الرئيسية / دول العالم / آسيا / أفغانستان / أفغانستان – نظرة تاريخية عامّة

أفغانستان – نظرة تاريخية عامّة

   لفهم الحرب الحالية التي تحدث في أفغانستان، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار العوامل التي شكّلت تاريخ هذه الأرض التعيسة.

   مرّ التاريخ الأفغاني بالعديد من التقلبات، من محتل إلى آخر. البعض اندمج واختلط مع السكان المحليين، في حين استقر آخرون ورحل البعض الآخر. كانت أفغانستان البوّابة الرئيسية لجنوب آسيا. فقد أطلق نائب الملك البريطاني في الهند في أوائل القرن العشرين على أفغانستان “راس حربة آسيا”، بينما وصفها الشاعر المشهور إقبال بأنها “قلب آسيا”.

   الآريون، الذين جاؤوا في موجات من الغرب ومن المنطقة الشمالية الغربية طمسوا الثقافة والحضارات القديمة وارسوا دعائم ثقافية جديدة. في هذه الأرض ازدهرت أولى الأديان القديمة كالزرادشتية والمانية والبوذية.

   بحلول سنة 654 اكتسحت جيوش عربية حاملة لراية الإسلام أفغانستان ووصلت إلى نهر أوكسوس. الأسباب وراء النجاح السريع للدين الجديد ليس صعبا إدراكها. فعلى الرغم من الإنجازات المتألّقة للإمبراطورية الساسانية التي حكمت بلاد فارس وأفغانستان، فإنها تميّزت بالظلم المتطرّف للجماهير المظلومة.

   في السنوات الـ2500 الأخيرة، حكم أفغانستان ما لا يقل عن خمس وعشرون سلالة مختلفة. فقد سبق جنكيز خان والمغوليون الفرس، اليونانيون، الاسبرطيون، الهنود، الهون البيض والأتراك، جميعهم دمجوا جزءا أو الكلّ من حاضر أفغانستان في إمبراطوريات واسعة – لكن في أغلب الأحيان قصيرة العمر- امتدّ من البحر الأبيض المتوسط إلى شبه القارة الهندية أو من الهند إلى أراضي سهل آسيا الوسطى.

   كلّ غزو أو هجرة جديدة ترك ورائه رواسب عرقية خاصة به في شكل مستوطنين، أما تعايشوا مع السكان المحليين أو أجبروهم على اللجوء إلى أعماق الجبال، ومفرزا عبر القرون فسيفساء عرقية محيرة في تعقدها.

   أفغانستان بلاد محاطة باليابسة وفي اتساع فرنسا تقريبا. تنقسم شمالا وجنوبا بكوش الهندوسي وسلاسل بامر الجبلية. أول إحصاء للسكان تم سنة 1979 (بعد ثورة سوار) وبلغ عدد السكان الجملي لأفغانستان 15.5 مليون. يتكلّمون عشرون لغة ومعظمهم يفهم لغتين: الباشتو، والداري والأخيرة لهجة خاصّة من الفارسية.

   الباشتون هي المجموعة العرقية المهيمنة ويسكنون الجزء الجنوبي للبلاد. في شمال البلاد هناك ثلاث مجموعات عرقية رئيسية، ترتبط مع آخرين بنفس الانتساب العرقي في آسيا الوسطى. إنّ الأقلية التركمانية في محافظة باجهيس مرتبطة بتركمنستان. يقطن في المنطقة الشمالية الوسطي الجزء الأكبر من الأوزبك ويتمركزون على امتداد مزار الشريف إلى أوزبكستان ويتواجد الطادجيك من شمال أفغانستان إلى طادجيكستان.

