نحو انتفاضة فلسطينية ثالثة

في هذه الأثناء، الرابعة صباحا بتوقيت غرينيتش، تتواصل الهجمات الوحشية من قبل الدولة الصهيونية وسلاحها الجوي على قطاع غزة. تلك المجزرة التي أودت بحياة أكثر من 220 شهيد/ة حتى الآن منهم عشرات الأطفال على مرأى ومسمع من العالم، تتحمل مسؤوليتها بشكل كامل ومطلق الدولة الصهيونية، وبشكل خاص مجرم الحرب بنيامين نتنياهو الذي أشعل الحرب وحرق الأرض ومن عليها ليبقى في سدة الحكم، ولخوفه من الزج به في السجن نتيجة فساده إذا تشكلت حكومة هو خارجها، فقرر ارتكاب مجزرة انسانية في غزة يقع ضحيتها المئات ليثبت لقاعدته الرجعية والفاشية من عصابات المستوطنين انه “الرجل القوي” في إسرائيل.

أعمدة الدخان تتصاعد بعد قصف غزة صباح يوم الثلاثاء 18 ماي/ صورة: elwatannews

أكثر من 220 روح ازهقت حتى الآن في غزة وأكثر من 25 شهيد في الضفة، هؤلاء ليسوا مجرد أرقام، هؤلاء بشر عاشوا طوال حياتهم محاصرين تحت الاحتلال الصهيوني، وقتلوا على مذبح السياسة التوسعية والمطامع الشخصية، هذا بخلاف آلاف الجرحى والمصابين. الدولة الصهيونية ترتكب جريمة حرب ضد الإنسانية في غزة من قصف لمنازل المدنيين وقصف الطرق المؤدية للمستشفيات. هجوم بربري أدى لنزوح حوالي 44 ألف شخص من منازلهم في شمال غزة خوفاً من موت كاد أن يكون محققاً، وتكدسوا في مباني الأونروا مع ما يحمله هذا من خطر إصابتهم بفيروس كورونا، إذن هي حرب إبادة فرضت على أهل غزة بشكل خاص والفلسطينيين بشكل عام.

تطور النضال الفلسطيني:

ما نشهده الآن من ترابط قضايا النضال الفلسطيني هو نقطة بداية مهمة ستفتح الباب على كثير من التطورات الثورية في السنين القادمة، وإن استغلها الماركسيون في فلسطين، يمكنني أن أقول وأؤكد، أنها ستغير دفة النضال التحرري الفلسطيني وتخرجه لأول مرة من طريق النكبة والهزائم المستمرة منذ ثلاثة وسبعين عاماً وحتى الآن.

مقاومة أهالي حي الشيخ جراح ضد محاولات الاحتلال طردهم من منازلهم وتنفيذ عملية تطهير عرقي في القدس وتغيير ديموغرافي، وآثار ذلك على عديد من المدن داخل الخط الأخضر، مثل حيفا واللد والناصرة وأم الفحم ويافا، ذلك النضال الذي يقوده جيل جديد من الشباب الفلسطيني الذي يبحث عن تكتيكات جديدة، بخلاف انبطاح حركة فتح ورجعية حركة حماس، ذلك هو النضال الذي تخشاه، وهي محقة في ذلك، الدولة الصهيونية، كما صرح المسؤولون الصهاينة أنفسهم.

لمدة عدة أيام دارت اشتباكات يومية في عديد من مدن الداخل بين الجماهير الفلسطينية والشرطة الصهيونية والعصابات الفاشية للمستوطنين، حرب حقيقية في الشوارع أدت لإصابة المئات واعتقال أكثر من 1000 فلسطيني. تلك هي قاعدة نتنياهو، تلك العصابات بمساعدة الشرطة الصهيونية قامت باقتحام عدة منازل فلسطينية وضرب قاطنيها، كانوا يبحثون في الشوارع، في حملة فاشية مسعورة، عن فلسطينيين من أجل ضربهم واعتقالهم على الهوية.

لكن النضال والصمود البطولي لأهالي القدس ومدن الداخل استمر رغم الخسائر والقمع الوحشي واللاإنساني. إننا ندعم حق الجماهير الفلسطينية في الدفاع عن نفسها بأي طريقة مناسبة تتراءى لها، وندعو لتكوين مجموعات للدفاع عن الأحياء العربية في مدن الداخل، تكون خاضعة لمجالس الأحياء، للدفاع عن الجماهير الفلسطينية ضد الهجمات الفاشية للمستوطنين والرجال المسلحين للدولة الصهيونية، وهو ما بدأ يظهر بشكل جنيني في حيفا وغيرها من المدن، ونحن ندعو لتطويره وتعميمه وربط تلك اللجان ببعضها البعض.

الإضراب:

إن الدعوة للإضراب هذا اليوم الثلاثاء 18 أيار/مايو في مدن الداخل هو تطور ثوري مهم ورجوع للطريق الصحيح في استخدام التكتيكات العمالية والجماهيرية، في حالة نجاح هذا الإضراب -وعلى الأغلب سوف ينجح- سيكون هذا اليوم هو نقطة مفصلية في الانتفاضة الفلسطينية الثالثة. انضمام الضفة الغربية المحتلة لدعوة الإضراب هو تطور ثوري مهم آخر، وهو ما يجب أن يستغل ليس فقط ضد الاحتلال وانما أيضاً ضد السلطة الفلسطينية العميلة، التي منذ نشأتها لا هدف لها سوى التنسيق مع الاحتلال والعمل ككلب حراسة يقمع المناضلين الفلسطينيين في الضفة الغربية، عدونا ليس فقط الدولة الصهيونية بل أيضاً عملائها من أبناء جلدتنا.

يجب استغلال هذا الإضراب في مدن الداخل لإفراز قيادة جماهيرية فلسطينية مناضلة تستمد شرعيتها من لجان الإضراب، ويجب استغلاله في الضفة لإفراز مثل تلك القيادة الجماهيرية، تلك هي أهم مهمة على الماركسيين والثوريين في فلسطين أن يضطلعوا بها، إفراز تلك القيادة من الإضراب وربط تلك القيادة في الضفة بقيادة إضراب مدن الداخل سيغير مجرى النضال التحرري الفلسطيني. صحيح يوم واحد للإضراب زمن قليل جداً لإفراز هذه القيادة والهدف الآن هو نجاح الإضراب، لكن ذلك هو المنظور الذي يجب أن يدفع من أجله الماركسيون والثوريون في فلسطين.

نحو بناء قيادة واستراتيجية فلسطينية جديدة:

ثلاثة وسبعون عاماً من الاحتلال والتضحيات والمآسي الشخصية والجماعية أثبتت خطأ وعقم التكتيكات الخاصة بما تسمى القيادة الفلسطينية، سواء في فتح أو حماس. ولكي لا يفهم كلامي بشكل خاطئ، نحن أبداً لا نقف على الحياد في هذه المجزرة الجارية الآن ولا في مجمل النضال الفلسطيني من أجل التحرر، لا حياد في هذه القضية، نحن كماركسيون دائماً مع المظلوم ضد الظالم، مع حق المظلوم في المقاومة والدفاع عن نفسه، حتى وإن اتخذت تلك المقاومة صورة مشوهة، فنحن لا نحملها نتيجة ما يحدث، لكننا في نفس الوقت إذ ننتقد ذلك التشوه الذي لا يقدم طريق وحل حقيقي للنضال الفلسطيني من أجل التحرر، كما أثبتت تجربة الثلاثة وسبعون عاماً الماضية، ندعو إلى تبني الحل الثوري الوحيد من وجهة نظرنا لتحرير فلسطين وإسقاط الدولة الصهيونية.

