اندرو تسيبوراس
الجمعة: 01 شتنبر 2017
شهد هذا العام توترا استثنائيا بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية. وقد قامت كوريا الشمالية مؤخرا (29 غشت) باختبار صاروخ عبر المجال الجوي الياباني للمرة الأولى على الإطلاق، قبل أن ينفجر في مكان مجهول. يأتي هذا بعد أشهر من العداوات قامت الإدارة الأمريكية خلالها بتكرار التهديدات ضد كوريا.
تقوم القوات المسلحة الأمريكية والكورية الجنوبية، على مدى عقود، بتدريبات عسكرية مرتين في السنة، والتي تهدف بوضوح إلى تهديد كوريا الشمالية وتأكيد الهيمنة العسكرية الأمريكية في البحر الأصفر والبحار الشرقية. وعلى مدى عقود كان رد فعل كوريا الشمالية إما إجراء اختبارات أسلحة أو عرض قدراتها النووية الخاصة، أو إلقاء تصريحات عدوانية بشأن عواقب أي هجوم أمريكي محتمل. غير أن هذا التوازن الحساس قد اختل هذا العام بسبب وعيد دونالد ترامب بشن حملة “النار والغضب كما لم يشاهدها العالم من قبل” إذا ما وجه نظام بيونغ يانغ المزيد من التهديدات ضد الولايات المتحدة. وحتى يومنا ما زال وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، يؤكد مرارا وتكرارا أن “جميع الخيارات” ما تزال مطروحة في التعامل مع الكوريين.
بالنسبة لهذه الإدارة الأمريكية، وبقية الإدارات الأمريكية السابقة الأخرى، يعتبر حق إصدار التهديدات محفوظا دائما للولايات المتحدة وحدها دون غيرها. لم يسبق لكوريا الشمالية أن قامت بغزو أي بلد آخر أو إسقاط قنابل نووية على أي كان. لكن الإمبريالية الأمريكية لديها سجل مظلم من غزو الأنظمة التي لا تتبع إملاءاتها.
لدى الولايات المتحدة حوالي 25 ألف جندي متمركزين في كوريا الجنوبية، والتي تقدم لها أيضا أطنانا من المعدات العسكرية كل عام. وتقوم مرتين في السنة بمناورات حربية تحاكي الهجوم على كوريا الشمالية. ما هو تفسير هذه الممارسات إن لم تكن مواصلة للسياسة العدوانية للإمبريالية الأمريكية؟
قبل بضع سنوات فقط، بدأ جورج دبليو بوش حملات الغزو ضد أفغانستان والعراق، وكانت كوريا الشمالية على قائمة “محور الشر” نفسها مع دول مثل سوريا وليبيا. والسبب الوحيد وراء عدم تعرض كوريا الشمالية للهجوم من قبل الولايات المتحدة هو اكتسابها للقدرات النووية، والتي ظهرت لأول مرة في عام 2006.
لقد اندلعت الحرب الكلامية الحالية بعد أشهر من التوتر المتصاعد الذي لم تتوقف فيه وسائل الإعلام الدولية عن إبداء “القلق” بشأن “خطر حرب عالمية ثالثة” مفترضة. وفي أعقاب اختبار صاروخ كوري شمالي، في 04 أبريل، أمر السيد ترامب للمرة الأولى باستخدام أكبر سلاح أميركي غير نووي، والمعروف باسم “أم جميع القنابل”، ضد إحدى المواقع التابعة لتنظيم داعش في أفغانستان.
كان ذلك تهديدا واضحا يستهدف كوريا الشمالية والدول الأخرى التي تتحدى الإمبريالية الأمريكية، خاصة وأن هذه القنبلة غير فعالة ضد قوات العصابات الإسلامية. وبالتالي لم يكن من المستغرب أن جاء رد النظام الستاليني على هذا الاستفزاز باختبار صاروخ آخر في 15 أبريل،أي بعد يومين. وأعقب ذلك سيل جارف غير مسبوق من التهديدات الحادة و”الخطيرة” من كلا الجانبين، حيث أكد كلاهما استعداده لإبادة الطرف الآخر بالكامل. لكن موازين القوى مختلفة تماما. فأن تقوم كوريا الشمالية، الدولة الصغيرة والفقيرة، بإطلاق التهديدات ضد الاعتداءات الأمريكية، ليس هو نفس الأمر عندما تقوم الولايات المتحدة، التي هي أكبر قوة عسكرية على هذا الكوكب، والتي تمتلك قواعد بحرية وقوات عسكرية قوية تحيط بكوريا الشمالية، فضلا عن سوابقها التاريخية في الغزو وإلقاء القنابل (النووية) على بلدان أخرى، بإطلاق نفس التهديدات.