   في أوائل القرن الثامن عشر برزت سلطتين محليّتين من جنوب أفغانستان: العبدالية والغزالية. لمدة 200 سنة بقيت القبائل والبطون – إلى حد ما – تحت مراقبة شديدة من طرف الأعداء الألداء وﻛﺫلك من طرف ثلاث إمبراطوريات أجنبية قويّة اجتمعت وقاتلت من اجل أفغانستان: المغوليون، الفرس الغساسنة وحكّام أوزبكيون بآسيا الوسطى. بعد 1747 وعندما اغتيل الفاتح الفارسي نظير شاه استنفذت الإمبراطوريات الثلاث قواها. ولملء الفراغ السياسي الناجم عن موت نظير شاه تكونت جمعية (جيرجا) في أكتوبر/ تشرين الأول 1747 في قندهار من رؤساء العشائر لاختيار ملكا منهم. واختارت الجيرجا أحمد خان، وهو محارب شاب خدم في جيش نظير شاه. توّج ملكا بوضع سنبلة في عمامته. وأتخذ اسم أحمد شاه دوراني. أحمد شاه كان مؤسس الدولة الأفغانية الحديثة ومثّل الباشتون القوّة الأساسية الأولى لفتوحاته. اثر موته تفككت إمبراطوريته إلى حروب عشائرية.

   بحلول سنة 1780 عقدت إمبراطورية الدوراني اتفاقية مع الحكّام الآسيويين المركزيين، الذي عيّنوا نهر أوكسوس (أمو داريا) كحد بين آسيا الوسطى ودولة أفغانستان الجديدة. وفقد أباطرة الدوراني أراضيهم شرق نهر الهندوس في القرن التاسع عشر.

   العداءات المختلفة بين عشائر دوراني شتتت قواهم. إلا أن إحدى عشائر الدوراني انفردت بحكم أفغانستان لأكثر من 200 سنة إلى 1973، عندما خلع داود خان ابن عم الملك ظاهر شاه وأعلن أفغانستان جمهورية.

   في النهاية أعطت الإمبريالية الأوروبية، أكثر من أيّ شيء، أفغانستان مظهر التماسك الوطني. بعيد غزو أحمد شاه، للهند، فتح انتصار كلايف في بلاسي Plassey الباب العريض لبريطانيا لوضع أفغانستان تحت هيمنته.

   في أوروبا، كان نابليون في قمة قوّته. فقد وقّع مع القيصر ألكسندر الأول معاهدة تيلتيست Tiltist سنة 1807 وخطّطا الاثنان لاحتلال مشترك للهند. جر هذا الخطر البريطانيين لعقد اتفاقية ودّية مع الحكّام الأفغان. وتحت قيادة إلفينستون قابلت بعثة شوجا شاه في بيشاور لمناقشة طرق ووسائل دفاع فعلي ووقّعا معاهدة في 7 يونيو/حزيران 1809. لكن فقد شوجا شاه السلطة والحبر لم يجفّ بعد. وتمكن من الهرب إلى لاهور حيث التجأ إلى البريطانيين.

   في الفترة الممتدة بين 1821-1833 زار ضابط بريطاني (أي. بارنز Barnes.A) أفغانستان وبخارى وتوركمنستان. كان قد جاء في وقت سابق إلى محكمة المهراجا رانجيت سينغ في لاهور. بارنز هذا كلف في الحقيقة بمهمّة دراسة علم الطوبوغرافيا والسمات الأخرى ذات العلاقة بالميدان العسكري. في ماي 1836 أرسل دوست محمد، ملك أفغانستان مبعوثا إلى روسيا. اثر عودته كان مصحوبا بالضابط الروسي الملازم أوّل يان فيتكيريتش، الذي جلب رسالة قيصر نيكولا الأول بخصوص التعاون بين روسيا وبلاد فارس وأفغانستان. عندما أرسل دوست محمد مبعوثه إلى روسيا، ظهر مبعوث بريطاني هناك في كابول. كان الملازم أوّل أي. بارنز ذلك المبعوث الذي كانت مهمّته أن يكسب دوست محمد.

