الرئيسية / الشرق الأوسط وشمال إفريقيا / شمال إفريقيا / الجزائر / الثورة الجزائرية انتصار جديد، خطوة جديدة في طريق تحقيق النصر النهائي!

الثورة الجزائرية انتصار جديد، خطوة جديدة في طريق تحقيق النصر النهائي!

يوم الثلاثاء 26 مارس، ظهر الجنرال العجوز، قايد صالح، مرة أخرى على شاشة التلفزيون الجزائري الرسمي ليقرأ بصعوبة كبيرة وبالكثير من الأخطاء بيانا حرص على أن يبدأه، كما هي العادة، بتحذير الشعب الجزائري من أن احتجاجاتهم «قد تستغل من طرف أطراف معادية في الداخل والخارج ذات النوايا السيئة والتي تلجأ إلى القيام بمناورات مشبوهة بهدف زعزعة استقرار البلاد»، دون أن يوضح طبعا من هي تلك الأطراف، لأن المقصود بالضبط هو ذلك الغموض الكفيل بخلق عقلية القلعة المحاصرة لكي يجر المحتجين إلى بيت الطاعة. وبعد أن غازل الحراك ببعض الكلمات المنافقة، انتقل إلى اقتراح ما تعتبره العصابة الحاكمة حلا “دستوريا وسليما للأزمة” والذي هو: “تفعيل المادة 102 من الدستور الجزائري”.

المادة 102 أو “الحل السحري”

ترى ما الذي تتضمنه هذه المادة 102 العجيبة لكي يجعل منها حلا لكل المشاكل!! تقول المادة 102 من الدستور الجزائري إنه: «إذا استحال على رئيس الجمهوريّة أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدّستوريّ وجوبا، وبعد أن يتثبّت من حقيقة هذا المانع بكلّ الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التّصريح بثبوت المانع»، فيتم عزل الرئيس و[…] يكلّف رئيس مجلس الأمّة بتولّي رئاسة الدّولة بالنّيابة لمدّة أقصاها خمسة وأربعون يوما.

وهكذا فبدل إسقاط الرئيس المكروه وحكومته الفاقدة للشرعية وبناء النظام الديمقراطي الذي يطالب به العمال والفلاحون والشباب الثوري في الشوارع، سيتم إعلان شغور منصب الرئيس وتعيين رئيس مجلس الأمة عوضا عنه. بالتأكيد ليست هذه المناورة الغبية سوى محاولة يائسة أخرى لإنقاذ النظام، خاصة إذا علمنا أن “رئيس مجلس الأمّة” ليس سوى عبد القادر بن صالح، الذي ليس سوى أحد أعضاء نفس النظام الذي يطالب المحتجون بالقضاء عليه، فهو شخص سبق له أن شغل طوال حياته العديد من المهام الرسمية، من بينها سفير لنظام العصابة الحاكمة عدة مرات، ودافع عن نفس سياسات النظام، بل كان بوتفليقة هو من عينه في مجلس الأمة، قبل أن يصير رئيسا للمجلس…

إن خطة العصابة هي التضحية بالرئيس المريض واستبداله بأحد أعمدة نفس النظام، أي إعطاء الوهم بتغيير كل شيء لكي لا يتغير أي شيء. لذلك فهي مناورة تستحق كل الاحتقار الذي استقبلته بها الجماهير في الشوارع، بل حتى اللبراليون والإصلاحيون والكثير من رموز النظام القدامى حاولوا الحفاظ على مسافة مع ذلك المقترح وعبروا عن رفضهم له خوفا من الانتحار السياسي.

لكن وبالرغم من كل شيء إن هذا التنازل انتصار جزئي جديد حققه الحراك الثوري. فالعصابة الحاكمة لم تقدم على هذا التنازل برضاها أو استجابة لطلبات اللبراليين في البرلمانات والغرف المكيفة، بل قامت به مجبرة بفعل الخوف من الحراك الشعبي في الشوارع والإضرابات في أماكن العمل والجامعات. وهذا لوحده درس عظيم آخر من دروس الحراك سيزيد بالتأكيد من رفع وعي الجماهير وثقتها بقوتها.

Déjà vu

من الواضح أن مؤسسة الجيش تحاول استعادة التحكم في خيوط اللعبة وأخذ المبادرة لإنقاذ النظام ككل، ولو من خلال التضحية ببعض رموزه. وهي لكي تنجح في ذلك تتحرك بحذر وتزاوج بين التهديد المبطن بالفوضى وبين مغازلة الحراك الشعبي وبين تقديم “اقتراحات حلول”، الخ، أي أنها تطبق نفس التكتيك القديم المسمى: “تكتيك العصا والجزرة”.

