أثار تقديم جائزة نوبل للفيزياء، لعام 2022، الكثير من النقاشات على أعمدة الصحف العلمية الشعبية حول كيف أثبت عمل العلماء الثلاثة الحاصلين على الجائزة أنه لا يوجد شيء يسمى “الواقع الموضوعي”، وأن العالَم ليس حقيقيا. حتى لجنة جائزة نوبل نفسها نجحت في تحريف العلم. لقد حقق التصوف المثالي الكثير من التقدم في العلوم، ويتم التعبير عنه بالشكل الأكثر فجاجة في المجلات العلمية الشعبية. وقد يكون أسوأ نموذج هو مجلة “New Scientist” التي تحظى بتقدير كبير، كما يوضح المقال التالي الذي نشر بالإنجليزية لأول مرة في العدد 37 من مجلة “In Defence of Marxism”، وتم تعريبه ونشره في العدد 11 من مجلتنا “الحرية والشيوعية”.
ملاحظة حول جائزة نوبل للفيزياء لهذا العام
تم الاحتفال بالفائزين الثلاثة بجائزة نوبل للفيزياء لهذا العام -وهم: آلان أسبيكت، وجون إف كلاوسر، وأنتون تسايلينغر- لأنهم أثبتوا أن العالم ليس “حقيقيا محليا”[i]. ووفقا للجنة جائزة نوبل نفسها، فإن الآثار المترتبة عن عملهم “[تعني] أنه لا يمكن استبدال ميكانيكا الكم بنظرية تستخدم متغيرات خفية”.
ميكانيكا الكم هي في الأساس نظرية احتمالية. وأولئك الذين يفسرون ميكانيكا الكم بطريقة مثالية سعيدون بالقول بأن ذلك يشمل كل شيء. لأنه إذا كان العالم لا يظهر إلا عندما ننظر إليه، فقد يكون موجودا أيضا في سديم غير محدد عندما لا نكون بصدد مراقبته. أما بالنسبة للماديين فإن سلوك المادة حتمي، أي أنها تخضع لقوانين السبب والنتيجة. يُشار إلى النظريات التي تشرح ميكانيكا الكم باللجوء إلى قوانين حتمية أعمق (أي النظريات التي تحتفظ بالسبب والنتيجة!) على أنها نظريات “المتغير الخفي”. وهذا هو معنى قول آينشتاين المأثور: “الله لا يلعب النرد”. لقد كان يعتقد أنه يجب أن يكون هناك سبب أعمق وأكثر جوهرية.
لكن لجنة جائزة نوبل مؤخرا قد أعلنت بابتهاج أن ثلاثة علماء قد تمكنوا الآن من نفي السبب والنتيجة عن العلم، وأثبتوا أن العالم موجود في “سديم كمومي” يبقى غير محدد إلى أن نلاحظه، عندها يظهر أخيرا إلى حيز الوجود. هذا غير صحيح بشكل قاطع.
إن إنكار السبب والنتيجة يفتح الباب لاستنتاجات صوفية رجعية. فسر موقع Big Think العلمي الشهير بحث العلماء الثلاثة على أنه يعني أن “الواقع الموضوعي، الخالي من أفعال المراقِب، لا يبدو أنه موجود بأي شكل من الأشكال الجوهرية”.
هذه مثالية ذاتية خالصة ومطلقة. وهذا ليس ما اكتشفه العلماء الفائزون بالجائزة. إن اكتشافاتهم مثيرة للاهتمام جدا، لكن الهراء الذي يكتب عن عملهم يسيء إليهم.
إن ما اكتشفوه في الواقع كان طرقا للاختبار العملي لنظرية الفيزيائي جون بيل، المشهورة باسم “متباينة بيل”. متباينة بيل هي إطار نظري لوضع حدود يمكننا بعدها استبعاد السببية المحلية. لكن هذا لا يعني التخلص من السببية بشكل عام. بل يبدو أنها تشير إلى أن السبب والنتيجة غير محليين، أي أنهما قادران على العمل على المستوى الكمومي عبر مسافات شاسعة. في الواقع، لقد فضل بيل نفسه نظريات المتغيرات الخفية غير المحلية لديفيد بوم.
هذا اكتشاف رائع بما فيه الكفاية في حد ذاته. إنه يتعارض مع الإحساس الفطري (Common sense)، الذي يشير بأن الأسباب تعمل محليا وليس عن بُعد. إنه يثير مشاكل علمية وفلسفية جديدة. لكن هذا لا يعني على الإطلاق القول بعدم وجود علاقة سببية، وبأن المراقب هو الذي يجلب الواقع إلى الوجود!
تظهر إصدارات New Scientist خلال السنوات القليلة الماضية كيف يتم ضخ هراء المثالية الذاتية في الوعي العام، بالنظر إلى وزن المجلة العلمية الشهيرة المحترمة. يُظهر هذا الهجوم الرجعي بالكامل على المقدمات الأساسية للعلم الطريق المسدود الذي وصله الفكر البرجوازي، الذي ينحدر إلى التصوف والخرافات. وعلاوة على ذلك فإن هذه الأفكار تعتبر مفيدة للطبقة السائدة، حيث يمكن استخدامها لتخفيف حدة الصراع الطبقي. إذ بعد كل شيء، إذا كان الواقع مجرد مسألة ذاتية، فكيف إذن ولماذا سنسعى لتغييره؟ من واجب الماركسيين محاربة هذه الزبالة الرجعية، والدفاع عن الفكر العلمي.
تقوم مجلة New Scientist، منذ أكثر من ستة عقود، بإيصال الأفكار العلمية المعقدة إلى عامة الناس بطريقة يسهل فهمها. أواه! كيف انحط العمالقة! فإلى جانب الإهانة التي تعرضَتْ لها بشرائها، في عام 2021، من طرف شركة Daily Mail General Trust (التي هي المنتج البريطاني الأول للقمامة اليمينية)، فقد أدارت هذه المجلة، التي كانت مرموقة ذات يوم، ظهرها بشكل متزايد، ليس فقط للصحافة العلمية عالية الجودة، بل وللواقع نفسه.
إن مأزق الرأسمالية يقود الطبقة السائدة إلى الترويج للتصوف والأنَوَيّة (Solipsism)، أي الفكرة القائلة بأنه لا وجود لشيء غير الأنا، أو لا وجود حقيقي إلا للحقيقة التي في ذهني. وهذا له تأثير مدمر على العلم والفلسفة على جميع المستويات. وبدلا من أن تعمل المجلات مثل New Scientist على تثقيف القراء بخصوص أحدث الاختراقات الملهمة التي تحققها المعرفة البشرية، نجدها تملأ صفحاتها بالهراء المثالي.
من المفارقات المثيرة للسخرية هو أن هذه المفاهيم ليست جديدة ولا علمية. إنها، في الواقع، تردد في الغالب أفكارا قديمة، مثل تلك الخاصة بأسقف القرن الثامن عشر الرجعي، جورج بيركلي، الذي كان عدوا صريحا للعلم، وعدوا بشكل خاص لمعاصره، السير إسحاق نيوتن.
نحن لا نزعم أن غالبية العلماء يشاركون هذه الآراء. لكنه لا يمكن إنكار أن New Scientist تقدم منصة واسعة للمثالية الذاتية، كما يمكننا أن نرى في نشرها لثلاث مقالات مميزة بين عامي 2020 و2022، اثنتان منها ظهرتا في الصفحة الأولى. هذا يعكس النزعة الذاتوية داخل المؤسسة العلمية، والتي يتم إيصالها من خلال الصحف الشعبية إلى الجمهور الأوسع، من أجل غايات شائنة.
“الحجة ضد الواقع”
لكي يتقدم العلم لا بد له أن ينطلق من مبدأ أن هناك حقيقة موضوعية واحدة موجودة خارجنا، يمكن تعميق فهمها لها من خلال الملاحظة والتجربة. لكن وبدلا من ذلك صدر مقال لمجلة New Scientist، في فبراير 2020، بالعنوان الرئيسي التالي: “هل يمكننا إدراك الواقع؟”، استهل بإشارة تنضح بعدم اليقين الوجودي:
“أنا لا أعرف عنك، لكني أشعر أن لدي تصورا جيدا جدا للواقع. داخل رأسي صورة حية للعالم من حولي، مليئة بالأصوات والروائح والألوان والأشياء. لذا فإنه من المقلق أن نكتشف أن كل هذا قد يكون مجرد اختلاق“[ii] (خط التشديد من عندنا).
هذا مربك حقا! لكن ما هو سبب ضعف ثقة المؤلف المفاجئة في حواسه؟ إنه يستشهد بدونالد هوفمان، عالم النفس في جامعة كاليفورنيا، ومؤلف كتاب بعنوان متواضع هو: الحجة ضد الواقع. يطرح فيه هوفمان ما يسمى بـ “نظرية الواجهة البينية” (”Interface theory“) للإدراك، حيث يقول إن أنظمتنا الحسية تكثف تعقيد العالم الحقيقي في “واجهة مستخدم بينية” (“user inference” ) مبسطة – إذ تصفّي المعلومات الزائدة عن الحاجة لتمكننا من الفهم.[iii]
حقا من المؤكد أن أدمغتنا بارعة في التعرف على الأنماط وتعمل بشكل غير واع بتصفية الكثير من التجارب الحسية. لكن بالنسبة للبروفيسور هوفمان، فإن “الواجهة البينية” هي كل ما هو موجود. وما نفكر فيه على أنه واقع ليس سوى “بنية من البيانات المجردة لشيء لا يوجد في المكان والزمان”، وبالتالي فإنه “إذا كان لديك ذلك المفهوم القائل بأن الواقع هو شيء مختلف بطبيعته عن الذهن، فإنه يصبح من المفارقة الاعتقاد بأنه في إمكاننا فهم الواقع”.[iv]
هذه “المفارقة” مطابقة للحجة التي اقترحها، منذ زمن بعيد، إيمانويل كانط الذي، وعلى الرغم من مساهماته العديدة المهمة في العلم والفلسفة، كان مثاليا وبالتالي كانت له حدوده. دافع كانط على أنه لا يمكننا أن نعرف إلا مظاهر الواقع، اعتمادا على تصوراتنا الحسية، وليس “الشيء في ذاته”. وبالطريقة نفسها التي يجادل بها البروفيسور هوفمان بأن العقل يفرض “بنية بيانات”، جادل كانط بأن العقل يفرض بشكل مسبق مقولات (Categories) فكرية مجردة لفهم بيانات إحساسنا. إلا أنه وفي حين أن هذه المقولات قد تساعدنا في ترتيب أفكارنا، حسب كانط، فإن جوهر الواقع نفسه غير معروف.[v]
لكن، وكما يشرح فريدريك إنجلز في لودفيج فيورباخ ونهاية الفلسفة الألمانية الكلاسيكية، فإن الممارسة والتطور وتاريخ العلم هم الدليل النهائي على وجود العالم الموضوعي. وأعطى مثالا للتطورات في علم البيولوجيا والكيمياء، اللذان سمحا للعلماء بإعادة إنتاج الظواهر الطبيعية، بما في ذلك المواد الكيميائية التي تنتجها داخليا النباتات والحيوانات. وهكذا تحولت، بفضل مسيرة العلم والمعرفة البشرية، من “الأشياء في ذاتها” والتي لا يمكن فهمها، إلى “أشياء لنا”.[vi]
لكن ولكي نعطي لكانط حقه، نقول إنه كان عالما وفيلسوفا من الطراز الرفيع. إلا أن البروفيسور هوفمان إذ يستند إلى جانبه الأضعف، يقوم بإلغاء قرون من التقدم بضربة واحدة. ثم يأخذ المؤلف حجج هوفمان إلى خلاصتها النهائية، متسائلا عما إذا كان “الناس على الأقل يتشاركون في نفس التصور المشوه؟”. يقترح المؤلف أن هذا يبدو وكأنه افتراض معقول. إذ بعد كل شيء “لدى البشر نفس العقول والأنظمة الحسية تقريبا، وعندما نتحدث عن تجاربنا الواعية، يبدو أننا جميعا متفقون”[vii]
لكن المؤلف ينبه إلى أنه: “لا يمكننا أن نكون متأكدين. والطريقة الوحيدة التي تعرف بها وجودك ككائن واع هي تجربة وعيك الخاص. أما طبيعة -وحتى وجود- وعي الآخرين فهي كتاب مغلق. لأن كل ما تعرفه هو أن كل شخص آخر هو زومبي”.[viii]
عند قراءة هذه الأشياء، يبدو للمرء بالتأكيد أن دماغه يستهلك ببطء من قبل الموتى الأحياء. إن المؤلف يقوم، سواء بوعي أم بغير وعي، بإحياء حجة قديمة، كان أبرز مؤيديها في تاريخ الفلسفة هو الأسقف الرجعي بيركلي. باستثناء أن بيركلي كان على الأقل نزيها في توضيح عداوته للثورة العلمية في القرن الثامن عشر، وللمادية على وجه التحديد.
أدرك بيركلي أن المادية تحتوي على نواة الإلحاد، وقال إن المعرفة والحقيقة تنبعان من الدراسة والتجربة في العالم المادي، وليس من الله. كان هجومه على المادية مبنيا على خدعة. اعتبرت فلسفة بيركلي المثالية الذاتية أنه إذا كان المرء لا يعرف العالم إلا من خلال الحواس، فمن المستحيل أن يكون متأكدا من أي شيء سوى أحاسيسه. ولذلك فإن ما يسمى بالعالم الحقيقي والطبيعة، وكل كائن بشري آخر، موجود فقط بقدر ما يدركه العقل البشري. وكتب في “مبادئ المعرفة البشرية”:
“يسود بين الناس بشكل غريب حقا رأي يقول إن المنازل والجبال والأنهار، وباختصار كل الأشياء المحسوسة، لديها وجود طبيعي أو حقيقي، يختلف عن إدراكها من خلال الفكر. لكن مهما كان كبيرا حجم التأكيد والإذعان لهذا المبدأ في العالم، فإن كل من يجد في نفسه القدرة على وضعه موضع تساؤل قد يدرك، إذا لم أخطئ، أنه ينطوي على تناقض واضح. إذ ليست الأشياء المذكورة أعلاه سوى أشياء ندركها بالحس، وما الذي ندركه باستثناء أفكارنا أو أحاسيسنا؛ أليس من المقزز بوضوح القول بأن كل واحد من تلك الأشياء، أو كل توليفة منها، يمكن أن توجد بدون أن يتم تصورها؟”[ix]
هذا هو نفس المنطق الذي يقدمه هوفمان. لكن وبينما كان بيركلي يهاجم المادية والعلوم بشكل صريح، فإن “نظرية” هوفمان يتم نشرها بحفاوة في مجلة علمية مشهورة عالميا! إنه لدليل على انحطاط الرأسمالية وعدم قدرتها على تطوير الفكر البشري، أن الزبالة المثالية البالية يتم إحياؤها اليوم باعتبارها “آخر صيحة للعلم الحديث”.
الاستنتاج المنطقي لهذه الأفكار هو الأنوية (Solipsism): أي وجهة النظر القائلة بأنني أنا وحدي الموجود. وتعكس طريقة التفكير هذه العقلية البرجوازية والبرجوازية الصغيرة، الفردانية، حيث تكون الذات هي الحقيقة النهائية والوحيدة. هذا المنظور الأنوي هو في أفضل الأحوال لا قيمة له، لكنه في أسوء الأحوال يرفض بشكل قاطع فكرة المعرفة العلمية ذاتها. إذ ما هو الهدف من محاولة الكشف عن أسرار الكون عندما لا نستطيع أبدا معرفة ما إذا كانت صحيحة؟
ناضلت الطبقة البرجوازية، عندما كانت في مرحلة صعودها الثوري الظافر، ضد الخرافات الدينية تحت راية العلم والعقل والتقدم. إن وصول الفكر البرجوازي إلى هذا المستنقع الذي وصل إليه اليوم، دليل على مدى انحطاطها. سنعود إلى البروفيسور هوفمان قريبا، لكن دعونا أولا نلقي نظرة سريعة على بعض الأعداد الأخرى من مجلة العلوم الشعبية التي كانت تحظى باحترام كبير.
ميكانيكا الكم
ذلك المقال لا يمثل استثناء في مجلة New Scientist. لقد ظهرت النظرة المثالية الذاتية مرارا على صفحات المجلة خلال السنوات الأخيرة. خاصة عندما يتعلق الأمر بموضوع نظرية الكم.
في الصفحة الأولى لعدد نوفمبر 2021 من New Scientist، نجد العنوان التالي: “هل يوجد شيء عندما لا نبحث؟ الاقتراب من الطبيعة الحقيقية للواقع الكمومي”. إذا قاوم القارئ إغراء التوقف عن النظر إلى المجلة، وإبعادها من عالم الواقع إلى سلة المهملات، فسوف يجد المقالة المعنية، والتي عنوانها: (“التجربة الكمومية التي يمكن أن تثبت عدم وجود الواقع”)، تناقش الحد الفاصل بين عوالم نيوتن الكلاسيكية وميكانيكا الكم.
الخلاصة هي أن الميكانيكا الكلاسيكية صالحة على مستوى الحياة اليومية: فالأجسام لها مواقع واضحة وخصائص قابلة للقياس إلى حد ما، مثل الزخم والطاقة وما إلى ذلك. أما في المقياس الدقيق لميكانيكا الكم، فيصبح الوضع أكثر تعقيدا. تعبر الأجسام تحت الذرية (Subatomic) عن خصائص كل من الجسيمات، التي لها مواقع منفصلة؛ والموجات التي هي مستمرة في الفضاء. وتعتبر الكيفية التي يتفاعل بها هذان المجالان مصدرا رئيسيا للنقاش في الفيزياء الأساسية.
والطريقة الأكثر شيوعا للتغلب على هذا التناقض الظاهري هي ما يسمى بتفسير كوبنهاغن، الذي طوره نيلز بور وفيرنر هايزنبرغ في الثلاثينيات. لقد قالوا بأن الجسيم الكمومي لا يوجد في حالة ثابتة إلا عندما تتم ملاحظته. أما عندما لا ننظر إليه، فهو يكون موجودا فقط كموجة احتمالية. عندها توصلوا إلى استنتاج مفاده أن النظر إلى شيء ما يؤدي إلى وجوده على هذه الحالة أو تلك. هذه هي المثالية الخالصة: الفكرة القائلة بأن الفكر يحدد العالم المادي.
يستشهد مقال New Scientist باعتراض ألبرت أينشتاين البارع على التفسيرات المثالية لميكانيكا الكم، حين يقول: “أحب أن أعتقد أن القمر موجود حتى لو لم أنظر إليه”. آه، لكن المؤلف يضيف أن: “فئة جديدة من التجارب تضع قناعة أينشتاين على المحك، وتبحث في ما إذا كانت غرابة الكم تمتد من العالم الصغير للكواركات والذرات والكيوبتات، إلى العالم اليومي للطاولات والكراسي، حسنا والأقمار كذلك”. ويدعي المؤلف أن هذه التجارب “قد تسحب البساط من تحت أحد أكثر معتقداتنا رسوخا، أي الفكرة القائلة بأن الأشياء موجودة بغض النظر عما إذا كنا ننظر إليها”.[x]
وتمضي المقالة لتشرح أن العلماء في مختلف المؤسسات المرموقة، في أكسفورد وفيينا ولندن، كانوا يحاولون مراقبة السلوك الكمومي في الأجسام الكبيرة نسبيا، على الرغم من أنها ما تزال مجرد بلورات نانوية صغيرة. وتقول الحجة إنه إذا تمكنوا من تحقيق ذلك، فما الذي يمنعهم من تعميم استنتاجاتهم على أشياء كبيرة مثل القمر؟ كما لخص ذلك جوناثان هاليويل، الباحث في إمبريال كوليدج لندن عندما قال: “إذا تم انتهاك الواقعية الماكروسكوبية، فلا يمكنك افتراض وجود القمر” (خط التشديد من عندنا).[xi]
لكن ولسوء الحظ يمكن حتى لفوتون ضال أن يعطل هذه التجارب، ويجبر الأشياء المرصودة على التصرف بشكل كلاسيكي (وهي المسألة التي تعرف باسم فك الارتباط (Decoherence)). لذلك يبدو أن هيئة المحلفين ما زالت على سطح القمر! وبينما ما تزال هناك العديد من المشكلات التي لم يتم حلها في الفيزياء الأساسية، فإن هراء المثاليين لا يقربنا ولو خطوة واحدة من حلها. لكننا في الوقت الحالي يمكننا أن نبقى واثقين من أن القمر سيستمر في الوجود بعناد، سواء تحمل محررو New Scientist عناء النظر إليه أم لا.
خلق الواقع من خلال الفكر
يشكك الغلاف الأمامي لعدد فبراير 2022 من مجلة New Scientist في وجود الواقع. حيث نجد العبارة التالية مكتوبة عليه “هل نصنع الزمكان؟”. مرة أخرى نجد أنفسنا في عالم ميكانيكا الكم. ومرة أخرى تؤكد المقالة تفسير كوبنهاغن، حيث تقول: “عندما وصلت نظرية الكم… بدا أنها تظهر أننا من خلال قياسنا للأشياء، نلعب دورا في تحديد خصائصها”. ونتيجة لذلك، يتابع المؤلف: “يتساءل العديد من الفيزيائيين هل توجد أصلا حقيقة موضوعية واحدة، يشترك فيها جميع المراقبين”.[xii]
لكن لا تخافوا! فالمقال يصل إلى طمأنتنا بأن عددا من العلماء الآن يعتقدون أن الواقع موجود بالفعل –لأننا نجعله يوجد بأنفسنا. يستشهد المؤلف بالفيزيائيين: فلافيو ميركاتي من جامعة بورغوس بإسبانيا، وجيوفاني أميلينو كاميليا، من جامعة نابولي فيديريكو II، اللذان “يشير بحثهما إلى نتيجة مذهلة“، وهي:
“عندما يكون الناس بصدد تبادل المعلومات الكمومية، يتعاونون لبناء واقعهم المشترك. وهذا يعني أننا إذا نظرنا ببساطة إلى المكان والزمان من منظور واحد، فإننا لن نفقد كامل جماله فحسب، بل قد لا يكون هناك أي واقع مشترك أعمق… لا يتشارك شخصان نفس الواقع إلا عندما يتفاعلان، لأن التواصل نفسه هو الذي يخلقه“. (خط التشديد من عندنا).[xiii]
نعود مرة أخرى إلى الاستنتاج المثالي الذي توصل إليه بوهر وهايزنبرغ والقائل بأن وجود مراقب واعٍ هو الذي يصنع الواقع. بل وأكثر من ذلك، وحده “التواصل” بين المراقبين ما يجعل حقائقهم الذاتية المنفصلة حقيقة “مشتركة”. ويفترض أننا لا نعرف بوجود شخص آخر للتواصل معه، في المقام الأول، إلا من خلال نوع من “التخاطر الكمومي”.
هذا يقلب المفهوم العلمي للكون رأسا على عقب. ليس الوعي أكثر من نتاج مادة منظمة بطريقة معينة. إنه تتويج لمليارات السنين من التطور الذي شهد تشكيل مجرتنا ونظامنا الشمسي وكوكبنا. وأخيرا، نشأت الظروف لتكون المادة العضوية والحياة، وفي النهاية حياة حيوان قادر على التفكير والتواصل. من كان هناك “لرصد” الأرض عندما كانت مجرد كرة ساخنة من الصهارة؟
أشاد مقال لـ New Scientist، صدر في فبراير 2020، بجون ويلر، من جامعة برينستون، باعتباره من “أبرز المؤيدين” لوجهة النظر المثالية هذه حول نظرية الكم، حيث كتب: “ليس هناك ما يثير الدهشة في ميكانيكا الكم أكثر من كونها تمكن الفرد من التفكير بجدية في أن الكون ليس شيئا دون عملية الرصد”.[xiv] وهذا يذكرنا بقصيدة قديمة، كتبها اللاهوتي الكاثوليكي رونالد أربوثنوت نوكس، والتي تقول:
“كان هناك ذات مرة رجل قال:
“لا بد أن الله سيستغرب
إذا وجد أن تلك الشجرة
تستمر في الوجود
عندما لا يكون هناك أحد في الباحة”.”.[xv]
يطرح هذا، بالطبع، السؤال التالي: ما نوع الوعي الذي نتحدث عنه؟ هل ستكون ملاحظات ذبابة فاكهة مارة كافية؟ وأحد الحلول المذهلة لما يسمى بمشكلة المراقب هذه، والذي تم طرحه في مقالة فبراير 2020، هو أنه “حتى الأشياء الجامدة قد تمتلك شكلا بدائيا من الوعي. في الواقع، قد يكون الوعي نفسه خاصية أساسية للمادة. وإذا كان الأمر كذلك، فإنه لا يوجد شيء اسمه كون “ما قبل الوعي”.”.[xvi]
هذا القول يشبه رد بيركلي على سؤال يفضح العيب في مثاليته الذاتية، أي السؤال حول: كيف نعرف أن الله ليس هو أيضا من نسج حواسنا؟ وقد تغلب الأسقف على هذا اللغز الصغير بالقول إن الإله كلي العلم هو مراقب أسمى:
“سيدي العزيز، إن دهشتك غريبة.
فأنا دائما في الباحة.
ولهذا السبب فإن الشجرة
سوف تستمر في الوجود
لأنها تلاحظ من قبل
إلهك المخلص”[xvii]
والفكرة المقدمة في New Scientist تشبهها إلى حد كبير، الاختلاف الوحيد هو أنه بدل إله كلي العلم يراقب الواقع بوعي، فإن الوعي هو خاصية عامة للمادة نفسها. فكل شيء، بدءا من الجبال، إلى صناديق البريد، إلى لعب الأطفال كائنات واعية، وبالتالي فإن الكون يراقب نفسه باستمرار، ويخلق نفسه باستمرار.
لكن إذا كان الكون نفسه مراقبا واعيا بالفعل، فلماذا تتسبب ملاحظة العلماء للجسيم الكمومي في انهيار “وظيفته الموجية”؟ أكيد أنه من خلال جعل الكون كله واعيا وجعله يراقب بشكل دائم كل جزء آخر من الكون، فسيكون إذن لكل جسيم موقع محدد في جميع الأوقات؟ لن يوجد أبدا على أنه مجرد “موجة احتمالية”. أو بعبارة أخرى، ما الحاجة إلى المراقب الذي يقترحه تفسير كوبنهاغن؟ هذه الأفكار تفشل حقا في حل أي شيء. وبدلا من ذلك، يجب أن نستنتج أن ما يقصدونه بالوعي في الواقع هو: الله، أي أن بيركلي كان على حق. وهكذا نكون قد قمنا بإدخال الدين من الباب الخلفي.
والاقتراح الأكثر غرابة هو الذي قدمه العالم والفيلسوف، نيك بوستروم، وتم نشره في مقال New Scientist في فبراير 2020، والمستوحى من محنة نيو وترينيتي ومورفوس وبقية فريق The Matrix. حيث يقترح أننا نعيش جميعا في محاكاة حاسوبية عملاقة، تحت المراقبة المستمرة من قبل علماء في العالم “الحقيقي”. وإذا كنت تعتقد أنه يمزح، فإن لديه اقتراحات حول كيفية اختبار هذه النظرية، وقد أعادت New Scientist كتابتها كلها:
“تتمثل إحدى الأفكار في النظر إلى سلوك الأشعة الكونية ذات الطاقة الأعلى، والتي يقول بعض الفيزيائيين إنه من المستحيل محاكاتها بـ 100٪ من الدقة وفقا للقوانين “الحقيقية” للفيزياء. يمكن للانحرافات في سلوكها أن تكون دليلا على أن الواقع ليس حقيقيا”.[xviii]
لكن المقال يحذر من أنه يجب علينا أن نكون حذرين مع هذا الخط من التحقيق، لأنه “إذا اكتشف القائمون بالمحاكاة أننا نعرف، فقد يطفؤوننا”.[xix] بعد قراءة هذه السطور يكاد المرء يتمنى لو أنهم يقومون فعلا بذلك. أو أنهم على الأقل يقومون بإعادة تشغيل الجهاز بشكل كامل لتخليصنا من هذه “النظريات” المجنونة.
وحتى لو ثبت أن بوستروم على حق، فإنه ما كان ليقربنا ولو شبرا واحدا من الواقع. هل القائمون على المحاكاة في واقعهم المحاكي خالدون إلى ما لا نهاية؟ هذه الفكرة بالكاد تستحق التفنيد. إنها تنتمي إلى فئة الخيال العلمي، بل والخيال العلمي من النوع الرديء.
إعادة إحياء المثالية
قد تعترض على أن مثل هذا الهراء من السهل تفنيده، وأنه مثير للسخرية، وأنه لا يمثل آراء معظم العلماء، وهو مجرد خرافات تافهة يتم استخدامها لبيع المزيد من نسخ المجلة. لكن هناك أجندة أكثر مكرا وراء ذلك. تعرض نفس المقالة وجهة نظر ماركوس مولر، من جامعة فيينا، بأن: “العالم ليس هو العنصر الجوهري بل المعلومات وقانون الاحتمالات، هو ما يعطي المراقبين انطباعا عن عالم مادي بقوانين طبيعية متسقة”. وتمضي New Scientist بعد ذلك إلى الاعتراف بما يحدث بالفعل هنا، من خلال الاقتباس من فيلسوف فيزياء الكم بجامعة تشابمان في كاليفورنيا، كيلفن ماكوين، حيث يقول:
“اقتراح مولر مثير جدا للاهتمام. إنه يهدف بشكل فعلي إلى إحياء فكرة قديمة في الفلسفة تُعرف بالمثالية، والتي وفقا لها لا تنتج الخبرات عن واقع مادي موجود مسبقا، بل إنها في الواقع تؤلف كل الواقع“(خط التشديد من عندنا).[xx]
ها أنت ذا! بالبند العريض. يهدف هؤلاء “العلماء” و“الفلاسفة” إلى إعادة إحياء جثة المثالية النتنة، وNew Scientist مشاركة في جريمة توفير المنصة لهم. إن هذه الأفكار الرجعية تماما هي إهانة للنضال البطولي الذي خاضه رواد الثورة العلمية البرجوازية ضد الظلامية الدينية.
لا تتخيلوا أن الدكتور مولر غير مدرك لحقيقة أن عمله يستخدم لإعادة إحياء المثالية. إذ كما اتضح، فهو، والبروفيسور هوفمان المذكور أعلاه، كلاهما عضوان في “المجلس الاستشاري الأكاديمي” لمؤسسة إيسينسيا (Essentia Foundation). ما هي مؤسسة إيسينسيا؟ إنها مؤسسة فكرية أسسها المليونير، فريد ماتسر، وهو برجوازي لا يرغب إلا في إنقاذ أرواحنا. تحدد مؤسسة إيسينسيا هدفها بوضوح تام. إنها ترغب في تحطيم المادية وإرساء المثالية في قلب العلم الحديث، حيث تكتب:
“نحن نعيش في ظل ميتافيزيقيا مادية: كل ما يفترض وجوده هو المادة، وهي كيان مجرد يُعرّف من الناحية المفاهيمية بأنه خارج الوعي ومستقل عن الوعي. وهذه الميتافيزيقا غالبا ما يتم الخلط بينها وبين العلم نفسه… أصبح التأييد الثقافي السائد للمادية الميتافيزيقية راسخا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. لكنها منذ ذلك الحين استمدت قوتها أساسا من العادة الفكرية…
ومع ذلك فإن الانتشار الثقافي للمادية الميتافيزيقية له آثار لا تعد ولا تحصى على المستويين الفردي والاجتماعي: إنها تؤثر على إحساسنا بالمعنى والهدف، وأنظمة القيم لدينا، وفهمنا للصحة والمرض والموت، بالإضافة إلى الطريقة التي نتعامل بها مع الآخرين ومع الكوكب، بل وحتى مع أنفسنا.
مؤسسة إيسينسيا تساءل المادية الميتافيزيقية وتدافع عن معقولية المثالية من خلال الاستفادة من نفس القيم المعرفية التي تجسدها ثقافتنا اليوم… إننا نظهر أنه إذا تم تطبيق هذه القيم بشكل موضوعي، فإنها ستقود مباشرة إلى المثالية، بينما تتعارض مع المادية”.[xxi]
ليس هؤلاء سوى الأنصار الأكثر صراحة للثورة المضادة الفلسفية، ومن الواضح أن لديهم خطا ساخنا مباشرا مع مكاتب التحرير في بعض أكبر المجلات العلمية الشعبية في العالم! لقد لعبت البرجوازية، في وقت من الأوقات، دورا ثوريا. لقد طورت الفكر البشري وأنجزت ثورة علمية كان جوهرها المنهج المادي. لكن ممثليها المعاصرين يحاولون نزع القلب المادي من العلم.
خلال مرحلة صعود الرأسمالية وجه تقدم العلم والفلسفة المادية ضربة قوية لجميع أنواع الذاتية والمثالية، كما يعترف بذلك السادة والسيدات في مؤسسة إيسينسيا. لكن الطبقة الرأسمالية اليوم صارت معادية للمادية الفلسفية، ويرجع ذلك جزئيا إلى ارتباطها [المادية] بالماركسية. لكن أيضا لأن إنكار الوجود الموضوعي للواقع، ينتج عنه أيضا إنكار حقيقة الاستغلال والقمع والصراع الطبقي، فضلا عن إمكانية التقدم أو إحداث التغيير. وبالتالي فإن المثالية الذاتية مفيدة سياسيا للطبقة السائدة.
لكن هذه الأفكار ليست سائدة بين غالبية العلماء العاديين. كما أنها لم توقف التقدم العلمي والتطور، الذي ينطلق من افتراض أن الواقع الموضوعي موجود ويمكن دراسته. ومع ذلك فإن هناك نزعة ذاتية قوية في قمم المؤسسات العلمية، والتي، بتوافق مع مصالح الطبقة السائدة، تبشر بأن الخلاص يكمن في التأمل الداخلي (Introspection). ويتم نقل هذه المفاهيم الرجعية والترويج لها من خلال الصحافة العلمية إلى المجتمع العلمي الأوسع وما وراءه.
نحن نرفض كل هذه القمامة الصوفية (Mystical) التي تخفي نفسها وراء عبارات تبدو علمية. نؤكد بوضوح أن الوعي البشري هو نتاج لمادة منظمة بطريقة معينة، وأن حواسنا تتيح لنا الوصول إلى واقع موضوعي موجود خارج ذواتنا. وعلى حد تعبير لينين فإن:
“كل المعرفة تأتي من الخبرة، من الإحساس، من الإدراك. هذا صحيح. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل الواقع الموضوعي “ينتمي إلى ميدان الإدراك”، أي هل هو مصدر الإدراك؟ إذا أجبت بنعم، فأنت مادي. أما إذا أجبت بالنفي، فأنت غير منسجم وستصل حتما إلى الذاتية، أو اللاأدرية، بغض النظر عما إذا كنت تنكر معرفة الشيء في ذاته، أو موضوعية الزمان والمكان والسببية (مع كانط)، أو ما إذا كنت لا تسمح حتى بفكرة وجود الشيء في ذاته (مع هيوم). في هذه الحالة سوف يكمن التناقض بين مذهبك التجريبي وفلسفتك بصدد التجربة، في حقيقة أنك تنكر المحتوى الموضوعي للتجربة، والحقيقة الموضوعية للمعرفة التجريبية”.[xxii]
يمكن معرفة الحقيقة الموضوعية، ولا توجد أي حدود لفهمنا لها. يجب أن تكون مهمة العلم هي تحسين فهمنا للواقع باستمرار، لتحريرنا من الجهل والخرافات.
إن صعود الأفكار الصوفية والذاتية اليوم يعكس المأزق النهائي الذي وصله النظام الرأسمالي والطبقة الرأسمالية نفسها. ينخرط أكثر ممثلي النظام القائم حماسة في شن هجوم واع على المادية. ويجب على الماركسيين، وجميع الماديين الحازمين، وجميع المدافعين عن العلم، أن يشنوا هجوما مضادا واعيا بنفس القدر. نحن، وعلى عكس الطبقة السائدة ومحرري مجلة New Scientist، يجب ألا نهرب من الواقع، بل يجب علينا أن نكافح من أجل تغييره.
جو أتارد
14 أكتوبر 2022
اقرأ المقال بلغته الأصلية:
هوامش ومراجع:
[i] حقيقي محليا (Locally real): تعني كلمة “حقيقي” هنا أن الأشياء لها خصائص محددة مستقلة عن الملاحظة. بينما تعني كلمة “محلي” أن الأشياء لا يمكن أن تتأثر إلا بمحيطها وأن أي تأثير لا يمكن أن ينتقل أسرع من الضوء. المترجم.
[ii] Donna Lu, Alison George, Daniel Cossins and Layal Liverpool, “Can we perceive reality?,” New Scientist, February 1, 2020, 39.
[iii] Donald Holffman, The Case Against Reality: How Evolution Hid the Truth from Our Eyes (London: Allen Lane, 2019), cited in Lu, George, Cossins and Liverpool, 39.
[iv] Ibid, 39.
[v] Immanuel Kant, Prolegomena to Any Future Metaphysics: Second Edition, trans. Paul Carus (Indianapolis: Hackett Publishing Company, 1977), 53.
[vi] Frederick Engels, Ludwig Feuerbach and the End of Classical German Philosophy, in Karl Marx Frederick Engels Collected Works Vol. 26 Engels 1882-1889 (London: Lawrence & Wishart, 1990), 367-8.
[vii] Lu, George, Cossins and Liverpool, 40
[viii] Ibid.
[ix] Quoted in George S. Pappas, Berkeley’s Thought, (London: Cornell University Press, 2000), 118.
[x] Thomas Lewton, “The quantum experiment that could prove reality doesn’t exist,” New Scientist, November 6, 2021,
https://www.newscientist.com/article/mg25233590-800-the-quantum-experiment-that-could-prove-reality-doesnt-exist/#ixzz7OMJMgxYU
[xi] Ibid.
[xii] Amanda Gefter, “Quantum Perspective,” New Scientist, February 5, 2022, 38
[xiii] Ibid, 41.
[xiv] Lu, George, Cossins and Liverpool, 41.
[xv] Ronald Knox, “Some Berkeley Limericks,” Philosophy 210/310 Early Modern Philosophy, http://faculty.otterbein.edu/AMills/EarlyModern/brklim.htm
[xvi] Lu, George, Cossins and Liverpool, 42.
[xvii] Unknown, “Some Berkeley Limericks.”
[xviii] Lu, George, Cossins and Liverpool, 42-3.
[xix] Ibid, 43.
[xx] Ibid, 42.
[xxi] “The challenge”, Essentia Foundation, https://www.essentiafoundation.org/about/.
[xxii] V. I. Lenin, Materialism and Empirio-Criticism (London: Wellred Books, 2021), 99.