الرئيسية / دول العالم / أمريكا / البرازيل / البرازيل: حوار صحفي مع آلان وودز “الوسط السياسي مجرد وهم”

البرازيل: حوار صحفي مع آلان وودز “الوسط السياسي مجرد وهم”

منظمة اليسار الماركسي (Esquerda Marxista)
الفرع البرازيلي للتيار الماركسي الأممي
19 أكتوبر 2017

يوم 17 أكتوبر، نشرت الصحيفة اليومية البرازيلية الشهيرة، Jornal de Comercio ، حوارا صحفيا مطولا مع آلان وودز، تطرق لنقاش دونالد ترامب وهوغو تشافيز وجيريمي كوربين وكتاب تروتسكي عن ستالين. وهو الحوار الذي نعمل هنا على نشر نصه الكامل.

تقرير خاص من كارلوس فيليلا

في العام الذي يصادف الذكرى المائوية للثورة الروسية، زار المنظر السياسي البريطاني آلان وودز البرازيل، وكان في بورتو أليغري لتقديم ترجمته للطبعة الجديدة من كتاب “ستالين”. ليون تروتسكي، الذي يعتبر أحد قادة الثورة، ، كان يعمل على هذه السيرة عندما تعرض للاغتيال على يد عميل سوفيتي في مدينة مكسيكو، عام 1940.

يرى وودز في الدكتاتور الروسي ستالين “كاريكاتيرا بيروقراطيا وشموليا” و”وحشا وصل إلى السلطة على جثث قادة الحزب الشيوعي”. وفي هذه المقابلة مع صحيفة Jornal de Comercio ، يقول إنه يعتقد أن الأزمة الاقتصادية التي اندلعت عام 2008 مسؤولة مباشرة عن التمردات الشعبية ضد الأنظمة السياسية التي اندلعت في العديد من البلدان، كما علق المنظر على الأزمة في فنزويلا وحكومة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يعتبره “الوجه القبيح الوقح الحقيقي للرأسمالية، في حين أن ما يسمى بالوسط ليس سوى قناع للرأسمالية”.

الصحيفة: لقد تعرض اليسار حول العالم للهزيمة في الانتخابات خلال العام الماضي، وذلك إلى جانب اندلاع حركات التمرد ضد النظم السياسية الحالية. هل يفسر ذلك انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة؟

آلان وودز: ملاحظتي الأولى هي أن الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة لم تكن سعيدة بوصول ترامب، وما يزالون غير راضين عنه، ويحاولون التخلص منه. هناك ثلاثة أسباب لذلك: إذا نظرتم إلى تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية على مدى المائة سنة الماضية، ستجدون أنها استندت إلى ركيزتين أساسيتين: الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي. ويقوم الاستقرار هناك على هذا التوازن. لكن، وكما يقول الكاتب الأمريكي المفضل عندي غور فيدال: “إن جمهوريتنا لديها حزب واحد فقط، حزب الملكية الخاصة، بجناحين يمينيين”.

والشيء المثير للاهتمام بشأن هذه الانتخابات هو أن هذا النظام قد انهار تماما. اعتقد الجميع أن هيلاري كلينتون ستكون الفائزة. وكانت كل وسائل الإعلام ضد دونالد ترامب، ومع ذلك فاز. إنهم [الطبقة الحاكمة] يريدون سياسيا يمكنهم السيطرة عليه، ولا يمكنهم السيطرة على ترامب.

وفي هذا السياق من المهم جدا أن ننظر إلى سياسي آخر هو بيرني ساندرز. عندما قدم نفسه مرشحا للحزب الديموقراطي، لم يلق أي اهتمام، لكن هذا الرجل عندما بدأ يتحدث عن الحاجة إلى ثورة سياسية ضد طبقة أصحاب الملايير حصل على الكثير من الدعم بين صفوف الشعب. لو حدثت الانتخابات بين بيرني ساندرز وترامب، ربما كان ساندرز هو من سيفوز. إن ما تراه في الولايات المتحدة هو السخط ضد النظام.

الصحيفة: وترامب باعتباره مليارديرا، أليس جزءا من هذا النظام؟

وودز: ترامب ملياردير، لكنه تحدث كثيرا عن الطبقة العاملة. ومن المفارقات أن شعبية ترامب جاءت على وجه التحديد من بين أفقر الفئات. إنه ديماغوجي. كانت حملته قائمة على الأكاذيب، لكنه تحدث عن المصانع والمناجم المغلقة وهؤلاء الناس يائسون. لقد ضرب خطابه على وتر حساس عند ملايين الأميركيين الذين سئموا من هذا النظام. إن ترامب، في الواقع، هو الوجه القبيح الوقح الحقيقي للرأسمالية، في حين أن ما يسمى بالوسط ليس سوى قناع للرأسمالية.

