الرئيسية / الشرق الأوسط وشمال إفريقيا / شمال إفريقيا / المغرب / المغرب: استقرارنا ضد استقرارهم

المغرب: استقرارنا ضد استقرارهم

جميع مسؤولي الدولة المغربية يعلنون أن لهم الفضل في تحقيق الاستقرار، ويضربون المثل بالبلدان التي تعرف احتجاجات واضطرابات جماهيرية (الجزائر، السودان، لبنان…). لكن حديثهم المتكرر عن “الاستقرار” يعكس أن الطبقة السائدة في المغرب تعي جيدا انها تعيش “الأزمة”، وأن استقرارها هش وأن الحركات الاجتماعية حتمية. وفي هذا السياق يأتي هذا المقال الذي توصلنا به من أحد الشباب الاشتراكي الثوري المغربي، والذي يطرح فيه تصوره لاستقرار النظام والامكانيات المتاحة لانفجار مظاهرات واسعة، ونحن إذ ننشره ندعو جميع المناضلين الاشتراكيين في المغرب، وكامل منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، إلى اعتبار موقعنا منبرا لهم لنقاش مختلف قضايا الثورة في المنطقة والعالم.


بعد الثورات التي اندلعت في شمال إفريقيا والشرق الأوسط صارت كلمة “تهديد الاستقرار” مثل كلمة الشيوعية في عهد مكارثي، وكلمة التروتسكية في عهد ستالين؛ فأبواق الأنظمة تعتبر كل كلمة أو احتجاج “مهددا للاستقرار”، وبعد الانتصار المؤقت للثورة المضادة في المنطقة استعمل الاستبداديون مصطلح “الاستقرار” كسلاح ديماغوجي لإرهاب المجتمع.

وفي عالم يعتمد فيه وجود الأغنياء على وجود الفقراء، سيوجد الصراع الطبقي وسيتجسد في كل الميادين، ولهذا فإن نفس الشيء سيعني وسيمثل شيئا مختلفا بالنسبة للأشخاص المختلفة أوضاعهم؛ فمن تعتمد حياتهم على تجارة العبيد سيعني لهم تحرير العبيد تهديدا لحياتهم، ونجاح الثورة هو حلم للمظلومين وكابوس للظالمين، والثورة الزراعية سيدعمها الفلاحون وسيحاربها ملاك الأراضي والإقطاعيين، وكل المبادئ التحررية يلعنها ويكرهها كل الطغاة والمستبدين. ولذلك يعني استقرار واستمرار بدخهم استمرار بؤسنا.

صورة أرشيفية من احتجاجات عمال مناجم جرادة

استقرارهم يعني حتما عذابنا، فاستقرار الطغاة يعني استقرار عروشهم الثقيلة فوق ظهر الشعب الذي استعبدوه وسمو أفراده رعايا. فهم يعتبرون أنفسهم رعاة لخرفان يحق لهم ذبحها متى شاءوا واشتهوا ذلك، وخلاص الشعوب الوحيد هو التخلص من تلك العروش المزينة بالأشواك الذهبية الحادة التي استخرجها الكادحون من المناجم ولم ينالوا إلا الفتات الذي يسمح لهم بالبقاء عبيدا يعملون لصالح سادة لا يعرفون معنى العمل. وتحرير المستعبَدين مهمة مشروطة بتحطيم وتدمير الأصنام والفزاعات التي صنعها السادة وكهنتهم لجعل العبيد أشد المدافعين عن قيودهم، لأن هذا الشرط وحده الذي يضمن التحرر الذاتي للمستعبدين وإنهاء استقرار وسيطرة المستبدين. وتحقيق هذا الشرط أسهل مما يظن المناضلين من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية، لأن كلام الكهنة حول جنة وجحيم السماء لا يمكنه إخفاء خيرات الأرض ولا يقدم حلولا لمن يعيشون فيها الشقاء. والنضال ضد استمرارهم واستقرارهم ضرورة ملحة لأن نهاية استمرارهم واستقرارهم تعني نهاية بؤسنا وبداية ازدهارنا.

وهم الاستقرار

هل هناك استقرار فعلا؟ جميع مسؤولي الدولة يعلنون أن لهم الفضل في تحقيق الاستقرار (باعتقال كل محتج ومغرد)، ويضربون المثل بالبلدان التي تعرف احتجاجات واضطرابات جماهيرية (الجزائر، السودان، لبنان…). لكن حديثهم المتكرر عن “الاستقرار” يعكس أن الطبقة السائدة في المغرب تعي جيدا انها تعيش “الأزمة”، وأن استقرارها هش وأن الحركات الاجتماعية حتمية.

جاءت أزمة كوفيد 19 لتبرهن بوضوح عن هشاشة “الاستقرار” العالمي، وهو ما يتضح من خلال الموجة الثورية العارمة التي تعرفها مختلف بلدان العالم، ليس البلدان المستعمَرة سابق فقط، بل حتى معاقل الرأسمالية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية.

إن “الاستقرار السلمي” الذي يقوم على نوع من القبول والاقتناع الذي ترسخه مؤسسات سماها غرامشي بالمجتمع المدني  يقتضي وجود ظرف اقتصادي تكون فيه الطبقة السائدة قادرة على شراء صمت على الأقل جزء من الطبقة العاملة، وفي مقدورها تقديم تنازلات ملموسة للطبقة الوسطى والفئات العليا من الطبقة العاملة، ويكون الاقتصاد قادرا على تحقيق التشغيل المكثف، الخ. الا أن النظام القائم بالمغرب، والرأسمالية عموما، لم تعد تساوم على بقائها بالتنازلات والإصلاحات، بل صار استقرار واستمرار نظامها قائما على القمع والعنف والإرهاب فالطبقة الحاكمة بكل وقاحة وهمجية تساوم لبقائها  بالتهديد بالخراب الشامل، إما أن تتقبلوا الاستغلال والتفقير خانعين وإما الفوضى والخراب. هذا هو منطق الرأسمالية في مرحلة انحطاطها النهائي.

الآن صارت الدولة تذبح ومجتمعها المدني في المساجد والإعلام يبرر ويبارك وأصبح بنائها الفوقي منسجما مع بنائها التحتي فتحاول إقناع الجماهير بقبول حكمها الإجرامي  عن طريق دعايتها الترهيبية.

ومن الطبيعي أن تؤثر هذه الدعاية على فئات واسعة من المجتمع، بما في ذلك الطبقة العاملة، لأن الشعوب لا تريد الخراب، ويعرفون جيدا أنهم هم من سيكونون حطب المحرقة في حالة ما إذا أشعلت الطبقات السائدة، وأسيادها الإمبرياليون، فوضى دموية من قبيل تلك التي شهدها سوريا أو ليبيا… إما بشكل مباشر عبر تحريك الجيوش والبراميل المتفجرة، أو عبر عملائهم المتوحشين في التنظيمات الارهابية المختلفة.

وقد تؤدي هذه الحالة النفسية إلى نوع من الخوف والتسليم بالوضع لكيلا تزيد الأوضاع سوءا، “فنحن أفضل من غيرنا” و”الحمد لله على نعمة الاستقرار”، “على الأقل هناك استقرار”، الخ. قد تتردد على لسان حتى بعض فئات الشعب. لكن الطبقات السائدة لا تتوقف عن شن الهجمات، ولا تتوقف عن النهب والاستغلال وتنفيذ أشرس سياسات التقشف… وكلما قدمت الجماهير تنازلات في انتظار أوضاع أفضل كلما ازداد جشع الطبقات السائدة وشهيتها لامتصاص المزيد من الدم الحي. وبالتالي فإن النهوض النضالي حتمي عاجلا أم آجلا.

استقرارنا ضد استقرارهم

نحن الماركسيين لسنا دعاة قتل ولا عاشقوا حروب مدمرة أو خراب. لكننا نعارض بكل حزم الاستقرار الوهمي الذي تدعوا إليه الطبقات السائدة، أي الاستقرار المبني على القهر والاستغلال من جانب الأقلية الطفيلية، الرأسماليين ودولتهم، وعلى الخضوع والبؤس من جانب الأغلبية. كما نعارض السلام الاجتماعي من جانب واحد الذي يدافع عنه الإصلاحيون، أي ذلك السلام الذي يسمح لمصاصي الدماء الرأسماليين باستنزاف العمال وعموم الفقراء وتدمير البيئة بكل طمأنينة.

إننا ندعوا الجماهير إلى شن الصراع الطبقي بأكثر الطرق حزما، لكي يتم إسقاط هذا النظام الدموي القائم على قوة البوليس والجيوش والقتل والسجون بسهولة وإلى الأبد، لأن في ذلك الضمانة للقضاء على كل استغلال وكل اضطهاد وكل عنف. ليس هناك من وسيلة لشل قدرة الطبقات السائدة والإمبرياليين على تنفيذ وعودهم بإشعال الحروب والحروب الأهلية وتدمير البلدان مثلما فعلوا في سوريا واليمن وليبيا، الخ سوى إسقاط نظامهم بثورة اشتراكية تخوضها الطبقة العاملة، على رأس كل الطبقات والفئات المضطهَدة الأخرى، وتحطيم دولتهم وتجريدهم من مفاتيح السلطة والثروة.

لقد عبرت الطبقة العاملة في مختلف بلدان العالم، وفي المغرب كذلك، عن رغبتها في التغيير الثوري لأوضاعها، كما أعطت الدليل على قدرتها على القيام بذلك، من خلال مختلف الحركات الثورية التي شهدناها خلال العقد الأخير. لكن هذه المهمة، مهمة التغيير الثوري، تقتضي من جانب الطبقة العاملة أكثر من مجرد المظاهرات واحتلال الساحات وحتى الإضرابات العامة، إنها تقتضي التدخل المنظم بقيادة ثورية جريئة تمتلك برنامجا علميا وتكتيكات صحيحة وبديلا اشتراكيا واضحا.

هذه القيادة هي بالضبط ما ينقص. وطالما استمرت تلك القيادة مفتقدة ستبقى السيرورة الثورية طويلة مؤلمة، وستتمكن الطبقات السائدة من الرد على كل تحرك ثوري بالقمع الوحشي، وكلما انتصر على الطبقة العاملة ستعرضها للانتقام الدموي لكي تبث الرعب في كل من يتجرأ على التفكير في تحدي سلطتها.

إن الطبقات السائدة واضحة في منطقها: إما استمرار سيطرتها على السلطة والثروة، أو تحويل كل شيء إلى خراب محترق. وعلى الطبقة العاملة أن ترد على هذا التهديد بالتنظيم الثوري والوعي والاستعداد لخوض نضال حازم لن تتمكن تلك الأقلية الطفيلة من الصمود أمامه لأننا نحن الأغلبية ونحن المنتجون الحقيقيون ونحن من بسواعدنا تتحرك الآلات والقطارات وتزهر الحقول. فإذا فهمنا قوتنا ونظمنا صفوفنا لن تكون هناك قوة فوق الأرض قادرة على هزمنا وسيسهل علينا تحقيق النصر وبناء الاستقرار الحقيقي، الاستقرار القائم على الديمقراطية العمالية والتوزيع العادل للثروات، استقرار الاشتراكية التي تكون أساسا للتطور والحرية والمساواة والازدهار.

مغربي حر – 15 شتنبر 2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *