إصدار الطبعة المكسيكية لكتاب لينين حول الامبريالية جاء في وقت ملائم جدا. لم يسبق لأي كتاب آخر أن شرح ظاهرة الرأسمالية الحديثة أفضل من هذا الكتاب. كما أن جميع توقعات لينين المتعلقة بتركيز رأس المال، وهيمنة البنوك ورأس المال المالي، وتزايد العداء بين الدول القومية وحتمية الحرب الناشئة عن تناقضات الإمبريالية، قد أثبتت صحتها أحداث المائة عام الماضية كلها.
ما هي الامبريالية؟
من الممكن المجادلة بأن أنواعا معينة من الإمبريالية كانت موجودة في مرحلة ما قبل الرأسمالية وحتى في عالم العصور القديمة، مثل الإمبراطورية الرومانية. وشمل ذلك غزو واسترقاق ونهب المستعمرات الأجنبية. وهذا النوع البدائي من الإمبريالية يمكن إيجاده حتى في العالم الحديث (كانت الإمبراطورية القيصرية الروسية في الواقع مثالا على ذلك). ورغم ذلك فإن هذه الظاهرة قد خضعت لتحول جوهري في ظل الرأسمالية. وهو ما يقدم له لينين تعريفا علميا في العصر الحديث، إذ يكتب:
إذا كان من الضروري تقديم أوجز تعريف ممكن للإمبريالية، فعلينا أن نقول إنها هي المرحلة الاحتكارية للرأسمالية. ومن شأن هذا التعريف أن يشمل الشيء الأكثر أهمية، فمن ناحية، رأس المال المالي هو رأس المال المصرفي لعدد قليل من البنوك الاحتكارية الكبيرة جدا، مندمجا مع رأسمال الاتحادات الاحتكارية للصناعيين؛ ومن ناحية أخرى، فإن تقسيم العالم هو الانتقال من السياسة الاستعمارية التي امتدت دون عائق إلى مناطق لم تستغلها أي قوة رأسمالية، إلى سياسة استعمارية للحيازة الاحتكارية لأراضي العالم، والذي اقتسم بالكامل.[1]
ويشرح لينين المراحل الرئيسية في تاريخ الاحتكارات على النحو التالي:
(1) ما بين 1860 و1870، والتي كانت أعلى مرحلة، وذروة تطور المنافسة الحرة؛ حيث كان الاحتكار في مرحلة جنينية بالكاد يمكن تمييزها.
(2) بعد أزمة 1873، فترة طويلة من تطور الكارتلات؛ لكنها كانت ما تزال تشكل الاستثناء. لم تكن دائمة بعد. كانت ما تزال ظاهرة انتقالية.
(3) الطفرة في نهاية القرن التاسع عشر وأزمة 1900-1903. أصبحت الكارتلات أحد أسس الحياة الاقتصادية بأكملها. لقد تحولت الرأسمالية إلى إمبريالية[2].
وأخيرا يصل إلى التعريف التالي للسمات الأكثر جوهرية للإمبريالية في العصر الحديث:
(1)تطور تركيز الإنتاج ورأس المال إلى درجة عالية أدت إلى نشوء احتكارات تلعب دورا حاسما في الحياة الاقتصادية؛ (2)اندماج رأس المال المصرفي مع رأس المال الصناعي، ونشوء أوليغارشية مالية على أساس “رأس المال المالي”؛ (3)اكتساب تصدير رأس المال، المتميز عن تصدير السلع، أهمية استثنائية؛ (4)تكوين اتحادات رأسمالية احتكارية عالمية، تقتسم العالم فيما بينها؛ (5)اكتمال تقسيم مناطق العالم كله بين أكبر القوى الرأسمالية. الإمبريالية هي الرأسمالية في تلك المرحلة من التطور التي ترسخت خلالها سيطرة الاحتكارات ورأس المال المالي؛ وحيث اكتسب تصدير رأس المال أهمية واضحة؛ وحيث بدأ تقسيم العالم بين التروستات العالمية، وحيث تم تقسيم جميع مناطق العالم بين أكبر القوى الرأسمالية.[3]
تركيز رأس المال
سبق لماركس وإنجلز أن أوضحا في صفحات البيان الشيوعي أن المنافسة الحرة تؤدي حتما إلى الاحتكار وتركيز رأس المال في يد عدد قليل من الشركات العملاقة. تم إجراء هذا التوقع الرائع في وقت كانت فيه الرأسمالية لم تتطور بالفعل إلا في إنجلترا فقط، وحتى هناك لم تكن توجد بعد مشاريع كبيرة الحجم. أما في فرنسا فقد كانت الغالبية العظمى من المصانع عبارة عن مقاولات صغيرة توظف عددا قليلا فقط من العمال، وذلك حتى خلال القرن العشرين.
تعرض توقع ماركس بحتمية تحول رأسمالية المنافسة الحرة إلى الرأسمالية الاحتكارية، لأشرس الهجمات من قبل الاقتصاديين البرجوازيين، أكثر مما تعرض له أي جانب آخر من جوانب نظريات ماركس الاقتصادية. استمر الاقتصاديون البرجوازيون على مدى عقود، ينفون هذه الأطروحة، بحجة أن الاتجاه الرئيسي للرأسمالية الحديثة هو تعزيز تطور المشاريع الصغيرة والمتوسطة (“الصغير جميل”). لكن المسار الكامل للتطورات الاقتصادية على مدى المائة وخمسين عاما الماضية أثبت العكس تماما.
وعلى الرغم من أن هذه السيرورة لم تبلغ ذروتها خلال فترة حياة ماركس، فإن لينين كان في وضع يسمح له بتحليلها بتفاصيل كبيرة، باستخدام الكم الهائل من الإحصائيات الموجودة تحت تصرفه. في كتابه “الإمبريالية” يحدد لينين السيرورة التي تتحول من خلالها الرأسمالية إلى رأسمالية احتكارية. ويقدم قائمة شاملة بالإحصاءات التي تشير إلى هيمنة عدد صغير من البنوك الكبيرة والتروستات على الاقتصاد العالمي. وقد اكتسبت سيرورة تركيز رأس المال، خلال العقود الأخيرة، زخما أكثر ضخامة.
فوربس غلوبال 2000 هو تصنيف لأكبر الشركات المدرجة في البورصة في العالم. توظف هذه الشركات التي يبلغ عددها 2000 معا 87 مليون شخص، وتمتلك أصولا بقيمة 159 تريليون دولار، وتدر عائدات تبلغ 38 تريليون دولار سنويا، أو ما يقرب من 51% من الناتج الإجمالي العالمي. وكانعكاس لعولمة العالم، والتأثير المتزايد للأسواق الناشئة، صارت قائمة غلوبال 2000 أكثر طولا. في عام 2004، جاءت الشركات من 51 سوقا، لكن بحلول عام 2013 جاءت هذه الشركات من 63 سوقا.
جاءت اليابان، التي تضم 251 عضوا، في المرتبة الثانية على رأس القائمة، والصين (136 عضوا) في المرتبة الثالثة. ومن المعبر أن هناك الآن شركتان صينيتان على رأس قائمة فوربس غلوبال 2000 وذلك لأول مرة في التاريخ. تجاوز البنك الصناعي والتجاري الصيني (ICBC) المملوك للدولة شركة Exxon Mobil باعتباره أكبر شركة في العالم هذا العام، في حين صعد بنك صيني آخر، بنك التعمير الصيني، 11 مركزا إلى المركز الثاني.