الصحيفة: ما هي، في رأيك، أسباب هذا الاستقطاب السياسي؟

وودز: في عام 2008، انهار ما يسمى باقتصاد السوق الحرة، الذي كان من المفترض أن يكون خلاصنا. وقد حدث هذا بسبب البنوك الكبيرة. وفقا للاقتصاديين لا ينبغي أن يكون للدولة أي دور في الاقتصاد، لكن في عام 2008 هرعت البنوك إلى الدولة لطلب المال، وقد أعطتها الدولة ذلك المال. وهذا هو سبب استمرارية الاقتصاد الرأسمالي.

وأود أن أضيف أنه رغم مرور عشر سنوات لم نخرج بعد من هذه الأزمة. كل ما تم تحقيقه هو تحويل الثقب الأسود الضخم من صناديق البنوك الكبيرة إلى ثقب أسود ضخم في المالية العامة. وهذا هو السبب في وجود العجز. ليس هناك مال للمنازل وللفقراء وللصحة والتعليم، ولكن هناك الكثير من المال للبنوك. وهناك هجمات مستمرة على مستويات معيشة الفئات الأفقر.

الصحيفة: الناخبون الأصغر سنا في الغالب لا يتعاطفون من الوسط، إنهم يميلون أكثر إلى اليسار أو إلى اليمين. ما هو السبب في ذلك؟

وودز: ذلك لأن الوسط السياسي هو مجرد وهم. إن المجتمع ينقسم بشكل متزايد بين مجموعة صغيرة من الناس الذين يتحكمون في النظام وبين أغلبية الناس الذين يزدادون فقرا ويميلون إلى التمرد ضد النظام. فكرة الخط الوسط كانت فكرة توني بلير [رئيس الوزراء البريطاني السابق من 1997 إلى 2007] في محاولة منه للتوصل إلى اتفاق بين الطبقات، لكن هذا الاتفاق مستحيل، لأن مصالحها متناحرة.

ما نراه هو انهيار الوسط. هؤلاء الموجودون في السلطة ليسوا سعداء بذلك، وقد كانوا سعداء جدا بفوز إيمانويل ماكرون، الذي يمثل الوسط، في فرنسا، لكن ما حدث في الواقع هو أن 70 % من الناس لم يكلفوا أنفسهم عناء التصويت. وبالإضافة إلى ذلك فإن الزعيم اليساري جون لوك ميلينشون هو اليوم السياسي الأكثر شعبية في فرنسا.

انظر فقط إلى بريطانيا، حيث كان حزب المحافظين يعتقد أنه سيفوز في الانتخابات بفارق كبير – فقد أعطته استطلاعات الرأي تفوقا بـ 20 % – لكن ذلك لم يحدث. ما حدث هو أن حزب العمال، بقيادة جيريمي كوربين، استمر في المعارضة، لكنه خفض الفارق بشكل كبير. ومن المرجح جدا أن كوربين سيفوز في الانتخابات المقبلة.

الصحيفة: لماذا الكثير من الناس داخل حزب العمال، وخاصة المرتبطون بتوني بلير وجوردون براون، يكرهون كوربين؟

وودز: ليس صحيحا القول بأن الناس يكرهون جيريمي كوربين. إنه أكثر السياسيين شعبية في بريطانيا. هل تحب موسيقى الروك؟… أنا لا أحبها. لكن هناك مهرجان للروك شعبي جدا [يسمى] غلاستونبري، يشارك فيه أكثر من 100.000 شخص. في هذا الصيف دعوا شخصية سياسية إلى المنصة الرئيسية في المهرجان، وكان هذا الشخص هو جيريمي كوربين.

هل هو مكروه داخل الحزب؟ نعم، لكن [فقط] بين برلمانيي الحزب. وقد حاولوا على مدى العامين الماضيين التخلص منه بكل وسيلة ممكنة، لكنهم فشلوا. في رأيي برلمانيو الحزب لا يمثلون حزب العمال. ومنذ انتخاب كوربين زعيما للحزب، التحق بالحزب عدد هائل من الأعضاء الجدد، وخاصة الشباب.

