساسة ومؤسسات الطبقة السائدة. إن هذه الكراهية الطبقية تعبر عن غريزة صحية مفادها أن النظام برمته في أيدي طبقة أخرى، تتعارض مصالحها تمامًا مع مصالحنا. يكمن حل هذا المأزق السياسي في النضال الجماعي للطبقة العاملة، وتحركها بوعي واتحاد باعتبارها طبقة، من أجل مصالحها الخاصة. وهذا يتطلب وصول الوعي الطبقي إلى مستوى متقدم للغاية، ومهمتنا نحن الشيوعيون هي المساعدة في حدوث ذلك.
إن أعمال الإرهاب الفردي تؤدي بطبيعتها إلى نقيض هذه السيرورة. الإرهاب الفردي يفرض على الطبقة العاملة أن تكون مجرد متفرج عاجز، بدلًا من منح العمال شعورًا بالقوة والثقة في قدرتهم الجماعية على التأثير على الأحداث، كما هو الحال مع الإضرابات الجماهيرية أو المظاهرات الجماهيرية، على سبيل المثال. كما إن الإرهاب الفردي يخلق جوًا من الخوف والذعر، بدلًا من الاستعداد الكفاحي للنضال الجماهيري. إن حوادث مثل محاولات الاغتيال تؤدي إلى دفع مجموعات الميليشيات الهامشية ومسلحي الطبقة المتوسطة المجانين إلى التحرك، وليس إلى تحفيز العمال على الاتحاد للنضال ضد الطبقة السائدة.
وهناك تأثير سياسي رجعي آخر للإرهاب الفردي وهو أنه يصور وكأن المشكلة الرئيسية تقتصر على الأفراد، مما يشير إلى أن مجرد إزالة ترامب -أو بايدن، أو هاريس، أو روبيو، أو فانس، إلخ- سيمثل خطوة إلى الأمام. وهذا خطأ، ويصرف الانتباه عن الاعتراف بأن النظام الرأسمالي بأسره -إضافة إلى أحزاب ومؤسسات الطبقة السائدة جميعها– هو مصدر اضطهاد الجماهير وسبب سخطها.
ولن يتسنى للحرب الطبقية أن تتطور على طول الطريق نحو إقامة حكومة عمالية، وهو الحل الوحيد للمشاكل التي يواجهها ملايين الناس، إلا إذا رأت الطبقة العاملة نفسها بكونها طبقة ذات مصالح مشتركة تعارض جميع الساسة الرأسماليين، بمن في ذلك بايدن وترامب.
إن السبيل إلى تقويض ظاهرة ترامب الرجعية هو إقناع الشريحة العمالية في قاعدته بأن غرائزهم الطبقية السليمة يتم التلاعب بها بكلبية من طرف عضو أناني من الطبقة السائدة. فخلال السنوات الأربع من إدارة ترامب الأولى، كان أغنى 1% من السكان على ما يرام ولم يتم تجفيف المستنقع. وإذا ما عاد إلى المكتب البيضاوي، فلن يقدم أي عون لملايين العمال الذين ينزلقون بسرعة إلى ظروف بؤس لم نشهدها منذ أجيال. إن عدو العمال الأميركيين هو الطبقة الرأسمالية الأميركية، وليس المهاجرين أو عمال البلدان الأخرى.
إن الاغتيال لا يساعد العمال على استخلاص أي من هذه الاستنتاجات الضرورية، بل إنه في الواقع يعيد الوعي إلى الوراء. إن نتيجة محاولة الاغتيال هذه ستكون هي خلق المزيد من التعاطف مع ترامب، ولن يؤدي ذلك إلا إلى زيادة دعمه في استطلاعات الرأي. ستعزز هذه المحاولة نظريات المؤامرة المختلفة التي تقول إن ترامب “مناهض للمؤسسة” حقًا وأن “القوى الحاكمة” الغامضة، مثل ما يُسمى بـ”الدولة العميقة”، تريد منعه من أن يكون رئيسًا.
