الرئيسية / قضايا نظرية / الماركسية والدولة / فرنسا: “إعادة هيكلة” جهاز الشرطة أم إسقاط الدولة البرجوازية؟

فرنسا: “إعادة هيكلة” جهاز الشرطة أم إسقاط الدولة البرجوازية؟

افتتاحية العدد 72 لجريدة الثورة –لسان حال الفرع الفرنسي للتيار الماركسي الأممي-:

الآن، وبينما نحن بصدد إصدار هذا العدد من جريدة الثورة، يعلن وزير الداخلية، جيرالد دارمانين سروره بنتائج الليلة الخامسة على التوالي من أعمال الشغب، والتي كانت “أكثر هدوءا بفضل الإجراءات الصارمة لقوات الأمن“.

يقوم دارمانين هنا بالمقارنة. وفي المقابل دعونا نجري نحن بدورنا مقارنة: ربما كانت الليلة الخامسة “أهدأ” من الرابعة، وقبل كل شيء، من الثالثة. لكنها مقارنة مع “100 يوم من التهدئة”، التي أعلنها إيمانويل ماكرون، في 17 أبريل، ما تزال مضطربة للغاية!

وبالإضافة إلى ذلك فإنه يجب على جيرالد دارمانين أن يكون حذرا من “الإجراءات الصارمة للشرطة”، لأن جريمة قتل جديدة من قبل الشرطة ستعقد بشكل خطير وضع فرنسا “الهادئة” بأوامر من رئيس الدولة.

مسألة طبقية

سنكتفي، فيما يتعلق بانفجار الغضب الذي أشعل الأحياء العمالية في العديد من المدن، باقتباس مطول من المقال الذي نشرناه بعد يومين على اغتيال نائل:

مقطع الفيديو واضح وضوح الشمس: لقد تعمد الشرطي قتل الشاب الذي لم يكن يهدد أحدا. […] زعم الشرطي، الذي ظن أنه لم يتم تصويره، أن نائل كان يهدد بقتله. هذه هي الاستراتيجية المعتادة لضباط الشرطة الذين يرتكبون مثل هذه “الحوادث”: إنهم يكذبون، وهم واثقون من تواطؤ جهاز الشرطة والمؤسسات القضائية معهم.

لكن الفيديو لا يكذب. إنه شوكة في حلق الدولة ، جزء من الحقيقة التي تفضح حجج “فرضية البراءة” ، التي كان الصحفيون الرجعيون يروجون لها طوال اليومين الماضيين.

يدرك الجميع أنه بدون هذا الفيديو، لم يكن من المحتمل أن يتم التشكيك في ادعاءات ضابط الشرطة، وأنه بسبب غياب مقاطع فيديو، تم دفن العديد من جرائم القتل، التي ارتكبها ضباط الشرطة في ظروف مماثلة، تحت كومة من الأكاذيب والصمت المتواطئ […].

قتل نائل ليس السبب الوحيد وراء غضب الجماهير. لكنه لعب دور المحفز والشرارة التي أشعلت احتياطيات ضخمة من المواد المتفجرة التي تراكمت على مر السنين بسبب الإذلال والتمييز والوصم وعنصرية الدولة وعنف الشرطة والبطالة والبؤس بجميع أنواعه.

وكما حدث في عام 2005، فقد حرصت الحكومة، ووسائل الإعلام التابعة لها، على ذرف دموع التماسيح على السيارات والحافلات المحترقة. إذ يرون في ذلك فرصة لتعبئة الرأي العام ضد الشباب المحتجين […] كما أن اليمين واليمين المتطرف سيحاولون تحقيق مكاسب سياسية من الوضع، باسم الدفاع عن “النظام” و”الأمن” وحتى، بالطبع، “الجمهورية” (البرجوازية).

وفي هذا السياق يجب على اليسار والحركة النقابية ألا يقتصر دورهم على دور مراقبين ومعلقين. نحن بحاجة إلى إعطاء الأحداث محتوى طبقيا واضحا. يجب على المنظمات العمالية أن تفعل كل ما في وسعها لتعبئة كل الشباب والعمال في نضال جماهيري ضد الدولة البرجوازية وضد الحكومة وضد القمع البوليسي والقضائي للشباب.

يجب تنظيم مظاهرات وتجمعات حاشدة في أحياء الطبقة العاملة لمنح هذا التمرد الشبابي التعبير الأكثر تنظيما ووعيا وفعالية. وهذا من شأنه أن يمكن جميع سكان هذه الأحياء -وليس الشباب فقط- من المشاركة في الحركة. وستسحب، في الوقت نفسه، البساط من تحت أقدام السياسيين الرجعيين الذين يعزفون على “عنف” المحتجين ويحاولون قلب الرأي العام ضدهم.

يجب ان يتم شرح العلاقة بين القمع البوليسي ضد الشباب في الأحياء الأكثر فقرا، وبين السياسات الحكومية المعادية للشعب.

لقد تحرك ملايين الأشخاص ضد سياسات الحكومة منذ يناير. الحكومة والشرطة وجهان لنفس المشكلة، لنفس نظام الاستغلال والقمع، لنفس سيطرة طبقة من الطفيليات الغنية على الغالبية العظمى من الشعب.

هذه الطبقة الرأسمالية هي التي تزرع البؤس والبطالة والفوضى. هذه الطبقة هي نفسها التي تسيطر على أجهزة الدولة والشرطة والمؤسسات القضائية. كما أن هذه الطبقة هي التي تمتلك وتتحكم في وسائل الإعلام الرئيسية، والتي إحدى مهامها المركزية هي بث الدعاية العنصرية باستمرار، تحت كل الذرائع الممكنة.

ولذلك فإنه يجب على الحركة العمالية أن تسعى جاهدة لتوجيه الغضب الذي ينفجر مرة أخرى بين أكثر فئات الشباب اضطهادا في البلاد ضد هذه الطبقة ونظامها -النظام الرأسمالي-. وليس هناك من شك في أنه إذا تحدثت الحركة العمالية بلغة ثورية مع هؤلاء الشباب، فإنهم سيستجيبون بحماس ونشاط.

“إعادة هيكلة الشرطة” البرجوازية؟

مع الأسف، قادة اليسار والحركة النقابية ليسوا على الإطلاق في مستوى ما يتطلبه الوضع. فهم لم يتخذوا أدنى مبادرة لمحاولة إعطاء تعبير أكثر تنظيما وأعلى تسيسا وأكثر وعيا لغضب الشباب المحتجين. لم يحاولوا تعبئة الفئات الأخرى من الشباب والعمال. بل إنهم في أسوء الحلات قاموا بـ”إدانة العنف”، بالتحالف مع الحكومة واليمين واليمين المتطرف، بينما اقتصروا، في أحسن الحالات، على الثرثرة بخصوص “إصلاح الشرطة الجمهورية”.

وعلى سبيل المثال فإن بيان الكونفدرالية العامة للشغل، يوم فاتح يوليوز، “يدين أعمال العنف” (من قبل الشباب). وفي محاولة منهم لتمييز أنفسهم عن اليمين، اقترحوا “إعادة هيكلة شرطتنا الجمهورية وعلاقتها بالمواطنين، مع الالتزام بعمل أساسي فيما يتعلق بالتكوين والإدارة والمبادئ التوجيهية لإجراءات تنفيذ القانون“. إليكم ما يلخص كل حكمة القادة الإصلاحيين لأقوى نقابة عمالية في البلاد: “إعادة هيكلة شرطتنا“، عفوا شرطتنا “الجمهورية“!

شرطتــ”نا”؟ هل هي شرطة الكونفدرالية العامة للشغل؟ هل هي شرطة العمال والمستغَلين والمضطهَدين؟ هذا التعبير لوحده يكشف عن وجود ارتباك قاتل.

دعونا نذكر بعض الحقائق الأساسية لقادة الكونفدرالية العامة للشغل (وقادة فرنسا الأبية). إن الشرطة، في ظل النظام الرأسمالي، حتى ولو كان “جمهوريا”، تكون–مثلها مثل الجيش والنظام القضائي – أداة في خدمة البرجوازية. إنها شرطة البرجوازية وحدها. إن الشرطة هي إحدى الركائز الأساسية لجهاز دولتها، وتتمثل وظيفتها الأساسية في الدفاع عن سلطة وامتيازات الطبقة السائدة.

وإدراكا منهم لهذا الدور، لا يتوانى القادة الرجعيون لنقابات الشرطة في تذكير البرجوازية بحدة عندما تضطر هذه الأخيرة، خوفا من حدوث انفجار اجتماعي لا يمكنها السيطرة عليه، إلى انتقاد “تجاوزات” الشرطة بشكل علني. وهذا بالضبط ما نشهده اليوم. ومن هنا يأتي الخطاب المزدوج للحكومة: فمن ناحية، صرحت إنها “صُدمت” بمقطع فيديو مقتل نائل. ومن ناحية أخرى تعمل على تهنئة الشرطة بحرارة وتتملق قادة اتحاد الشرطة الوطنية، والاتحاد الوطني للنقابات المستقلة للشرطة (UNSA) وغيرها من المنظمات اليمينية المتطرفة الأخرى.

سوف يشتد الصراع الطبقي تحت تأثير الأزمة العميقة للرأسمالية، والتضخم والإصلاحات المضادة الوحشية التي تحتاجها البرجوازية الفرنسية. وبالتالي فإن هذه الأخيرة ستحتاج أيضا إلى قوة شرطة مصممة بحزم على ممارسة الترهيب والقمع والانتهاكات. هذه هي اللحظة التي يختار فيها قادة الكونفدرالية العامة للشغل التوجه نحو الطبقة السائدة ويقترحون عليها “إعادة هيكلة شرطتنا الجمهورية“!

قادة الكونفدرالية العامة للشغل وفرنسا الأبية محقون في مطالبتهم بإلغاء قانون كازينوف[1] لعام 2017، بشأن “رخصة القتل”. لكن ينبغي علينا ألا نتخيل أن إلغاء هذا القانون سيضع حدا لعمليات القتل التي تقترفها الشرطة. إن الشرطة، بسبب دورها الموضوعي في ظل الرأسمالية، هي حتما وكر للعنصريين والرجعيين المتطرفين. وبشكل عام فإنه لا يمكن “إعادة هيكلة” الشرطة البرجوازية بالمعنى التقدمي طالما أن البرجوازية في السلطة. سوف يتم تحطيم الشرطة البرجوازية وسحقها عندما سيتم إسقاط البرجوازية من السلطة، وعندما ستتم مصادرة وسائل إنتاجها وإعادة بناء المجتمع على أسس اشتراكية. وأي منظور آخر هو مجرد ثرثرة إصلاحية تزرع أوهاما خطيرة في صفوف طبقتنا.

جيروم ميتيلوس

02 يوليو/تموز 2023

ترجم عن النص الفرنسي:

Les mésaventures de l’«apaisement» – Edito du n°72


[1]  قاون كازينوف (La loi Cazeneuve) قانون صدر سنة 2017 يسمح للشرطة إطلاق النار “في حالة الدفاع عن النفس” على كل من “يرفض الامتثال للأوامر”. المترجم.