   انتهت المفاوضات الأفغانية البريطانية بدون أيّ اتفاقية. في حين قبل دوست محمد عرض نيكولا الأول. هذا ما أزعج بريطانيا ومرة أخرى دعموا شوجا شاه لمهاجمة أفغانستان. وقّعت الاتفاقية بين بريطانيا، المهراجا رانجيت سينغ وشوجا شاه. الإمبريالية البريطانية ورانجيت سينغ وعدا بإرجاع عرش الأجداد لشوجا. تجمّعت القوات البريطانية في فيروزبور وبدأت بالزحف نحو قندهار في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 1838. لاحظ كارل ماركس بان: « بالميرتون [Palmerton رئيس الوزراء البريطاني] شن الحرب بدون علم البرلمان. لقد بررت الحرب الأفغانية ولطفت باستعمال وثائق مزوّرة.»

   في 25 أبريل/نيسان 1839 استولت القوّات البريطانية على قندهار بعد قتال مرير ونصبت شوجا ملكا. لكن القوّات البريطانية واجهت مقاومة شديدة في كابول قرب تشيكار، جلال آباد. فقد هاجم الشعب الأفغاني من كلّ زاوية. ومن جملة 15.000 من القوّات البريطانية وصل جلال آباد واحد فقط. في 13 يناير/كانون الثاني 1842 اكتشف الحراس رجلا في زيّ رسمي إنجليزي رثّ على مهر بائس – وكان كل من الحصان والرجل يحملان جروحا بليغة للغاية. كان الدّكتور بريدون، الوحيد الذي بقي على قيد الحياة من الـ15.000 الذين تركوا كابول قبل ثلاثة أسابيع. كان الجوع قد أنهكه – وقد دون كارل ماركس ملاحظات مشهورة في ﺫلك حول التاريخ الهندي.

   حاصرت القوات الأفغانية قندهار. في أبريل/ نيسان 1842 وأسر شوجا في حصن بالاهيسار. وتكبدت القوات البريطانية هزيمة كبرى في الحرب الإنجليزية الأفغانية الأولى. مع ذلك انه لصعب اتخاذ العبرة من التاريخ. فقد نسي البريطانيون بسرعة النتيجة الفادحة لتدخّلهم الأول في أفغانستان. ففي السنوات الخمسون التالية، تأرجحت سياسة بريطانية بين نقيضين. فقد فضّلت إحدى المدارس الفكرية ترك الشعب على حدود الهند الشمالية الغربية ليتدبروا أمرهم بأنفسهم.

   وكانت حجة المدرسة الأخرى بأنّ الهند لن تكون آمنة ما لم تتقدّم حدودها إلى كوش الهندوسية شمالا. واستئناف الزحف الروسي نحو الجنوب خلال ستينات القرن قوّى من المضي في تلك السياسة في 1878. وكان لوصول بعثة دبلوماسية روسية إلى كابول، في 21نوفمبر / تشرين الثاني 1878 أثرا أبعد. فغزا الجيش البريطاني أفغانستان للمرّة الثانية. ومرة أخرى هزم الأفغان الاحتلال البريطاني الثاني. انتفض الشعب مرة أخرى وكانت هناك انتفاضة عامّة في كابول، قتل على إثرها الرائد كافاجناري وموظّفو مهمّة الجيش البريطاني. ومن سخرية القدر فان الرجل الذي أصبح حاكم كابول الجديد، عبد الرحمن خان، وصل مباشرة من روسيا، في زيّ رسمي روسي عارضا المساعدة العسكرية. مع أن حرب 1878-1880، الحرب الإنجليزية الأفغانية الثانية، لم تتمكن من وضع أفغانستان تحت السيطرة البريطانية، فإنها أرست على الأقل والى حد ما نظاما ودّيا في كابول.

   لم يخفي عبد الرحمن خان أوهاما حول هشاشة هذا الوضع. فكيف لقوّة صغيرة مثل أفغانستان، كمثل عنزة بين أسدين، أو كمثل حبة الحنطة بين حجري رحّى الطاحونة بدون أن تطحن تماما؟ جاء هذا الوصف في سيرته الذاتية. الحل الوحيد الذي عرضه على ورثته هو أن يتبعوا سياسة حذرة أو الحياد لتجنّب إثارة المتنافسين الكبار المجاورين لأفغانستان ومنعهم من التدخّل في شؤون البلاد الداخلية. لم يتخلّ البريطانيون عن هدفهم لإخضاع الشعب الأفغاني. في غضون بضع سنوات وصلت قوة بريطانية ضخمة على الحدود الشرقية والجنوبية لأفغانستان. ووصل سكرتير الشؤون الخارجية للحكومة البريطانية في الهند، هنري دوراند، في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 1893. وكان لا بدّ للأمير عبد الرحمن خان أن يوافق على حدود جديدة لأفغانستان. فرسمت الحدود الجديدة وفق ما سمي بخطّ دوراند. الأمر الذي حرم أفغانستان من حوالي الثلث من سكانها. فقد قسّم خطّ دوراند شعب أفغانستان بشكل مصطنع وأعطى البلاد حداّ غير طبيعي. خلال السنوات الأربعون القادمة، والى حد الحرب الأفغانية الثالثة سنة 1919، ظلت أفغانستان محمية بريطانية.

   كان لثورة 1905 الروسية أثّر على أفغانستان. فبدأت حركة من الإصلاحات في أفغانستان وتركيا. ولعب الملك حبيب الله، شقيق نصر الله خان، دورا نشيطا في مجموعة تارسي، التي شرعت سنة 1901 في نشر صحيفة سراج الأكبر. التي اكتسبت شعبية كبيرة بين العناصر التقدمّية والضبّاط الوطنيين. وأصبحت صوت الأتراك الشبان. هذه كانت فترة يقظة لآسيا كما جاء في وصف لينين: « هاجرت من الهند إلى أفغانستان العديد من الجماعات الثورية لتشكيل جبهة ضدّ الإمبريالية. في نوفمبر/ تشرين الثّاني 1917 جاء الحدث التاريخي في روسيا، ثورة أكتوبر التي هزّت كامل العالم، وخصوصا آسيا. عصر جديد بدأ وأفغانستان، مثل العديد من البلدان الخاضعة الأخرى، تأثّرت بشكل هائل.»

   بعثت الثورة البلشفية الآمال بين جماهير آسيا. ألهم الملك أمان الله كثيرا بالثورة البلشفية فأعلن استقلال أفغانستان. واعترف الإتحاد السوفيتي من جهته بحكومة أمان الله.

   اظهر البلاشفة خلال أعمالهم بأنّهم أصدقاء للجماهير الكادحة، وخصوصا تلك التي في الشرق. لم تقبل الإمبريالية البريطانية باستقلال الأفغان. فقد استدعي المفوض الأفغاني في الهند من قبل وزير الخارجية، هنري دوباس Dobbas، وسئل عن سماح أفغانستان لسفير بلشفي بدخول كابول. عندما قال المبعوث الأفغاني حدث ذلك لأن أفغانستان مستقلة، أشار دوباس بأنّ أمريكا وفرنسا وإيطاليا مستقلة أيضا، لكنّها لم تسمح للمبعوثين البلاشفة بدخول أراضيها! كما أشار دوباس بأنّ علم أمان الله كان أحمر اللون وذلك كان أيضا لون علم البلاشفة. في 28 فبراير/ شباط 1921 أبرمت معاهدة صداقة بين أفغانستان وروسيا السوفيتية. وبسرعة أصبح أمان الله ذا شعبية كبرى في آسيا.

   بعد توقيع معاهدة الصداقة الأفغانية التركية في موسكو، انتقل المبعوث الأفغاني إلى الغرب. في 28 أبريل/ نيسان وقّعت اتفاقية تجارية أفغانية- فرنسية في باريس وفي 3 جوان/ حزيران وقّعت معاهدة مع إيطاليا بخصوص ربط العلاقات الدبلوماسية. وفي 22 جوان/ حزيران وقّعت معاهدة صداقة مع إيران في طهران.

   للمرة الأولى في تاريخها لم تعد أفغانستان في عزلة وراء جبالها بسبب سياسة بريطانيا المزدوجة، الناجمة عن ثورة أكتوبر. في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني وقّعت معاهدة استقلال أفغانستان التام (من ضمنها السياسة الخارجية) بين أفغانستان وبريطانيا. ووقع إلغاء الإعانة المالية لكن أعيد التأكيد على حدود 1893 (خطّ دوراند).

   نفّذ أمان الله إصلاحات تقدمّية في أفغانستان. أعلن أفغانستان دولة لائكية. قلص دور رجال الدين في شؤون الدولة وحدد أراضي الملالي ورؤساء العشائر. فرضت ضرائب على بعض القبائل التي كانت معفاة من نظام ضريبي قبل ذلك. ووقع إدراج نظام مصرفي ومنعت العبودية، وشرع في إصلاحات في ميدان التعليم بالإضافة إلى تحرير المرأة. كما قام أمان الله سنة 1928 بجولة لمدة ستّة اشهر في أوروبا. حيث قام بعقد اتفاقيات تجارية بالإضافة إلى حصوله على صفقات اقتصادية جديدة مع الغرب.

   هزّت هذه الإصلاحات كامل المجتمع العشائري التقليدي. وكان الملا الأكثر تأثّرا. إذ صودرت أراضي الأوقاف وقلصت سيادتهم وأسّست محاكم منفصلة. كما هدّد انتشار تعليم المرأة مركزهم الاجتماعي أيضا. فشكّلوا سوية مع ملاك الأرض الإقطاعيين نواة الرجعية بدعم الإمبريالية البريطانية التي جلبت سقوط أمان الله في النهاية.

   الرجل الذي استغل الحالة الفوضوية كان قاطع طريق طادجيكي من أحد الوديان شمال العاصمة، لقّب باشا السقاء. كان السقاء على الأقل بالنسبة للطادجيك كروبن هود يسرق من المسافرين الأغنياء والمسؤولين الملكيين ويوزّع جزئا من الغنيمة على الفقراء. استولى على كابول وأعلن نفسه ملكا لأفغانستان.

   هرب أمان الله واستقر في روما، تلاه بعد 40 سنة ملك مطرود آخر، ظاهر الشاه. في وقت مبكّر من الـ1929، وصل من باريس إلى الهند نظير خان وأراد دعما بريطانيا لمحاولة استرجاع كابول. كان ذلك فرصة جيدة للبريطانيين. في منتصف شهر أكتوبر/تشرين الأول، جمع نظير خان جيشا قبليا كان كافيا لهزم ابن السقاء واحتل كابول وأصبح ملكا. كانت خطوته الأولى أن كسب دعم الزعماء الدينيين الذين لعبوا دورا كبيرا ضدّ الإصلاح وفي الهياج المعادي لأمان الله. فقام بوضع أئمّة المساجد الكبيرة في الحكومة.

   في نوفمبر/ تشرين الثّاني 1933 قام طالب شاب بقتله رميا بالرصاص في أرضية قصره الخاص، من المحتمل أن الدافع كان ثأرا دمويا لعائلة أمان الله. أصبح ابن نظير خان الأمير ظاهر شاه ذي 19 سنة ملكا في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 1933. لكن ظاهر شاه لم يكن إلا رمزا حكم في ظلّ أعمامه للسنوات الخمس والعشرون القادمة. كان الأمير ظاهر شاه وابن عمه داود الذين سيسقطون الحكم الملكي ويؤسسون جمهورية لاحقا، كانوا بالكاد قد تجاوزوا سن المراهقة عندما اغتيل نظير شاه عام 1933. نشا أبناء العمّ سويا. ودرس كلاهما في فرنسا، وواصلا تعليمهما كزملاء في كليّة كابول العسكرية الأفغانية. وحينما أطيح به من قبل ابن عمه داود بمساعدة جماعة بارشام من حزب الشعب الديمقراطي الأفغاني سنة 1973، بدأ ظاهر شاه حياة النفي في روما.