صحيح أن غالبية الطبقة السائدة تعارض ترامب بشدة، لكن هذا يرجع إلى حقيقة أنه فرداني يبحث عن مصلحته الخاصة ولا يبحث عن مصلحة النظام ككل. إنهم يرون أن ترامب زاد من عدم الاستقرار السياسي في نظامهم المحتضر، وساهم في تشويه سمعة المؤسسات البرجوازية المهمة لاستمرارها.
كان ماركس قد وصف السلطة التنفيذية للدولة الحديثة بأنها “لجنة لإدارة الشؤون المشتركة للبرجوازية برمتها”. قد يكون بايدن غير متماسك وغير كفء، لكن ترامب غير متوقع، ومتقلب، ومهتم بمصالحه الذاتية، وهي ليست بالضبط الصفات التي تريدها الطبقة السائدة في رئيس الدولة. وباستثناء إيلون ماسك الذي عبر على “X” عن تأييده لترامب، بعد لحظات من إطلاق النار، لم يدعم أي من الرؤساء التنفيذيين لشركات فورتشن 100 حتى الآن حملة ترامب، على النقيض تمامًا من جميع المرشحين الجمهوريين السابقين. باختصار، “لجنة إدارة الشؤون المشتركة” للرأسمالية الأمريكية في حالة من الفوضى، ولا تقدم السنوات القادمة أي علامة على الاستقرار.
ارتداد عنف الرأسمالية الأمريكية
إن قاعدة ترامب تشير بأصابع الاتهام الآن إلى وسائل الإعلام وما يُسمى بـ”اليسار” بزعم تمهيدهم الطريق لمحاولة الاغتيال بكل خطاباتهم المثيرة للقلق. كان بايدن والديمقراطيون، والأجهزة الإعلامية الضخمة التي تقف إلى جانبهم، يصفون ترامب بالفاشي ويقولون إن انتخابه من شأنه أن يؤسس لدكتاتورية، كما لو كان إنشاء دولة بوليسية عسكرية مجرد مسألة نوايا رئيس بمفرده. لقد جعلت الجوقة الليبرالية التي تنادي بـ”أهون الشرين” من ترامب تهديدًا مجسدًا للديمقراطية، وكانت ترفض دائمًا قاعدته باعتبارها كتلة رجعية من “البائسين”.
على النقيض من ذلك، فقد أشار الماركسيون إلى أن شريحة كبيرة من ناخبي ترامب تتكون من عمال لديهم درجة من السخط الطبقي الصحي الذي تم تشويهه والتلاعب به من طرف اليمينيين، وذلك بفضل غياب بديل الحرب الطبقية النضالية من اليسار. و بتجاهل هذه الحقيقة ووصم جميع ناخبي ترامب بشكل عشوائي بأنهم متعاطفون مع الفاشية، قام الليبراليون ويسار “أهون الشرين” بدفع شريحة من العمال بشكل أكثر إحكامًا إلى أحضان ترامب، مما أدى إلى تعقيد الجهود الرامية إلى كسبهم على أساس طبقي. والآن أصبح العديد من هؤلاء الذين ربما كانوا منفتحين على الحوار حول موضوعات مثل العمل النقابي ضد أرباب العمل للنضال من أجل أجور أعلى، يتعرضون للخداع من أجل دفعهم للاعتقاد بأنهم على وشك الدخول في صراع مسلح مع “اليسار”.
وبطبيعة الحال، لا يقع اللوم على الليبراليين من الطبقة السائدة فقط. لقد دعا ترامب نفسه علنًا إلى العنف السياسي في مناسبات عدة، بما في ذلك دعوة أنصاره في مسيراته إلى “القضاء على” المتظاهرين المناهضين له، ووعد بدفع الفواتير القانونية لأولئك الذين اتبعوا اقتراحه. كما رد بعنف على الاحتجاجات الحاشدة في عام 2020، فغرد قائلًا: “عندما يبدأ النهب، يبدأ إطلاق النار”. بصرف النظر عن إلهام الحراس اليمينيين الذين حملوا السلاح ضد احتجاجات “حياة السود مهمة”، فقد نشر ترامب وحدات إنفاذ القانون الفيدرالية لقمع المتظاهرين واعتقالهم، وتبجح بمقتل “أحد المشتبه بهم من أنتيفا” عام 2020 في بورتلاند.