حركة فتح، والسلطة الفلسطينية من ورائها، التي تمثل مصالح أثرياء ورجال أعمال فلسطين، البرجوازية الفلسطينية المرتبطة عضوياً واقتصاديا بالاحتلال، تلك الحركة كانت وما زالت مرتهنة للأنظمة الإقليمية والإمبريالية بشكل كامل، خانت الجماهير الفلسطينية عندما خانتها الأنظمة الإقليمية، وقعت على اتفاق خيانة “أوسلو”، ذلك الاتفاق هو خيانة فجة لكل نضالات وتضحيات الجماهير الفلسطينية طيلة عشرات السنوات. صعد قادة حركة فتح على أكتاف الجماهير والشباب والمناضلين الفلسطينيين ليصلوا إلى كراسي سلطة أمنتها لهم الاحتلال لتوظيفهم، لكي لا يتحمل عبء السيطرة المباشرة على ملايين الفلسطينيين في الضفة الغربية، هؤلاء الخونة قبلوا تلك الوظيفة ليرتاحوا من القتال والنضال الذي نصبوا أنفسهم عنوة، بمساعدة ودفع الحكومات العربية، قادة له.

الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ممثلة اليسار الأبرز في فلسطين، والذي يظهر مصيرها المضمحل، كتابع لحركة فتح، عقم أساليبها الاستبدالية، رغم اخلاص كثير من أعضائها، إلا أن التجربة أثبتت أن الأعمال الفدائية وحدها ليست كافية، خصوصاً ما لم تكن مرتبطة بالجماهير وبمشروع ثوري أوسع حقيقي للتحرير، نتفهم دوافع العمليات الفدائية ولا ندينها من منطلق اخلاقي منافق وساذج، لكننا نعتقد أن الكفاح المسلح يجب أن يكون كفاح جماهيري، تضطلع به لجان الجماهير المسلحة الخاضعة لمجالس الجماهير في الأحياء وأماكن العمل والمخيمات، وليس مجموعة منعزلة عن الجماهير، برغم يقيني بإخلاص ونبل النوايا وحجم التضحيات البطولية المهولة التي بذلها مناضلو ومناضلات الجبهة الشعبية، إلا أنه، كما قلت، التجربة أثبتت أن الاستبدالية هي مقبرة العمل الثوري والمقاصد النبيلة. الحق أن أخطاء قيادة الجبهة الشعبية منذ تأسيسها والتكتيكات الماوية المتمثلة في حرب العصابات جعلت النضال التحرري الفلسطيني يخسر أفضل العناصر الشابة، طليعة شباب فلسطين الثوري، في عمليات عسكرية، برغم أننا نتفهم دوافعها إلا أنها لم تؤدي إلى أي نتائج ملموسة أو مكاسب حقيقية في طريق تحرير فلسطين.

هذا بالإضافة إلا أن تلك الاستبدالية والانعزالية عن الجماهير في معسكرات دول الجوار، سوريا بشكل خاص، جعلت الحركة مرتهنة لتلك الدول التي توفر لها المأوى والتمويل اللازم لتلك المعسكرات، بدلا من مد الجذور في قلب الجماهير في الضفة وغزة والداخل ومخيمات دول الجوار. وهذا نابع من الايديولوجية الماوية التي تبنتها الحركة منذ نشأتها، والتي ترى في مجموعة من المخلصين النبلاء الأمل في تحفيز الجماهير الساكنة بالأعمال المسلحة. لكن النظرية الماركسية مختلفة تماماً، الماركسيون يعتقدون اعتقادا جازماً أن التحرر الجماهير هو بيد الجماهير نفسها، وهذا عن طريق الدفع نحو تسلح الجماهير، نحو رفع وعي الجماهير بمهامها التاريخية، الربط بين نضال الجماهير الفلسطينية ونضال جماهير المنطقة في سيرورة تحريرية واحدة، وليس “فلسطنة القضية”، هذه هي مهمة الماركسيين في فلسطين، وليس تشكيل جيش من المخلصين الذين سينطلقون لتحرير الجماهير من الخارج، وأكرر برغم يقيني بنبل واخلاص وصدق كثير إن لم نقل أغلبية مناضلي ومناضلات الجبهة الشعبية، لكن كما يقال الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة.

