فاجأت حماس الجميع، يوم 7 أكتوبر الماضي، بهجوم نوعي من حيث التخطيط والقدر العالي من الاحترافية خلف الخط الأخضر، في الأراضي الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية منذ عقود. وتم الإعلان بصوت محمد الضيف، قائد كتائب عز الدين القسام، عن جولة أخرى.
هجم عدة مقاتلين بالطائرات الشراعية، وتم هدم جزء من الجدار الأمني الحصين الذي يفصل غزة عن أراضي 48 لتلحق المركبات بالكوماندوز الطائرين، ليصنعوا مصيدة تؤدي لانهيار الدفاعات الصهيونية حول قطاع غزة في أقل من ساعة. استمرت الاشتباكات في مستوطنات غلاف غزة لعدة أيام، ووصل عدد القتلى الإسرائيليين إلى أكثر من 1,400 شخصًا حتى الآن، وتم أسر أكثر من 250 شخصًا، أغلبيتهم من العسكريين.
هذا الهجوم هو رد فعل متوقع على تراكم المظالم والثأر طوال العقود الماضية، وتراكم الخذلان من مسارات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي المنحط، بجانب زيادة الاستفزازات الصهيونية في الشهور الأخيرة، في ظل حكومة المستوطنين الحالية بقيادة بنيامين نتنياهو، من اقتحامات للمسجد الأقصى من قبل اليهود المتطرفين، والذي أصبح لهم وزراء في الحكومة مثل بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، لتسارع قتل الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، حيث قُتل من بداية هذا العام فقط أكثر من 250 فلسطينيًا في الضفة الغربية على يد الجيش الصهيوني أو عصابات المستوطنين الفاشيين، ووصلاً إلى تلاشي حلم الفلسطينيين بدولة، حيث أصبحت كما السراب في ظل استمرار الوضع كما هو عليه.
لقد صدم هذا الهجوم القادة الصهاينة قبل أي أحد آخر، لم يكونوا يتوقعون إن قطاع غزة المحاصر، الذي تحول إلى أكبر سجن مفتوح في العالم لـ2.2 مليون شخص، المراقب على مدار الساعة، والذي تتحكم الدولة الصهيونية في كل قشة تدخل أو تخرج منه، وتتحكم في كهربائه واتصالاته ومياهه، والذي تعرض لأربع حروب مدمرة همجية خلال الـ16 عامًا الماضية فقط، لم يكونوا يتوقعون إن هذا القطاع سيمرغ الغطرسة الصهيونية في الوحل أمام أعين الجميع.
هذا بالذات في الوقت الذي اعتقدوا فيه واهمين إن قطار التطبيع والسلام المزيف مع عصابات الخليج وحكام المنطقة العملاء سيؤدي لنسيان القضية الفلسطينية. لدرجة تجرؤ مجرم الحرب بنيامين نتنياهو إلى عرض خريطة لإسرائيل في الأمم المتحدة تتضمن قطاع غزة والضفة الغربية والجولان.
جاء الرد الصهيوني على عملية حماس همجيًا يتناسب مع السجل الوحشي للـ75 عامًا الماضية. حيث قصف وحشي على المناطق السكنية، مما أدى لمقتل ما يقارب 4 آلاف شهيد حتى وقت كتابة هذه السطور، منهم أكثر من 700 طفل، وأكثر من 11 آلاف مصاب، ومازال هناك أكثر من ألف شخص تحت الأنقاض، والعدد يزيد بشكل متسارع ودائم، حيث صرحت وزارة الصحة في غزة إن هناك شهيد كل 5 دقائق؛ تم استخدام الفسفور الأبيض؛ أبيدت مناطق كاملة؛ وتم قطع البترول والكهرباء والمياه عن القطاع، وإحكام الخناق عليه بمنع دخول أي نوع من أنواع المساعدات الإنسانية والإغاثية، وهو ما جعل القطاع الصحي في غزة على وشك الانهيار، وهو ما يشبه حكم بالإعدام على آلاف الجرحى والمرضى والضعفاء؛ مع موجة من النزوح الداخلي الإجباري لآلاف العائلات من شمال القطاع إلى وسطه وجنوبه، فيما يشبه تغريبة فلسطينية جديدة؛ مع تزايد خطر غزو بري يمكن أن يحدث في أية لحظة. ولم نصل إلى أسوأ فصول ذلك العدوان بعد، الصهاينة يهدفون، أولاً وقبل كل شيء، إلى رد اعتبارهم لكي لا تتحول تلك العملية إلى مرجع.
تٌنفذ الآن مذبحة جماعية في حق الشعب الفلسطيني أمام مرأى ومسمع من العالم كله، منذ دقائق فقط قُصف المستشفى الأهلي المعمداني في قطاع غزة، حيث خلف القصف مئات الشهداء دفعة واحدة. إننا نعلن بشكل واضح إننا مع حق الجماهير الفلسطينية في الدفاع عن نفسها ضد البربرية الصهيونية. على كل الحركة اليسارية والعمالية في كل بلدان العالم تنظيم نفسها من أجل مساندة الشعب الفلسطيني في وجه هذه الحرب البربرية المشنة ضده.
إسرائيل ليست وحدها…توجد الإمبريالية في الخلفية
دأبت كل وسائل الإعلام البرجوازية والحكومات الإمبريالية من خلفها، منذ هجوم 7 أكتوبر، على عزف مقطوعة قذرة معتادة عن حق “إسرائيل في الدفاع عن نفسها” في مواجهة “الإرهابيين” الفلسطينيين. حولت الإمبريالية الحق في الدفاع عن النفس إلى حق حصري لحلفائها فقط دون سواهم، وعلى الشعوب المضطهَدة من قبل الإمبريالية وحلفائها أن تموت في صمت دون أن تجرؤ حتى أن تدافع عن نفسها.
مطلوب من جماهير العالم أن تنسى الملايين من الشهداء الفلسطينيين على مدار أكثر من سبعة عقود، وتنسى الاحتلال والقمع والاضطهاد، وتنضم لذلك الكورال المنافق بقيادة الامبريالية وإعلامها حول “نبذ العنف” و”من الذي أطلق الرصاصة الأولى؟”.
مجددًا، تلبس الإمبريالية عباءة الأخلاق والإنسانية السخيفة، التي هي آخر طرف يمكن أن يحاول أن يقنعنا بها. نفس تلك الدول الإمبريالية التي قتلت مئات الملايين من البشر في كل أنحاء العالم يحاولون إقناعنا الآن بأن العنف شيء سيء. لقد عانت منطقتنا، الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بشكل خاص من أهوال الإمبريالية لعقود طويلة، حروب استعمارية ونهب امبريالي لثرواتنا ودعم طغم حاكمة إجرامية، وزرع الدولة الصهيونية في قلب المنطقة.
لمحاولة جذب تعاطف مع إسرائيل، شنت وسائل الإعلام البرجوازية حملة دعاية كاذبة حول اغتصاب النساء وذبح الأطفال الرضع الإسرائيليين وحرق الجثث. بدأت تلك الدعاية الهستيرية من رأس حرب الثورة المضادة في العالم، الولايات المتحدة الأمريكية، على لسان رئيسها.
لكن سرعان ما اضطر البيت الأبيض إلى نفي كلام العجوز الخرف الذي يقبع على رأسه. لأنها ببساطة: كذبة فاضحة لا يوجد دليل واحد عليها حركها نتنياهو والحركة الصهيونية. هدفها كان واضحًا: مماثلة حماس بداعش ونزع صفة الانسانية عن الفلسطينيين، أو كما قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت: “إننا نواجه حيوانات بشرية”، وبالتالي تجهيز الرأي العام العالمي لحرب إبادة على قطاع غزة.
لكن أمام طوفان الكذب الإمبريالي، نحن لا نحتاج أن نقول سوى الحقيقة الواضحة: إن الدولة الصهيونية ارتكبت وما زالت ترتكب جرائم فظيعة ضد الانسانية تجاه الشعب الفلسطيني، بدعم كامل من الدول الإمبريالية، وتواطؤ كامل من حكومات المنطقة.
إن ما نشهده أمام أعيننا الآن ليس بجديد، إنه استمرار للتحالف المقدس بين إسرائيل والإمبريالية. حيث توفر الإمبريالية لإسرائيل الدعم المالي والعسكري والحماية والإفلات من العقاب على كل جرائمها في حق الشعب الفلسطيني، وغيره من شعوب المنطقة؛ وعلى الطرف الآخر، توفر إسرائيل للإمبريالية قاعدة لمصالحها في المنطقة، حيث تُعد إسرائيل هي الحليف الوحيد الموثوق حتى النهاية بالنسبة للإمبريالية الغربية بشكل عام، والأمريكية بشكل خاص، وهو ما عبر عنه جو بايدن حينما قال: “لو لم تكن هناك إسرائيل، لكان على الولايات المتحدة أن توجد إسرائيل”.
لكن على الجانب الأخر من الانقسام الطبقي، وبينما تساند كل الحكومات الامبريالية إسرائيل في عدوانها، تنهض شرائح متزايدة من العمال والشباب لمساندة الشعب الفلسطيني.
في مواجهة هذا الدعم الجماهيري المتزايد لفلسطين تعمل الحكومات الغربية على تنفيذ إجراءات أكثر قمعية في حق كل مظاهر الدعم لفلسطين: من إلغاء مظاهرات، وقمع أخرى بقوة الشرطة، ومنع رفع العلم الفلسطيني أو ارتداء الكوفية، والتضييق على التجمعات العامة المتضامنة مع الفلسطينيين، وقمع العمل الطلابي والأكاديمي المناصر لفلسطين. والحجة جاهزة دائمًا: معاداة السامية.
دائمًا ما يتم استغلال مأساة اليهود في ألمانيا النازية، وأوروبا بشكل عام، من أجل التعمية على همجية الاحتلال الصهيوني وإسكات المعارضين للدولة الصهيونية في الغرب، لكن أي تدقيق بسيط سيكشف إن معاداة الصهيونية هو لأسباب سياسية وطبقية وإنسانية ليس له علاقة بالدين. هنا يظهر الوجه الحقيقي للديمقراطية الغربية، إنها ديمقراطية وحرية فقط ما لم تتعارض مع الطبقة السائدة ومصالحها وحلفائها.
مكتوب على شهود البلاد…
الممسوحين بأستكية…
أنتَ حر…
ما لم تضر…
أمريكا….
-مصطفى إبراهيم
لكن الطبقة العاملة والشباب لم يعد تنطلي عليهم تلك الدعاية المنافقة كما الماضي، ويتم تنظيم مظاهرات واحتجاجات حاشدة في الكثير من البلدان الغربية للتعبير عن أن الطبقة السائدة لا تمثل جماهيرها. في هذا الصدد، يحق لنا أن نفخر إن رفاقنا الشيوعيون في التيار الماركسي الأممي في كل بلدان العالم في صدارة مواجهة الطبقة السائدة ودعايتها والعدوان الإسرائيلي الغاشم، وهو ما يجلب علينا هجوم وتضيق متزايد من الطبقة السائدة لن يزيدنا إلا صلابة وتصميم.
موقف الحكومات العربية المتخاذل والمنافق
لقد أنتجت الأحداث الأخيرة موجات ارتدادية في كل بلدان المنطقة، إن القضية الفلسطينية قضية مركزية بالنسبة لجماهير المنطقة. إن الجيل الشاب اليوم في الشرق الأوسط لم يعرف غير صور الدمار والقتل والوحشية الصهيونية في حق الشعب الفلسطيني التي ظل يشاهدها على شاشات التلفزيون والانترنت ليل نهار.
لهذا كان من الطبيعي أن تتعاطف جماهير المنطقة وتحيي العملية العسكرية لحماس، لأنها بالنسبة لهم تمثل صفعة قوية في وجه الغرور والإجرام الصهيوني في زمن انبطاح وعمالة الأنظمة. إن أكثر ما يخيف الطبقة السائدة هو التأثر المهول للجماهير بالقضية الفلسطينية، والتي دائمًا ما تعمل كمحفز لكل تناقضات المنطقة.
تقع على القمة، السلطة الفلسطينية في رام الله، برئاسة محمود عباس، التي تخون وتقمع الفلسطينيين منذ نشأتها، والتي تحولت إلى كلب حراسة يقوم بالأعمال القذرة المتعبة بحصار سكان الضفة الغربية والسيطرة عليهم بدلاً من الدولة الصهيونية، والتي سارع رئيسها الخائن محمود عباس نافيًا عن نفسه تهمة المقاومة قائلاً: “إن حماس لا تمثل الشعب الفلسطيني”.
هذا صحيح بالتأكيد، ولكن الأكثر صحة إن طريق المفاوضات والتخاذل والعمالة التي تمثلها فتح والسلطة في رام الله أقل تمثيلاً بما لا يقاس للشعب الفلسطيني البطل والمقاوم. والمظاهرات التي تخرج في الضفة الغربية هذه الأثناء ضد السلطة ورئيسها دليل على ذلك.
كما عمل النظام المصري على إصدار بياناته المعتادة عن التهدئة ووقف إطلاق النار، في نفس الوقت الذي حاول فيه إعادة موضعة نفسه بصفته الحارس على غزة ومالك مفتاحها. يحاول الآن أن يصور نفسه بصفته المدافع عن حق الشعب الفلسطيني، ويحاول جاهدًا أن يتوسط لإنهاء هذه الحرب، ليس لأغراض إنسانية وإنما لخوفه بأن يطول أمدها وتمتد النيران للداخل المصري، في الوقت الذي تعمل فيه أجهزة الأمن جاهدة لمنع انفجار غضب الجماهير.
إن ادعاءات النظام المصري تفوح منها رائحة النفاق والخيانة من نظام باع الحق الفلسطيني في كامب ديفيد، وشارك بشكل مباشر وبتعاون مع إسرائيل في حصار قطاع غزة منذ عام 2007 وحتى الآن. كل ما يحاول أن يقوم به أن يقول للجماهير المصرية: لا داعي للتحرك فنحن نقوم بكل ما يجب بالنيابة عنكم، أو على الأقل نحاول في انتظار موافقة الصهاينة.
إن كانوا صادقين حقًا (ولا يوجد شك أنهم غير صادقين بالطبع) في اكتراثهم بالشعب الفلسطيني ودعمهم له فليقطعوا علاقتهم بالدولة الصهيونية، ويفتحوا المعبر بشكل دائم لكل المصابين لتلقي العلاج، ويسمحوا لآلاف الشباب المصريين المتطوعين الذين يريدون مساعدة إخوانهم وأخواتهم في غزة، ويسمحوا بظهور كل مظاهر التضامن مع الشعب الفلسطيني.
يذكرنا هذا بملك الأردن الذي طل علينا بخطبة عصماء عن الحق الفلسطيني في دولة في نفس الوقت الذي كانت تقمع فيه قواته المظاهرات الداعمة لفلسطين. بجانب أنظمة الخليج الفاسدة (وعلى رأسها السعودية) التي بدأت موجة جديدة من التطبيع وجاء الفلسطينيون ليفسدوا عليهم خططهم، فقلبوا خطابهم بين ليلة وضحاها محاولين التظاهر بالاهتمام بالدم الفلسطيني، هذا بخلاف العصابة الحاكمة في الإمارات التي يبدو إنها تطمح أن تكون صهيونية أكثر من الصهاينة أنفسهم.
وبعد عدة أيام من بداية الأحداث جاءت جامعة الدول العربية لنجدة الشعب الفلسطيني ببيانات الشجب والإدانة المعتادة، التي لولاها لكنا عشنا كما اليتامى في هذا العالم. وحتى الآن لم يعقدوا “قمة الأزياء” الخاصة بهم، على حد وصف الشاعر العراقي مظفر النواب.
إن تلك الأنظمة تعلم إنها تجلس على برميل بارود يمكن أن ينفجر في أي لحظة، فالأزمة الاقتصادية العنيفة يمكن أن تتحد مع مناصرة الجماهير الفلسطينية ليعاد إحياء المد الثوري في المنطقة مجددًا، هذا أكثر ما يرعبهم ويجعلهم يقيمون الليل للدعاء من أجل انتهاء هذه الحرب في أسرع وقت. ولهذا يقمعون أي تحركات جماهيرية متضامنة مع غزة، أو يسيطرون عليها ويوجهونها في مسالك لا تهدد سلطتهم، ولكن مع استمرار العدوان من الممكن أن تخرج الأمور عن سيطرتهم.
لا يجب أن تثق الجماهير الفلسطينية في هذه الأنظمة الرجعية، إن هذه الأنظمة نفسها هي حجر العثرة الأول في طريق التحرير. إن الحلفاء الوحيدين للشعب الفلسطيني هم عمال وشباب المنطقة والعالم، وليس الطبقة السائدة المستعدة لعقد صفقات قذرة على جثة الشعب الفلسطيني في أي وقت، كما حدث بالفعل عدة مرات طوال الـ75 عامًا الماضية.
إسرائيل ورهانات المستقبل
يعمل نتنياهو على استغلال الأحداث لمصلحته الشخصية لتجاوز أزمته الداخلية. بسرعة بعد الهجوم تحركت الطبقة السائدة الإسرائيلية لإثارة جو من الهستيرية الصهيونية المعتادة، وتم تصوير المسألة وكأنها مسألة “حياة أو موت” كما قال نتنياهو.
تحت وابل الدعاية الصهيونية الهستيرية يُجرى محاولة تجاوز انقسامات الماضي القريب ودفع الجماهير وراء الطبقة السائدة، بشكل خاص بتنازل المعارضة الصهيونية، بمن فيهم اليسار الصهيوني المتمثل في حزب العمل الإسرائيلي الذي يعمل -كما العادة- كحذاء أيسر للطبقة السائدة، بالموافقة على تشكيل حكومة وحدة وطنية، لكي يصبح الجميع “جنودًا لإسرائيل” على حد تعبير بيني جانتس.
لكن برغم ما يبدو من رأب صدع كل التناقضات داخل المجتمع الإسرائيلي، فإن هذه الحرب لن تعمل سوى على تجذير التناقضات القديمة، وستظهر تلك التناقضات في الوقت المناسب بعد انقشاع الغيوم الكثيفة للأحداث الجارية.
دائمًا ما كانت الحرب سلاحًا في يد الطبقة السائدة، ولكنها سلاح ذو حدين، خصوصًا إذا توسعت الحرب وزاد عدد القتلى، وهي احتمالية قائمة ما دامت الحرب قائمة. بالفعل بدأت تظهر ملامح ذلك في احتجاجات عائلات الأسرى الإسرائيليين لدى حماس المطالبة بإسقاط نتنياهو، والتي من الممكن أن تضاف إلى المظاهرات حول التعديل القضائي التي توقفت بفعل الحرب، وسوف يأتي وقت الحساب. إن نتنياهو يدرك إن رقبته تحت المقصلة وهو ما سوف يدفعه إلى أكثر ردود الفعل جنونية لكي ينجو بحياته.
يُجرى في ظل هذه الأجواء إسكات كل الأصوات الخافتة المعارضة للعدوان على غزة داخل إسرائيل، سواء من فلسطيني الداخل أو الإسرائيليين. تجتاح موجة من الدعاية الصهيونية اليمينية المجتمع الإسرائيلي مجددًا. تعمل الدولة على دق طبول الحرب بالقدر الذي تغطي به على أي صوت آخر، حيث كانت آخر فصول الإجراءات القمعية التي سنتها الدولة هو التوصل لصيغة تتيح لوزير الأمن ومجلس الحرب الوزاري المصغر (الكابينت) إغلاق وسائل الإعلام، حيث سيتم إسكات أي صوت يجرؤ على مُسائلة منطق الحرب والدمار للدولة الصهيونية.
إن رغبة الطبقة السائدة الإسرائيلية بشكل عام، ونتنياهو بشكل خاص، في استغلال الأحداث الحالية لخلق حالة من الوحدة الوطنية يهدد بإشعال الأوضاع أكثر. تحت وابل الهستيرية الصهيونية ينفلت عقال المستوطنين الصهاينة المتطرفين أكثر فأكثر، حيث شاهد العالم كله منذ عدة أيام أحد المستوطنين وهو يطلق النار من المسافة صفر على فلسطيني من بلدة مسافر يطا تحت حماية قوات الدولة، هذا مع موجة واسعة جدًا من الاعتقالات والتهديدات والتحريض الصهيوني والقتل في الضفة الغربية والداخل، وهو ما يمكن أن يتحد مع عامل العدوان على غزة وغزوها ليؤدي لانتفاضة جماهيرية على كامل أراضي فلسطين التاريخية تغير المعادلة برمتها.
هذا إلى جانب رغبة إسرائيل، بصلفها المعهود، في تحميل ثمن الأزمة على البلدان المجاورة، مثل الاقتراحات التي صدرت حول النية لتهجير سكان قطاع غزة، أو جزء منهم على الأقل، لسيناء، وفي حالة تم هذا السيناريو كما يريده الإسرائيليون سوف يكون له ارتدادات ليس فقط في غزة وفلسطين ولكن أيضًا في مصر والمنطقة بأكملها.
ويلٌ لِمَن يَبني بَيتَهُ بِالظُّلمِ.
-إرميا 22 : 13 – 17
إن الدولة الصهيونية بهذا لا تعمل سوى على إفشال “الحلم الإسرائيلي” بأيديها وإدخال مستقبل الشعب الإسرائيلي في المنطقة في نفق مسدود، وتجهيز التربة لأزمة مستعصية، وجلب المزيد من العار والكراهية للإسرائيليين جميعًا. ينشأ جيل جديد في المنطقة والعالم اليوم وهو يرى مباشرة إخوانه وأخواته في غزة يقصفون في بيوتهم ومستشفياتهم على مدار الساعة بأيدي الصهاينة، وبهذا يعمل القادة الصهاينة على تجذير العداء لإسرائيل في نفوس شباب وعمال المنطقة والعالم.
بالفعل اجتاحت، منذ بداية العدوان الإسرائيلي، المظاهرات الداعمة لفلسطين في العديد من بلدان العالم، ثم مباشرة بعد الفاجعة الشنيعة المتمثلة في قصف مستشفى المعمداني في شمال قطاع غزة انطلقت مظاهرات في: لبنان والأردن والمغرب واليمن وموريتانيا والسويد وكندا، وغيرهم، حتى مصر الديكتاتورية العسكرية اضطرت أن تسمح ببعض المظاهرات الداعمة لفلسطين من قبل الجماهير والشباب المصريين في الجامعات المصرية ونقابة الصحفيين، وعدة أماكن أخرى بعد مجزرة المستشفى. هذه ليست سوى البداية، كلما طال أمد العدوان سوف تتعرض حكومات العالم المتعاونة مع الاحتلال، بدءً بحكومات المنطقة، لضغط متزايد من الجماهير.
من أجل حل ثوري
إن العملية العسكرية الأخيرة أبرزت نجم حماس أكثر، فالجماهير الفلسطينية التي سَئِمت من المفاوضات وقوانين المجتمع الدولي والخيانة تريد الفعل في مواجهة المجازر والإبادة المستمرة، ولا تجد أمامها سوى حماس تضطلع بتلك المهمة، هذا في ظل غياب بديل ماركسي ثوري حقيقي في فلسطين والمنطقة حتى الآن. لكن الآن مع استمرار العدوان الإجرامي بدأ يظهر مأزق عدم وجود إمكانية لتطور الحركة بسبب إخراج الجماهير من معادلة الفعل بطبيعة تلك العمليات العسكرية الانعزالية.
لكن في حالة الغزو البري لغزة ومع إجرام الجيش الصهيوني وعصابات المستوطنين الفاشيين في الضفة الغربية وداخل الخط الأخضر يزيد احتمالات انفجار انتفاضة جماهيرية، وهو ما سوف يشكل الخطوة الأساسية والأولى لتطور الحركة الفلسطينية. يجب أن تمتد الحركة من غزة إلى الضفة الغربية والداخل، ومن فلسطين إلى الشرق الأوسط كله، ومنه للعالم كله.
إن الوضع الحالي يُسقي بذور الثورة الموجودة في كل بلدان المنطقة، فالجماهير المُفقرة والمضطهَدة يمكن أن تجد في القضية الفلسطينية نقطة مرجعية تعبر من خلالها عن كل مظالمها وأوجاعها، في ظل تخاذل حكوماتنا عن نصرة ومساندة الشعب الفلسطيني.
يجب أن يتغير الوضع الإقليمي بشكل جذري لأنه لا يوجد حل للقضية الفلسطينية على أساس رأسمالي، بل على أنقاضه. إن حل القضية الفلسطينية يبدأ بإسقاط الأنظمة الديكتاتورية والرأسمالية في المنطقة.
انتصار الثورة الاشتراكية في إحدى بلدان المنطقة سيوفر مخزون (جماهيري وسياسي واقتصادي وعسكري) لا بديل عنه للقضية الفلسطينية، الذي إن تم استخدامه بشكل صحيح وبناء على سياسة ثورية وأممية مع تكثيف ضغط الأحداث سيوفر مخرجًا لتلك المأساة، حيث يوفر الأرضية والظروف المناسبة لتقسيم المجتمع الإسرائيلي على أسس طبقية، ليتم إسقاط الدولة الصهيونية من أجل بناء فدرالية اشتراكية على أراضي فلسطين التاريخية، تكون جزءً من فدرالية اشتراكية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لنطوي صفحة الاحتلال والمجازر والمعاناة مرة واحدة وإلى الأبد.
هل هذا حل طوباوي؟ كما يمكن أن يدعي البؤساء المتشائمين في “اليسار” اليوم، نحن نقول العكس، إننا ندخل بالفعل في مرحلة مضطربة، وسنشهد كثير من التطورات الثورية في المستقبل القريب، لكن في ظل غياب القيادة الثورية فإن تلك التطورات الثورية سوف تسير يدًا بيد مع الثورة المضادة.
إن ما يلزمنا، قبل كل شيء آخر، هو بناء قيادة ماركسية ثورية لعمال وجماهير المنطقة والعالم، وهذا ما نعمل من أجله في التيار الماركسي الأممي. إذا كنتم تريدون وضع حد للاحتلال والمجازر الصهيونية في حق الجماهير الفلسطينية، وكسر دائرة العنف والهمجية والفقر والمعاناة التي فرضتها علينا الامبريالية والرأسمالية: انضموا إلينا! انضموا إلى الشيوعيين! انضموا إلى التيار الماركسي الأممي!
لا لقصف غزة وغزوها!
يسقط الاحتلال!
تسقط الدولة الصهيونية!
من أجل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين!
من أجل انتفاضة جماهيرية في كل أراضي فلسطين التاريخية!
تسقط الرأسمالية!
من أجل بناء قيادة ماركسية ثورية!
من أجل فدرالية اشتراكية على أراضي فلسطين التاريخية، جزءً من فدرالية اشتراكية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا!
الانتفاضة حتى النصر!
محمد حسام
18/10/2023