والآن، تعاونت كافة أطياف المؤسسة الحاكمة في واشنطن في جوقة موحدة لإدانة العنف السياسي. وفي بيان بايدن العلني بعد إطلاق النار، قال: “انظروا، لا مكان في أمريكا لهذا النوع من العنف. إنه أمر مقزز… إن فكرة وجود عنف سياسي مثل هذا في أمريكا لم يُسمع بها من قبل. هذا غير مناسب. الجميع – يجب على الجميع إدانته.”
يشعر الكثير من الناس بالغثيان من هذا النفاق. لقد تم تشجيع العنف في الحرب في أوكرانيا، حيث تم مؤخرًا تنفيذ هجوم شرس ضد المدنيين الروس على شاطئ في شبه جزيرة القرم بأسلحة أمريكية. وفي الوقت نفسه، قُتل عشرات الآلاف من العمال الأوكرانيين في خنادق الحرب بالوكالة التي تشنها الإمبريالية الأمريكية ضد روسيا. وقد عانق بايدن نتنياهو، ويعطيه الأسلحة والذخيرة لقتل الفلسطينيين الأبرياء، الذين قد يصل عدد القتلى منهم الآن إلى 186 ألفًا.
ألا ينبغي لنا أن ننظر إلى العنف الموجه ضد الأسر الجائعة واليائسة المتجمعة على الحدود؟ أو عنف رجال الشرطة القتلة الذين يرهبون ويقتلون السود، ويعاملون المتظاهرين بوحشية في الشوارع الأمريكية؟ هل ينبغي أن نتفاجأ عندما لا يبقى كل هذا العنف ضمن الحدود التي وضعتها الطبقة السائدة؟ إن الطبقة السائدة المنافقة ليست ضد العنف، إنهم يريدون فقط تجنب استخدامه ضدهم.
لقد ولد النظام الرأسمالي الأمريكي وهو يقطر دمًا منذ أيامه الأولى. إن أغنى وأقوى دولة إمبريالية في العالم ترتكز على أساس عنيف لقرون من العبودية، وحروب الإبادة ضد السكان الأصليين، بالإضافة إلى سلسلة طويلة من الهجمات الوحشية على الطبقة العاملة في أي وقت حاولت فيه النضال من أجل مصالحها. لقد أخضعت الإمبريالية الأمريكية الدموية الملايين في آسيا وأمريكا اللاتينية، واستولت على مواردهم الطبيعية، وأغرقتهم في اليأس وأجبرتهم على العمل مقابل أجر ضئيل. وبعد أن أجبرت هذه الظروف أعدادًا متزايدة من الناس على ترك منازلهم والحياة التي عرفوها وراءهم لمحاولة العثور على حياة أفضل في الخارج، هاجمتهم الطبقة السائدة بشراسة وجعلتهم كبش فداء. يقود ترامب الآن حملة مناهضة للمهاجرين عن طريق حملته القائمة على الترويج للخوف والانقسام، وهو موضوع كان يتحدث عنه بالأمس عندما بدأ الرصاص يتطاير.
إن الأفكار والثقافة السائدة في الولايات المتحدة هي نتاج الطبقة الرأسمالية الحاكمة. إنهم القوة السائدة التي تحدد الأخلاق وتُظهر ما يُعد السلوك المقبول في الطريقة التي يحكمون بها المجتمع، هنا وفي الخارج. تمجّد الطبقة الرأسمالية النزعة الفردية المسعورة وعقلية “الفوز بأي ثمن”. لقد أنشأوا مجتمعًا يكون فيه العنف جزءًا من الطريقة التي يعملون بها. لقد وضعوا قواعد لعبتهم.
لقد كان ما لا يقل عن 12 رئيسًا ومرشحًا للرئاسة هدفًا للاغتيال. ومن بين الرؤساء الثلاثين الذين تولوا مناصبهم منذ أبراهام لينكولن، تم اغتيال أربعة منهم، أي أكثر من 10%. وهذا لا يعكس حالة شاذة. إنه يفضح نظامًا سياسيًا وثقافة مبنية على العنف. هذا هو المجتمع الذي أنتجه رأس المال.
وقد أحصى تقرير استقصائي نشرته رويترز العام الماضي تحت عنوان “العنف السياسي في الولايات المتحدة المستقطبة في أسوأ حالاته منذ السبعينيات” مئات حالات العنف السياسي، وكان الكثير منها مميتًا. وقد تصاعد هذا الاتجاه بالتوازي مع الاستقطاب الذي ميز السياسة الأمريكية، ولا سيما منذ عام 2016. وهو أيضًا السبب وراء الشعور المتزايد بأن الولايات المتحدة تتجه نحو حرب أهلية أخرى، وهو شعور يتقاسمه الآن ما يقرب من نصف السكان. وفي عصرنا الذي يتسم بالانحدار الرأسمالي، يتفكك الاستقرار السياسي الذي ساد في العقود السابقة بشكل متزايد كل عام.
تقدم لنا الطبقة السائدة مجتمعًا يجتاحه العنف الذي يتجاوز الاغتيالات السياسية. ففي عام 2023، قُتل نحو 118 شخصًا يوميًا في حوادث إطلاق نار في الولايات المتحدة. وقد شهدت حوادث إطلاق النار الجماعي ارتفاعًا حادًا في العقد الماضي على وجه الخصوص. كان هناك 647 حادث قتل جماعي في عام 2022 و656 حادث إطلاق نار في عام 2023. وهذا أكثر من حادثة واحدة في اليوم. حتى الآن، فإن عام 2024 عامًا “هادئًا” نسبيًا: فمن 1 يناير/كانون الثاني إلى 2 يوليو/تموز، شهدت الولايات المتحدة 261 حادث إطلاق نار جماعي على مدى 184 يومًا. لا ينبغي أن تكون هذه طريقة طبيعية لحياة الناس، ولكن هذه هي حياتنا الطبيعية في ظل الرأسمالية الأمريكية.
الطريق إلى الأمام
أن تكون شيوعيًا يعني أن تتجاوز الأيديولوجية السائدة في المجتمع. وقد أوضح ماركس إن “الأفكار السائدة في أي عصر هي أفكار الطبقة السائدة”. إن كتب العلوم السياسية مليئة بالإشارات المبتذلة إلى “حرياتنا” و”ديمقراطيتنا” و”الضوابط والتوازنات الدستورية”. ويقوم المحررون والصحفيون في وسائل الإعلام الكبرى بتمرير هذه العبارات على أنها معرفة عامة محايدة وغير قابلة للنقاش. نحن لا ننظر إلى السياسة بهذه الطريقة. وبكلمات لينين: “من الطبيعي أن يتحدث الليبرالي عن “الديمقراطية” بشكل عام، لكن الماركسي لن ينسى أبدًا أن يسأل: “لمصلحة أية طبقة؟””
يرى الشيوعيون العالم من منظور طبقي ثوري. وبعيدًا عن عناوين وسائل الإعلام البرجوازية، وبين سطور خطابها، ومن خلال “تحليلها”، نرصد العلامات الحاضرة للمجتمع الطبقي. نحن ندرك الخط الفاصل الأساسي الذي يقسم مجتمعنا. إن الماركسي المحترف سوف يلتقط بعناية البُعد الطبقي المحدد والمصالح الطبقية الدقيقة التي تتنكر في شكل تعليق “موضوعي” و”حس مشترك”.
عندما نرى العناوين الرئيسية المذعورة التي تقول إن “ديمقراطيتنا معرضة للخطر”، فإننا نسمع صوت مجموعة من الناس الذين، بعد أن حكموا بسهولة لأجيال، يجدون أنفسهم الآن على رأس سفينة تغرق، عاجزين تمامًا عن وقف زوالهم. لقد انهارت مصداقية مؤسساتهم التي كانت مستقرة ذات يوم. لقد خفت قبضتهم التي كانت قوية ذات يوم على أحزابهم ومحاكمهم وعلى الرأي العام. وبينما كان أسلافهم الطبقيين ينظرون بثقة إلى مستقبل نظامهم، فإن الطبقة السائدة اليوم يسيطر عليها القلق والتشاؤم.
وأمام أعيننا، يتخلص الملايين من أوهام زيف الديمقراطية البرجوازية، وتصبح الأحزاب الحاكمة والمرشحون موضع ازدراء الجمهور. لا يمكن أن يُعزى زخم الترامبية إلا إلى الفراغ السياسي الناجم عن غياب حزب الطبقة العاملة المناضل لتوجيه هذا الغضب ضد النظام ومؤسساته الحاكمة.
والحقيقة هي أن معظم من يُسمون بـ”اليسار” فشلوا فشلًا ذريعًا في قراءة الوضع. إن العرض المثير للشفقة لـ”الفرقة” المدعومة من الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا (DSA) التي تصطف مرة أخرى خلف بايدن يقول كل شيء. قبل يومين فقط، وصفه بيرني ساندرز بأنه “الرئيس الأكثر فعالية في تاريخ بلادنا الحديث” و”المرشح الأقدر على هزيمة السيد ترامب”. وأكدت إلهان عمر لمؤسسة الحزب الديمقراطي أنها “تدعمه” لأنه “كان أفضل رئيس في حياتها”. إن خضوعهم للرأسمالية ومؤسساتها لم يؤد إلا إلى دفع الغضب الشعبي اليساري إلى القنوات “الديمقراطية” الآمنة.
لكن استطلاعات الرأي تُظهر أن هناك إمكانات هائلة لبديل طبقي مستقل. إن 63% من الأمريكيين يؤيدون تشكيل حزب جماهيري جديد. ويعتقد 55% من الناخبين المسجلين أن النظام السياسي والاقتصادي بحاجة إلى تغييرات كبيرة، ويريد 14% هدمه بالكامل. إننا نعيش في زمن يمكن فيه للأفكار الثورية أن تزدهر، إذا نجحنا في إبرازها بقوة كافية في المشهد السياسي.
إن انحدار الرأسمالية الأمريكية يتسارع، وسوف تزداد الاضطرابات الاجتماعية في الأشهر والسنوات المقبلة. لقد كانت أحداث الأمس خطوة أخرى – خطوة كبيرة – في الاتجاه الذي كنا نسير فيه فعلًا: اتجاه عدم الاستقرار، والأزمات السياسية، والعنف السياسي المتزايد. ويُظهر هذا في نهاية المطاف المأزق التاريخي للنظام الرأسمالي. ولا يملك الديمقراطيون ولا الجمهوريون أي حل أو وسيلة لقطع هذه السيرورة. إن هذا هو المنظور الذي يجب أن نُبقيه نصب أعيننا بوضوح. وكما قال ليون تروتسكي في مقالته الكلاسيكية عام 1911، “لماذا يعارض الماركسيون الإرهاب الفردي“:
“وإذا كنا نعارض الأعمال الإرهابية، فذلك فقط لأن الانتقام الفردي لا يرضينا. إن الحساب الذي علينا أن نسويه مع النظام الرأسمالي أكبر من أن يتحمله موظف يُسمى وزيرًا. أن نتعلم رؤية كل الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، وكل الإهانات التي يتعرض لها الجسد والروح الإنسانية، باعتبارها نتاجات ملتوية وتعبيرات للنظام الاجتماعي القائم، من أجل توجيه كل طاقاتنا إلى النضال الجماعي ضد هذا النظام – هذا هو الاتجاه الذي يمكن أن تجد فيه الرغبة الشديدة في الانتقام أعلى درجات الرضا الأخلاقي.”
وبينما نتجه نحو ما يمكن أن تكون الانتخابات الرئاسية الأكثر اضطرابًا منذ أجيال، نحتاج إلى منظور الحرب الطبقية بوضوح وجرأة. الآن، أكثر من أي وقت مضى، هناك حاجة ملحة لحزب شيوعي جماهيري لحشد القوى التي يمكنها إظهار كيفية النضال ضد كل من بايدن وترامب، وتوحيد أغلبية الطبقة العاملة حول برنامجها الثوري، وتوجيه السخط الهائل في المجتمع نحو مصدره الحقيقي: النظام الرأسمالي نفسه.
الشيوعيون الثوريون في أمريكا
15 يوليو/تموز 2024
ترجم عن موقع الدفاع عن الماركسية:
Trump assassination attempt: capitalism breeds political violence