إن من يرى تحركات هؤلاء الجنرالات ويسمع خطاباتهم لا يمكنه إلا أن يخامره ذلك الشعور الغريب الذي يحسه المرء أحيانا بأنه قد سبق له أن عاش هذه اللحظة بتفاصيلها من قبل. وبعد مجهود بسيط للتذكر لا بد أن يفهم المرء أن الاحساس صحيح وأن “السيناريو المصري” يتكرر أمام عينيه.

فهناك أيضا لبس قادة المؤسسة العسكرية في البداية قناع الصديق المبتسم ورفع عملاؤه وبعض السذج شعارات: “الشعب والجيش إيد واحدة”، وقدموا كل الوعود الممكنة وغير الممكنة، وضحوا هم أيضا ببعض الرموز تباعا، حتى تمكنوا من أخذ زمام المبادرة فكشفوا عن وجههم القبيح الحقيقي، وكشروا عن أنيابهم وفرضوا دكتاتورية دموية قمعية على العمال والفلاحين والشباب الثوري. لذا لا بد من الحذر!

إن ما حدث في مصر ليس استثناء ويمكنه أن يتكرر في الجزائر أيضا. لماذا؟ لأنه عندما يحتد الصراع الطبقي، وينقسم المجتمع إلى معسكرين متصارعين: معسكر الثورة ومعسكر الثورة المضادة، يصل المجتمع عند نقطة معينة يصير من الضروري أن يحسم ذلك الصراع لصالح هذا الطرف أو ذاك. لا يمكن للمجتمع أن يبقى في حالة غليان مستمر إلى ما لا نهاية. فإما أن تتمكن الطبقة العاملة من إسقاط النظام القديم وحسم السلطة بين أيديها، وإما أن تستعيد الرأسمالية زمام المبادرة من جديد فتنتقم من كل من تجرأوا على تهديد سيادتها.

الطبقة العاملة في الجزائر اليوم، وكما سبق لنا أن رأينا قبل سنوات في مصر، وجهت لسلطة البرجوازية ودولتها ضربات قوية، لكنها لا تفهم بعد أنها قادرة على كنس النظام القديم، كما أنها لا تملك بعد التنظيم والبرنامج الضروريين لكي تتمكن من حسم السلطة السياسية لصالحها ووضع مفاتيح الاقتصاد تحت رقابتها؛ بينما الطبقة الرأسمالية فقدت سيطرتها القديمة ولم تعد قادرة على الحكم بنفس الطرق القديمة ونفس الوجوه القديمة ونفس المؤسسات القديمة…

عند هذه اللحظة يحدث نوع من “الفراغ” المؤقت في السلطة، لا بد أن يملأه عاجلا أو آجلا شخص ما أو مؤسسة ما أو تنظيم ما… وبما أن مؤسسة الجيش، في الوقت الحالي، هي المؤسسة الوحيدة المنظمة والوحيدة التي تمتلك وسائل الإكراه، فإنها تسعى إلى ملء ذلك الفراغ لصالح الطبقة الرأسمالية وعوض الطبقة الرأسمالية، ولو بالتضحية ببعض رموز تلك الطبقة (مبارك، مرسي، الخ في مصر؛ بوتفليقة أويحيى، الخ في الجزائر…)، أو حتى باستعمال العنف ضد بعض مكونات نفس تلك الطبقة (كما سبق لنا أن رأينا في تعامل الجيش مع الإخوان المسلمين في مصر).

“الحل” اللبرالي للأزمة

ليس بعيدا عن العصابة الحاكمة تقف شرذمة من السياسيين القدامى المتخلى عنهم والوصوليون الذين ينتظرون دورهم لاقتسام الكعكة، والشخصيات التي استبقت غرق السفينة المتهالكة فقفزت منها مبكرا، وكل أطياف اللبراليين والإصلاحيين الخ الخ. والذين كانوا بالأمس القريب مشاركين في السلطة أو يقفون عند أعتاب العصابة الحاكمة ويستجدونها الفتات بين الحين والآخر. لكن ها هم الآن قد تحولوا إلى “ثوريين هم أيضا” ونصبوا أنفسهم زعماء للجماهير المنتفضة وناطقين باسمها، وبدأوا يطرحون كل أنواع “الحلول”، التي يعتبر قاسمها المشترك هو الحفاظ على النظام القائم وخلق “التوافق بين الجميع” “لمصلحة الجميع”.

يظن اللبراليون والإصلاحيون أنهم عقلانيون وواقعيون جدا… وهم لذلك “يكرهون” الطبقة السائدة التي يعتبرونها أنانية جدا وغبية جدا وغير قادرة على الحفاظ على نظامها الخاص فيتطوعون للقيام بالمهمة بدلا عنها، كما يكرهون في نفس الوقت الطبقة العاملة والشباب الثوري لأنهم يعتبرونهم متطرفين ومغامرين، فيتطوعون لإعطائهم النصائح بالتعقل، فإذا لم يقتنعوا تجدهم يشاركون في السلطة لتحريك الجيوش لإغراقهم في الدم تحت راية “الديمقراطية” و”المصلحة الوطنية”.

وهذا هو ما تقوم به ما تسمى بأحزاب المعارضة في الجزائر اليوم. إنهم بعدما اندلعت الثورة واحتد الصراع الطبقي صاروا يصرخون بصوت واحد بتغليب “المصلحة المشتركة”، وتأسيس حكومة “وحدة وطنية” (وحدة من يملكون مع من لا يملكون) وتنصيب شخصيات وطنية مشهود لها بالكفاءة (شخصيات وفية للطبقة السائدة ونظام السوق ومشهود لها بالكفاءة في خدمة البرجوازيين)، وما إلى ذلك. إن هؤلاء الأصدقاء المزيفين هم أخطر على الثورة من الأعداء الواضحين، لذلك يجب النضال ضدهم مثلما يتم النضال ضد العصابة الحاكمة ونظامها.

لكنهم في الواقع أكثر الناس إغراقا في الأوهام والطوباوية. ليس هناك من وهم قد يبدو لهم مستحيلا! فهم يؤمنون بكل الخرافات: يؤمنون بأنه يمكن إصلاح النظام القائم ويؤمنون بإمكانية بناء رأسمالية بدون استغلال ولا فقر ولا بطالة، ويؤمنون أنه يمكن تحقيق تحسين جدي ودائم في أوضاع عيش وعمل الجماهير في ظل الرأسمالية، الخ. الشيء الوحيد الذي لا يؤمنون به هو قدرة الطبقة العاملة، أي أغلبية المجتمع المنتجون الحقيقيون لكل الثروات، على تسيير المجتمع بدون تلك الأقلية من الطفيليات التي تعيش بدون أن تعمل، أي بدون أصحاب الأبناك وكبار الملاكين العقاريين وأصحاب الشركات الكبرى الخ. هذا هو الشيء الوحيد الذي يبدو لهم مستحيلا وغير معقول ومناف لكل القوانين…

البونابارتية؟

يعتبر دخول الطبقة العاملة إلى الساحة برايتها المستقلة وشعاراتها ومطالبها الشرط الضروري لانتصار الثورة وإسقاط النظام الممقوت الحالي. لكنه في ظل غياب التنظيم وعدم وجود قيادة ماركسية ثورية ببرنامج اشتراكي واضح وانغراس عميق في صفوف الجماهير، يصير تصاعد النزعات البونابارتية أمرا ممكنا في الوضع الحالي.

ليس من الواضح بالنسبة لنا الآن كم هي حظوظ قيام نظام بونابارتي بروليتاري، مثل ذلك الذي عرفته الجزائر نفسها مباشرة بعد طرد الاستعمار الفرنسي… أي نظام يستند إلى العمال والفلاحين ويقدم بعض المكتسبات التقدمية للجماهير مع احتكاره للسلطة والثروة… لكن من الواضح جدا أن ذلك النظام، حتى في حالة تحققه، لن يكون سوى مرحلة مؤقتة قصيرة جدا، ليفتح بسرعة الطريق مجددا إما لقيام الطبقة العاملة باستكمال الثورة وحسم السلطة لصالحها، وإما لعودة الرأسمالية.

ونعتقد أنه ليس هناك من شعب مؤهل لفهم هذه الخلاصة أكثر من الشعب الجزائري نفسه. فقد سبق له أن حقق واحدا من أكبر الانتصارات الثورية في القرن العشرين، عندما تمكن بحرب ثورية عظيمة وتضحيات جسيمة من هزم الامبريالية الفرنسية وانتزاع استقلاله بالقوة. لكن تلك الثورة التي لم تؤد إلى حسم الطبقة العاملة للسلطة السياسية والقطع مع الرأسمالية، فماذا كانت النتيجة؟ لقد كانت استيلاء المثقفين البرجوازيين الصغار وضباط الجيش وزعماء جبهة التحرير على السلطة وبناء نظام شمولي أعاد البلاد مجددا إلى الرأسمالية والتبعية وسيطرة أقلية من الرأسماليين المرتبطين بالشركات والدول الامبريالية.

إذا لم تتمكن الطبقة العاملة من أخذ السلطة سيكون الشكل الوحيد للبونابارتية الذي يمتلك حظوظا أكبر في الوقت الحالي، هو البونابارتية البورجوازية، أي نظام عسكري، واضح أو متخف تحت قناع ديمقراطي خفيف، في خدمة الرأسمال الكبيريستند على الدبابة والبندقية والمعتقلات، مثلما نراه في مصر. مثل ذلك النظام تدعمه كل قوى النظام القديم، كما أن قادة الجيش يسيطرون على الاقتصاد ودواليب الدولة منذ عقود، ولديهم دعم قوي من طرف القوى الامبريالية شرقا وغربا، بل حتى اللبراليين والإصلاحيين بمختلف أنواعهم سرعان ما سيبدؤون في المطالبة بـ “الاستقرار والأمن” وإنهاء “الفوضى”، فيعطون لذلك النظام التفويض لكي يسحق الثورة التي تهددهم جميعا.

المنظور الثوري لتحقيق النصر النهائي

فلنكن واضحين: لا إمكانية على الإطلاق لبناء ديمقراطية برجوازية في الجزائر، على شاكلة تلك التي عرفتها البلدان الرأسمالية المتقدمة (بريطانيا، فرنسا…) بعد نجاح الثورات البرجوازية فيها. الطبقة البورجوازية الجزائرية، مثلها مثل نظيراتها في البلدان المستعمرة سابقا، ضعيفة وطفيلية وتابعة، ودخلت إلى التاريخ متأخرة، وبالتالي لا يمكنها على الإطلاق أن تلعب نفس الدور الذي لعبته الطبقة البرجوازية في إنجلترا أو فرنسا قبل زمن بعيد. إن البرجوازية في الجزائر، وممثلوها السياسيون من لبراليين وإصلاحيين وإسلاميين، الخ،غير قادرة على الاطلاق على تنفيذ مهام الثورة الديمقراطية البرجوازية.

إن هذه المهمة تقع، في عصرنا الحالي، على كاهل الطبقة العاملة الجزائرية. تمثل الطبقة العاملة اليوم أغلبية السكان، وهي طبقة شابة وقوية وواثقة من نفسها. إنها الطبقة المنتجة الحقيقية للثروات في المصانع وآبار النفط والمناجم والموانئ والسكك الحديدية والمطارات، الخ، والوحيدة القادرة على قيادة بقية المضطهدين، من فلاحين فقراء وبرجوازيين صغار وعموم الكادحين، لحسم السلطة وتحقيق المطالب الديمقراطية وفي الآن نفسه مصادرة أملاك كبار الملاكين العقاريين والشركات الكبرى والمحلية والامبريالية ووضعها تحت الرقابة الديمقراطية للمنتجين الحقيقيين أنفسهم وتوجيهها وفق مخطط اشتراكي لخدمة مصالح المجتمع ككل.

لكن إذا لم تتمكن الطبقة العاملة من حسم السلطة ووقفت الثورة في منتصف الطريق سرعان ما ستعود كل وحوش النظام القديم للقبض من جديد على عنق المجتمع وخنق تطوره.

لذلك فإن البديل الوحيد أمام الثورة الجزائرية المتنامية هو تقدم الطبقة العاملة على رأس كل الفئات المضطهدة الكادحة الأخرى لحسم السلطة والقضاء على العصابة الحاكمة ودولتها وبناء دولة النقابات العمالية ومجالس العمال والفلاحين الفقراء والجنود الثوريين والشباب الكادح، مجالس منتخبة ديمقراطيا في المصانع والأحياء الشعبية والثكنات والقرى بممثلين يمكن عزلهم من طرف منتخبيهم في أي حين. هذه الدولة وحدها من سيمكنها أن تطبق مخططا اشتراكيا ديمقراطيا للإنتاج سيعطي الخبز لكل جائع والعمل لكل عاطل والمأوى لكل مشرد، أي تحقيق شعار الشعب الثائر: كرامة حرية عدالة اجتماعية.

هذا هو المنظور الذي يجب على كل الثوريين المخلصين أن يناضلوا من أجل تحقيقه ويعملوا بكل جهدهم من أجل تحقيقه. وأول خطوة في اتجاه تحقيقه العمل فورا وبدون أي تأخير على تأسيس الخلايا الماركسية الثورية في كل أماكن تواجد الشباب الثوري والطبقة العاملة، ورفع راية الاشتراكية عاليا ليراها العمال والشباب الثوري ويلتفوا حولها، وبناء القيادة الثورية من بين أفضل القيادات التي أفرزها الكفاح الثوري خلال الأسابيع الأخيرة.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *