نزف لجميع قراء ومتابعي موقع ماركسي ومناضلي التيار الماركسي الأممي والمتعاطفين معه، خبر إعادة أصدار مجلة “الشيوعية والحرية” التي كانت تصدر خلال الموجة الثورية (2011-2013) التي عمت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهكذا نصدر العدد الخامس من المجلة والتي حمل عنوان “الغضب والانتفاضات يجتاحان الولايات المتحدة”، وضم بيان التيار الماركسي الأممي حول جائحة كوفيد 19 وسبل محاربة هذه الكارثة، إضافة إلى مقالات وتحليلات وتحليلات لتأثير الاحتجاجات والمظاهرات التي عمت الولايات المتحدة الأمريكية المناهضة للعنصرية، وكذا انعكاسات فيروس كورونا على دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
الافتتاحية:
قلنا، في عام 2019، إن موجة ثورية آخذة في النمو منذرة بثورة عالمية، وذلك بعدما هزت حركات جماهيرية العالم بأسره، من “السترات الصفراء” في فرنسا واحتجاجات كتالونيا في إسبانيا إلى “الإضرابات المناخية” في أوروبا، واحتجاجات ومظاهرات حاشدة في السودان ولبنان والجزائر وإيران والعراق في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وثورات هزت أمريكا اللاتينية، كما في الإكوادور وكولومبيا وتشيلي وهايتي، إضافة إلى الاحتجاجات المتواصلة في هونغ كونغ في آسيا.
الآن نرى مرة أخرى ملامح هذه الموجة التي تظهر في الأفق، مع المظاهرات المناهضة للعنصرية التي هزت أركان الدولة البرجوازية في الولايات المتحدة الأمريكية – القوة الإمبريالية الرئيسية في العالم – والتي بدأت تنتشر حول العالم. وصلت المظاهرات إلى أوروبا، فخرجت الجماهير في فرنسا وبريطانيا وبلدان أخرى إلى الشوارع رغم مخاطر انتشار وباء كورونا، واستأنفت احتجاجات السنة السابقة في لبنان وتشيلي وهونغ كونغ. ودخلت بلدان أخرى إلى مسرح الثورة، حيث عمت الاحتجاجات المناهضة للعنصرية والمضادة لبولسونارو مدن البرازيل.
الفيروس والأرباح
لقد عرّضت جائحة كورونا حياة ملايين العمال والكادحين في جميع أنحاء العالم للخطر. فمن جهة، هناك نقص حاد في المستشفيات والمرافق والتجهيزات الصحية بسبب تعرض قطاع الصحة لسنوات من الاقتطاعات وخصخصته وتدميره لدرجة أنه صار غير قادر على التعامل مع أي تغييرات مفاجئة. وكذلك تم تأخير عمليات الإغلاق في كل البلدان تقريبا، من أجل حماية مصالح الرأسماليين في جميع أنحاء العالم، مما سمح بانتشار هذا الوباء القاتل وتسبب في موت مئات الآلاف من العمال. ومن جهة أخرى، فبمجرد إعلان الإغلاق الشامل، ضخت الدول مليارات الدولارات واليوروهات في شرايين الاقتصاد، في شكل حزم مساعدات للرأسماليين، وأعلنوا عن إعفاءات ضريبية وحوافز، بينما دفعوا العمال إلى مزيد من الجوع والمرض والبطالة.
في الوقت الحاضر، تجاوز عدد العاطلين عن العمل في العالم عشرات الملايين. وفقا لتقرير صدر مؤخرا عن منظمة العمل الدولية، و1,6 مليار عامل في القطاع غير الرسمي سيخسرون 60% من دخلهم بعد شهر واحد من الأزمة. وفي البلدان الأكثر تضررا سترتفع معدلات الفقر بين العمال غير الرسميين إلى 84%. ومع تفاقم الأزمة فإن المشتغلين في الأعمال غير الآمنة سيواجهون الكارثة. بالإضافة إلى ذلك، حوّل وباء كورونا الأزمة المالية العالمية الجارية بالفعل إلى ركود عالمي، مما منحها قفزة قياسية وهي الآن تنحدر إلى الهاوية. تنتشر مخاطر إفلاس البنوك والمؤسسات المالية والشركات والمستثمرين على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم، وقد دخل النظام بأكمله في أزمة لم يسبق لها مثيل. ويعكس الانخفاض التاريخي في أسعار النفط العالمية إلى حد ما وضعا سيستمر في الانخفاض في السنوات القادمة.
أدى هذا الوضع إلى تقريب حياة العمال من الموت. وبحسب تقرير لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، فإن 820 مليون شخص (واحد من كل تسعة) لم يجدوا ما يكفيهم من الطعام في عام 2018. هذا قبل أكثر من سنة عن الجائحة، منهم أزيد من 18 مليون شخص في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من بين هؤلاء أعداد ضخمة يتحملون الجوع الشديد لدرجة أنه يشكل تهديداً مباشراً على حياتهم وسبل عيشهم. إن التأثير الاقتصادي للجائحة سيؤدي إلى ارتفاع هذه الأرقام. إن الفئات الأكثر معاناة هم الفقراء في المناطق الحضرية وسكان المناطق النائية والمهاجرون والعمال الذين يعملون بشكل غير رسمي والناس في مناطق الصراع وغيرها من الفئات الضعيفة.
ظلت الطبقة العاملة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحت القمع المستمر منذ عقود، وساعات عملها في تزايد مستمر بينما كانت الأجور تنخفض باطراد بسبب التضخم. وقد أصبح عدم دفع الأجور هو القاعدة، وأصبح تشكيل نقابة أو المطالبة بحقوق العمال أخطر الجرائم. إن جميع التدابير القمعية التي اتخذتها جميع هذه الأنظمة على مدى العقود الماضية ليست، في نهاية المطاف، سوى لخدمة رأس المال.
في الضفة الأخرى تراكمت الأرباح الطائلة للرأسماليين نتيجة رفع وتيرة الاستغلال والغلاء والنهب ، لقد أثبتت الطبقة السائدة، وخدمها في الحكومات في جميع أنحاء العالم، أنهم غير أكفاء مطلقا فيما يتعلق بالكفاح ضد المرض. فعند كل محطة حاسمة تسبب رفضهم التضحية بأي قسط من أرباحهم في السماح للوباء بالانتشار أكثر.
وفي سياق الاستجابة للجائحة سيحاولون رمي تكاليف الحرب ضدها وتكاليف الأزمة الاقتصادية على عاتق الطبقة العاملة. وسيفرضون تدابير طارئة من أجل ضمان استقرار الوضع، لكن من الممكن أن يتم استخدام تدابير الطوارئ هذه كوسيلة للسيطرة على الطبقة العاملة. إنها تحتوي على عناصر قوية مناهضة للديمقراطية، تهدف إلى تعزيز قوة الدولة وسلطاتها القمعية.
الحاجة إلى حزب عالمي للثورة!
في سنة 2019 ظهرت الحاجة إلى حزب ثوري للاستيلاء على السلطة، في عدة بلدان في العالم. في السودان كان من الممكن حسم السلطة في عدة مناسبات، أولاها في الفترة التي سبقت إقالة عمر البشير في شهر أبريل، ثم خلال الإضراب العام في ماي ويونيو، وخلال المسيرة المليونية لشهر يوليوز. في الإكوادور، هربت الحكومة من العاصمة كيتو وأغلقت الجمعية الوطنية، وبدلا من الاستيلاء على السلطة أمر قادة الاحتجاجات الجماهير بالتراجع. في تشيلي كذلك ومثال، تم تشكيل العديد من لجان الأحياء، لكن الاحزاب اليسارية والنقابات رفضوا تطوير الحركة وعقدوا اتفاقا مع الحكومة لتشكيل جمعية تأسيسية. الآن مرة أخرى تطرح مسألة السلطة على جدول الأعمال.
في مينيابوليس، المدينة التي بدأت فيها الانتفاضة، تم نشر جميع قوات الشرطة لقمع المظاهرات، فتشكلت على الفور لجان للأحياء في المناطق الفقيرة وأحياء السود واللاتينيين لمواجهة عصابات النهب والميليشيات اليمينية المتطرفة، وساعدت في إخماد الحرائق وحوداث المرور، بدأ الناس في تنظيم صفوفهم للدفاع عن أنفسهم، لكن هذه الحركة لم تكن مركزية حتى على مستوى المدينة ، ناهيك عن مستوى البلد بأكمله.
لوضع حد لكل هذا، يجب على البروليتاريين تنظيم أنفسهم في أحزاب ثورية، والنضال ضد الطبقة السائدة للتخلص من هذا النظام الرأسمالي. يجب تأميم جميع وسائل الإنتاج ووضعها تحت رقابة الطبقة العاملة، يجب مصادرة البنوك ومؤسسات المضاربة والشركات متعددة الجنسيات. يجب أن تنفق كل الثروة التي تم إنشاؤها في المجتمع على تلبية احتياجات الناس بالإضافة إلى توفير العلاج المجاني والتعليم لكل شخص، بدلا من إنفاقها على الحياة الفاخرة لعدد قليل من الناس.
هذا هو المشروع الذي يناضل من أجله التيار الماركسي الأممي في جميع البلدان التي له وجود فيها. نحن ندعوكم جميعا للانضمام إلينا في هذا المسعى لتزويد الطبقة العاملة والشباب في العالم بأسره بالسياسات الضرورية والبرنامج المطلوب لإخراج البشرية من المستنقع الذي جرتنا إليه الرأسمالية، وإلا فإن البديل هو أن يغرق المجتمع في أعماق البربرية على نطاق أكبر بكثير مما رأيناه خلال الثلاثينيات. انضموا إلينا في هذا النضال!