الرئيسية / الشرق الأوسط وشمال إفريقيا / شمال إفريقيا / مصر / مصر: عمق الأزمة يجلب مزيد من الصدمات الاجتماعية

مصر: عمق الأزمة يجلب مزيد من الصدمات الاجتماعية

صدمة اجتماعية جديدة تحدث للمجتمع المصري، انخفاض حاد في قيمة الجنيه المصري، ليسجل الدولار الأمريكي  الواحد قرابة 30 جنيهًا مصريًا، ومرشح للزيادة في المستقبل القريب، زيادة مهولة في أسعار كل شيء من الخبز إلى المنازل وما بينهما، أسعار اليوم هي أضعاف شهرين أو ثلاثة أشهر مضت، نقص حاد في العملة الأجنبية يؤثر على الواردات الإنتاجية والاستهلاكية، نتيجة خروج الأموال الساخنة مع الحرب الروسية الأوكرانية ونزوع الفدرالي الأمريكي لرفع سعر الفائدة، تقلبات حادة في السوق تؤثر ليس فقط على أسعار السلع وإنما أحيانًا على كمياتها ووجودها، معدل تضخم يتجاوز ال20%، ومن المتوقع أن يتجاوز 21% في الربع الأول من العام الحالي.

فاق المصريون من نومهم ليروا كابوس الأزمة الاقتصادية متجلي أمام أعينهم بكل قباحته، بعد سنين طويلة من التقشف والهجمات الاجتماعية ها هي ديكتاتورية رأس المال تعدهم بأن القادم أسوأ. مزيج من مشاعر الخوف من المستقبل والغضب والعجز ينتشر بين الجماهير المصرية، أصبح حديث الجميع كله يدور حول أسئلة محددة: ماذا يحدث؟ كيف يمكننا أن نعيش في هذا الوضع؟ إلى متى سوف يستمر هذا الوضع المزري؟ إلى متى سوف تستمر الأزمة الاقتصادية؟ ما نهاية هذه المفرمة؟ وماذا بعد؟ هل هناك ما هو أسوأ من ذلك؟

تمر ديكتاتورية رأس المال بلحظة دقيقة، تحسب خطواتها بحذر، اضطر الديكتاتور أن يخرج بنفسه مرتين في نفس الأسبوع لمحاولة طمأنة الجماهير بكلمات عاطفية لم تعد تلقى أذان صاغية ولم يعد لها تأثير، مطلقًا العنان لكل أبواقه لمحاولة استمالة الجماهير بكلمات حماسية سخيفة هي أقرب للبكائيات حول الأزمة الخارجية التي جنت على الاقتصاد المصري وأوقفت مسيرة “التنمية” المزعومة.

السلطة مدركة أنها سوف تدهس الجماهير لتحميلها ثمن الأزمة. هذا ليس بسبب سمات شخصية وذهنية سيئة يمتاز بها من هم في السلطة اليوم (رغم أنهم لديهم كثير من تلك السمات السيئة)، الحقيقة أنه لا يوجد أمامهم ضمن حدود النظام الرأسمالي حلاً آخر، النظام في أزمة طاحنة، وكل وسائله التي ساعدته للإبقاء على تماسك الاقتصاد لفترة، من طباعة النقود والاستدانة الموسعة والمشاريع الإنشائية والعقارية ذات العمالة الكبيرة، ارتدت عليه، كل التناقضات بدأت تصعد للسطح. يجد النظام نفسه الآن في وضع: ملعونًا إذا فعلت ملعونًا إذا لم تفعل.

فوضي السوق

أكثر ما تبرزه الأزمة الحالية بوضوح هو فوضى السوق الرأسمالي. عبث النظام الرأسمالي تجلي في أزمة تكدس البضائع في الموانئ لعدم توفر العملة الأجنبية. تقلبات حادة في السوق، نقص شديد في مستلزمات الإنتاج، المجتمع يعاني زيادة كبيرة في أسعار المنتجات، وشح في بعض المنتجات، وتلك المنتجات إما موجودة بذاتها أو مدخلات إنتاجها موجودة في الموانيء المصرية، ويُترك المجتمع ليعاني ويُسحق لكي لا تُكسر عجلة السوق والأرباح.

حدث اختلال شديد وواضح في عدة قطاعات بسبب الأزمة، من أبرزها قطاع الدواجن، الذي كان لحدود ما قبل الأزمة الأخيرة من أكثر القطاعات تماسكًا في مصر. النقص في العملة الأجنبية أدي لنقص في الأعلاف، وصل الوضع أن يرمي التجار الكتاكيت في الشوارع لعجزهم عن تغذيتها، إهدار مهول وبشع للموارد في وقت يزداد فيه الفقر، وهو ما أدي لنقص العرض وارتفاع الأسعار، مع احتكار للاستيراد ومضاربات في الأسعار وصلت أسعار الدواجن والبيض لأعلى مستوياتها في تاريخ البلاد. ونفس الوضع في صناعة الأرز، أجبر التجار الدولة على الانصياع لهم في مسألة التسعير عن طريق تقليل العرض وتعطيش السوق، هذا على سبيل المثال لا الحصر.

تلك الممارسات أثارت حفيظة السلطة ودفعت أبواقها لمهاجمة التجار ورجال الأعمال، المضاربون، تجار الحرب، الذين يتربحون من معاناة الجماهير، الذين كونوا ثروات فاحشة في عز الأزمة وبسببها. طبعًا السلطة تهاجمهم ليس لمصلحة الجماهير بل أن تصرفاتهم تهدد السلم الإجتماعي الذي تعمل على حراسته، تهدد استقرار النظام الرأسمالي، وقد تضطر لقمع عدد منهم في وقت من الأوقات.

هذه الفوضى في عملية الإنتاج والاستيراد والتوزيع دفعت بكل الأسعار للأعلى، اضطرت الدولة للتدخل بشكل مباشر وحاد لتوفير العملة الأجنبية للإفراج عن البضائع التي في الموانيء. هناك مثل مصري ذكي يقول: “التاجر مبيخسرش”، وهذا بالضبط ما حدث، الجماهير المصرية أُجبرت مجددًا على دفع وحدها ثمن فوضى السوق وأزمة النظام الرأسمالي.

صندوق النقد الدولي: الشيطان يعدكم الفقر

تلجأ الديكتاتورية العسكرية مجددًا لصندوق النقد الدولي، للمرة الرابعة لتكون ثاني أكثر دولة مقترضة من الصندوق بعد الأرجنتين، لاقتراض 3 مليار دولار، تكون مقدمة لمجموعة قروض بقيمة 11 مليار دولار آخرين من عدة مؤسسات مالية أخرى. ومنذ عدة أيام أعلن الصندوق عن تفاصيل الاتفاق بينه وبين الديكتاتورية العسكرية، تفاصيل أقل ما يقال عنها أنها تنبأ بكارثة اجتماعية.

تبدأ خطة الصندوق بالقضاء على القشة التي كانت تحمي السلطة من الغرق لسنوات، وقف المشاريع القومية التي لم يتم البدء فيها لعدم الضغط على الدولار، أول آثار تلك الخطوة أننا سنشهد ارتفاع ملحوظ في البطالة في الفترة المقبلة، وانخفاض في النمو الاقتصادي، هذا يترافق مع بداية ركود في قطاع العقارات الذي أبقي الاقتصاد متماسك إلى حد ما -على الأقل بشكل نظري- طيلة السنوات الماضية.

مع حزمة من الهجمات الاجتماعية المباشرة، رفع سعر الوقود بالتدريج ليتم ربطه بالأسعار العالمية، وهذا يعني ارتفاعات مهولة في الأسعار لا يمكن توقع مداها منذ الآن. مع رفع لأسعار الفائدة لمحاولة التحكم في التضخم وإبراز سوق الديون الحكومية المصرية عالميًا، وهو وصفة مثالية للركود، الذي بدأت تظهر ملامحه منذ فترة، ويمكن أن يؤدي لحالات إفلاس بالجملة، وسوف يؤدي إلى زياد عبء الديون الحكومية.

مع إعلان بداية موجة جديدة من الخصخصة، بيع أصول بأكثر من 8 مليار دولار في العامين المقبلين، سوف يستفيد منها بشكل أساسي العصابات التي تحكم الخليج، التي تريد الآن عائدا لدعمها النظام، أى أنه بيع لتسديد الديون و”رد الجميل”، مع شبهات بإدخال مستثمرين أجانب في قناة السويس مستقبلاً. كل هذا مع وعد من السلطة بالعمل على التخارج من الاقتصاد بشكل شبه كامل.

هذا البرنامج يحظى بتأييد السادة الرأسماليين الإقليميين والدوليين بالطبع، الذين بدأوا يشمرون عن سواعدهم استعدادًا لالتهام السوق المصري، تحت إشراف الذئاب في صندوق النقد الدولي، الذي نصبته الديكتاتورية العسكرية إله علينا، والذي يقوم بدور المندوب السامي في عهد الإستعمار، من أجل مصلحة الدائنين الذين قلت ثقتهم في قدرة الديكتاتورية العسكرية على خدمة مصالحهم عن الماضي. يعلن الصندوق بشكل واضح للجماهير المصرية: من كان يظن أن الأسوأ قد مضى فإنه واهم. وكما قال الديكتاتور عبد الفتاح السيسي يومًا في واحدة من أكثر عبارته عبثية ووقاحة: “اصبروا وستروا”.

وماذا بعد؟

الواقع إن إجراءات الديكتاتورية العسكرية تعمق الأزمة، وتجعل الاقتصاد المصري أكثر ضعفًا وهشاشة أمام التقلبات الخارجية، قد تتفادي الإفلاس حاليًا، باعتمادها على أهميتها الجيوسياسية ودعم حلفائها الخارجيين، وبسحق الجماهير وشن حرب طبقية مجرمة عليها، لكن فقط في سبيل تهيئة الظروف لأزمة أكبر، قد تكون أكثر قربًا مما نتصور، خصوصًا في سياق الأزمة العالمية المتفاقمة للنظام الرأسمالي، المشرف على ركود جديد، وهو ما يقلص هامش المناور -الضئيل اصلاً- لدى النظام.

إن استقر الوضع في المستقبل، بعد العام الحالي على أقل تقدير خصوصًا أن ذلك مربوط بشكل كبير بقدرة الاقتصاد الرأسمالي العالمي على التعافي، وهو احتمال وارد لأنه في النهاية لا توجد أزمة نهائية للنظام الرأسمالي، فإنه سوف يستقر عند النقطة التي سوف يكون فيها وليست النقطة التي بدأ منها الانهيار. لا يوجد مخرج من الأزمة على أساس النظام الرأسمالي. الحقيقة أنه لن تعود الحياة، على الأقل في المستقبل المنظور، لوضع ما قبل الجائحة وما قبل الحرب الروسية الأوكرانية.

كل ما يحدث الآن له آثاره على وعى الجماهير التي بدأ يُسمع صدي أنينها وغضبها بشكل خافت لكن ملحوظ، صحيح أن البادي للعيان بشكل ظاهري في الحالة الراهنة هو حالة من العجز واليأس والخوف، هذا نتاج الصدمة، ونتاج إدراك الجماهير أنه لا أفق ولا مستقبل في ظل هذا النظام، لكن لا يجب أن يخدعنا سطح وظواهر الأمور، يجب أن نبحث فيما يحدث ويتراكم تحت السطح وخلف المظهر الساكن للأحداث، هناك أيضًا غضب مكتوم يتراكم بشكل متسارع، لهيب غضب الشعب يغلي في الأسفل، وسوف ينفجر البركان ليحرق الجميع في يوم من الأيام، الديكتاتورية العسكرية والصندوق ورجال الأعمال، والنظام الرأسمالي كله.

لا يوجد مخرج آمن من تلك الأزمة سوى خارج حدود النظام الرأسمالي، إما أن يدفع الرأسماليين الثمن وإما الطبقة العاملة والجماهير. إن الاحتكار والمضاربات والشره للربح والتقلبات الحادة للسوق هم جزء لا يتجزأ من النظام الرأسمالي، خصوصًا في مرحلة أفوله الحالية، لا حل سوى بانتزاع الاقتصاد من أيدي المحتكرين الرأسماليين وتسييره بشكل مركزي وديمقراطي لمصلحة الجميع. إن مصادرة المفاتيح الرئيسية للاقتصاد والتخطيط الاشتراكي الديمقراطي له هو الحل الوحيد لتلك الفوضى التي تدهس الجماهير.

سوف تشتد الأزمة في الفترة القادمة، وسوف يشتد القمع بالتبعية، لكن هذا لا يؤدي إلا لتعجيل ساعة إسقاط هذا النظام. إن أكثر فترات الليل سوادًا هي التي تسبق الفجر وطلوع الشمس، سوف تنهض الجماهير في الوقت المناسب لتدهس كل من أجرموا في حقها. لا يجب أن نجعل وطأة الأحداث تدفعنا لليأس والركون، وظيفتنا كما قال سبينوزا: “لا أن نضحك أو نبكي بل أن نفهم”، وفهمنا، المستند للنظرية الماركسية ودراسة التاريخ، للواقع والمجتمع يدفعنا للإيمان بالنهوض الحتمي والثوري للطبقة العاملة والجماهير، يدفعنا للإيمان بأن الطبقة العاملة سوف ترد بالشكل المناسب وفي الوقت المناسب عندما تكون مستعدة على كل جرائم الطبقة السائدة، وإنها لن تسمح بأن تُذبح في صمت طويلاً، ويدفعنا أيضًا للعمل استعدادًا لتلك اللحظة لتوفير بديل للطبقة العاملة والجماهير.

الحرية للمعتقلين السياسيين!

تسقط الديكتاتورية العسكرية الحاكمة!

تسقط حكومات رأس المال!

يسقط صندوق النقد الدولي!

من أجل بناء منظمة ماركسية ثورية!

لا حل سوى انتصار الثورة الإشتراكية بقيادة حكومة عمالية!

محمد حسام

15/1/2023