الصحيفة: كنت مقربا من الرئيس الفنزويلي السابق هوغو تشافيز. برأيك ما الذي قاد فنزويلا إلى الأزمة السياسية الحالية؟

وودز: كنت صديقا مقربا جدا من تشافيز، وأيدت الثورة البوليفارية منذ البداية. المشكلة هناك – وقد ناقشت ذلك مع تشافيز مرات عديدة وقلته على التلفزيون الفنزويلي- هي أنه لا يمكنك أن تقوم بنصف ثورة. إما أن نقضي على سلطة الأوليغارشية، أو أنها سوف تقضي علينا. لا يمكنك تحقيق التوازن بين الطبقات، لأن ذلك يؤدي إلى الفوضى.

الصحيفة: هل كان ذلك نابعا من الخوف أو الضعف؟

وودز: أعتقد أنه نتيجة للأوهام الإصلاحية. مشكلة تشافيز، وخاصة نيكولاس مادورو، الذي أعرفه أيضا، هي أنهما لم يقوما بما هو ضروري. لم يصادرا الأراضي والبنوك والصناعات الرئيسية. إن فكرة الجمع بين الرأسمالية والاشتراكية دون القضاء على اقتصاد السوق أمر مستحيل عمليا. هذا يؤدي إلى الفوضى، والفوضى هي ما يؤدي إلى الثورة المضادة.

الصحيفة: لقد فقد مادورو الكثير من الدعم بين اليسار بعد الاحتجاجات وسقوط أكثر من 40 قتيلا. هل يؤثر ذلك بشكل مباشر على مشروع الحكومة الفنزويلية؟

وودز: اليسار منقسم حول هذه المسألة. أعتقد أنه على هؤلاء الذين يسمون أنفسهم يساريين في البرازيل والأرجنتين والذين يؤيدون المعارضة أن يسألوا أنفسهم: ما هو البديل؟ إذا تعرضت الثورة الفنزويلية للهزيمة، ستكون تلك ضربة لليسار على نطاق عالمي. أنا لا أفهم لماذا لا يستطيع هؤلاء الحمقى فهم ذلك.

الصحيفة: ألم تنجح الصين في الموازنة بين الشيوعية والرأسمالية؟

وودز: كلا، لأن الصين هي في الواقع دولة سوق رأسمالية. بالتأكيد هناك بعض الأشياء، مثل البنوك، التي تديرها الدولة، مما يعطي الدولة الصينية الامتياز. وهذا هو السبب في أنها تمكنت من تجنب انهيار عام 2008. لكن على الرغم من هذا أعتقد أن انهيار الاقتصاد الصيني وشيك.

تنتج الصين كمية هائلة من السلع، وتحتاج إلى تصديرها في السوق العالمية. لكن تراجع استهلاك أوروبا وأمريكا يعني أن الصين لا يمكنها أن تنتج. إن الصين في وضع صعب للغاية لأن الاقتصاد العالمي لن يتمكن من امتصاص صادراتها. ودونالد ترامب قد بدأ بالفعل يهدد الصين بحرب تجارية، والرأسمالية لا يمكنها أن تحل هذه المشكلة.

الصحيفة: هناك أزمة سياسية أخرى تحدث حاليا في الشرق الأوسط. وقد أدى ذلك إلى أزمة اللاجئين وعدم الاستقرار السياسي في المنطقة. كيف ترى علاقات القوة في المنطقة، خاصة الآن بعد أن بدأت التوترات بين الولايات المتحدة وروسيا تتزايد بعد التحقيق في التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الأمريكية؟

وودز: كل الفوضى المروعة التي نراها في الشرق الأوسط لها سبب واحد فقط، وهو غزو الولايات المتحدة للعراق. صدام حسين كان ديكتاتورا، كان وحشا، لكن هل هناك أحد يعتقد أن ما يوجد الآن هو أفضل مما كان من قبل؟

لقد تصرفت الولايات المتحدة بغباء شديد، ولم تفعل شيئا سوى زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط. لقد قضوا على الجيش العراقي، القوة الوحيدة التي كان يمكنها أن تحارب الدولة الإسلامية. والناس الذين يعارضون نظام بشار الأسد ليسوا “إسلاميين معتدلين”، ليست هناك معارضة معتدلة في سوريا.

ومن المثير للاهتمام أن نرى حدود القوة الأمريكية. فأقوى بلد على هذا الكوكب اقتصاديا وعسكريا قد خسر الحرب في الواقع. والآن روسيا هي من تقرر كل ما يحدث في سوريا، والولايات المتحدة لا تقرر في أي شيء، وهي المسؤولة الوحيدة عن هذه الأزمة.

الصحيفة: لقد جئت إلى البرازيل لتقديم كتاب “ستالين”، الذي كان تروتسكي يعمل عليه عندما قتل. هل ما تزال صورة ستالين تخيف الناس في أنحاء العالم؟

وودز: أنا لا أعتقد ذلك. ستالين انتهى؛ انه شيء من الماضي. لقد كان وحشا وصل إلى السلطة على جثث قادة الحزب البلشفي. لقد انفضح ستالين بشكل كامل اليوم.

في بداية الثورة، كانت روسيا البلد الأكثر ديمقراطية في التاريخ. لكن لم تكن هناك الموارد والشروط الضرورية لبناء الاشتراكية. وهذا هو السبب الذي جعل لينين وتروتسكي يستندان دائما إلى فكرة الثورة الأممية. وعندما تعرضت الثورة للعزلة في روسيا، بدأت في الانزلاق إلى الوراء.

كان ستالين شخصية هامشية في الحزب البلشفي. وكان تروتسكي هو الذي قاد المقاومة. وبعد وفاة لينين، حاول تروتسكي الحفاظ على الأفكار الأصلية للثورة، لكن ستالين جاء إلى السلطة وحطم الحزب البلشفي. الستالينية صورة كاريكاتورية بيروقراطية وشمولية عن الاشتراكية، ولهذا السبب انهارت.

الصحيفة: هل هناك احتمال لصعود شخصيات مشابهة لهتلر أو موسوليني، لا ترتكب بالضرورة نفس الفظائع، لكن لديها نفس الخطاب؟

وودز: كلا، لا أعتقد أن هذا ممكن. والسبب في استحالة ذلك هو أن موازين القوى الطبقية تختلف الآن عما كانت عليه في الثلاثينيات. في ذلك الوقت لم يكن المعلمون يعتبرون أنفسهم جزءا من الطبقة العاملة، ولم يكونوا ليخوضوا الإضراب مطلقا. وكان الطلاب، قبل الحرب العالمية الثانية، أبناء الطبقة العليا، وكثير منهم فاشيون. أما اليوم فعندما يكون هناك إضراب يكون الطلاب والمعلمون هم أول من يدعمه. لقد فقدت الفاشية الكثير من قاعدتها الجماهيرية.

الصحيفة: هل يمكن أن تحدث ثورة مثل الثورة التي قادها البلاشفة مرة أخرى؟ هل هناك اليوم أي سياسي يشبه تروتسكي، على سبيل المثال؟

وودز: نعم يمكن أن تحدث، لماذا لا؟ الناس لا يعرفون ذلك، لكن الثورة الروسية كانت ثورة سلمية. لكنني لن أقول إنه سيقودها شخص واحد مثل تروتسكي. إن ما لدينا هي أفكار تروتسكي وكذلك أفكار لينين وماركس وإنجلز. وهذه الأفكار قادرة بدون شك أن تخدم قضية الثورة. أنا متأكد من أن الثورة ستحدث. عاجلا أو آجلا سوف تحدث في هذا البلد أو ذاك، ويمكن أن يكون ذلك البلد هو البرازيل!

نبذة عن آلان وودز

ألان وودز، يبلغ من العمر 72 عاما وهو منظر سياسي ماركسي بريطاني. ولد في سوانسي، ويلز، وهو واحدا من الرموز الرئيسية داخل الحركة التروتسكية العالمية اليوم. وودز، الذي هو أحد القادة المؤسسين للتيار الماركسي الأممي، لعب دورا نشيطا داخل يسار حزب العمال البريطاني حتى التسعينات عندما طرد بسبب اختلافات إيديولوجية. صديق لهوغو تشافيز، الذي توفي في عام 2013، وكان البعض يعتبرونه مستشاره السياسي، خاصة عندما ظهر الرئيس الفنزويلي السابق على شاشة التلفزيون وهو يقرأ كتاب “الإصلاحية أم الثورة”، الذي يعتبر أشهر كتبه من بين أزيد من 20 كتابا ألفه. في عام 2002، ساهم في تأسيس حركة ارفعوا أيديكم عن فنزويلا، والتي هي مجموعة للدعم السياسي للتشافيزية ومعارضة العدوان الأمريكي على البلد. درس اللغة الروسية والفلسفة في جامعة ساسكس في انجلترا، ثم جامعة صوفيا في بلغاريا وجامعة موسكو الحكومية. متزوج ولديه ابنتان.

عنوان الحوار بالإنجليزية:

Alan Woods interview: “The political centre is a fiction.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *