حميد علي زاده
الجمعة: 08 شتنبر 2017
قُتل الآلاف ويفر مئات الآلاف من الروهينجا المسلمين العزل من الهجمات الوحشية التي تشنها ضدهم القوات المسلحة الميانمارية. وفي وسط كل هذا، لدينا محبوبة وسائل الإعلام الغربية “الناشطة الديمقراطية” والحائزة على جائزة نوبل للسلام، أونغ سان سو كيي.
القصص مروعة، حيث تم حرق الرجال والنساء والأطفال أحياء، وأحرقت مئات القرى وسويت بالأرض. وتشير الأرقام الرسمية إلى مقتل أكثر من ألف شخص، لكن من الواضح أن الأرقام الحقيقية هي أعلى بكثير. ووفقا للأمم المتحدة، فر أكثر من ربع مليون شخص إلى بنغلاديش حتى الآن – وهذا هو على الأقل عدد الذين قاموا بتلك الرحلة المرعبة. وفى الوقت نفسه يقال إن جيش ميانمار قد قام بزرع الألغام على الحدود مع بنغلاديش لمنع هؤلاء الناس من العودة. ويقال أن أكثر من 25 % من سكان الروهينجا قد غادروا ميانمار.
وقد أطلق النظام العنان لكل قوى الجيش والعصابات البوذية الأصولية ضد الروهينجا العزل. ويُزعم أن هذه الحملة جاءت لمحاربة منظمة إسلامية إرهابية نفذت سلسلة من الهجمات على مراكز الشرطة في جميع أنحاء البلاد، لكن ما يحدث ليس حملة ضد الإرهاب، بل هي حملة تطهير عرقي.
الروهينجا هدف سهل. فهؤلاء الأشخاص عديمو الجنسية ليس لهم حقوق ويعيش معظمهم في ظروف قاسية محشورين في مخيمات مكتظة بدون فرص للحصول على مناصب شغل أو تعليم أو رعاية صحية. في عام 2015 كتبنا:
«من المهم أن نفهم أن هذا التصعيد الأخير للعنف الطائفي هو انعكاس لمرض الرأسمالية والطابع الطفيلي للطبقات الحاكمة على الصعيد العالمي وفي ميانمار. إن العنف الإثني ناجم، في جذوره، عن الخصاص المعمم وما يترتب على ذلك من اليأس عند فقراء المدن والأرياف. وأفاد تقرير برنامج الأمم لمتحدة الإنمائي أن نسبة الفقر في عام 2010 بلغت 26%، ويشكل فقراء الریف 84% من مجموع الفقراء. ويعاني 32% من الأطفال دون سن الخامسة من سوء التغذية، ويوجد أعلى مستوى في ولاية راخين (53%) حيث يقيم شعب الروهينجا. هذا الوضع يستغله الجيش البورمي والطبقة الحاكمة لتسعير المواجهات الإثنية التي تقسم صفوف الجماهير الكادحة وتصفي الأراضي الرئيسية من سكانها الأصليين لإقامة مشاريع مربحة.» (محنة مسلمي الروهينجا اليوم في ميانمار)
يستحق المقال المشار إليه أعلاه إعادة القراءة لأن جميع النقاط الأساسية التي تضمنها ما تزال صالحة اليوم. في الواقع لم يتغير سوى القليل جدا. ويبدو أن الصحافة الغربية لا تنتبه إلى محنة هذا الشعب المسحوق إلا مرة كل سنتين، عندما يناسب ذلك مصالح الإمبريالية الغربية – وفي الوقت الحالي جاءت التغطية الإعلامية متزامنة مع تقارب الحكومة الميانمارية مع الصين. ليست هذه المذبحة الحالية سوى تصعيد في حملة الإرهاب والقتل الجماعي المتواصلة والتي استمرت لسنوات.
وليس من المستغرب أن تؤدي ظروف العجز المطلق هذه إلى صناعة الإرهاب، لكن الجماعات الإرهابية ليس لديها حتى الآن سوى دور هامشي. ومن المؤكد أن استمرار المذبحة ضد الروهينجا سيؤدي إلى تغيير ذلك.
لكن هذا لا يضر بمهندسي الإرهاب، فإلى جانب عمليات السطو والسرقة “المعتادة”، فإن الدافع الرئيسي للجيش هو استخدام النزعة الطائفية لضرب الحركة الاحتجاجية التي كانت قد بدأت تتصاعد على مدى العقد الماضي. بدأت الحركة في عام 2007 على خلفية إلغاء دعم الوقود، لكن وبسبب افتقارها إلى بديل واضح، فقد تحولت إلى حركة تحلقت حول رئيسة الدولة الحالية، أونغ سان سو كيي. وبينما كان العالم الليبرالي كله مشغولا بالثناء على الأساليب “غير العنيفة” للفائزة بجائزة نوبل للسلام، فقد حذر الماركسيون من أنها لن تستطيع تقديم أي حل. وفي مقالة أخرى تستحق القراءة، كتبنا:
«لقد جاءت المبادرة في البداية، كما رأينا، من جانب الرهبان البوذيين الشباب، والتي تطورت حولهم حركة جماهيرية، لكنهم بدورهم لا يمتلكون صوتا سياسيا خاصا بهم. وهكذا فقد تحولوا نحو أونغ سان سو كي والرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية. لقد تمكنت هذه المرأة، بفضل السنوات التي قضتها قيد الإقامة الجبرية، من بناء نفوذ معنوي للظهور كزعيمة للحركة الجماهيرية.
ما علينا أن نؤكده هو حقيقة أنها لم تكن لا هي ولا حزبها من أشعل هذه الحركة. إن الحركة ردة فعل ضد الظروف الرهيبة التي تعيشها الجماهير. ومع ذلك، فعلى الرغم من أنها لم تكن هي من أشعلت الحركة، فإنها ستكون على الأرجح المستفيد الرئيسي منها.
(…) تريد النخبة العسكرية الاستمرار في التمسك بالسلطة خشية فقدان امتيازاتها. إنهم يريدون نظاما رأسماليا خاصا بهم، يسمح لهم بالبقاء كنخبة متميزة في المجتمع. أما المعارضة فتريد شكلا من أشكال الرأسمالية أكثر انسجاما مع مصالح الإمبريالية. وعلى هذا الأساس، فإن كلا الجانبين يقفان على طرف النقيض مع المصالح الحقيقية للجماهير الكادحة» (The Tragedy of Myanmar)
ومنذ ذلك الحين تم تأكيد هذه الكلمات ألف مرة. “مستشارة الدولة” القاسية دعمت بفعالية حملة الجيش بعد إلقاءها اللوم على “الإرهابيين” بسبب”جبل الجليد الضخم من التضليل” بخصوص العنف. والآن فضحت عاشقة السلام هذه طبيعتها الحقيقية وطبيعة (معظم) الليبراليين الذين كانوا يدعمونها ويذرفون اليوم دموع التماسيح. وفجأة صاروا يعتقدون أنه يجب أن “تجرد من جائزة نوبل”، لكن أونغ سان سو كيي لا تشعر بالغربة بين بعض الفائزين البارزين الآخرين بتلك الجائزة مثل هنري كيسنجر وباراك أوباما الذي هو الفائز الوحيد بجائزة السلام لقصفه فائزا آخر بجائزة السلام.[1]
الجيش الذي رأى تصاعد الحركة الجماهيرية اضطر بضغط من الصين والغرب إلى تقديم بعض التنازلات وإجراء اتفاق مع الرابطة الوطنية من اجل الديمقراطية. وكان دور أونغ سان سو كي هو ترويض الحركة الثورية وقيادتها في “مسار آمن” من شأنه أن يضمن بقاء النظام القائم. وفي عامي 2012 و 2015 حقق حزبها انتصارات ساحقة في الانتخابات البرلمانية، لكنها لم تغير أي شيء ما عدا الإشراف على تطبيق سياسة الخصخصة والتقشف. الحركة التي لم تجد تعبيرا ثوريا انحسرت، الشيء الذي أعطى بالتالي المجال للجيش للتقدم إلى الأمام مرة أخرى، مستندا على الأصولية البوذية الرجعية.
إن هذا يبين الإفلاس التام لليبرالية. عندما كانت الجماهير الثورية تفكر في ممارسة العنف ضد حكامها، كانت أونغ سان سوكي كل تدافع عن اللاعنف والعناق والقبلات. لكن عندما يتعلق الأمر بعنف الحكام، سواء على شكل تقشف أو فقر مزمن أو مذابح وحشية، فإن “البراغماتية” هي الشعار. إن اللبراليين دائما يخافون من الجماهير أكثر مما يخافون من الحكام، لأنه بمجرد ما تتحرك الجماهير فإنها تهدد أساس النظام الرأسمالي نفسه. لكن الرأسمالية بالضبط هي السبب الجذري لمشاكل شعوب ميانمار. إن الطائفية والبؤس والفقر كلها منتجات لنظام عفا عليه الزمن وعاجز عن تقديم حل للمجتمع للمضي قدما والذي يسمح بتحقيق ثروات فاحشة للبعض، في حين يحكم على الغالبية العظمى بصراع بربري من أجل الفتات.
هوامش:
1: يحيل الكاتب على الجريمة التي ارتكبتها إدارة أوباما، الحائز على جائزة نوبل للسلام، عندما قصفت، شهر ماي 2015، مستشفى لمنظمة أطباء بلا حدود، الحائزة بدورها على جائزة نوبل للسلام، في قندوز بأفغانستان، وهو الهجوم الذي استمر ساعة كاملة وأودى بحياة أزيد من 30 شخصا من المرضى والطاقم الطبي بالمستشفى. – م-
عنوان النص بالإنجليزية:
The Rohingyacrisis and the real face of liberalism