أما حركة حماس المسيطرة على قطاع غزة منذ العام 2007، وتحظي بتأييد قطاع واسع من سكان غزة، نحن نتفهم دوافع ذلك الدعم، الجماهير الفلسطينية في غزة التي تقصف يومياً لا تري سوي حركة حماس كحامي لها ضد الدولة الصهيونية، في ظل غياب بديل ثوري، استطاعت حركة حماس استغلال الانبطاح والخيانة والعمالة الواضحين لقادة حركة فتح والسلطة الفلسطينية وطرحت نفسها بصفتها الطرف الوحيد القادر على مجابهة الدولة الصهيونية والتعامل معها بندية، فمن الطبيعي في ظل تلك الظروف أن تحظى حركة حماس بتأييد الجماهير الفلسطينية. والحقيقة أنها نجحت في مسعاها في كسب ذلك التأييد ليس فقط في غزة ولكن أيضاً في الضفة، إلى درجة الهتاف للمتحدث باسم الحركة، أبو عبيدة، في عدة مظاهرات في الضفة.

لكن من وجهة نظرنا حركة حماس هي حركة رجعية، أيدولوجيتها وتكتيكاتها لا توفران أي حل حقيقي للقضية الفلسطينية، أيديولوجية حماس ودعايتها الرجعية التي تحول الصراع إلى صراع ديني بين المسلمين واليهود لا تؤدي سوى لتقوية اليمين الصهيوني الذي بدوره يحول الصراع إلى صراع ديني حول الوعد الإلهي بأرض الميعاد، وبالتالي في الواقع الرجعية تغذي بعضها.

نظام القبة الحديدية يعترض صواريخ حماس/ صورة: رويترز، 12 ماي 2021

آخر ما يمكن أن تخشاه الدولة الصهيونية هي صواريخ حماس وداعيتها، في الحقيقة نضال أهالي الشيخ جراح ومدن الداخل هو الذي أجبر الدولة الصهيونية على التراجع -ولو مؤقتا- عن خططها الاستيطانية في القدس الشرقية وليس صواريخ حماس، نضال جماهير القدس هو الذي انتزع المسجد الأقصى وباب العامود من أيدي جيش الاحتلال وليس صواريخ حماس. في الواقع، كان قرار إسرائيل بإغلاق باب العامود بمثابة استفزاز مباشر يهدف إلى توريط حماس في الهجمات الصاروخية ضد إسرائيل. لقد فهموا أن هذا سيقطع أولاً أساليب النضال الجماهيري التي يستخدمها الشباب الفلسطيني في القدس وأماكن أخرى، وثانياً أنه من خلال توجيه الصورايخ إلى السكان الإسرائيليين، سيؤدي هذا إلى حشدهم خلف نظام نتنياهو.

كانت حركة التحرير الفلسطينية حركة اشتراكية يسارية منذ ولادتها. لكن على مدار سنوات عديدة، اتبعت المخابرات الإسرائيلية بوعي استراتيجية دعم حماس بشكل غير مباشر كثقل موازن لليسار. أكثر شيء كان يتمناه بنيامين نتنياهو والطبقة الصهيونية، وقد نالوه، هو تصدر حركة رجعية مثل حماس للصراع، أكثر شيء كانوا يتمنونه هو تحويل بؤرة الصراع من القدس ومدن الداخل التي لا يمكن قصفها إلى قطاع غزة، وأكثر شيء كانت تتمناه حركة حماس، وقد نالته، هو أن تستمر السياسة الصهيونية المتعجرفة وخيانة السلطة الفلسطينية مجدداً ليسمح لها ذلك بأن تتصدر هي المشهد في الدفاع عن أهالي الشيخ جراح والمسجد الأقصى، لهذا نقول أن الرجعية تغذي بعضها البعض.

ولكي لا يلتبس الفهم، نحن ضد الظالم وعنفه، ضد الدولة الصهيونية على طول الخط ولا يمكن أن نقدم لها أدنى تبرير لتوحشها واحتلالها وسياساتها الاستيطانية وحرب الإبادة التي تشنها على الجماهير الفلسطينية في قطاع غزة. لكن، حركة حماس هي حركة أصولية دينية تقسم البشر على أساس الدين، حركة تتلقى دعما من الأنظمة الرجعية في المنطقة مثل إيران وقطر ومصر وغيرهم، مرتبطة ومرتهنة بأهداف تلك الأنظمة، منذ بزوغ الحركة وسيطرتها على قطاع غزة لم تدفع النضال التحرري الفلسطيني سنتيمتراً واحداً للأمام. وأقولها وبكل ثقة، أن النضال التحرري الفلسطيني كان سيكسب الكثير لو لم تظهر حركة حماس للوجود.

هذا بالإضافة إلى أن الوجه المعادي للإمبريالية الذي تصدره الحركة للجماهير الفلسطينية هو وجه دعائي وغير حقيقي نهائياً، كما قلت حركة حماس تلقت ومازالت تتلقي دعم عديد من الحكومات الرجعية في المنطقة، سعت لعقد تفاهمات مع القوى الإمبريالية، وتقديم نفسها بديلاً للورقة التي تم حرقها في اتفاقية أوسلو “حركة فتح”، بل الأكثر من ذلك سعت لعقد تفاهمات مع الدولة الصهيونية برعاية عرابة التفاهمات الفلسطينية الاسرائيلية، الدولة المصرية، ولولا عجرفة الطبقة الحاكمة الصهيونية وحاجتها لوجود حماس في موقع العدو لكن هناك اتفاق بين حماس واسرائيل. والوثيقة السياسية للحركة الصادرة في عام 2017 التي تقر فيها بقبولها دولة فلسطينية على حدود 1967، هو دليل على أن حماس أرادت أن تثبت حسن نواياها للقوى الامبريالية والدولة الصهيونية بقبولها ما يسمى حل الدولتين، الذي هو ليس حلاً إنما سراب.

لقد حان الوقت لبناء القيادة الثورية التي تستحقها الجماهير الفلسطينية المناضلة، ليس قدراً علينا أن نظل بين مطرقة السلطة العميلة وسندان حركة حماس الرجعية التي تنافس على حصرية العمالة.

على الماركسيين في فلسطين بناء منظمة ماركسية منغرسة في قلب الجماهير، واستغلال الانتفاضة الحالية التي يمكن أن توفر عليهم مجهود سنين من النضال الصعب في زمن الركود، طرح ماركسي ثوري للنضال التحرري الفلسطيني من قبل منظمة في قلب الأحداث، حتى لو كانت لا يتعدى عدد أعضائها أصابع اليد الواحدة، سيكتسب زخماً أكبر بكثير مما نتصوره. في ظل الظروف الموضوعية والروح النضالية العالية سيكون تقبل الجماهير للطرح الثوري أكبر بكثير مما نعتقد، هؤلاء الشباب والشابات الذين يقودون النضال في القدس والداخل والضفة، الذين كفروا بالأطر والفصائل التقليدية وسئموا الوضع الحالي، من هؤلاء سيبزغ أفضل العناصر الثورية، فقط إن تم التوجه لهم بالخطاب والبرنامج الماركسي الثوري الصحيح.

التضامن الأممي ونفاق الحكومات البرجوازية:

كما قلنا في بداية الأحداث، أن النضال الفلسطيني اليوم هو رأس حربة نضال جماهير المنطقة، ونستطيع أن نقول أنه قاطرة النضال ضد الامبريالية في العالم اليوم.

تبعات انتفاضة الجماهير الفلسطينية وحملة التضامن الأممية تظهر أن نضال عمال وشباب وجماهير العالم ضد النظام الرأسمالي واحد، حتى وإن اختلفت وطأة التأثر حالياً، المظاهرات التي شارك فيها مئات الآلاف حول العالم من الأردن إلى بريطانيا، ومن لبنان إلى فرنسا، ومن العراق إلى الولايات المتحدة وكندا وغيرهم، كل هذا يظهر أن النضال ضد الإمبريالية بدأ يتخذ طابعاً جماهيرياً أكثر فأكثر، وهذا علامة على عدة نقاط، أولاً على تجذر الأزمة العالمية ومدى عمقها، ثانياً على مستوى تطور النضال الفلسطيني الحالي الذي استطاع في غضون أيام معدودة من كسب تعاطف نشط من قبل مئات الآلاف حول العالم، ثالثاً على تنامي الحس الأممي على مستوى العالم وتنامي قاعدة اليسار المناهض للإمبريالية على مستوى العالم. جميع هذه العوامل تبشر بحد ذاتها بفترة ثورية تحمل كثير من الامكانيات، هذا المستقبل المبشر رهين باستعداد القوى الماركسية له.

وكما تبين الانتفاضة الفلسطينية الحالية تلاقي مصالح النضال الفلسطيني مع مصالح عمال وشباب العالم، تبين أيضاً تلاقي مصالح الطبقة الحاكمة الصهيونية مع مصالح الطبقات الحاكمة في المنطقة والعالم.

لم تفاجئنا الامبريالية الأمريكية عندما اصطفت بشكل واضح إلى جانب اسرائيل في “حقها في الدفاع عن نفسها” غاضة الطرف عن المجزرة المرتكبة في غزة والضفة الغربية، ذلك النفاق الإمبريالي المعهود في تصوير الصراع وكأنه صراع متساوي الحقوق بين قوتين متساويتين، برغم حديث الرئيس الديمقراطي جو بايدن عن سعيه للوصول لوقف لإطلاق النار وحل عادل للصراع وما إلى ذلك من الكلمات المنافقة، في نفس اللحظة وفي خضم الأحداث وافق على بيع أسلحة وصواريخ فائقة الدقة للدولة الصهيونية.

أما الحكومات الأوروبية “المتحضرة” فإنها تصطف أيضاً إلى جانب الصهيونية. فرنسا منعت المظاهرات المؤيدة لفلسطين في باريس، بعض المتظاهرين في بريطانيا اعتقلوا بتهمة معاداة السامية، المانيا أعربت عن دعمها لإسرائيل في مواجهة “الإرهاب” الفلسطيني!!!

تداعيات الانتفاضة الفلسطينية على بلدان المنطقة، خصوصاً بلدان الطوق، كبيرة جداً، محاولة الجماهير الأردنية اقتحام الحدود سيراً على الأقدام ليس سوى البداية، وكلما اشتدت الانتفاضة الفلسطينية كلما كان أثرها أكبر على شعوب المنطقة. وظهرت للمرة الألف الطبيعة المنافقة للأنظمة البرجوازية في المنطقة، جميعها سارعت لتهدئة الأوضاع، ليس حرصاً على حياة الفلسطينيين وإنما خوفاً من تأثير الانتفاضة الفلسطينية، إن استمرت، على الأوضاع الداخلية في بلدانهم.

