الرئيسية / الشرق الأوسط وشمال إفريقيا / شمال إفريقيا / مصر / مصر: التعليم في المجتمع الرأسمالي

مصر: التعليم في المجتمع الرأسمالي

محمد حسام
الجمعة: 15 شتنبر 2017

  إن المجتمع المصري يعيش حالياً أزمة عميقة علي جميع المستويات، فمن أزمة في المستويات المعيشية من أجور وارتفاع في الأسعار وزيادة اللامساواة في المجتمع، خصوصاً مع إتباع الحكومة للسياسات النيوليبرالية الأكثر وحشية في تاريخ البلاد، وصولاً للأزمات السياسية والديمقراطية، من إغلاق تام للمجال السياسي، لآلاف المعتقلين القابعين في سجون الديكتاتورية العسكرية.

تبقى أزمة التعليم تحتل حيزاً كبيراً في فكر المجتمع، نظراً لانعكاسه علي حياة الأفراد والمجتمع، ونظراً لوجود وقود الاقتصاد وثروته الحقيقية داخل هذه المؤسسات التعليمية الحكومية منها والخاصة، فالإنسان كما قال الثوري كارل ماركس هو “أثمن رأس مال”.

لذلك هناك حاجة ماسة للبحث في ماهية التعليم في مجتمعنا، سأحاول في هذا المقال البحث في أزمات التعليم، ونتائج تلك الأزمات علي سوق العمل والأفراد، وبالتالي علي الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع برمته.

نشأة وتطور التعليم الإلزامي:

دعونا في البداية نتحدث عن ماهية التعليم في المجتمع الرأسمالي، في البداية ومع نشأة الدولة خصوصاً في المجتمع الإقطاعي – مجتمع ما قبل الرأسمالية-، كان نظام التعليم يقتصر علي فئة ضئيلة من المجتمع – هم فئة الإقطاعيين والنبلاء-، حيث في ظل نظام إقطاعي يقوم على الزراعة والتجارة في المحاصيل لم يكن هناك حاجة لرفع المستوى التعليمي للمواطنين.

لكن مع الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر انتشرت الحاجة لرفع المستوى التعليمي لإنجاز مهمة التصنيع والتطوير للنظام الرأسمالي الناشئ – وقتها-، فبدأت تدخل إصلاحات لتيسير عملية دخول أعداد أكثر للمنظومة التعليمية.

ومع تطور النظام الرأسمالي بدأ يتطور الصراع الطبقي في المجتمع – نتيجة الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج كالمصانع وبالتالي توسع النهب والإفقار- وبدأ دخول تعديلات إصلاحية في أنظمة التعليم ودخول أعداد أكثر في المؤسسات التعليمية، نتيجة نضال الطبقة العاملة والمفقرين من أجل تعليم عمومي كانوا ولازالوا يرون فيه وسيلة الارتقاء الطبقي المتاحة في أيديهم.

هنا اكتشفت الطبقة الحاكمة الجديدة – الطبقة الرأسمالية- أنها أمام تحدي جديد هو السيطرة على المنظومة التعليمية وبالتالي السيطرة الإيديولوجية علي الطبقات المستغَـلة -، لمنع تزايد الصراع الطبقي واحتداده لدرجة إسقاط النظام الاقتصادي القائم، نظراً لوجود العامل الذاتي القادر علي هدم النظام الرأسمالي وهم العمال – عكس المجتمع الإقطاعي الفلاحي المشتت والمختلف المصالح-.

المهمة الأساسية للتعليم الإلزامي:

ومع توطيد دعائم النظام الرأسمالي في العالم كله، وسيطرته علي كل مفاصل الأرض، ومع تطور الدول، بدأت تلك الدول في استخدام التعليم كوسيلة للسيطرة الناعمة علي المواطنين -بجانب وسائل أخرى-، بالطبع هذا بجانب أدوات السيطرة العنيفة عن طريق مؤسسات العنف المنظم والرجال المسلحين (الشرطة والقضاء والجيش) إذا تعدى العمال حدودهم.

هكذا تلجأ الدول – بوصف الدولة أداة للسيطرة الطبقية- للتعليم كواحدة من أهم أدوات السيطرة على المواطنين – بجانب وسائل الإعلام والمؤسسات الدينية-.

أول ما يفعله الآباء والأمهات بأبنائهم هو إرسالهم للتعليم الحكومي أو الرأسمالي الاستثماري. أصلاً لا يستطيع الآباء إلا فعل ذلك بسبب انشغالهم بساعات عمل تزيد عن 12 ساعة يوميا . هكذا تتسلم البرجوازية زمام تشكيل عقول الأجيال فالأجيال، يجب وقف هذه العملية تماما، يجب أن نمنع الرأسمالية من تشكيل عقول أطفالنا ومستقبلهم.

عن طريق التعليم الإلزامي يتم تمرير الأفكار السائدة في المجتمع -التي هي أفكار الطبقة المسيطرة- من جيل إلى جيل. عن طريق مؤسسات تعليمية تربي الطلاب على الطاعة والقبول بالنظام العام، وجعلهم يعتادوا علي نمط معين من الأفكار، ما يجعل هذه المؤسسات تقوم علي التلقين ورفض النقاشات داخلها – على الأقل في سنوات التعليم الإلزامي- ، التعليم العام يكبح أي تطور فكري سواء للأطفال أو العمال، يمنع قدراتهم وأفكارهم من أي تطور.

هذا ما تحاول الدولة فعله عن طريق مؤسساتها التعليمية ومن تدجين وقولبة للطلبة – الذين هم عمال الغد-. ليخرجوا للمجتمع أفراداً مطيعين مذعنين، مرسخة فيهم الأفكار السائدة من قبول بالمجتمع الطبقي بوصفه وضع إلهي، أو في أحسن الأحوال وضع لا يمكن تغييره، والقبول بالدخول كترس في الآلة الرأسمالية، يخرجوا للمجتمع أشخاصاَ مغروسة فيهم جميع قيم المجتمع الرأسمالي القذرة من الفردية والأنانية واستغلال الفرص حتى لو على حساب الآخرين، والخلاص المادي الشخصي، لا اهتمام بالمشردين الذين يملئون الشوارع في الذهاب والإياب. لا اهتمام بأي أحد سوى نفسي ومصلحتي الشخصية.

هكذا يظهر بوضوح أن لتعليم الإلزامي أصبح له مهمة مزدوجة، الأولي رفع المستوى التعليمي للمواطنين وإخراج عمال مهرة ليجني الرأسماليين الأرباح، والمهمة الثانية هي سيطرة الطبقة الحاكمة علي وعي المواطنين.

هكذا هي وظيفة التعليم الإلزامي في المجتمع الرأسمالي، كواحد من أدوات السيطرة الإيديولوجية للبرجوازية علي الطبقات الكادحة، هذه الوظيفة تكمن كما قال الثوري اللبناني مهدي عامل “في الحؤول دون تكون الطبقات الكادحة في قوة سياسية مستقلة مناهضة للبرجوازية”.

وضع التعليم في مصر:

لا يستطيع أحد أن ينكر أن نظام التعليم المصري من أسوأ الأنظمة التعليمية في العالم، وهذه معلومة أصبحت واضحة للقاصي والداني، إلى الحد الذي أصبح المسؤولين الحكوميين يعترفون بها بشكل علني.

هذا يطرح سؤال ملح يسأله كثيرون، ما سبب هذا المستوي المتدني والفشل الذريع في النظام التعليمي في مصر؟

للإجابة علي هذا السؤال ينبغي البدأ من الوضع الاقتصادي للبلد، لماذا؟، لكون الاقتصاد هو البنية التحتية للمجتمع التي تقوم عليها بنية فوقية تتكون -أقصد البنية الفوقية- من عدة عناصر بداية من النظام السياسي، وصولاً للإيديولوجيا والأفكار السائدة التي تحاول الدولة ومن ورائها الطبقة الحاكمة زراعتها وترسيخها في أذهان المجتمع عن طريق التعليم بشكل أساسي.

فبناءً علي ذلك، فالاقتصاد كونه هو البنية التحتية للمجتمع، بالتالي هو المحدد لمستوى التعليم كبنية فوقية له، نحن نعلم جيداً أنه من المستحيل أن يوجد نظام تعليمي متقدم في دولة اقتصادها متخلف، لسبب بسيط هو أنه لا حاجة بالنسبة للطبقة الحاكمة في إخراج عمال مهرة وذوي مستوى تعليم متقدم في اقتصاد متخلف قائم علي التنفيذ.

في اقتصاد تابع ورأسمالية تابعة، أصبحت معنية بالتكيف مع الوضع القائم، والموافقة علي الوضع الذي فرضته رأسمالية المراكز المسيطرة علي العالم، لا توجد حاجة – بالنسبة للطبقة الحاكمة- لتطوير المجتمع. في ظل نظام اقتصادي يقوم على الاقتصاد الريعي – قائم علي الاستثمار في الخدمات والعقارات والبورصة بشكل أساسي-،أي دون وجود قوي إنتاج مثل الموجودة في المراكز الرأسمالية، بالتالي طبقة اجتماعية مهيمنة على المجتمع لا تقوم على قاعدة منتجة، بل تستمد وجودها وقوتها بارتباطها بتلك المراكز الرأسمالية. في اقتصاد مثل هذا وطبقة مهيمنة مثل هذه الطبقة لا توجد حاجة لتحسين المستوى التعليمي للمجتمع. وهذه بالمناسبة سمة وحالة جميع بلدان أطراف النظام الاقتصادي المقهورة، وليست حالة مصر فقط.

تفاوت الفرص في التعليم وآثاره:

دعونا الآن نناقش أزمة التفاوت في فرص التعليم داخل المجتمع، وما ينتجه هذا من لا مساواة في الفرص في سوق العمل، ونتائج هذه اللامساواة علي الأفراد والطبقات.

دعونا نتفق في البداية علي أن هناك أدلة واضحة لا تخطئها العين عن ارتفاع اللامساواة الاجتماعية في مجتمعنا لمستويات غير مسبوقة – وهذه سمة النظام الرأسمالي بشكل عام-، بحيث أصبح حوالي 30% من المجتمع تحت خط الفقر، ومع وجود شريحة من المواطنين لا تتعدى ال5% تحتكر الثروة والنفوذ، بجانب جزئياً الطبقة الوسطى العليا التي لا تتعدى ال10%، مع وجود من 75% إلى 80% من الأسر تعيش بدخل أقل من 4.500 جنيهاً شهرياً. كل هذا أنتج لمجتمعنا أن اللامساواة أصبحت متوارثة بشكل كبير.

كل هذه الأرقام تلقي بظلالها علي موضوع التعليم الذي نحن بصدد الحديث عنه.

حيث أصبح المستوى التعليمي للأبناء معتمد علي وضعهم الطبقي، بالتالي دخل رب الأسرة ليس متحكم في حاضر الأبناء ومستوى تعليمهم فقط، بل أصبح متحكم بشكل كبير في وضعهم الاقتصادي والاجتماعي في المستقبل.

وهذا ما يثبته الفرق الشاسع في الإنفاق بين أغنى 15% من المجتمع الذين ينفقون عشرين ضعف إنفاق أفقر 15% من المواطنين على التعليم.

كل هذا يفسر تنامي اللامساواة مع مرور الزمن، بحيث أن الفرد محكوم بشكل كبير بمستوى عائلته المادي ووضعهم الطبقي.

دعونا نأخذ مثال لنوضح الفكرة أكثر، إذا مات رب أسرة ولديه صبي في الخامسة عشر من عمره – وهو أكبر الأطفال-، ولا يوجد مصدر دخل أخر للأسرة غير قوة عمل الرجل الذي مات –م ثل ملايين الأسر المصرية-، ماذا سيكون أمام هذا الصبي المسكين من خيارات غير ترك التعليم والعمل للإنفاق علي أسرته؟ وبهذا حكم عليه أن يشقى طوال حياته، علي الأغلب عامل صناعي يكد أثني عشر ساعة يومياً، ليجني أخر كل شهر ما هو بالكاد يسد رمق جوعه هو وأسرته، ويبقيه علي قيد الحياة لمواصلة العمل.

ومن يقول أن هذا مثال غير واقعي أو مثال استثنائي، دعني أقول لك أن نسبة الأمية في الرجال فوق خمسة عشرة عاماً تبلغ 40%، ونسبة الأمية في النساء فوق خمسة عشرة عاماً تبلغ 58%. حتى إن اعتبرنا أن نسب ال40% وال 58% ليست كلها تجسيد للمثال المذكور أعلاه، سيظل هناك قواسم مشتركة بين كل هؤلاء البشر، وهذه القواسم هي الفقر والبؤس والحرمان وتدني المستوى التعليمي والثقافي لهم جمعياً، وكل هذه العوامل متوارثة بشكل كبير.

لكن في النهاية ما العمل؟

ما حل هذه الأزمة المستوطنة في مجتمعنا؟ يبدأ الحل دائماً بمعرفة المشكلة، أو بمعنى أصح بمعرفة أسباب المشكلة.

المشكلة هي أننا في مجتمع رأسمالي عالمي قائم علي التناقضات الطبقية، نتيجة الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، اقتصاد عالمي يهدف للربح أولاً وأخيراً، نظام اقتصادي لا يعبأ بمصلحة البشر – أو بمعنى أصح لا يعبأ بمصلحة أغلبية البشر من عمال وفلاحين وفقراء-.

أسباب أزمة التعليم هو أن الطبقة الحاكمة – البرجوازية- التي تسيطر علينا عن طريق دولتها الجمهورية، أصبحت غير معنية ليس فقط بتطوير المنظومة التعليمية، بل أصبحت غير معنية بتطوير المجتمع بجميع جوانبه. هذه الطبقة معنية فقط بالتكيف مع النظام العالمي، وقبول شروطه وتنفيذها علي حساب الطبقات الشعبية.

وبالتالي يجب أن نكون واضحين ونقول أن النظام الرأسمالي العالمي أصبح مأزوما – وهذه سمته الدورية- وخصوصاً في أطرافه، وأن الطبقة المسيطرة – الطبقة الرأسمالية- أصبحت تشكل عائقاً أمام تطوير المجتمع ونقله للحداثة، وبالتالي أي محاولة للتمسك بهذا النظام الاقتصادي ودولته سيضعنا خارج معادلة الحداثة والتطور.

بالتالي أي نظرية تدعي الجدية في مواجهتها للمشاكل، وتدعي الجذرية في حلها لهذه المشاكل ينبغي أن تقوم على تغيير النظام الاقتصادي وإسقاط الدولة التي تحميه، وبناء نظام اقتصادي يهدف لسد احتياجات المجتمع بشكل أساسي، وليس جني الأرباح للرأسماليين، نظام اقتصادي يركز على بناء الصناعة وتطوير الزراعة، وإعادة بناء المنظومة التعليمية بما يتناسب مع هذا النظام الاقتصادي الجديد، نظام تعليمي متطور يدخل المفاهيم العلمية الحديثة، يسعى إلى خلق طالب حر، نظام تعليمي يعتمد على الجدل في أساليبه، يسعى لتطوير وعي الطلاب ويحفز عقولهم وذواتهم علي التطور، بجانب منظومة الصحة.

وبما أن التعليم كأي ظاهرة أخري يحتوي في داخله علي تناقض – هكذا هو الجدل المادي-، وفي كل طرف من أطراف التناقض يحدث تراكم كمي، فمهمة هذا النظام الاقتصادي الجديد والدولة التي ستحميه – دولة العمال والفلاحين الفقراء- هي دفع هذا التراكم الكمي الذي يحدث في طرف التعليم الحديث والثقافة والمفاهيم العلمية – و مهمتنا أن ندفع هذا التراكم من الآن-، ليفضي إلى تغيير نوعي في ماهية التعليم في المجتمع، ليتم تحقيق صيغة نفي النفي، بتغيير الظاهرة التعليمية ومع وجود سمات للظاهرة السابقة – هذا هو الديالكتيك-، وبالتالي تغيير ماهية وشكل وهدف المنظومة التعليمية.

إذن مهمتنا متعددة الجوانب فهي كما قال الثوري الروسي لينين “مهمتنا هي أن نحطم كل مقاومة الرأسماليين، لا العسكرية والسياسية فحسب، بل أيضاً الفكرية، التي هي أشد أشكالها عمقاً وقوة”.

في النهاية نأمل أن يفتح هذا المقال النقاش حول المنظومة التعليمية في الفترة الانتقالية – أي بعد سقوط الدولة الرأسمالية- من قبل المعلمين الثوريين، وكل الثوريين المعنيين بالشأن التعليمي والثقافي. التي أتصور أن ترتكز علي التعليم الإلزامي لكن بوجود ضمانات تحول دون تحوّل تلك المنظومة الجديدة إلى منظومة شمولية – ولنا في الأنظمة الستالينية أمثلة-، الضمانة الأولى هي عدم إطالة الفترة الانتقالية، وبالتالي عدم إطالة عمر التعليم الإلزامي، والانتقال للطور الأعلى من المجتمع حيث سيكون الإنسان حراً في دراسة ما يشاء من البداية، في مجتمع حر، خالي من الطبقات يضع هدفاً أساسياً له هو خلق إنسان حر، هدفه الأول والأخير هو الإنسان، وهذه الضمانة متروك تطبيقها وآليتها للواقع الخاص بها. والضمانة الثانية أن يكون التعليم الإلزامي في المرحلة الانتقالية عبارة عن نظام تعليمي قائم علي الجدل المادي في أساسه ليكون علمياً، نظام تعليمي يهدف لرفع وعي الطلاب، ويهدف لترسيخ الوعي التقدمي في المجتمع.

  • المجد للشهداء والحرية للمعتقلين

  • لتبنوا الخلايا والتنظيمات الثورية

  • تسقط قوات قمع الشعوب (الشرطة والجيش)

  • تسقط الحكومات الرأسمالية

  • لا حل سوى انتصار الثورة الاشتراكية بحكومة عمالية