في الفترة التالية، أجرت كوريا الشمالية ما لا يقل عن تسعة اختبارات صاروخية، مع اختبارها لأول صاروخ عابر للقارات، يوم 04 يوليوز، بالتزامن مع يوم استقلال الولايات المتحدة. من الناحية النظرية يمكن لهذا الصاروخ أن يصل إلى الولايات المتحدة، على الرغم من أن نظام كوريا الشمالية كان حريصا جدا على إجراء الاختبارات بطرق لا يمكن تفسيرها على أنها تهديد مباشر؛ سواء ضد الولايات المتحدة أو ضد حليفيها الإقليميين، كوريا الجنوبية واليابان. وبدلا من ذلك اختار إطلاقها في البحر، في أماكن بعيدة عن أي ضحايا محتملين.
لقد حاول نظام كوريا الشمالية كبح التصعيد، وفي 14 غشت أعلن كيم يونغ أون قرارا يعلق، إلى أجل غير مسمى، خطة يزعم النظام أنه سيجتاح خلالها أراضي غوام الأمريكية بالصواريخ. وقال إنه في الوقت الحالي سيراقب “السلوك الأحمق والغبي لليانكيز”، مشيرا إلى التدريب العسكري أولشي- فريدوم،[1] الذي بدأ في 21 غشت. وكان هذا في جوهره دعوة للمفاوضات مع الولايات المتحدة. ترامب الذي أراحه ذلك بوضوح رحب على الفور بـ “القرار الحكيم” على تويتر، لكن إدارته لم تفعل شيئا لتخفيف التوتر، وأكدت مجددا أن “جميع الخيارات مطروحة على الطاولة”. هذا هو السبب في اختبار الصواريخ الكورية الشمالية الأخير فوق المجال الجوي الياباني، والذي من وجهة نظرها لا يؤكد فقط ما هي قادرة عليه، بل يواصل أيضا هز ثقة الطبقات الحاكمة في اليابان وكوريا الجنوبية في قدرة الولايات المتحدة على ردعها.
إذن، هل وصل العالم حقا إلى حافة حرب عالمية أو حرب نووية، كما تدعي جميع الأطراف؟ ليس هناك ما يدعو إلى الاعتقاد في ذلك. فعلى الرغم من كل الشجاعة التي يدعيها دونالد ترامب، فإن الولايات المتحدة لديها عدد قليل جدا من الخيارات العسكرية في التعامل مع كوريا الشمالية. في الواقع، إذا ما استثنينا التغريد على تويتر والتبجح في المؤتمرات الصحفية، لم يفعل دونالد ترامب شيئا يشير إلى أنه مستعد لمهاجمة كوريا الشمالية. لم يتم أي نشر للقوات أو أي نوع آخر من الخطوات العملية الضرورية في مثل هذه الحالة. وفي آخر المطاف ليس للولايات المتحدة سوى خيار الوصول إلى نوع من الاتفاق مع كوريا الشمالية.
تراجع الإمبريالية الأمريكية
يكشف هذا الوضع الحالة الحقيقية للإمبريالية الأمريكية الغارقة في الأزمة والتي تعيش حالة من الأفول النسبي. وهذا أحد أهم العوامل الحاسمة في الوضع العالمي. بحديثنا عن التراجع نشير إلى الصعوبات المتزايدة التي تواجهها الولايات المتحدة في تأكيد نفسها على الساحة العالمية. إن أمثلة سوريا والعراق وأفغانستان كلها تثبت عجز الإمبرياليين الأمريكيين عن تنفيذ أهدافهم المعلنة، أو على أقل تقدير التأثير الحاسم على الأحداث لصالحهم. ويعود ذلك من جهة إلى تعب الشعب الأمريكي من الحروب، وإلى الأزمة العميقة التي ما تزال تجثم على صدر الاقتصاد الأمريكي. وأي حرب كبرى جديدة ستؤدي فورا إلى اندلاع أزمة اقتصادية واجتماعية عميقة.
من شأن الحرب على كوريا الشمالية، حتى وإن كانت غير نووية، أن تعني على الفور هجوما انتقاميا مدمرا على سيول، حيث يعتقد خبراء عسكريون أمريكيون أن ما لا يقل عن 100 ألف شخص، كثير منهم أمريكيون، سوف يقتلون خلال الأيام القليلة الأولى. وعلاوة على ذلك فإنه لنزع سلاح النظام الكوري الشمالي أو إسقاطه بالكامل، سيكون من الضروري القيام بغزو كامل. لكن إذا كانت الإمبريالية الأمريكية قد هزمت بشكل كامل في العراق وأفغانستان، وهما دولتان فاشلتان مع ترسانة أسلحة قديمة متهالكة، فإن الهجوم على كوريا الشمالية ذات التنظيم العسكري الجيد والسلاح النووي سيكون أسوأ بكثير. هذا دون أن نأخذ في الاعتبار الهجمات المدمرة شبه المؤكدة على الأراضي الأمريكية واليابانية التي سترد بها كوريا الشمالية، وهي قادرة على القيام بها.
في ظل الظروف الراهنة المتميزة بالتقلبات الاقتصادية والأزمة العالمية، يمكن لأي حرب أخرى تشنها الولايات المتحدة أن تؤدي إلى حدوث اضطرابات اقتصادية شديدة في جميع أنحاء العالم، والبرجوازية في جميع البلدان لا تريد ذلك. ويصبح الوضع أكثر خطورة إذا ما تورطت كوريا الجنوبية باعتبارها إحدى أهم الاقتصادات الموجهة نحو التصدير في العالم. سيكون لأي حرب في شبه الجزيرة الكورية عواقب وخيمة على الصعيد العالمي. على المرء أن يفكر فقط في شركات مثل سامسونغ وهيونداي وإل جي، التي تعتبر ثلاثا من أهم الشركات الصناعية في العالم، ليعرف ذلك.
علاوة على ذلك، فإن الهجوم المباشر على كوريا الشمالية سيجر على الفور كلا من الصين وروسيا، اللتان تريان، بشكل صحيح، أن المواجهة مع بيونغ يانغ هي عملية استعراض للقوة من جانب أمريكا موجهة ضدهما أيضا. ومن شأن هزيمة كوريا الشمالية أن تزيد بشكل كبير من الوجود الأمريكي على الحدود البرية للصين، وأن تزيل كوريا الشمالية من موقعها كحاجز عسكري وسياسي إقليمي بين الولايات المتحدة والصين.
ليس تراجع الإمبريالية الأمريكية سيرورة أحادية الجانب. السياسة، مثلها مثل الطبيعة، لا تقبل الفراغ، وبالتالي فإن تراجع هذه القوة العظمى أدى إلى تقوية نسبية لكل من روسيا والصين. ويظهر ذلك على الصعيد العالمي، وخاصة في المناطق المجاورة لها مثل أوروبا الشرقية وشرق آسيا. وينطبق الأمر نفسه على مجموعة كاملة من القوى الصاعدة على مستوى إقليمي، مثل إيران والهند. وحتى الاتحاد الأوروبي يبدو أنه بدأ يتحرك الآن نحو تبني مواقف أكثر استقلالية وأكثر “مسؤولية”، وهو ما لا يتماشى دائما مع مصالح الولايات المتحدة.
والهدف الرئيسي للإمبريالية الأمريكية، في ظل هذه الظروف، هو الحفاظ على روسيا والصين تحت الضغط. لهذه الغاية تعمل حاليا على نشر ما يسمى بنظام الدفاع عن المناطق المرتفعة في كوريا الجنوبية. والمبرر الذي أعطي لهذه الخطوة هو التصدي “لتهديدات” كوريا الشمالية، لكن من الواضح أن الغرض من النظام هو تتبع الصواريخ التي تطلق من الصين وروسيا. وقد أعلنت وزارة الدفاع الأميركية عن نشر هذا النظام لأول مرة في ماي 2014، وبدأت العمل عليه بجدية في مارس وأبريل 2017.
جاء دونالد ترامب إلى السلطة وهو يلقي باللوم على باراك أوباما لكونه ضعيفا، ولا سيما فيما يخص السياسة الخارجية. ووعد بـ “جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”. وهذا هو السبب في أنه “يرفع صوته” ويوجه التهديدات. والصراع مع كوريا الشمالية هو وسيلة لمعالجة ما كان يعتقد أن أوباما غير قادر على القيام به، أي إعادة تأكيد الهيمنة الأمريكية في شرق وجنوب شرق آسيا. وكان من المفترض أن يثبت لحلفاء أمريكا – اليابان وكوريا الجنوبية – أن الولايات المتحدة مازالت قوة يمكن الاعتماد عليها، وخاصة ضد النفوذ الصيني المتزايد. لكن وعوض التأكيد على تفوق الولايات المتحدة في شرق آسيا، فإن تهديدات ترامب الجوفاء لم تسفر إلا عن فضح العجز الأميركي والتراجع النسبي للإمبريالية الأمريكية.
ليس للولايات المتحدة خيارات عسكرية في ما يتعلق بكوريا الشمالية. وبدلا من ذلك فإنها تحاول إسقاط النظام من خلال الضغط الاقتصادي، بفرض العقوبات عليه. يأملون أنه في حالة حدوث انهيار اقتصادي للنظام أن يتمكنوا من إيصال قواتهم إلى الحدود الصينية. وفي الوقت نفسه سيتم توجيه تحذير إلى الدول المارقة الأخرى، مثل إيران، بأنه حتى الأسلحة النووية لا يمكنها أن تحميهم من غضب الولايات المتحدة.
النظام الستاليني الكوري الشمالي
في الواقع للنظام الستاليني الكوري الشمالي أسبابه الخاصة للتخلي عن أي احتمال للحرب. لقد تأسس بعد الحرب العالمية الثانية، في أعقاب تحرير كوريا من الاحتلال الإمبريالي الياباني؛ تحت قيادة كيم إيل سونغ، الذي كان مقاوما ضد الاحتلال الياباني، وهو جد كيم جونغ أون. تم إعلان قيام “جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية” في عام 1948. وهو نظام مثله مثل الصين أو الدول العمالية المشوهة في أوربا الشرقية، بدأ من حيث انتهى الاتحاد السوفياتي، أي كنظام دكتاتوري عسكري – بوليسي، والذي كانت سماته الثورية الوحيدة هي تطبيقه للاقتصاد المؤمم المخطط.
بعد تأسيس جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية اندلعت على الفور حرب دموية بالوكالة في شبه الجزيرة، حيث حاربت الولايات المتحدة بشكل أساسي الاتحاد السوفييتي والصين للسيطرة على كوريا. فقامت الإمبريالية الأمريكية بتثبيت نظام دكتاتوري عسكري في النصف الجنوبي، بقيادة المناهض للشيوعية المتعصب سينغ مان ري، الذي ذبح عشرات الآلاف من الناشطين اليساريين وأغرق في الدماء انتفاضة جماهيرية ضد نظامه العميل. وبهذه الطريقة أنشأت الولايات المتحدة لنفسها قاعدة عسكرية دائمة بجوار الصين.
كانت كمية القنابل التي أسقطتها الولايات المتحدة خلال الحرب الكورية أكثر من تلك التي أسقطتها خلال كل حملة المحيط الهادئ في الحرب العالمية الثانية. وقد تم تدمير تقريبا كل المباني في كوريا الشمالية، وسقط حوالي 20% من سكان كوريا بأسرها ضحية لحملات القصف وعمليات إطلاق النار العشوائي على المدنيين إلى حين إعلان الهدنة في عام 1953. وقد بدأت المناورات العسكرية المشتركة في نفس العام، في الواقع ما تزال الحرب مستمرة من الناحية التقنية. إن هذه التدريبات العسكرية هي إرث مباشر لحرب الإبادة الجماعية الوحشية الشنيعة تلك. النظام الكوري الشمالي يفعل كل شيء لتذكير رعاياه بهذا، في حين أن النظام الأمريكي ووسائل الإعلام تفعل كل شيء لتجاهله.
واليوم يشكل النظام مثالا نموذجيا للبربرية الستالينية التي لا حدود لها. عبادة الشخصية، المخصصة لجميع أفراد عائلة كيم، عقيدة متعصبة لا تقل عن عقائد الطوائف الدينية الأكثر حماسا. ولا توجد أي علامات على الإطلاق لأي نوع من أنواع المعارضة السياسية في البلد، الذي يتعرض مواطنوه لوباء مستمر من أشد أشكال الدعاية القومية المتطرفة. ويتعرض المواطنون للترهيب المستمر من جراء عمليات الإعدام العلني ومعسكرات العمل الضخمة والمزاعم الدائمة بشأن الاستئناف الوشيك للصراع المسلح مع الولايات المتحدة.
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، في عام 1991، غرق البلد، الذي كان يتمتع حتى ذلك الحين بمستوى معيشة أعلى من كوريا الجنوبية، في لجة الفقر المدقع. وفي عام 1995 اندلعت مجاعة سقط ضحيتها نحو مليون شخص. كان النظام يواجه وضعا خطيرا، وكان رد فعله تكثيف الدعاية الشمولية، وقام برفع كيم جونغ إيل ووالده إلى مستوى الآلهة وعسكرة المجتمع كله. والنظام الذي لم يكن لديه أي حل يقدمه لشعبه الذي يتضور جوعا، أقام شرعيته حصريا على التقاليد المناهضة للإمبريالية والخطابات.
لقد انتهت المجاعة في كوريا الشمالية منذ فترة طويلة، وتشهد البلاد في الواقع نموا اقتصاديا لائقا إلى حد ما على مدى العقد الماضي. لكن الفئة البيروقراطية الستالينية في كوريا الشمالية ما تزال مدفوعة بدافع وحيد تقريبا، هو الحفاظ على الذات. وتطويرها لقدراتها الصاروخية النووية يخدم هذا الهدف بطريقتين: أولا، لأنه بغض النظر عن حجم غضب الإمبرياليين الأمريكيين، فإنها تمنعهم موضوعيا من شن الحرب. تناقص احتمالية الحرب يعني المزيد من الاستقرار للنظام، وبالتالي احتمال أقل بأن يلاقي كيم مصير معمر القذافي أو صدام حسين. ثانيا، إن اعتداءات الولايات المتحدة ومناوراتها “الدفاعية”، مثل بناء نظام الدفاع عن المناطق المرتفعة وإجراء المناورات العسكرية، تسمح بدورها لكيم جونغ أون والبيروقراطية المحيطة به بأن يقدموا أنفسهم داخليا كقيادة مستقرة وضرورية في نضال عادل ضد الإمبريالية، وباعتبارهم القوة الوحيدة التي من شأنها حماية السكان الكوريين من استئناف الحرب الكورية.
ارفعوا أيديكم عن كوريا!
لا يمكن تحسين ظروف عيش الشعب الكوري ولا تحقيق الحرية السياسية في كوريا الشمالية – أو في أي مكان آخر – من خلال أعمال الإمبريالية الأمريكية. يجب أن لا تكون لدينا أي أوهام بخصوص هذا، ويكفي أن ننظر إلى نتائج جميع التدخلات الإمبريالية الأمريكية في أفغانستان والعراق وليبيا واليمن وسوريا من أجل فهم هذا. إن الطريق الوحيد للمضي قدما لكلا بلدي شبه الجزيرة هو ثورة بروليتارية متحدة، ثورة تعمل الطبقة العاملة الكورية بفضلها على تحطيم الأنظمة التي تضطهدها على جانبي الحدود، وتقضي في وقت واحد على كل من البرجوازية والبيروقراطية الستالينية، من خلال مصادرة الاحتكارات الرأسمالية العملاقة في الجنوب ووضعها تحت سيطرة العمال وكذلك إضفاء الطابع الديمقراطي على الاقتصاد المخطط في الشمال. لا يمكن للطبقة العاملة الكورية أن تنجز مهمة إعادة التوحيد الوطني إلا عن طريق الثورة.
قال الزعيم الاشتراكي الألماني العظيم، كارل ليبكنخت، بخصوص الحرب العالمية الأولى: “إن العدو الرئيسي موجود في الداخل!” هذه الصيغة، التي أطلق عليها لينين اسم “الهزيمة الثورية”، تحدد مهام الاشتراكيين داخل البلدان الإمبريالية مثل الولايات المتحدة الأمريكية. وهذا يعني أن النضال ضد الحرب يبدأ في الداخل، أي أنه على الطبقة العاملة دائما أن تضع أولوية الكفاح ضد إمبريالييـ “ها”، وتحاول إحباط مخططاتهم التوسعية.
إن النضال ضد الإمبريالية الأمريكية في كوريا والنضال ضد الرأسمالية والستالينية، من أجل كوريا اشتراكية موحدة، لا يمكن أن ينظر إليهما بمعزل عن بعضهما البعض، بل يجب أن ينظر إليهما على أنهما مترابطان. يجب على الطبقة العاملة والحركة العمالية في كوريا وفي الولايات المتحدة أن يناضلا معا من أجل الانسحاب الكامل للإمبريالية الأمريكية من شبه الجزيرة الكورية بأسرها.
هوامش:
1: تدريب عسكري مشترك بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، والذي يركز أساسا على “حماية” كوريا الجنوبية من التهديد الشمالي -م-
عنوان النص بالإنجليزية:
U.S – Korea: World War, or War of Words?