النظام الديكتاتوري في مصر سعى مهرولاً لوقف إطلاق النار في غزة، وسعي لنفي تهمة التشارك مع الدولة الصهيونية في جرائمها عن نفسه، يعلم النظام تأثر الجماهير المصرية بنضال الشعب الفلسطيني ومدى اتساع التعاطف الجماهيري المصري مع الجماهير الفلسطينية في ظل المجزرة الحالية، لا أحد في مصر لا يتحدث عن ما يجري في فلسطين، والنظام يعلم ذلك جيداً، فسارع ليظهر بمظهر المدافع عن غزة، التي ظل يحاصرها طيلة سنوات. كل الإجراءات المتخذة من إدخال مصابين للعلاج في سيناء، ينتظرون ساعات طويلة حسب تقارير صحفية، لكن السؤال الرئيسي هو: إذا كان النظام يهتم فعلاً بمحنة الفلسطينيين، فلماذا لا يفتح الحدود للجميع؟ ولماذا لا يزال يفرض حصاراً على غزة ولا يترك مجالاً للفلسطينيين للهروب من القصف الإسرائيلي؟ هذا هو الدور الذي لعبه النظام المصري منذ عقود وما زال يلعبه بإخلاص. بالطبع بعد انتهاء كل الموت والدمار سيتم ادخال مساعدات إلى غزة مثل الوقود الخاص بمحطة الكهرباء وغيره، حزمة مساعدات بقيمة 500 مليون دولار ستستخدم في إعادة الإعمار… تنفذها شركات مصرية.

كل تلك الإجراءات هي لتحسين صورته أمام الجماهير المصرية، ولتقوية موقفه كوسيط أوحد بين الفصائل الفلسطينية والدولة الصهيونية، وكوسيلة لإبعاد دول الخليج، التي كانت في نظره تتعدى على دور مصر كمفاوض رئيسي مع إسرائيل بشأن مصير الفلسطينيين، وعقاب لنتنياهو لرفضه عرض وقف إطلاق النار المصري، والذي يهدد بانفجار الأوضاع في المنطقة. النظام المصري يعلم أنه مسؤوول عن قمع الشعب الفلسطيني، مثله مثل بقية الأنظمة العربية الأخري. أكثر ما يخشاه النظام المصري هو أن تندلع مظاهرات تضماناً مع الانتفاضة الفلسطينية، إلى درجة اعتقال عدة أشخاص في أماكن متفرقة رفعوا علم فلسطين أو احرقوا العلم الإسرائيلي، أحد الوقائع لصحفية رفعت علم فلسطين، وشاب أحرق العلم الإسرائيلي بعد صلاة العيد، أفرجت السلطات عن بعضهم وابقت آخرين في السجن.

النظام الأردني الذي نفذ واحدة من أكبر المجازر في حق الجماهير الفلسطينية في أحداث أيلول/سبتمبر الأسود 1970، يحاول الظهور بمظهر المدافع عن القدس، ملك الأردن الذي يحب وضعه كراعي للمقدسات الاسلامية والدينية في القدس هو نفسه الذي منع الجماهير الأردنية على الحدود من مساندة إخوانهم وأخواتهم على الضفة الأخرى من النهر.

الدولة الصهيونية لم تكن أبداً تستطيع أن تفعل ما تفعله في حق الجماهير الفلسطينية دون وجود تلك الأنظمة حولها، ونعلنها بوضوح أيضاً، أن عدائنا الذي لا يلين ولا يحيد للدولة الصهيونية ووجودها لا يقل عن عدائنا للأنظمة البرجوازية العميلة التي تحكمنا، تلك الأنظمة هي أكبر عقبة أمام تحرير فلسطين، وأقتبس هنا واحدة من أكثر العبارات شهرة في تاريخ اليسار الفلسطيني “خير ما تقدمونه للقضية الفلسطينية هو نضالكم ضد أنظمتكم الرجعية”.

يكمن حل القضية الفلسطينية في حركة ثورية للمنطقة برمتها. ما يجب أن يُنشأ هو تحالف كل الكادحين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ضد كل الأنظمة الرجعية، التي على الرغم من انقساماتها الداخلية، تتوحد في قمع العمال والفقراء والشباب في كل مكان. تكتسب الثورات أهمية خاصة في البلدان الرئيسية الثلاثة في الشرق الأوسط (مصر وتركيا وإيران). إن الثورة الاشتراكية في أي من هذه البلدان من شأنها أن ترسل موجات صدمة في جميع أنحاء المنطقة بما في ذلك داخل إسرائيل.

بالفعل خلال الثورة المصرية عام 2011 رأينا مئات الآلاف من الإسرائيليين نزلوا إلى الشوارع تحت شعارات مثل “ناضل مثل مصري”. إن ثورة اشتراكية في أي من البلدان المجاورة سيكون لها تأثير عميق جداً وستقوض بشكل كبير النظام الصهيوني. في ظل هذه الظروف يمكن للدولة العمالية، وعلى رأسها حزب ثوري ماركسي، أن تشن حرب ثورية ضد الدولة الاسرائيلية الصهيونية، مع توجيه خطاب ماركسي ثوري لشق المجتمع الاسرائيلي على أساس طبقي واستغلال التناقضات داخل المجتمع الإسرائيلي لكسر الهيمنة الإيديولوجية للصهيونية، هذا هو المنظور الماركسي لحل القضية الفلسطينية، لا حل للقضية الفلسطينية على أساس رأسمالي، فقط مع إسقاط الصهيونية والرأسمالية في المنطقة والعالم يمكن للجميع أن يعيش على أرض فلسطين التاريخية متساويين الحقوق بلا قهر واضطهاد قومي، بلا احتلال ولا حروب.

خاتمة:

أمام الجماهير الفلسطينية أيام عظيمة مليئة بالكفاح والنضال السائر على طريق التحرر، وطريق استخدام التكتيكات العمالية والجماهيرية مثل الإضراب هو الطريق الصحيح للنضال. على الماركسيين والثوريين في فلسطين الدفع بالنضال الجماهيري إلى نهايته، يجب الدفع نحو تشكيل لجان إضراب منتخبة، تشكيل لجان دفاع ذاتي في الأحياء وأماكن العمل، تكون خاضعة للرقابة الجماهيرية، وربط تلك اللجان ببعضها، تلك هي الطريقة المثلى من وجهة نظري للخروج بأكبر قدر من المكاسب وأقل قدر من الخسائر. على الجماهير الفلسطينية أن لا تثق إلا في قواها الذاتية وتنظيماتها الذاتية.

وأكرر طريق النضال الجماهيري وتكتيكاته هو الطريق الصحيح، لنعمل على أن تنبثق قيادة جماهيرية من قلب الانتفاضة لنضمن عدم التضحية بها على مذبح التفاهمات الإقليمية والدولية أو يتم التضحية بها على مذبح التنافس الداخلي.

ما أحوج الانتفاضة الفلسطينية الآن لمنظمة ماركسية، ما يحدث الآن في مدن الداخل والقدس هو غير مسبوق، ما يحدث في كل فلسطين الآن وترابطه هو غير مسبوق منذ سنوات عديدة ويحمل إمكانيات ثورية كبيرة.

يجب البدء في بناء منظمة ماركسية، وهناك تربة خصبة لبناء تلك المنظمة متمثلة في هذا الجيل الشاب الذي يقود الانتفاضة في الشوارع، وربط النضال الفلسطيني مع نضالات شعوب المنطقة لتوحيد الكفاح ضد الامبريالية والصهيونية والأنظمة الرجعية في المنطقة، وربطه بالنضال الأممي للطبقة العاملة العالمية.

في النهاية، بقدر ما سيزداد النضال الفلسطيني حدة وتجذر بقدر ما ستزداد نضالات الشعوب حدة وتجذر، والعكس صحيح، وبقدر نتائج سيرورة الصراع الطبقي ومآلاتها الإيجابية المتمثلة في استيلاء الطبقات العاملة على السلطة بقدر ما سيتفسخ المشروع الصهيوني من الداخل.

  • نحو انتفاضة فلسطينية ثالثة!
  • عاش نضال الجماهير الفلسطينية!
  • يسقط الاحتلال الإسرائيلي!
  • من أجل وحدة نضال عمال وشباب المنطقة!
  • من أجل فيدرالية اشتراكية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا!

محمد حسام
الثلاثاء: 18 مايو/أيار 2021