منطقة آسيا والمحيط الهادئ لديها أكبر عدد من الشركات المدرجة (بـ 715 عضوا) تليها أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا (606 عضوا) والولايات المتحدة (543) والأمريكيتين (143). منطقة آسيا والمحيط الهادئ، تتصدر جميع المناطق في نمو المبيعات (بزيادة 08%) وأيضا من حيث نمو الأصول (بزيادة 15%). من جهة أخرى جاءت الولايات المتحدة في المقدمة فيما يتعلق بنمو الأرباح (بزيادة 04%)، حيث حققت أرباحا إجمالية قدرها 876 مليار دولار، ونمو القيمة السوقية (11%)، بقيمة إجمالية قدرها 14.8 تريليون دولار؛ بينما حققت منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا معظم المبيعات، حيث بلغت مجتمعة 13.3 تريليون دولار، وامتلكت معظم الأصول بقيمة 64 تريليون دولار.
وبينما زاد ترتيب الشركات من البلدان الأخرى (لا سيما الصين)، فقد استمرت الشركات الأمريكية في الهيمنة على القائمة. فعلى الرغم من تراجع عدد الشركات الأمريكية في قائمة عام 2013 بـ208 أعضاء مقارنة بالعدد الذي كانت عليه في عام 2004، عندما تم نشر فوربس غلوبال 2000 لأول مرة، فإن إجمالي 543 شركة أمريكية التي ضمتها قائمة عام 2013، هي أعلى رقم لها منذ عام 2009. وهكذا فإن الإمبريالية الأمريكية ما تزال القوة المهيمنة على هذا الكوكب.
قوة رأس المال المالي
يوضح لينين كذلك أنه في مرحلة الرأسمالية الاحتكارية الإمبريالية، يخضع الاقتصاد بأكمله لسيطرة البنوك ورأس المال المالي:
الروابط بين البنوك والشركات الصناعية، بمحتواها الجديد، وأشكالها الجديدة وهياكلها الجديدة، أي البنوك الكبرى المنظمة على أساس مركزي ولا مركزي، نادرا ما كانت ظاهرة اقتصادية مميزة قبل التسعينيات؛ من ناحية، يمكن إرجاع هذا التاريخ الأولي إلى عام 1897، عندما حدثت الاندماجات المهمة وعندما تم، لأول مرة، إدخال الشكل الجديد للتنظيم اللامركزي ليناسب السياسة الصناعية للبنوك. وربما يمكن ارجاع نقطة البداية إلى تاريخ لاحق، لأن أزمة عام 1900 هي التي سرعت وكثفت بشكل كبير سيرورة تركز الصناعة والبنوك، وعززت تلك السيرورة، وعملت لأول مرة على تحويل العلاقة مع الصناعة إلى احتكار فعلي للبنوك الكبرى، وجعلت هذه العلاقة أكثر تداخلا وأكثر نشاطا.
وهكذا فإن القرن العشرين يمثل نقطة تحول من الرأسمالية القديمة إلى الجديدة، من هيمنة رأس المال بشكل عام إلى هيمنة رأس المال المالي.[4]
هذه الكلمات تنطبق بشكل كامل على الوضع الحالي! اليوم، بعد مائة عام على كتابة لينين لمؤلفه الإمبريالية، أصبحت هيمنة البنوك ورأس المال المالي أكبر بكثير عما كانت عليه عندما كتب هذه السطور. لقد انفضحت سيطرة البنوك الكبرى وطبيعتها الطفيلية والاستغلالية أمام أعين العالم بأسره بفعل أزمة 2008، وسياسات الإنقاذ الفضائحية التي تضمنت تقديم الحكومات تريليونات الدولارات من أموال دافعي الضرائب للبنوك. إن هذا الدعم الإجرامي للأغنياء على حساب الفقراء هو أوضح مثال ممكن على اندماج الشركات الكبرى والبنوك مع الدولة، والذي يقع في صميم تعريف لينين للإمبريالية.
من سمات الرأسمالية بشكل عام فصل ملكية رأس المال عن توظيف الرأسمال في الإنتاج، فصل رأس المال النقدي عن الرأسمال الصناعي أو المنتج، وفصل صاحب الدخل (Rentier) الذي يعيش بالكامل على عائد رأس المال النقدي، عن الصناعي وجميع المشتركين مباشرة في إدارة رأس المال. والإمبريالية، أو سيطرة رأس المال المالي، هي المرحلة العليا للرأسمالية حيث يبلغ هذا الفصل أحجاما هائلة. وهيمنة رأس المال المالي على بقية أشكال رأس المال تعني سيطرة صاحب الدخل والأوليغارشية المالية، تعني هيمنة عدد ضئيل من الدول “القوية” ماليا على سائر الدول الأخرى.[5]
هذا ما كتبه لينين في الإمبريالية. ما هو الوضع اليوم؟ في قائمة فوربس العالمية لأكبر 2000 شركة، استحوذت البنوك والمؤسسات المالية الأخرى على أكبر عدد من الشركات (469 عضوا)؛ واحتلت الصناعات الثلاثة التالية المراتب الأولى من حيث العضوية: النفط والغاز (124) والمواد الخام (122) والتأمين (109).
يقولون إن العالم يغرق في الأزمة، لكن البنوك، الذين يعتبرون السادة الحقيقيين للاقتصاد العالمي، ليست كذلك بالتأكيد. لم توقف الأزمة المالية لعام 2008، التي بدأت في القطاع المصرفي، من تنامي ثروة وقوة أكبر البنوك في العالم، والتي بلغ مجموع أصولها الآن نحو 25.5 تريليون دولار. النظام المصرفي الأمريكي، بعد خمس سنوات من إنقاذه من قبل الحكومة الفيدرالية، يحقق أرباحا قياسية. ففي العام الماضي وحده، حقق بنك جي بي مورغان، والذي هو أكبر بنك في البلاد، أرباحا صافية تساوي 24.4 مليار دولار. ومع ذلك، فإن 77% من صافي مداخيل جي بي مورغان (وبنوك أخرى) يأتي من الإعانات الحكومية.
هذه الحقيقة تفضح بشكل كامل أسطورة “المنافسة الحرة” و”اقتصاديات السوق الحرة”. البنوك الكبرى مرتبطة ارتباطا وثيقا بالدولة وليس في مقدورها أن تعيش ولو ليوم واحد دون تلقيها كميات هائلة من المال العام. يستولي أصحاب البنوك على مبالغ ضخمة، يتم نشلها من جيوب دافعي الضرائب، ويستخدمونها ليس لتوسيع الإنتاج وخلق فرص الشغل، بل لإثراء أنفسهم والمضاربة في البورصة على حساب المصلحة العامة.
الفقراء يدعمون الأغنياء في هذا العالم العجيب. إنها قصة روبن هود رأسا على عقب. لا شيء يوضح الطبيعة المنحطة والطفيلية للرأسمالية الحديثة أكثر من الهيمنة الكاملة لرأس المال المالي. إنها حجة لا يمكن دحضها لصالح مصادرة البنوك والاحتكارات الكبرى وإعادة تنظيم المجتمع على أساس التخطيط الاشتراكي للاقتصاد
اللامساواة
تماما مثلما أنكر الاقتصاديون البرجوازيون بعناد تمركز رأس المال، كذلك حاول علماء الاجتماع البرجوازيون، لنفس السبب، إنكار السيرورة الموازية المتمثلة في التقاطب الطبقي في المجتمع التي توقعها ماركس. ففي فقرة مشهورة في المجلد الأول لرأس المال، كتب: “إن تراكم الثروة في أحد القطبين هو، بالتالي، في نفس الوقت، تراكم للبؤس، وعذاب الكدح العبودي، والجهل، والوحشية، والتدهور الخلقي، في القطب المقابل، أي: في جانب الطبقة التي تنتج منتجها الخاص على شكل رأس مال”.
طالما احتج علماء الاجتماع البرجوازيون بسخط على هذه التصريحات! وكم سخروا واستهزأوا بالفكرة القائلة إن الرأسمالية تؤدي إلى حدوث استقطاب متزايد بين الأغنياء والفقراء. لقد كتبوا المجلدات تلو المجلدات المليئة بكمية كبيرة من الإحصائيات التي حاولت إثبات أن الطبقة العاملة قد اختفت، في الواقع، وأننا صرنا “جميعا طبقة متوسطة الآن”، وأن اقتصاد السوق الحر لا يفقر الجماهير بل يثريها، وأنه من الجيد جدا أن يزداد الأغنياء ثراء لأن جزءا من ثروتهم سوف “يتدفق” في النهاية إلى الفقراء، مما يجعل الفقر شيئا من الماضي. وهكذا، سيتطور الجميع للأفضل في أفضل العوالم الرأسمالية.
وهذا ينطبق على نظريات الاقتصاديين وعلماء الاجتماع البرجوازيين على حد سواء. لكن الحقائق تحكي قصة أخرى، والحقائق، كما يقال، أشياء عنيدة. أثار كتاب “رأس المال في القرن الحادي والعشرين”، للكاتب الاقتصادي الفرنسي توماس بيكيتي، الذي نشر مؤخرا، جدالا عنيفا. فعلى الرغم من أن المؤلف ليس ماركسيا (يقول إنه لم يقرأ كتاب رأس المال) وأن “حلوله” لمشكلة اللامساواة لا تتجاوز الوصفات الكينزية الأكثر احتشاما، إلا أنه كان هدفا لهجمات شرسة. كانت “جريمته” هي الإشارة إلى أن معدل أرباح رأس المال في الاقتصادات الرأسمالية يميل إلى أن يكون أعلى من معدل النمو، مما يؤدي إلى تركز الثروة وتزايد اللامساواة، وهو أمر لا يمكن إنكاره.
يشير تركيز رأس المال إلى التراكم الهائل للثروة والسلطة في أيدي عدد قليل من الأفراد فاحشي الثراء، مقابل عدد متزايد باستمرار من الناس الذين يكافحون من أجل البقاء عند مستويات الجوع. من بين سكان العالم البالغ عددهم 07 مليارات نسمة، يندرج عدد قليل من الأشخاص (2170 شخصا) ضمن فئة الثراء الفاحش. ومن بين هؤلاء نجد المكسيكي كارلوس سليم. يمتلك هؤلاء الأثرياء في المتوسط ثروة صافية تساوي 1.79 مليار جنيه إسترليني لكل واحد منهم، وتبلغ قيمة ثروتهم مجتمعين 6.55 تريليون دولار، أي أكبر من الناتج المحلي الإجمالي لبريطانيا. ثلثا أصحاب الملايير لديهم ثروة “عصامية”، لكن خُمسهم حصلوا عليها من خلال الإرث.
كشفت منظمة أوكسفام الخيرية مؤخرا أن أغنى 85 شخصا لديهم ثروة تساوي ما يمتلكه 3.5 مليار من فقراء العالم، وهذه حقيقة مروعة حقا لأي شخص لديه ذرة من الفهم. وهكذا، فإن توقعات ماركس بشأن تركيز رأس المال و”تراكم الثروة في أحد القطبين هو، بالتالي، في نفس الوقت، تراكم للبؤس، وعذاب الكدح العبودي، والجهل، والوحشية، والتدهور الخلقي، في القطب المقابل” قد تم تأكيدها بدقة مخبرية.
الثروة المادية تصنع السلطة. لم يسبق في التاريخ أن تركزت كل هذه السلطة الكبيرة في أيدي قلة من الناس. لقد تحولت المؤسسات الديمقراطية إلى قشرة فارغة، في حين أن السلطة الحقيقية تمارسها نخب صغيرة من أصحاب الأبناك والرأسماليين الذين يسيطرون على الحكومات ويسيرونها وفقا لمصالحهم. تندمج الحكومة والشركات الكبرى بشكل متزايد في حكم الأوليغارشية المتخفي تحت غطاء رقيق للحكومة البرلمانية. في الولايات المتحدة أكثر من 80% من أعضاء الكونغرس هم من أصحاب الملايين، ولكي يصبح المرء رئيسا، يجب أن يكون إما مليارديرا أو على الأقل لديه دعم مالي من عدد من أصحاب الملايير.
في بلدان الديمقراطية البرجوازية، مثل بريطانيا، انتقلت السلطة من البرلمان إلى الحكومة ومن الحكومة إلى زمرة صغيرة من البيروقراطيين والمستشارين وخبراء العلاقات العامة، غير المنتخبين المتحلقين حول رئيس الوزراء. “الصحافة الحرة” تملكها وتسيطر عليها حفنة من فاحشي الثراء مثل مردوخ. وبدأت الديمقراطية تصير على نحو متزايد كلمة لا معنى لها. أما في بلدان مثل المكسيك، حيث يتم شراء وبيع السياسيين مثل أكياس السكر، وحيث تحول تزوير الانتخابات إلى فن متقن، فتظهر الطبيعة الاحتيالية للديمقراطية البرجوازية واضحة للجميع. وفي كل مكان يفترض أن الأغنياء هم من لهم الحق الحصري في الحكم، في حين على الفقراء أن يحنوا رقابهم خاضعين لنير رأس المال.
هل غيرت الإمبريالية طبيعتها؟
في أيام لينين عبرت الإمبريالية عن نفسها من خلال السيطرة المباشرة للقوى الإمبريالية على المستعمرات. كانت الإمبريالية البريطانية تمتلك ما يقرب من نصف الكرة الأرضية. نهبت ثروات أفريقيا والشرق الأوسط وشبه القارة الهندية، وكانت تسيطر أيضا على العديد من البلدان في أمريكا اللاتينية. وكانت الرغبة في كسر احتكار الإمبريالية البريطانية على العالم وتأمين إعادة تقسيم العالم، هي الأسباب وراء شن الإمبرياليين الألمان للحرب العالمية الأولى. وقد شاركت القوى الأخرى جميعها بحماس في ذلك الصراع لتقسيم العالم والاستيلاء على المستعمرات.
شمل ذلك روسيا القيصرية، على الرغم من أنها كانت بلدا متخلفا اقتصاديا وشبه إقطاعي. لم تصدر روسيا القيصرية ولو كوبيكا واحد من رأس المال. كانت إمبرياليتها أكثر تشابها مع النوع القديم الذي يقوم على الاستيلاء على الأراضي الأجنبية (بولندا هي المثال الواضح) والتوسع الإقليمي (احتلال القوقاز وآسيا الوسطى). كانت روسيا القيصرية، على حد تعبير لينين، بمثابة سجن حقيقي للأمم التي احتلتها واستعبدتها ونهبتها. ومع ذلك فقد كانت روسيا نفسها تعتمد ماليا على فرنسا والدول الإمبريالية الأخرى. تخلفها الاقتصادي واعتمادها على رأس المال الأجنبي لم يمنع لينين من وضعها بين القوى الإمبريالية الخمس الرئيسية.
تغير هذا الوضع بشكل جذري بعد عام 1945. أطاحت ثورة أكتوبر بالنظام القيصري وأعطت دفعة قوية لحركات التحرر الوطني للشعوب المستعمَرة المضطهَدة. هزت الحرب العالمية الثانية قوة الدول الإمبريالية القديمة. خرجت بريطانيا وفرنسا ضعيفتان من الحرب، في حين أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي القوتان المهيمنتان.
كان اندلاع الثورات في المستعمرات أحد أعظم الأحداث في تاريخ البشرية. مئات الملايين من البشر الذين حُكم عليهم بالعبودية في المستعمرات انتفضوا ضد أسيادهم في إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط. كانت الثورة الصينية الرائعة وحركة التحرر الوطني في الهند وإندونيسيا وبلدان أخرى بمثابة تغيير تاريخي. ومع ذلك، فإن تحقيق التحرر الوطني -على الرغم من أنه خطوة كبيرة إلى الأمام- لم يحل مشاكل الجماهير المستغَلة، بل إن تلك المشاكل، على العكس من ذلك، تفاقمت من نواح كثيرة.
اليوم، وبعد ما يقرب من سبعة عقود على اندلاع الحرب العالمية الثانية، أصبحت سيطرة الإمبريالية على البلدان المستعمَرة السابقة أكبر مما كانت عليه في الماضي. الفرق الوحيد هو أنه بدلا من السيطرة العسكرية البيروقراطية المباشرة، تمارس الإمبريالية هيمنتها اليوم بشكل غير مباشر من خلال آليات التجارة العالمية، والتبادلات غير المتكافئة، و”المساعدة” الخارجية، وفوائد القروض، وما إلى ذلك. لقد بقيت البلدان المستعمرة السابقة مستعبدة من طرف الإمبريالية، على الرغم من أن سلاسلها صارت الآن غير مرئية.
العولمة كلمة تخفي حقيقة النهب الممنهج للبلدان المستعمَرة سابقا. فهذه الأخيرة مجبرة على فتح أسواقها أمام سيل من السلع الأجنبية التي تدمر صناعاتها المحلية وتشل اقتصاداتها وتستنزف ثرواتها. تفتح الشركات العملاقة العابرة للحدود مصانعا لها في بنغلاديش وإندونيسيا وفيتنام حيث يتعرض العمال لأقسى أشكال الاستغلال، في ظروف شبيهة بالعبودية، مقابل أجور الجوع، لإنتاج سراويل الجينز وأحذية نايكي، لتضخيم فائض القيمة التي يستخرجها مصاصو الدماء. والكوارث، مثل كارثة بوبال والحريق الأخير في مصنع نسيج في بنغلاديش، تدمر مجتمعات بأكملها. يذرف أرباب الشركات الغربيين دموع التماسيح ويواصلون ملء خزائنهم بمنتجات دماء وعرق ودموع الملايين من العبيد المستعمرين.
تنسحق البلدان النامية تحت عبء الديون والسياسات التجارية التي يفرضها صندوق النقد الدولي والبنك العالمي ومنظمة التجارة العالمية. ينفق العالم النامي الآن على سداد الديون 1.3 دولار مقابل كل دولار يتلقاه في شكل قروض. اقترضت نيجيريا حوالي 05 مليارات دولار ودفعت حوالي 16 مليار دولار، لكنها ما تزال مدينة بـ 28 مليار دولار. وقد جاءت تلك 28 مليار دولار بسبب ارتفاع أسعار فائدة الديون الخارجية.
عبء الديون لم يترك للبلدان الفقيرة في العالم أي شيء لتنفقه على الاحتياجات الأساسية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية. لنأخذ مثالا واحدا فقط: في عام 1997، أنفقت زامبيا 40% من إجمالي ميزانيتها لسداد الديون الخارجية، و 7% فقط على الخدمات الأساسية مثل لقاحات الأطفال. والوضع في باكستان أكثر سوءا. كل البلدان المتخلفة تجد نفسها مستغَلة ومنهوبة ومضطهَدة من قبل الإمبريالية.
عرف التاريخ العديد من أشكال العبودية، والعبودية المالية هي الشكل الحديث للرق. إنها ليست واضحة مثل العبودية القديمة، لكنها بالرغم من ذلك عبودية، حيث يتم إخضاع ونهب بلدان بأسرها. في عام 1999 وحده، كان يتم تحويل 128 مليون دولار كل يوم من أفقر البلدان إلى أغناها لسداد الديون. ومن هذا المبلغ، جاء 53 مليون دولار من شرق آسيا والمحيط الهادئ، و38 مليون دولار من جنوب آسيا و23 مليون دولار من أفريقيا. حياة ملايير البشر تحطمها هذه العبودية الجماعية للديون.
يخبرنا الكتاب المقدس أن الكنعانيين القدماء كانوا يضحون بالأطفال للإله مولوخ. لكن وبسبب عبودية الديون، تتم التضحية بسبعة ملايين طفل على مذبح رأس المال، الأمر الذي يجعل من العجوز مولوخ يبدو كائنا مسالما.
لو تم إلغاء الديون في عام 1997 لعشرين من بين أفقر البلدان، لكان من الممكن أن تنقذ الأموال المتوفرة للرعاية الصحية الأساسية حياة حوالي 21 مليون طفل بحلول عام 2000، أي ما يعادل 19.000 طفل في اليوم. ووفقًا لحملة يوبيل 2000، فإن 52 بلدا من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء وأمريكا اللاتينية وآسيا، الذين يبلغ مجموع سكانها مليار نسمة، يغرقون تحت عبء ديون مقدارها 371 مليار دولار. وهذا أقل من إجمالي الثروة الصافية لأغنى 21 فردا في العالم. بهذه الطريقة ما تزال الإمبريالية تمتص دماء ملايير الفقراء في العالم المستعمر سابقا.
لقد تعلمت المكسيك منذ وقت مبكر جدا من تاريخها كيف هو الحال عندما تعيش بجوار وحش إمبريالي مفترس كبير جائع. وفي هذا السياق يمكن للمرء أن يتذكر كلمات بورفيريو دياز الشهيرة: “المكسيك المسكينة: بعيدة جدا عن الله وقريبة جدا من الولايات المتحدة”. فعلى الرغم من أن المكسيك بلد مستقل رسميا منذ ما يقرب من قرنين من الزمان، فإن الطبيعة الوهمية لهذا الاستقلال قد انفضحت بشكل صارخ خلال العقود الأخيرة، مع توقيع اتفاقية التجارة الحرة مع الأخ الأكبر على الضفة الأخرى من نهر ريو غراندي. كان لهذا تأثير مدمر على الصناعة والزراعة المكسيكيتين، في حين أن افتتاح المصانع المملوكة للولايات المتحدة في المناطق الحدودية يوفر جيوشا ضخمة من العمالة الرخيصة لأرباب العمل الأمريكيين.
مصانع التجميع تلك، التي تعمل من أجل السوق الأمريكية، والتي كان مقرها في الأصل في المدن الحدودية -تيخوانا وسيوداد خواريز وماتاموروس ومكسيكالي ونوغاليس- قد انتشرت الآن في جميع أنحاء أراضي المكسيك. هنا نرى بالضبط كيف تعمل الإمبريالية الحديثة. إذ لماذا تكبد كل مشاكل ونفقات الحكم العسكري البيروقراطي المباشر، في حين أنه من الممكن الهيمنة على بلد ما بشكل فعال للغاية من خلال الوسائل الاقتصادية، وترك مهام القمع غير المرغوبة لحكومة “صديقة” (أي تابعة)؟
إن نمط الاستغلال الاستعماري الجديد هذا ليس أقل وحشية من ذلك النهب الاستعماري المفضوح الذي تحقق في الماضي على أساس الحكم العسكري المباشر. فبشكل عام ما تزال نفس المستعمرات القديمة في إفريقيا وآسيا ومنطقة البحر الكاريبي تتعرض للتجفيف من قبل نفس مصاصي الدماء القدامى. الفرق الوحيد هو أن هذا السرقة تتم بشكل قانوني تماما من خلال آلية التجارة العالمية التي تمارس من خلالها البلدان الأوروبية الرأسمالية المتقدمة هيمنة مشتركة على المستعمرات السابقة، وبالتالي يتم تجنيبها تكلفة الحكم المباشر، مع الاستمرار في استخراج أرباح فائضة ضخمة من خلال مبادلة كميات أقل من العمالة بكميات أكبر.
الإمبريالية والحرب
كان تقسيم العالم بين القوى الإمبريالية المتنافسة، الذي تحدث عنه لينين، قد اكتمل بحلول نهاية القرن التاسع عشر. بعد ذلك صارت المسألة تدور حول إعادة تقسيم العالم، وهي المسألة التي لا يمكن حلها إلا بوسيلة واحدة: الحرب.
على مدى المائة عام الماضية، كانت هناك حربان عالميتان، تسببت الثانية منهما في مقتل 55 مليون شخص وكادت تؤدي إلى انقراض الحضارة الإنسانية. يقدم هذا الدليل الأكثر وضوحا على أن النظام الرأسمالي لم يعد يلعب دورا تقدميا وأصبح عائقا هائلا أمام التقدم البشري. إن التطور الهائل لقوى الإنتاج يدخل في صراع مع حاجزين أساسيين هما: الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والدولة القومية. هذا هو السبب الجذري للحروب خلال المرحلة التاريخية الحالية.
إن الاندلاع الدوري للحروب، والذي عادةً ما يتم تصويره على أنه اندلاع لجنون جماعي لا يمكن تفسيره، هو في الواقع تعبير عن التوترات التي تنشأ في المجتمع الطبقي، والتي يمكن أن تصل إلى نقطة حرجة حيث لا يمكن حل التناقضات إلا بالوسائل العنيفة. لقد سبق لكلاوزفيتز، قبل لينين بوقت طويل، أن أوضح أن الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى.
أظهر ماركس وإنجلز في البيان الشيوعي أن الرأسمالية، التي ظهرت لأول مرة في شكل الدولة القومية، تخلق حتما سوقا عالمية. إن الهيمنة الساحقة للسوق العالمية هي، في الواقع، أكثر السمات حسما في العصر الذي نعيش فيه. لا يمكن لأي بلد، مهما كان كبيرا وقويا، الهروب من جاذبية السوق العالمية. والفشل الذريع لمحاولة بناء الاشتراكية في بلد واحد في روسيا والصين دليل كاف على هذا الواقع. وكذلك حقيقة أن كلا الحربين الكبيرتين اللتان شهدهما القرن العشرين قد تم خوضهما على نطاق عالمي وكانتا حربين للسيطرة على العالم.
تحولت الرأسمالية والدولة القومية من كونها مصدرا للتقدم الهائل إلى قيد هائل وعائق كبير أمام التطور المتناغم للإنتاج. وقد عبر هذا التناقض عن نفسه من خلال الحربين العالميتين 1914-1918 و1939-1945 وأزمة فترة ما بين الحربين. خلال الحرب العالمية الأولى، كان الإمبرياليون البريطانيون يخوضون “حربا دفاعية” – أي حربا للدفاع عن مكانتهم المتميزة بصفتهم اللص الإمبريالي الأول في العالم، حيث احتجزوا ملايين لا حصر لها من الهنود والأفارقة في ظل الاستعباد الاستعماري. ويمكن ملاحظة نفس الحسابات الكلبية عند جميع البلدان المتحاربة، من أكبرها إلى أصغرها.
تطور التجارة العالمية، في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، سمح للنظام الرأسمالي بالتغلب على هذا التناقض، جزئيا ولفترة مؤقتة. كان الدور الرئيسي في الانتعاش الاقتصادي يعود لتطور التجارة العالمية وتكثيف التقسيم العالمي للعمل. وقد بلغ هذا ذروته فيما سمي بالعولمة. يعتقد الماركسيون السابقون، مثل إريك هوبسباوم، أن العولمة ستضع حدا للصراعات القومية. وقد كان التحريفي كارل كاوتسكي قد قال، قبل مائة عام، الشيء نفسه بالضبط.
لقد أظهرت الحرب العالمية الأولى تهافت تلك النظرية. وتظهر حالة عالمنا في عام 2014 غباء فكرة هوبسباوم التحريفية الجديدة. فعوض أن تقضي على التناقضات القومية، فاقمتها بشكل كبير. وعلى الرغم من كل الحديث عن التجارة الحرة والتحرير، نشهد صراعا شرسا على الأسواق بين جميع البلدان الرأسمالية الرئيسية.
هناك ميل واضح للعالم لأن ينقسم إلى كتل تجارية متصارعة، تهيمن عليها على التوالي الولايات المتحدة وألمانيا واليابان. تحاول كل واحدة منها أن تحمي أسواقها ومناطق نفوذها، بينما تطالب بالحق في الوصول إلى أسواق ومناطق نفوذ منافسيها. التوترات بين الولايات المتحدة والصين في المحيط الهادئ تزداد حدة طوال الوقت. وخلال العقود الأولى من القرن الحادي والعشرين، ما زال آلاف الأشخاص يذبحون في الحروب كل يوم. لقي خمسة ملايين شخص على الأقل حتفهم في الكونغو وحدها.
كم كان لينين عميقا إذ أن كتابه “الإمبريالية، أعلى مراحل الرأسمالية” ما زال يحتفظ بجدته وراهنيته الآن مثل يوم كتابته.
تم إنشاء الاتحاد الأوروبي في محاولة للتغلب على هذا القيد. كانت الأسواق الوطنية المنفصلة لبريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها، صغيرة جدا بالنسبة للاحتكارات العملاقة. كانت الاحتكارات الكبرى تتطلع إلى خلق سوق إقليمية مفتوحة تضم مئات الملايين من البشر، وتتطلع من وراء ذلك إلى السوق العالمية. بفضل الانتعاش الاقتصادي، نجح الرأسماليون الأوروبيون إلى حد كبير في إنشاء هذا الاتحاد الجمركي، حيث أدى إلغاء التعريفات الجمركية بين بلدان السوق المشتركة، وخلق تعريفات مشتركة مع بقية العالم، إلى تطوير وتحفيز التجارة العالمية. لكن الآن كل هذه التطورات تتحول إلى نقيضها.
إن تشكيل التكتلات التجارية الإقليمية واتفاقيات التجارة الثنائية، بعيدة كل البعد عن أن تكون أمثلة للتجارة الحرة، إنها تهديد محتمل للعولمة. وعوض أن يكون الاتحاد الأوروبي خطوة في اتجاه التجارة الحرة، هو كتلة تجارية إقليمية موجهة ضد الولايات المتحدة واليابان، من ناحية، وهو تحالف من القوى الإمبريالية مكرس للاستغلال الجماعي لبلدان العالم الثالث، من ناحية أخرى.
الاتحاد الأوروبي كان دائما اتحادا لصالح أصحاب الأبناك والرأسماليين. نحن الماركسيون أمميون، نحن نؤيد أوروبا الموحدة، لكن ذلك لا يمكن تحقيقه على أساس الرأسمالية. هل تغلبوا على الانقسام الوطني في أوروبا؟ كلا! لقد جعل اليورو الأمور أسوء، والشعب اليوناني يعرف ذلك جيدا. من الأكيد أن العملة الموحدة ستكون فكرة جيدة لو كانت هناك أوروبا اشتراكية. ففي ظل الاشتراكية، ستكون هناك خطة مشتركة للإنتاج، لكن ذلك سيكون على أساس اتحاد طوعي ديمقراطي، على أساس المساواة، وليس اتحادا يهيمن عليه أصحاب الأبناك وبلد واحد، أي: ألمانيا.
لماذا لم تحدث حرب عالمية أخرى في الفترة الأخيرة؟
لقد عادت تناقضات الرأسمالية اليوم للظهور بطريقة متفجرة على نطاق عالمي. وتلك الفترة الطويلة من التوسع الرأسمالي -التي تحمل بعض أوجه التشابه اللافتة للنظر مع الفترة التي سبقت الحرب العالمية الأولى- قد وصلت إلى نهاية دراماتيكية في عام 2008. نحن الآن في خضم أخطر أزمة اقتصادية في تاريخ الرأسمالية بأكمله.
العولمة، وعلى عكس نظريات الاقتصاديين البرجوازيين، لم تلغ التناقضات الأساسية للرأسمالية. لم تعمل سوى على إعادة إنتاجها على نطاق أوسع بكثير من أي وقت مضى: تعبر العولمة الآن عن نفسها على شكل أزمة عالمية للرأسمالية. السبب الجذري للأزمة هو تمرد القوى المنتجة على العائقين الأساسيين اللذين يحولان دون التقدم البشري، أي: الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والدولة القومية.
إن التوترات الموجودة الآن بين الولايات المتحدة واليابان وأوروبا كانت في مرحلة أخرى ستؤدي بالفعل إلى الحرب. لكن ومع وجود الأسلحة النووية، وكذلك مجموعة مروعة من وسائل التدمير الهمجية الأخرى -الأسلحة الكيماوية والبكتيريولوجية- فإن الحرب الشاملة بين القوى الكبرى ستعني إبادة متبادلة، أو على الأقل ثمنا باهظا لدرجة جعل الحرب اقتراحا غير جذاب، باستثناء للجنرالات الحمقى وغير المتوازنين.
هناك اختلافات مهمة بين الموقف اليوم والموقف الذي كان في زمن لينين. حاول الإمبرياليون في مناسبتين حل تناقضاتهم بواسطة الحرب: في عامي 1914 و 1939. لماذا لا يحدث هذا مرة أخرى؟ إن التناقضات الموجودة الآن بين الإمبرياليين حادة لدرجة أنها كانت ستؤدي في الماضي إلى الحرب. والسؤال الذي يجب طرحه هو: لماذا لم يعد العالم في حالة حرب مرة أخرى؟ والجواب يكمن في ميزان القوى المتغير على نطاق عالمي.
حقيقة الأمر هي أن الدول الأقزام القديمة في أوروبا توقفت منذ فترة طويلة عن لعب أي دور مستقل في العالم. وهذا هو السبب في اضطرار البرجوازية الأوروبية إلى تشكيل الاتحاد الأوروبي، في محاولة للتنافس على المستوى العالمي مع الولايات المتحدة وروسيا والآن الصين أيضا. لكن الحرب بين أوروبا وأي من الدول المذكورة أعلاه مستبعدة تماما. فبصرف النظر عن أي شيء آخر، أوروبا تفتقر إلى الجيش والبحرية والقوات الجوية. والجيوش الموجودة تخضع لسيطرة مختلف الطبقات السائدة، التي تتصارع، خلف واجهة “الوحدة” الأوروبية، كالقطط في كيس للدفاع عن “مصالحها الوطنية”.
في ظل الظروف الحالية، ليست الحرب بين الدول الأوروبية هي الاحتمال الذي ينفتح الآن، بل الحرب الطبقية داخل كل بلد من بلدان أوروبا.
أدى إدخال اليورو إلى زيادة حدة التناقضات الوطنية. ففي الماضي، عندما كانت بلدان جنوب أوروبا تعاني من مشاكل مالية، كان بإمكانها تخفيض قيمة عملتها، أما اليوم فليس لديها هذا الخيار. وبدلا من ذلك، تضطر إلى اللجوء إلى “تخفيض داخلي”، أي الهجوم على مستويات المعيشة. هذا لا يحدث فقط في اليونان، بل في جميع أنحاء أوروبا وفي جميع أنحاء العالم.
كان اندفاع الإمبريالية الألمانية لتصير القوة المهيمنة في أوروبا هو السبب الرئيسي وراء الحرب العالمية الأولى. بينما اليوم لا تحتاج ألمانيا إلى مثل تلك الأساليب لأنها قد حققت ما تريد بالوسائل الاقتصادية. لن تكون هناك فائدة من غزو ألمانيا لبلجيكا أو الاستيلاء على الألزاس واللورين، وذلك لسبب بسيط هو أن ألمانيا تسيطر بالفعل على أوروبا بأكملها من خلال قوتها الاقتصادية. جميع القرارات المهمة تتخذها ميركل والبنك الاتحادي الألماني (Bundesbank)، دون إطلاق رصاصة واحدة. هل يمكن أن تقوم فرنسا بإعلان حرب استقلال وطني عن ألمانيا؟ يكفي طرح هذا السؤال لنرى على الفور عبثيته.
إن البرجوازية في هذه اللحظة تهاجم كل المكاسب التي حققتها الطبقة العاملة خلال الخمسين سنة الماضية. إنهم يريدون إعادتنا إلى العصر الحجري. انظروا إلى ما يحدث في جميع أنحاء العالم، من أوروبا إلى البرازيل ومن إفريقيا إلى تايلاند: الاضطرابات في كل مكان. وبالتالي فإنها ليست أزمة في أوروبا وحدها، بل هي أزمة الرأسمالية في جميع أنحاء العالم. المنظور الملموس للمرحلة التي دخلناها ليس منظور حرب عالمية، بل منظور احتداد غير مسبوق للحرب الطبقية.
من وجهة النظر العسكرية، لا يمكن لأي بلد أن يقف في وجه القوة العسكرية الهائلة للولايات المتحدة. لكن هذه القوة لها حدودها أيضا. هناك تناقضات صارخة بين الولايات المتحدة والصين واليابان في المحيط الهادئ. كان من شأن هذا في الماضي أن يؤدي إلى الحرب. لكن الصين لم تعد بلدا ضعيفا ومتخلفا وشبه مستعمر، يمكن غزوها بسهولة وإخضاعها للاستعباد الاستعماري. إنها قوة اقتصادية وعسكرية متنامية تمدد عضلاتها وتؤكد مصالحها. ليس هناك أي احتمال لأن تقوم الولايات المتحدة بغزو الصين واستعبادها.
“السلام الأمريكي”؟
لقد مر ما يقرب من 25 عاما منذ أن ألقى جورج بوش (الأب)، رئيس الولايات المتحدة آنذاك، خطابه الشهير حول “النظام العالمي الجديد”. وعد رئيس أقوى دولة على وجه الأرض بعالم خالٍ من الحروب، وخال من الديكتاتوريات، وبالطبع، بعالم تحت سيطرة شرطي عالمي قوي وحيد هو الولايات المتحدة. كان هذا في عام 1991، عندما كان يستعد لحرب الخليج الأولى.
بعد سقوط الأنظمة الستالينية، اعتقدت الإمبريالية الأمريكية حقًا أن العالم سيكون تحت سيطرتها وأنهم سيكونون قادرين على تحديد مصير كل البلدان. كان يجب على كل النزاعات في العالم أن يتم حلها من خلال الحوار في إطار نوع من “السلام الأمريكي” (“Pax Americana”). لقد تحولت كل تلك الأحلام إلى ركام الآن. هناك حرب تلو حرب. وعلى حد تعبير المؤرخ الروماني تاسيتوس: “خلقوا الهمجية وأطلقوا عليها اسم سلام”.
المرحلة التاريخية التي نعيش فيها هي مرحلة فريدة من نوعها. في الماضي، كانت هناك دائما ثلاثة أو أربعة قوى إمبريالية أو أكثر، لكن الآن هناك عملاق واحد، هو الولايات المتحدة. قوة الإمبراطورية الرومانية في الماضي ليست شيئا مقارنة بقوة الولايات المتحدة اليوم. يأتي %38 من الإنفاق العسكري في العالم من الولايات المتحدة، بما في ذلك أسلحة الدمار الشامل الأكثر رعبا. الإمبريالية الأمريكية هي بحق أكبر قوة معادية للثورة على وجه الأرض في التاريخ.
ومع القوة الهائلة تأتي الغطرسة الهائلة. مزق جورج دبليو بوش كل القواعد الدولية والدبلوماسية التي تم بناؤها بتأن منذ القرن السابع عشر. وبموجب شروط “عقيدة بوش”، طالبت الولايات المتحدة لنفسها بالحق في التدخل في كل مكان. الحروب التي ابتلي بها الكوكب هي تعبير عن نظام في حالة انحطاط وأعراض لذلك الانحطاط. في الولايات المتحدة يتم إنفاق أكثر من 750 مليار دولار على الأسلحة كل عام. بهذه الأموال وحدها سيكون من الممكن بناء ما يكفي من المستشفيات والمدارس والمنازل للجميع والقضاء على الجوع في العالم.
كون الولايات المتحدة قوية جدا هي حقيقة، لكن هذا له حدود أيضا، كما اتضح في العراق. غزا الإمبرياليون العراق قبل إحدى عشر عاما وأعلنوا أن المهمة “قد أُنجزت”. لكن الواقع هو أن العراق صار في حالة من الفوضى وليس له جيش يشتغل. لم يتمكن 150 ألف جندي أمريكي من هزيمة الشعب العراقي، على الرغم من مقتل ما لا يقل عن 100 ألف عراقي. كان الهدف نهب العراق، لكنه لم يحقق سوى نزيف رهيب من الدماء والأموال، نزيف لم يستطع حتى أغنى بلد في العالم تحمله. وفي النهاية اضطرت القوات الأمريكية إلى الانسحاب، وتركت العراق الذي تحول إلى حالة همجية من البؤس والانقسام واليأس.
والولايات المتحدة التي كانت قد أحرقت أصابعها بشدة في العراق وأفغانستان، لم تكن قادرة على التدخل في سوريا، وهي الآن تجد نفسها عاجزة عن الدخول في صراع مع روسيا حول أوكرانيا. كيف يمكنها حتى التفكير في حرب مع بلد مثل الصين في حين أنها لا تستطيع حتى الرد على الاستفزازات المستمرة من كوريا الشمالية؟ إن السؤال ملموس للغاية.
ولكل هذه الأسباب، فإن الحرب العالمية، على غرار 1914-1918 أو 1939-1945، مستبعدة في المستقبل المنظور. لكن هذا لا يعني أن العالم سيكون مكانا أكثر سلاما وانسجاما، بل على العكس ستكون هناك حرب تلو الأخرى، لكنها ستكون حروبا “صغيرة” مثل حرب العراق وأفغانستان. وهذا احتمال رهيب بما فيه الكفاية للجنس البشري.
في سياق رده على أحد أنصار النزعة السلمية الذي قال “إن الحرب رهيبة”، قال لينين: “أجل، أرباحها رهيبة”. لقد تلقت الشركات متعددة الجنسيات العملاقة مثل Halliburton مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين مقابل ما سمي بعمليات “إعادة الإعمار” في العراق، وليس من قبيل المصادفة أن نائب الرئيس، ديك تشيني، كان لفترة طويلة مديرا تنفيذيا لهذه الشركة، والتي تقدم أيضا تبرعات بمبالغ كبيرة للحزب الجمهوري. هذا مثال واضح للغاية عن العلاقة العضوية بين الاحتكارات الكبرى وبين الدولة التي كتب لينين عنها في الإمبريالية.
الحرب والثورة
كانت الحربان العالميتان دليلا كافيا على أن النظام الرأسمالي قد استنفد بالكامل إمكاناته للتقدم. لكن لينين أشار إلى أنه ما لم تتم الإطاحة بالرأسمالية من قبل الطبقة العاملة، فستبقى دائما قادرة على أن تجد مخرجا حتى من أعمق أزماتها الاقتصادية. وما رآه لينين احتمالا نظريا في عام 1920، حدث بالفعل بعد عام 1945. فنتيجة لتسلسل فريد للظروف التاريخية، دخل النظام الرأسمالي في فترة جديدة من الانتعاش، ونتيجة لذلك صار منظور الثورة الاشتراكية، على الأقل في البلدان الرأسمالية المتقدمة، مؤجلا.
خلال تلك الفترة كانت البرجوازية والمدافعون عنها مخمورين بالأوهام، تماما كما كان حالهم خلال العقدين السابقين لعام 1914. وكما كان الحال في ذلك الحين، فقد ردد قادة الحركة العمالية تلك الأوهام. بل وحتى أكثر من ذلك، فقد تخلوا عن أي ادعاء بالدفاع عن الاشتراكية واعتنقوا بكل إخلاص نظام “السوق”. لكن العجلة دارت الآن دورة كاملة. ففي عام 2008 تحولت ثمار النجاح إلى رماد في أفواههم. وكما في عام 1914، أعطاهم التاريخ صفعة فظة.
قبل عام 1914، كان قادة الاشتراكية الديمقراطية ما يزالون يتشدقون بأفكار الاشتراكية والصراع الطبقي. كانوا في احتفالات فاتح ماي يلقون خطابات راديكالية بل وثورية. لكنهم في الممارسة كانوا قد تخلوا عن منظور الثورة الاشتراكية لأجل الإصلاحية: أي الفكرة القائلة بأنه يمكنهم، بشكل سلمي، وتدريجي، وبدون ألم، تحويل الرأسمالية إلى اشتراكية في وقت بعيد في المستقبل.
كان الاشتراكيون الديمقراطيون –بمن فيهم في ذلك الوقت لينين وتروتسكي وروزا لوكسمبورغ وكارل ليبكنخت- يصوتون في مؤتمرات الأممية الاشتراكية على قرارات تتعهد فيها الأممية بمعارضة أي محاولة من جانب الإمبرياليين لشن حرب، وحتى الاستفادة من الوضع لتنظيم النضال الثوري ضد الرأسمالية والإمبريالية.
لكن ولعارهم الأبدي، خان جميع قادة الأممية الثانية (باستثناء الروس والصرب) الطبقة العاملة من خلال دعم طبقتـ”هم” السائدة على أساس “الدفاع عن الوطن”. ونتيجة لذلك حكم على الملايين من العمال الذين يرتدون الزي العسكري بالإعدام في الأوحال والدماء والغازات السامة في معارك فلاندرز.
صُدم لينين بشدة عندما سمع أن الاشتراكيين الديمقراطيين الألمان قد صوتوا لصالح اعتمادات الحرب في الرايخستاغ، لدرجة أنه رفض في البداية تصديق ذلك. لكن وبمجرد تأكيد ذلك، لم يتردد في الانفصال عن الأممية الثانية ورفع راية الأممية الثالثة (الشيوعية). كان لينين طوال الحرب معزولا في سويسرا. بدا الوضع ميؤوسا منه تماما. بدى شعار “يا عمال العالم اتحدوا” مفارقة كئيبة، حيث كان العمال الألمان والفرنسيون والروس والبريطانيون يطلقون النار على بعضهم البعض ويطعنون بعضهم حتى الموت لصالح أسيادهم. خلال المؤتمر الأول للاشتراكيين المناهضين للحرب، الذي عقد في قرية زيمروالد السويسرية الصغيرة، في عام 1915، قال لينين مازحا إنه يمكنك وضع كل الأمميين في العالم في عربتي قطار.
ومع ذلك فقد انتهت الحرب الإمبريالية بالثورة. لقد قدمت الثورة الروسية للإنسانية مخرجا من كابوس الحروب والفقر والمعاناة. لكن غياب قيادة ثورية على نطاق أممي أدى إلى إجهاض هذا الاحتمال في بلد تلو الآخر. وكانت النتيجة أزمة جديدة وحربا إمبريالية جديدة وأكثر فظاعة.
إمكانيات هائلة
قال لينين: “الرأسمالية هي الرعب بدون نهاية“. وتظهر التشنجات الدموية التي تنتشر في جميع أنحاء العالم أنه كان على حق. يبكي الأخلاقويون البرجوازيون الصغار وينتحبون بشأن هذه الفظائع، لكن ليست لديهم أي فكرة عن الأسباب، ناهيك عن الحل. يشير أنصار النزعة السلمية و”الخضر” والنسويات وغيرهم، إلى الأعراض وليس إلى السبب الأساسي، الذي يكمن في نظام اجتماعي مريض استنفد دوره التاريخي.
إن الفظائع التي نراها أمامنا ليست سوى أعراضا خارجية لاحتضار الرأسمالية. لكنها أيضا آلام مخاض مجتمع جديد يكافح من أجل أن يولد. إن مهمتنا هي تقليص مدة آلام المخاض هذه والإسراع بولادة مجتمع جديد إنساني حقيقي.
بفضل التطورات في التكنولوجيا والعلوم، أصبحت لدى البشرية إمكانية القضاء على كل الشرور القديمة من الجوع والحرب والأمية. لكن ما هو الواقع؟ 1.2 مليار شخص يعيشون تحت خط الفقر، وفي كل عام يموت 08 ملايين رجل وامرأة وطفل نتيجة لذلك. هذا ليس أقل من محرقة صامتة على نطاق عالمي لا يتحدث عنها أحد. هذا ما تملك الرأسمالية لتقدمه اليوم.
إن النضال ضد الإمبريالية اليوم لا يمكن تصوره بدون النضال ضد الرأسمالية. هل هناك من قوة في العالم يمكنها التغلب على قوة الإمبريالية الأمريكية؟ أجل، هذه القوة موجودة. إنها تسمى الطبقة العاملة! والتي بدون إذنها لا يمكن لأي مصباح أن يضيء، ولا لعجلة أن تدور، ولا لهاتف أن يرن! المشكلة هي أن لديها هذه القوة لكنها لا تعرف ذلك.
خلال الأيام المظلمة للحرب العالمية الأولى، وجد لينين نفسه معزولا مرة أخرى وعلى اتصال بمجموعة صغيرة جدا فقط. لكنه لم يكن خائفا من النضال ضد التيار. لقد كرس كل قوته لتثقيف وتدريب الكوادر الثورية على أساس الأفكار الماركسية الحقيقية. إن تحفته “الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية”، هي نصب تذكاري خالد للعمل الذي قام به في المجال الحيوي للنظرية.
لم يظهر لينين أي علامة على التشاؤم عندما كان الوضع يبدو ميؤوسا منه. وليس هناك أي مجال للتشاؤم الآن. ففي المرحلة المضطربة التي تلوح في الأفق، ستتاح للطبقة العاملة العديد من الفرص لتغيير المجتمع. لم تكن قوة الطبقة العاملة، في أي وقت مضى، أكبر مما هي عليه الآن. لكن هذه القوة يجب تنظيمها وتعبئتها وتزويدها بالقيادة المناسبة. هذه هي المهمة الرئيسية اليوم. إننا نقف بحزم على أساس أفكار لينين، والتي صمدت أمام اختبار الزمن، والتي هي، إلى جانب أفكار ماركس و إنجلز و تروتسكي، وحدها القادرة على ضمان الانتصار المستقبلي
هوامش:
[1] Lenin: LCW, Vol.22, p. 266
[2] Lenin’s Collected Works, Vol.22, p.202
[3] LCW, Vol.22, pp. 266-.267
[4] LCW, Vol.22, pp. 225-.226
[5] LCW, Vol.22, pp. 238-239.
آلان وودز – لندن
04 يونيو 2014
ترجم عن النص الانجليزي:
Introduction to the new Mexican edition of Lenin’s Imperialism