الرئيسية / الشرق الأوسط وشمال إفريقيا / الشرق الأوسط / فلسطين/إسرائيل / فلسطين/إسرائيل: الطريق الثوري إلى الأمام – مقدمة

فلسطين/إسرائيل: الطريق الثوري إلى الأمام – مقدمة

نحن فخورون بالإعلان عن نشر سلسلة جديدة من المقالات المتعمقة التي تناقش قضية فلسطين – إسرائيل، وتطرح منظورا ثوريا للنضال التحرري الفلسطيني، وللسلام الدائم للمنطقة بأسرها.

لقد بدأت تظهر تصدعات عميقة داخل النظام الإسرائيلي. والإصلاحات التشريعية لعام 2023، التي اقترحها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو -والتي كان من شأنها أن تقص أجنحة المحكمة العليا وتقوض قدرتها على نقض التشريعات المقررة في الكنيست (البرلمان الاسرائيلي)- وضعت الحكومة في مواجهة غالبية الطبقة السائدة الإسرائيلية.

وقد توقفت الخطط منذ ذلك الحين، في ظل معارضة هائلة من جانب قمة هرم المجتمع الإسرائيلي.

صحيفة “هآرتس” شرحت بصراحة هذا المشهد الغريب في مقال لها بعنوان: “خطأ بيبي: لقد صنع أعداء بين النخبة الإسرائيلية“. حيث عملت في ذلك المقال على التخلي تماما عن أي اعتبار “للديمقراطية”، إذ أوضحت أن “الاستيلاء على السلطة” بشكل صارخ لم يكن يجب التسامح معه من طرف “قادة التكنولوجيات المتطورة وأصحاب الأبناك والاقتصاديين وأصحاب الأعمال”.

ذلك الاندفاع الوقح كان مقامرة خطيرة من وجهة نظر قطاعات مختلفة من الطبقة السائدة. لكن في النهاية قدرة أرباب العمل على إجبار الحكومة على الانسحاب، بغض النظر عن مدى ازدراء تلك الحكومة، يكشف عمن يمتلك حقا السلطة في المجتمع.

ما زالت الاحتجاجات حتى الآن ذات طابع ليبرالي ساحق ومؤيد للصهيونية. إنهم يتعاملون مع “حكم القانون” على أنه أمر مقدس، ويوافقون بشكل عام على الدور الذي تلعبه المحكمة العليا في مصادرة الأراضي الفلسطينية واستمرار الاحتلال.

لكن وعلى الرغم من ذلك فإن حقيقة أن يخرج نصف مليون شخص إلى الشوارع، في بلد يبلغ عدد سكانه تسعة ملايين نسمة، أمر مهم. فهو، من ناحية، يسلط الضوء على الانقسامات الموجودة في الأعلى؛ كما أنه، من ناحية أخرى، يشير إلى السخط المتراكم في أعماق المجتمع، وخاصة بين الطبقات الوسطى.

يحدث هذا في ظل أزمة اقتصادية عميقة تعرفها إسرائيل التي تعد من أكثر المجتمعات تفاوتا في العالم الرأسمالي المتقدم، وهو ما يزرع الديناميت في أسسها.

هذه الحادثة برمتها قوضت بشكل كبير مصداقية المؤسسة السياسية الإسرائيلية. والذعر من الاتجاه الذي تقود إليه حكومة نتنياهو إسرائيل انتشر في جميع أنحاء العالم. قبل بضع سنوات فقط كانت الشبكة الصهيونية الدولية صلبة للغاية، وبلغت ذروتها في عهد إدارة ترامب. أما الآن فقد سقطت من تلك المرتفعات، إذ حتى اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة صار منقسما بشدة ومحرجا من المشاكل التي تسبب فيها نتنياهو، وبدأ يمارس الضغط على إدارة بايدن لتنظيف الفوضى.

نتنياهو يعارض حكم القانون لأسباب شخصية وإجرامية خاصة به. لكن تلك العصابة من المحتالين الذين حركهم يعبرون بشكل أساسي عن المأزق الشديد الذي يعرفه الكنيست، وعن هشاشة المشهد السياسي.

في الواقع، لقد أصبح اليمين المتطرف -الذي يجسده وزير الأمن القومي الحالي، إيتمار بن غفير، الذي كان قد سرح من الجيش الإسرائيلي بسبب آرائه السياسية المتطرفة– التيار الرئيسي في الساحة. ولهذا بالفعل تداعيات هائلة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.

النكبة لم تنس أبدا

كان هذا العام هو الأكثر دموية منذ عقود. في أبريل نزل آلاف المستوطنين الإسرائيليين المسلحين إلى شوارع نابلس للمطالبة باستمرار احتلال الضفة الغربية. وغير بعيد عن ذلك الكرنفال الرجعي، كانت تظهر بلدة حوارة، التي هي بلدة فلسطينية عانت من المذابح على أيدي هؤلاء البلطجية.

صرح وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، (الذي وصف نفسه بأنه “فاشستي معاد للمثلية الجنسية”)، بأنه يجب “تدمير” حوارة بعد حادث إطلاق النار على مستوطنين اثنين في الأراضي الفلسطينية.

بعد ذلك غير موقفه عندما قام نتنياهو بتوبيخ المستوطنين علنا، مذكرا إياهم بأن الاعتداء على الفلسطينيين هي مهمة الجيش الإسرائيلي، وأنه عليهم ألا يأخذوا مثل هذه الأمور بأيديهم. لكن بن غفير، الذي هو مستوطن معتز بنفسه يعيش في الخليل، رحب بتلك المظاهرات التي نظمها المستوطنون وأشاد بـ”البيان” الذي أدلوا به، والذي مفاده: نحن هنا، ولن نذهب إلى أي مكان.

لدى تلك العصابات المختلفة من القتلة نقطة واحدة توحدهم جميعا وهي: الرغبة الجامحة في محو كل أثر للفلسطينيين. إنهم يعتمدون على تأجيج القومية والطائفية من أجل خدمة مصالحهم الضيقة وصرف الانتباه عن المشاكل التي تختمر في الداخل.

لقد استعملت وصفة فرق تسد بشكل متزايد خلال السنوات الأخيرة. لكن وكما أظهر القصف العشوائي لغزة في عام 2021، فإنه كلما كانت الدولة الإسرائيلية أكثر عدوانية، كلما تناقصت قدرتها على إخضاع الفلسطينيين. إذ أن مذبحة عام 2021 قد عززت، في الواقع، الوحدة الفلسطينية في كل الأراضي المحتلة وداخل “الخط الأخضر” الإسرائيلي نفسه.

إن غطرسة الطبقة السائدة الإسرائيلية -التي افترضت أنها حطمت معنويات الفلسطينيين وقسمتهم، بحيث قضت على احتمال العمل الجماهيري المنسق- انفجرت في وجوههم. كان الإضراب العام الفلسطيني، في 18 ماي 2021، على وجه الخصوص بمثابة تحول نوعي في الوضع بلا شك.

انفجر كل الغضب والإذلال الذي يتعرض له الفلسطينيون، واندلعت حركة جماهيرية موحدة.

على الرغم من أن تلك النضالات قد هدأت في الوقت الحالي، فإن المواد القابلة للاشتعال المتراكمة تحت السطح، من الظلم المرير واللامساواة، ما  تزال تتجمع. والقمع الغاشم، الذي على كل أجنحة الطبقة السائدة الإسرائيلية استخدامه لكي تحكم، يتضمن احتمال اندلاع حريق أكبر بكثير؛ حريق سينتشر كالنار في الهشيم بين الشعوب المضطهَدة والمستغَلة في المنطقة.

في الواقع إن الفلسطينيين اليوم يستعيدون تجربة أسلافهم. أينما اتجهتَ تسمع بوضوح أصداء الأساليب الوحشية التي استخدمتها القوات الصهيونية لإقامة دولة إسرائيل قبل 75 عاما. فبالنسبة لملايين الفلسطينيين، النكبة لم تنس أبدا.

إن الاحتلال والتفقير والقمع اليومي هي مظاهر لاستمرار الحرب بوسائل أخرى. لكن ذلك لم يخضع الجماهير الفلسطينية. والشباب، على وجه الخصوص، يبحثون عن طريق للمضي قدما من أجل التخلص من أغلالهم والنضال من أجل حياة كريمة. فمن النضالات ضد التهجير في الشيخ جراح ومسافر يطّا؛ إلى النضال ضد التمييز الذي تمارسه الشرطة والغرامات داخل “الخط الأخضر” الإسرائيلي، يبدو تصميم الجماهير الفلسطينية هائلا.

الانتفاضة حتى النصر!

تشرح هذه السلسلة من المقالات خلفية الإعلان عن قيام إسرائيل عام 1948، وتتصدى للشعار سيئ السمعة: “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”. إذ على الرغم من أنه من المعتاد أن يتم تصوير الشعب الفلسطيني على أنه شعب متخلف صادف وجوده ولادة إسرائيل، فإن هذه كذبة وقحة.

ستناقش هذه المقالات دور الإمبرياليين، بالإضافة إلى المحطات الرئيسية في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بدءا من حرب الأيام الستة حتى الانتفاضة الأولى. سيسصل التحليل ليشمل فترة ما بعد أوسلو ويناقش الأفكار الشائعة بين صفوف اليسار فيما يتعلق بالحل المقترح للصراع.

سوف تطرح هذه السلسلة أيضا منظورا ثوريا لحل الصراع، وتقترح بديلا عن الأساليب والسياسات الفاشلة التي طبقت في الماضي.

التطورات التي حدثت خلال هذا العام فقط تظهر أن دولة إسرائيل تهتز من أسسها. يتضمّن الوضع تطورات ثورية في المنطقة وخارجها. فأينما وليت وجهك ترى الشباب ينتفض ضد الوضع الرهيب الذي يجدون أنفسهم فيه.

وبينما النظام الرأسمالي يترنح من أزمة إلى أخرى، فإن الفهم الماركسي للوضع ضروري لفهم العالم من أجل تغييره.

نحن الماركسيون نتضامن بشكل كامل مع المضطهَدين ضد المضطهِدين. وننبذ الأكاذيب والتشويهات التي تنشرها وسائل الإعلام -في محاولتها التستر على ممارسات الطبقة السائدة الصهيونية. كما أننا ندين أفعال دولة إسرائيل وسموم الصهيونية التي تغذيها الإمبريالية الغربية.

ليست لدينا أي أوهام في أن يصير “المجتمع الدولي” عاملا في إقامة سلام حقيقي بين أي شعب من الشعوب. لا يمكن في ظل الرأسمالية أن يكون هناك أي تقدم نحو السلام. نظام السعي نحو الربح هو المسؤول عن خلق وتكريس الانقسام والعداوة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. إن الدولة القومية والملكية الخاصة لوسائل الإنتاج تشكلان قيودا بربرية تعيق المجتمع عن المضي قدما.

نحن نقول لجميع الذين يريدون النضال من أجل عالم خال من الحروب والفقر ومن المؤامرات الإمبريالية والعدوان الإمبريالي، ومن القمع والطائفية، فلنكتب على راياتنا الكلمات التالية: الانتفاضة حتى النصر! من أجل فدرالية اشتراكية في الشرق الأوسط!

خالد ملاخي
 28 أبريل/نيسان 2023


اقتنوا نسختكم من كتاب: A Revolutionary Way Forward
من دار النشر: wellredbooks.co.uk.

مصدر وعنوان النص الأصلي:

Israel-Palestine: A Revolutionary Way Forward – An introduction