الثورة الصاعدة

   أقدم نظام الحكم الستاليني الذي أقامه ضبّاط يساريين من الجيش سنة 1978 على سلسلة إصلاحات من ضمنها الإصلاح الزراعي والإجراءات التقدمّية فيما يتعلق بالمرأة والتعليم، في محاولة لالتحاق أفغانستان بالقرن العشرين. كان هذا تهديدا صارخا ليس فقط لمصالح ملاك الأرض الأفغان والمرابين والملالي وإنما كذلك للحكم الملكي الرجعي في العربية السعودية ودول مجاورة أخرى، خصوصا باكستان وإيران. لهذا السبب وبحكم قربها من موسكو (التي في حقيقة الأمر لم تلعب أي دور في ثورة 1978)، عارضت الإمبريالية الأمريكية بقوة النظام الجديد في كابول الذي، ولو أنه على نحو مشوّه، كان يؤيد الثورة. لهذا وبتعمد حرّضت الإمبريالية الأمريكية تحالف الرجعية الأكثر بربرية ضدّ الثورة الأفغانية ومدته بالمال والعتاد.

   بدون خيانة البيروقراطية الروسية، ما كان للمجاهدين أن يستولوا على كابول أو أيّ من المدن الرئيسية، التي أخفقوا في الاستيلاء عليها طوال أربع عشرة سنة من القتال. مثّل سقوط كابول نصرا للأصولية الإسلامية. صرفت الإمبريالية الأمريكية بلايين الدولارات وزوّدت مساعدة عسكرية كبيرة إلى المجاهدين لكي يسقطوا نظام كابول. وحتّى عندما سحبت موسكو قوّاتها، لا زال باستطاعة قوات نجيب الله هزيمة هجوم الرجعية. ولكن انقطاع المساعدة وضع النظام في موقع مستحيل. وكان لإزالة نجيب الله بانقلاب أعدته وكالة المخابرات المركزية السي أي إيه والمخابرات الباكستانية قد مهّد الطريق أمام الأصوليين الإسلاميين للاستيلاء على كابول. وسارع النظام الجديد بتصفية أغلب الإصلاحات التقدمّية للحكومة السابقة. لكن الحكومة الجديدة كانت غير مستقرة منذ البداية.

   فسرعان ما انفجر الصراع بين قوات الحزب الإسلامي بقيادة قلب الدين حكمتيار والجماعة الإسلامية لشاه أحمد مسعود. تقاتلت هذه الفرق المعادية للثورة بشكل رهيب لذلك وبحلول سنة 1994 وفي الوقت الذي لم يحسم فيه أي من الطرفين الصراع الدائر كان الباب مفتوحا لموجة جديدة من الأصولية الرجعية الأكثر تطرفا ممثلة في حركة طالبان. كانت طالبان من صنع الجيش الباكستاني ومؤسسة المخابرات وبدعم نشيط من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. كانت أمريكا هي التي أوجدت مصادر الحركة المضادة للثّورة في أفغانستان في 1979 في وقت كانت فيه الفتيات تذهب إلى المدرسة والنساء تخرج للعمل. إن الإمبريالية الأمريكية هي المسؤولة المباشرة على تطور حركة طالبان الرجعية في أفغانستان.

   دور أمريكا كشرطي عالمي يؤثّر الآن على أمريكا بشكل مباشر جدا. فلمدة 21 سنة الماضية شهدنا الذبح الجماعي الوحشي للرجال والنساء والأطفال في أفغانستان. تعاني البلاد الجفاف والجوع وتمزقها الحرب. الآن هي في وضعية شنيعة حقا. وزادت العقوبات الأمريكية المفروضة من حدة التعاسة، وأضافت الظروف المتدهورة بعدا مأساويا على الوضع. وتفاقمت المجاعة المتفشية وسوء التغذية بسبب استمرار حرب بربرية تتنافس فيها قوى أجنبية للسيطرة على آسيا الوسطى وثرواتها النفطية الواسعة حيث تحتلّ أفغانستان مركزا إستراتيجيا كطريق محتمل لخطّ أنابيب نفط. نتيجة لذلك تحوّلت أفغانستان إلى أرض مقفرّة. وعندما سيطر طالبان على كابول أخيرا انتقموا من أعدائهم انتقاما مرعبا. فقد علّق نجيب الله الرئيس السابق في عمود كهرباء وحشي فمّه بأعضائه التناسلية. بمثل هذه الطرق حقق “الغرب المتحضّر” ووكلائه أهدافهم الرئيسية. لقد صدمت الصور الإعلامية عن المأساة في أفغانستان العديد من الناس. لقد أطلق نظام الطالبان عنان عهد الإرهاب بالتطهير العرقي في باميان ومزار الشريف وبالقمع المريع للأقلّيات والمجموعات الدينية المضطهدة. تحطيم تماثيل بوذا، الإعدام العامّ وجلد النساء في قندهار اظهر الوجه الحقيقي لنظام طالبان الشرير. إنّ السؤال المطروح هو: من المسؤول عن هذه الحرب الأهلية الدامية – عن كلّ هذه الضحايا والجوع والتطهير العرقي والهمجية المطلقة؟ إنها الإمبريالية الأمريكية التي أرسلت بأفغانستان إلى مستوى العصور المظلمة وحطّمت الحضارة هناك.

   انقلب السحر(طالبان) على ساحره. وأحرق الأمريكان أصابعهم بشكل سيئ وهذا ما تصوره لنا الأحداث في نيويورك وواشنطن. فالتخلص من نظام طالبان يتطلّب هجوما أرضيا من شانه أن يسقط كابول والمدن الرئيسية الأخرى. ولكن ما يعسر هو الريف الوعر حيث القواعد الأصولية بعيدة عن السيطرة العسكرية الأمريكية.

   هو صعب جدا على القوات الأمريكية ربح الحرب في أفغانستان. فمجرّد السيطرة على كابول لم يسبق أبدا أن خول المحتل السيطرة على بقيّة أفغانستان. إنّ الشعب الأفغاني مدرّب جيدا على فن حرب العصابات نتيجة للسنوات الـ21 الأخيرة من الحرب. فالقتال لا يزال مستمرّا بين تحالف الشمال وقوّات طالبان. يحاول الأمريكان الآن صياغة تحالف من تحالف الشمال مع الملك السابق ظاهر شاه. ومن ناحية أخرى هم يحاولون خلق انقسام في حركة طالبان.

   هناك فصيلان رئيسيان لطالبان تدعمان الملك ظاهر شاه في السر. ويمكن أن تكون هناك حرب مفتوحة بين هذين الفصيلين. في الواقع فقد طالبان الدعم الشعبي الكبير منذ 1996 عندما استولوا على كابول، وتغير شعار السلام سريعا إلى أعمال وحشية كبيرة ضدّ الجماهير. إن العمل العسكري الأمريكي ودعم تحالف الشمال وإعادة ظاهر شاه كملك سيقوّي صلب طالبان. ستتبع الحركة حرب العصابات ولن تختفي من الساحة بسرعة.

   إن الأصوليين الشيعة في تحالف الشمال المدّعومين من إيران هم ضدّ الملك ظاهر شاه. وهناك أيضا الحزب الإسلامي لقلب الدين حكمتيار الذي لا يتفق مع معادلة الاستراتيجية الإمبريالية. لذلك ففكرة نظام “ذي قاعدة عريضة” تحت ظاهر لا تستقيم البتة. من المحتمل أن الأمريكان سينصّبون الملك ظاهر شاه لكنّه لن يدوم حكمه طويلا، ولن يسيطروا على كلّ أفغانستان، ولن يقدروا على إنهاء الاضطراب في البلاد.

   غير ممكن لأمريكا بدون قوّات برية أن تنصب شاه على عرش أفغانستان والتدخل العسكري سيحتاج انتشار دائم للقوّات في آسيا الوسطى وكذلك في باكستان. بهذا السيناريو حتى موسكو لن تسرّ لرؤية الولايات المتحدة الأمريكية تسيطر على أفغانستان وتقوّي تأثيرها في آسيا الوسطى. هناك مصالح قويّة مهدّدة بالضياع هناك مرتبطة بالنفط والغاز ولب القصة هو بناء خط أنابيب عبر أفغانستان يصل إلى المحيط الهندي.

   روسيا، الهند، إيران، الآن أمريكا والعربية السعودية وباكستان وتركيا جميعهم وراء الجبهة المتّحدة المدعومة من قبل تحالف الشمال ولكل طرف مصالحهم السافرة الخاصة – يصافح الواحد منهم الآخر وسكينه في يده الأخرى. ستتّحول الحرب الجديدة إلى فوضى عارمة قريبا ومن المحتمل إن تتفكك أفغانستان بين قواد الحرب المختلفين والممثلين لجنسيات ومجموعات عرقية مختلفة في أفغانستان. ثمّ سيتقدّم الحلفاء تحت مظلّة مكافحة الإرهاب ممتشقين سكاكينهم الحادّة ضد بعض وتبدأ لعبة كبرى جديدة دامية. سيكون تفكك أفغانستان كابوسا لكامل شعوب المنطقة وسيكون لتأثير هذا التفكك انعكاس هائل في المنطقة ذي أبعاد وطنية. ويجر كامل المنطقة نحو حرب مروّعة.

   دعت اللجنة التنفيذية المشكلة من 120 إلى اجتماع مجلس نواب (جمعية الزعماء العشائريين). واقترحت على المجلس أن يجتمع في جنوب بلوتشستان قرب الحدود الأفغانية حيث يملك ظاهر شاه بعض المساندة.

   القوميين وخصوصا الباشتون هم العنصر المهيمن في اللجنة التنفيذية. وقد يثيرون مسألة خطّ دوراند. وذلك سيكون السبب الوحيد الذي يجعل باكستان قد ترفض السماح للمجلس بالانعقاد على أرضها.

   من السخرية أنه بدون ارض أفغانستان، أهمية المجلس لن تكون فعّالة. لربّما سيسلّط الأمريكان ضغطا على النظام العسكري في باكستان لمنح أمن كامل للمجلس. ولكن هذا المجلس سيفتح أزمة جديدة للدولة الضعيفة بباكستان. ليس هناك حلّ للحرب الأهلية الأفغانية والفاقة والهجرة الجماعية تحت نير النظام الحالي. فعلى قاعدة رأسمالية تتجّه المنطقة بأكملها نحو العصور المظلمة. الحضارة في خطر، والبربرية تطرق الباب في آسيا. إنّ طالبان صورة لهذه الهمجية. بتعبير اعم، طالبان وأسامة بن لادن منقذان للنظام الرأسمالي الفاسد والدامي، الذي اغرق كامل المنطقة في الحرب، والإرهاب والقتل والجوع.

   من ناحية أخرى، تحتاج الجماهير الأفغانية القوت والمأوى والملبس والصحة والبنية التحتية. وهذه الحاجات لا يمكن توفرها ما لم يسقط هذا النظام المتعفّن. إن البديل عن الأصوليّة ليس الليبرالية وإنما الاشتراكية. كامل تاريخ أفغانستان هو تاريخ الكفاح والمقاومة ضدّ المحتلين والأسياد الذين كانوا بيادق للقوى الأجنبية. إن ذكرى ما حدث لبريطانيا ولروسيا ما زالا عالقا في أذهان الجيش الأمريكي. وعلى الأمريكان أن يتذكّروا شيئا واحدا، وهو الحقيقة الملموسة إن جماهير أفغانستان ستنتفض ضدّ عدوان الإمبريالية الأمريكية ووحشية الطالبان. لكن لبلوغ النصر هم يحتاجون لدعم المضطَهَدين، ولا سيما الطبقة العاملة الباكستانية.

د. زايار
15 أكتوبر 2001
ترجمة: نديم المحجوب

عنوان النص بالإنجليزية :

Afghanistan – An Historical Overview

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *