إن سقوط كابول وعودة طالبان هما نتاج سياسات الإمبريالية، كما كان صعود الأصولية الإسلامية في المنطقة في البداية. كادت ثورة ثور عام 1978 أن تخرج أفغانستان من تخلفها، إلا أنها تراجعت بعد الثورة المضادة الأصولية المدعومة من الإمبريالية. يشرح هذا المقال كيف نشأت الثورة، وماذا حققت وكيف هُزِمَت.
يتم تقديم أفغانستان في الإعلام البرجوازي من خلال علاقتها بالأصولية الإسلامية والجهاد وأمراء الحرب وعصابات المخدرات فقط، فبينما تمثل كل تلك المآسي جزء كبير من الواقع التعيس للحياه في أفغانستان إلا أن ذلك لم يكن الحال دائماً، فمنذ 40 عاماً فقط، حدثت ثورة كادت أن تخرج البلد من تخلفها، لتعود إليه مرة أخرى على يد الثورة المضادة ذات الصبغة الأصولية الإسلامية المدعومة من الإمبريالية.
ولذلك لتكوين صورة واضحة للوضع الجاري في الشرق الأوسط وللوقوف على أسباب صعود القوى الرجعية فيه فمن الضروري فهم أحداث ثورة ثور في أفغانستان في عام 1978 وكيفية حدوثها وهزيمتها.
الخلفية التاريخية
تمتلك أفغانستان أهمية كبيرة بفضل موقعها الجغرافي وقد لاحظ انجلز ذلك:
يساهم الموقع الجغرافي لأفغانستان والطابع الخاص لشعبها في جعلها بلد ذات تأثير سياسي كبير ولا يستهان به في وسط آسيا.
تصل أفغانستان وسط آسيا بجنوبها وساهم موقعها في تشكيل سياسة تلك البلد-ومازال الحال كذلك حتى يومنا هذا- ففي القرن العشرين جعل موقع أفغانستان منها منطقة فاصلة بين الهند البريطانية وروسيا القيصرية. حاول البريطانيون احتلالها ولكنهم لم ينجحوا في ذلك. ولكنهم نجحوا في احتلال منطقة البشتون وضمها تحت سيطرة الهند البريطانية. كان لهذا التقسيم عواقب وخيمة استغلها الأمريكيون والباكستانيون فيما بعد للإنقلاب على الثورة والسيطرة على البلاد.
حاول الملك أمان الله خان -ذو التوجه السياسي المقاوم للإمبريالية والمتأثر بسياسات رئيس تركيا مصطفى كمال أتاتورك- في بداية القرن العشرين تحديث أفغانستان ولكنه فشل في ذلك. وكما علق تروتسكي على ذلك في هذا الوقت:
توجد أمة أخرى في الشرق تستحق ذكر خاص، وهي أفغانستان. حيث تجري هناك كثير من الأحداث الدرامية والإمبريالية البريطانية غارقة في تلك الأحداث. أفغانستان بلد متخلف، ولكنها تأخذ أولى خطواتها في التحديث على النمط الأوربي لكي تضمن استقلالها أكثر على قاعدة ثقافية. تستحوذ العناصر الوطنية التقدمية على السلطة ولكن السياسة البريطانية تهدف إلى تعبئة وتسليح كل ما هو رجعي داخل أفغانستان و بمحاذاة حدودها مع الهند للإطاحة بالعناصر التقدمية في كابول. وبالنظر إلى المراسيم التي أصدرتها، ليست الطبقة البرجوازية وحدها فحسب بل السلطات الاشتراكية الديمقراطية في ألمانيا والتي بموجبها تم حظر تظاهرات عيد آيار/مايو، وإذا أضفنا إلى ذلك ما يحدث في الصين وأفغانستان فمن الممكن الخروج باستنتاج بأن أحزاب الأممية الثانية هي من تقف خلف قوى القمع والاضطهاد، فكما تعلمون فإن الحملة العدوانية على كابول بتمويل بريطاني تحدث على يد حكومة ماكدونالد السلمية.
(ليون تروتسكي: نيسان/أبريل 1923)
يعود السبب وراء فشل محاولة أمان الله لتحديث أفغانستان -بالإضافة إلى التدخل الإمبريالي- إلى غياب البرجوازية الوطنية، الطبقة التي قادت الثورة الصناعية في أوروبا وأسست الدول القومية.
كانت أفغانستان وقت ثورة 1978 محاطة ببلدان ذات ثقل سياسي مثل الإتحاد السوفيتي وإيران والصين وباكستان. وتلك البلدان لعبت دور نشط في التأثير على الثورة والثورة المضادة في أفغانستان.
أفغانستان وثورة المستعمرات
شكل عام 1968 عام التظاهرات والإنتفاضات الشعبية بالنسبة لكثير من البلدان في العالم، ومنها باكستان المجاورة، ولم تكن أفغانستان استثناء عن تلك القاعدة. شهدت سنة 1968 موجة من الإضرابات الطلابية والعمالية. تضمنت مطالبات الحركات الطلابية بمزيد من الإصلاحات في نظام التعليم والمناهج، وقامت باحتجاجات ضد السياسات الإدارية وغيرها. بينما تضمنت مطالبات العمال زيادة في الرواتب وتحسين ظروف العمل والأجازات وتقليل ساعات العمل وتوفير التأمين الصحي.
وصف المؤرخ المختص بشؤون أفغانستان ذائع الصيت، لويس دوبري، الوضع هناك:
فاجأ دعم الحركات الطلابية -في بعض الأحيان جاء التضامن حتى من مدارس قواعد اللغة- للإضرابات العمالية بين الحين والأخر الكثيرين في كابول.
كان مستوى وعي الطلاب عالياً:
رفض الطلاب في بعض الفصول الاستماع إلى أي اتجاهات غير ماركسية وتم خلق مناخ يسمح للأكاديميين القلائل بمناقشة أي أفكار لها علاقة بالغرب دون قلق.
تتميز الروح الثورية بكونها معدية، ويقر دوبري بذلك في قوله:
تشجع تكنولوجيا الاتصالات اليوم -كما أعتقد- على زيادة وتيرة التظاهرات الطلابية-العمالية بشكل ملحوظ. حيث تنتشر أخبار مثل “حملة للبوليس” في بيركلي أو أعمال شغب في كولومبيا أو تمترس الطلاب والعمال الفرنسيين في باريس في بضعة ساعات – وتحصل كل مدينة وقرية في أفغانستان على حصتها في أخبار أجهزة الراديو. يمكن اعتبار الاضطرابات الطلابية في أفغانستان امتداداً وجزءاً من الاضطرابات الطلابية العامة في جميع أنحاء العالم.
لا أحد ينكر تأثير الانتفاضات العمالية العالمية على الأوضاع في أفغانستان، ولكن هذا الوضع أيضاً كان نتيجة للعمل المنظم من قبل الحزب الديمقراطي الشعبي الأفغاني، فقد كانت استراتيجية الحزب تقوم على العمل السياسي داخل صفوف العمال.
لم يركز ماركس كثيراً على المشاكل التي تواجه الثورة في البلدان المستعمَرة فقد كان يتصور حدوث الثورات في البلدان الصناعية المتطورة أولاً. وهذا الإعتقاد لم يكن وليد الصدفة فقد كانت أوروبا في هذا الوقت مركز الثورات العالمية.
يستحيل التطور بشكل أكبر على قاعدة العلاقات الاجتماعية القديمة في البلدان المستعمَرة أو المستقلة حديثاً. حيث لا يمكن حل التحديات الخاصة بالثورة الوطنية الديمقراطية أو الثورة الزراعية أو التخلص من بقايا علاقات الإقطاع وما قبلها في كثير من تلك البلدان على نفس خطى الطريقة الكلاسيكية للثورة البرجوازية كما حدثت في فرنسا عام 1789. تشكلت الطبقة البرجوازية في البلدان المستعمَرة في وقت متأخر للغاية هيمن فيه نمط العلاقات الرأسمالية على العالم، ولهذا السبب لم تستطيع البرجوازية الوطنية في البلدان المستعمَرة أن تقوم بنفس الدور التقدمي التي لعبته مثيلتها في الغرب في تطوير المجتمع الرأسمالي مئات السنين قبلها.
لا تستطيع الطبقة البرجوازية في البلدان المستعمَرة منافسة الاقتصاديات الصناعية في الغرب فهي ضعيفة للغاية ومواردها محدودة. بإختصار هي مقيضة من جهة بمجتمعها القديم ومن الجهة الأخرى بالإمبريالية المتطورة، ويجعلها هذا الموقع قوة للدفاع عن الوضع القائم. ولهذا فقد فرض التاريخ كلا من مهام الثورة الديمقراطية الوطنية ضد بقايا الإقطاع والثورة الاشتراكية ضد البرجوازية على عاتق البروليتاريا.
ساعد تفسخ ظروف العلاقات الإجتماعية والإقتصادية والضعف النسبي للقوى الإمبريالية والنمو الضخم للقدرة الصناعية في الصين واستقرارها في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية على صعود موجة من من الاضطرابات الاجتماعية والثورات في البلدان المستعمَرة. لكن الردة الستالينية في الثورة الروسية والتشوه الستاليني في الثورة الصينية منذ بداياتها، بالرغم من كل إنجازاتها، أدت إلى أن الثورات في البلدان المستعمَرة إنطلقت بتشوهات نظرية منذ البداية وبمنظورات قومية محدودة. هذه هي الخلفية التاريخية التي حدثت فيها ثورة أفغانستان وكانت فيها بذرة فشلها وسر انتصار الثورة المضادة، والتي سيتم شرحها هنا.
الحزب الديمقراطي الشعبي الأفغاني
أسس الحزب الديمقراطي الشعبي الأفغاني في الأول من شهر يناير عام 1965 في منزل رئيس الحزب نور محمد تركي، وتم شرح أهداف الحزب في الكلمات الآتية:
نعلم أننا نكافح ضد بعض الطبقات من أجل بعض الطبقات وأننا سنبني مجتمع لا يُستغل أفراده وعلى أسس اجتماعية تناسب مصالح الكادحين.
(كلمة المؤتمر الأول للحزب الديمقراطي الشعبي الأفغاني)
ولكن بعد تأسيسه بوقت قصير حدث انشقاق في الحزب عام 1967 يعود سبب ذلك بشكل رئيسي إلى الخلاف حول مسألة معارضة الملك.
تكون جناحان أساسيان تم تسميتها حسب صحيفة كل منهم، وكلاهما إتبع الخطوط النظرية الأساسية للإتحاد السوفيتي. اتبع الجناح الأول المسمى بارشام (الراية) سياسة بميول قومية وتركزت قاعدته بين الطبقات الوسطى في المدن وتم تركيز دعايتهم على القوات المسلحة، وفي الناحية الأخرى ركز جناح خلق (الشعب) سياساته على الفروق الطبقية وتركزت قاعدته على الطبقة العاملة في المدن والفقراء في الريف.
ينتشر رأي خاطئ، وحتى بين بعض اليساريين، بأن الحزب الديمقراطي الشعبي الأفغاني لم يمتلك أي قاعدة شعبية على الإطلاق، ولكن المؤرخين المعنيين بشؤون أفغانستان لا يشاركون هذا الرأي، ويقولون بعكس ذلك، بأن الحزب الديمقراطي الشعبي الأفغاني إمتلك قاعدة شعبية واسعة حتى في الريف الأفغاني. بالإضافة إلى ذلك، توجد أدلة على أن الحزب الديمقراطي الشعبي الأفغاني نجح في تأسيس مدارس تثقيف حتى في أقليم بشتون عبر الحدود داخل باكستان.
الثورة
وصل داود -قريب الملك وذو توجه سياسي يميل لصالح البشتون- إلى السلطة وأنهى الملكية رسمياً في عام 1973 بواسطة انقلاب قصر، وبدعم نشط من جناح بارشام (الراية) والجيش. تمتع الشيوعيون في بداية حكمه بحرية ممارسة أنشطتهم، وذلك بفضل علاقة داود القريبة مع الإتحاد السوفيتي. بعد إعادة توحيد الحزب الديمقراطي الشعبي الأفغاني عام 1977، مثل الشيوعيين خطر على وجود النظام بسبب تزايد نفوذهم داخل البيروقراطية المدنية والعسكرية.
عقب اغتيال النقابي البارز وقائد جناح بارشام (الراية) مير أكبر خيبر بشكل غامض في الثامن عشر من نيسان/أبريل لعام 1978، تجمع الآلاف في جنازته في كابول. حادثة الاغتيال والجنازة كانت بمثابة إنذار للنظام. اشتدت حدة صراع البقاء بين النظام والحزب الديمقراطي الشعبي الأفغاني. بعدها بعشرة أيام في الثامن والعشرين من نيسان/أبريل 1978 استولى الحزب الديمقراطي الشعبي الأفغاني على السلطة بانقلاب عسكري، هذه المرة تحت قيادة جناح خلق (الشعب).
يجدر الإشارة بأن أي من الجناحين لم يضعوا منظور للثورة ولو يتوقعوا حدوثها في المستقبل القريب في أفغانستان. وينطبق هذا التحليل على الإتحاد السوفيتي حيث فاجأت الثورة البيروقراطية السوفيتية. قمع نظام داود الحاكم للحزب الديمقراطي الشعبي الأفغاني ساهم في التحريض للثورة. بالنسبة للحزب الديمقراطي الشعبي الأفغاني كان هذا مسألة صراع من أجل البقاء، فبعد اغتيال مير أكبر خيبر تم تسريع وتيرة عملية تصفية الشيوعيين. فقد ألقى النظام القبض على أعضاء من الحزب، منهم رئيس الحزب نور محمد تركي، في منتصف ليلة السادس والعشرين من نيسان/أبريل. كان هذا خطأ قاتل من قبل نظام داود.
في نهار اليوم التالي، بدأ تنفيذ خطة عمل مجهزة مسبقاً من قبل الحزب الديمقراطي الشعبي الأفغاني ومصممة خصيصاً لتفعليها في حالة حدوث ما سبق ذكره. شاركت 250 دبابة وعربة مدرعة في الانقلاب، واستولى الضباط الذين كانوا أعضاء في الحزب على قيادة القوات البرية والجوية. وبحلول الساعة الخامسة والنصف مساءاً كانت السلطة في يد المتمردين. أُطلق سراح رئيس الحزب المعتقل وخرج كمنتصر. تم إحكام السيطرة على راديو كابول وعلى مطار كابول وبغرام. وفي مساء هذا اليوم أعلنوا انتصار الثورة في راديو كابول.
لم تشبه ثورة ثور (ثور هو إسم الشهر الذي حدثت فيه الثورة في التقويم الأفغاني) في أفغانستان الثورة البلشفية في روسيا في تشرين الأول/أكتوبر 1917، التي تميزت باستيلاء جماهير العمال والفلاحين على السلطة في انتفاضة شعبية كبيرة تحت قيادة لينين وتروتسكي. طور الماركسي البريطاني تيد غرانت مصطلح البونابرتية البروليتارية لتوصيف تلك الظاهرة التي حدثت في أفغانستان. فهي تصف الوضع الذي يتم القضاء فيه على الرأسمالية والإقطاعية وتحقيق الإقتصاد المؤمم، ولكن السلطة ليست في يد الطبقة العاملة بل في يد ديكتاتورية الحزب الواحد العسكرية البوليسية.
وَصف تيد غرانت الانقلاب هكذا:
عجلت محاولة داود قمع جميع أشكال المعارضة من حدوث الانقلاب، حيث مثل نظامه المخلوع نظام حزب واحد إقطاعي بيروقراطي، ولم تمتلك الطبقة العاملة الصغيرة أي تنظيمات نقابية.
لو اتخذت الثورة الشكل الصحي لانتفاضة الجماهير نفسها لكانت اختلفت النتائج بشدة عن ما حدث فعلاً في أفغانستان. حدث انقلاب نيسان/أبريل 1978 العسكري بواسطة فئة نخبوية من الجيش والمثقفين ومن الشرائح العليا من الطبقة الوسطى العاملة في المدن.
صُمم الإنقلاب ليكون خطة عمل وقائية ضد المحاولات التي كان يتم الإعداد لها للتخلص منهم ومن عائلاتهم، فهم تصرفوا بدافع حفظ النفس ولكن أيضاً على أساس رغبة في تحديث أفغانستان.
لم يحصل الضباط، الذين تمت معارضتهم من قبل الإمبريالية والطبقات الإقطاعية، بعد استيلائهم على السلطة على الدعم إلا من الطبقة العاملة الصغيرة ومن جموع الفقراء. قرروا إتباع نموذج الإتحاد السوفيتي حيث ناسب حاجتهم ليس بفضل إقتصاده المخطط فحسب، ولكن بفضل نظامه السياسي الهرمي السلطوي والمناسب للقيادات العسكرية للانقلاب.
الصراع من أجل تحرر أفغانستان
استحوذ الحزب الديمقراطي الشعبي الأفغاني على السلطة في بلد ذات وضع بائس. المشاكل الإجتماعية عميقة وكثيرة. كانت أفغانستان حينها واحدة من أفقر بلدان العالم. كان عدد السكان في وقت الثورة ما يقارب 15.1 مليون نسمة، يتركز 14% منهم فقط في المناطق الحضرية، ويعيش 13 مليون مواطن في المناطق الريفية، ويمثل البدو 1.5 مليون منهم.
وصلت نسبة الأمية إلى مستوى عالي للغاية، يصل إلى 95% من السكان. تقدر مساحة تلك البلد الحبيسة ب 160 مليون فدان، 12% منها فقط قابلة للزراعة، ويبور 60% منها كل عام بسبب شح المياه من جانب وعدم كفاءة النظام الإقطاعي المتخلف الذي هيمن على الريف من جانب آخر. يرجع السبب وراء هذا الوضع المزري الإمبريالية والطبقات الإقطاعية التي هيمنت على الريف حتى ذلك الحين.
قدرت حكومة الحزب الديمقراطي الشعبي الأفغاني إن 45% من الأراضي القابلة للزراعة مملوكة ل 5% فقط من ملاك الأراضي. عاش الفلاحون في ظروف قاسية تحت عبء الديون الثقيلة المفروضة عليهم من قبل الإقطاعيين وكبار ملاك الأراضي.
تميزت العلاقات الإجتماعية في الريف بتخلفها، فهي مزجت بين الأعراف القبلية وصور مشوهة من الدين الإسلامي، فقد كان رجال الدين ضعفاء، اقتصادياً وسياسياً، ومن خلفية طبقية أدنى. لم يكن هناك بنية تحتية تقريباً. تظهر حقيقة عدم توافر الكهرباء في أي قرية في عام 1978 مدى بؤس تجهيزات البنية التحتية. كانت أفغانستان من أكثر البلدان تخلفاً على مستوى العالم في مجالات الصحة والتعليم والاتصالات وغيرها من الخدمات الإجتماعية.
كانت القاعدة الصناعية ضعيفة، الإنتاج الصناعي كان يمثل 17% من إجمالي الناتج المحلي، والذي كان يلبي طلب 10-15% فقط من الاستهلاك المحلي في سلع مثل السكر والمنسوجات والأحذية وغيرها. كانت العاصمة كابول أكبر مركز حضري وصناعي، وقُدر عدد البروليتاريا الصناعية من 40 إلى 50 ألف عامل فقط، و تركزوا في أربع أو خمس مراكز حضرية.
وظفت نصف القوة العاملة في المصانع بقوة عمل تفوق 1000 عامل. وبالرغم من حظر النقابات، أعلنت المصانع الكبرى الإضراب خلال موجة الاحتجاجات في 1968-1969 مما يظهر الطبيعة النضالية للحركة.
أصر الحزب الديمقراطي الشعبي الأفغاني على تغيير مصير أفغانستان رغم كل الصعوبات التي واجهته، حيث بدأ بشكل فوري بعد استيلائه على السلطة بإعلان سلسلة من الإصلاحات الجذرية.
كان قرار تأميم الصناعة أول قرار مهم تم اتخاذه. وبعد سنوات قليلة ظهرت نتائج تلك السياسة على مستوى الإنتاج الصناعي. كمثال: ساهم التعدين والصناعات المرتبطة بمعالجته بنسبة 3.3% فقط من الناتج المحلي في عام 1978، وصلت تلك النسبة في عام 1983 إلى 10%.
أزال المرسوم رقم 6 كل الديون الواقعة على الفلاحين والمملوكة للإقطاعيين وكبار ملاك الأراضي، مما رفع عبء كبير من على كاهل الفلاحين الفقراء – عبء أثقلهم لقرون من الزمن.
قدم المرسوم رقم 7 إصلاحات في نظام الزواج. كان من أكثرهم أهمية إلغاء المهر، عادة اجتماعية قديمة تعود لقرون مضت، ورفع ذلك المرسوم من السن القانوني للزواج أيضاً.
وزعت الأراضي الزراعية وتم تكوين المزارع التعاونية. تم وضع ضوابط للحد من ملكية الأراضي. لم تكن تلك الإصلاحات ذات أهمية كبيرة على مستوى العدالة الاقتصادية والاجتماعية فقط، ولكنها ساهمت أيضاً في تحسين الناتج الزراعي. وبعد السنة الأولى في السلطة تم تقدير أن 822,500 فدان من الأراضي تم توزيعها على 132,000 عائلة. تولت وزارة الزراعة مسألة توزيع المياه وذلك بعدما كانت تقع على عاتق الرجال الأفراد أو العائلات.
تم تمرير إصلاحات مشابهة للقضاء على الأمية. كان أحد الإصلاحات الهامة على هذا الصدد تأميم المطابع، الذي مهماً لتوفير مواد تعليمية أكثر، ولكنه أيضاً مكن من إتاحة مواد تعليمية ودراسية باللغات قليلة الإنتشار الخاصة ببعض الأقاليم.
أُقرت حقوق قانونية مساوية للنساء مع الرجال بالإضافة إلى إجازة وضع مدفوعة الأجر. إصلاحات مثل تلك لم تكن معروفة في المنطقة كلها. سرعان ما أظهر الاقتصاد المخطط تأثيره العظيم في كافة المجالات الإقتصادية. كمثال: تم بناء 100 مصنع جديد في خمس سنوات، حتى عام 1983. في مجال البنية التحتية حدث ارتفاع في عدد آسرة المستشفيات بنسبة 84%، زيادة في عدد الأطباء بنسبة 45%. تضرر نفوذ الطبقات المالكة وامتيازاتها بشدة وأصبحت مصالح الإمبريالية مهددة.
الثورة المضادة
يُعتبر النظام الرأسمالي شبكة اقتصادية كبيرة متداخلة وممتدة حول العالم. ولهذا السبب أي تهديد للرأسمالية حتى لو من بلد صغير ومتخلف للغاية يعتبر تغيير غير مقبول بالنسبة للمفكرين الاستراتيجيين للرأسمالية. سارت السنة الأولى بعد الثورة على ما يرام نسبياً، ولكن هناك تصور خاطئ شائع بأن الإمبريالية الأمريكية تدخلت في الشأن الأفغاني فقط بعد التدخل السوفيتي. في الواقع فقد شرعت الإمبريالية الأمريكية في وضع استراتيجيتها لمقاومة الثورة قبل التدخل السوفيتي بكثير. كان لدى صانعي القرار الأمريكيين إعتقاد، في وقت تدخلهم في أفغانستان، بأن الإتحاد السوفيتي لن يتدخل. وفي ربيع عام 1979 بدأت الإمبريالية الأمريكية في تعبئة قواهها الرجعية لمجابهة الثورة. وفي آذار/مارس من العام نفسه، أرسلت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية للرئيس الأمريكي جيمي كارتر مقترحها السري الأول لدعم الثورة المضادة في أفغانستان. تواصل الأمريكيون مع المملكة العربية السعودية وباكستان لتكوين استراتيجية لمقاومة الثورة. نشأ عن ذلك تحالف آثم لمقاومة الثورة مزج بين السياسة الليبرالية ودولارت الغرب مع السلفية الوهابية الخاصة بالمملكة العربية السعودية ووفر لها دكتاتور باكستان العسكري الجنرال ضياء الحق الدعم الاستراتيجي.
فوضت إدارة الرئيس كارتر في صيف هذا العام وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بتمويل تلك الحملة وخصصت لها مبلغ قدره 500,000$. ومع مرور الوقت ساهمت كل دولة رأسمالية بطريقة أو بأخرى لتكوين وحش فرانكشتاين الأصولي الإسلامي لمحاربة الثورة – وحش مازال يلاحق أسياده السابقين حتى الآن. اليوم، يتناول الإعلام الغربي موضوع الأصولية الإسلامية كأن ليس لهم علاقة بهذا الأمر. ولكن في الواقع فأن الأشكال المختلفة للأصولية الإسلامية اليوم هي نتاج مباشر لسياسات الإمبريالية الغربية.
الصعوبات
حملت ثورة ثور نقاط ضعفها. إحداها كان موضوعي: التخلف الاقتصادي والاجتماعي العميق للبلاد، والذي لم يسمح للطبقة العاملة القليلة عددياً أن تقوم بلعب دورها المستقل في الثورة – وهو أمر ضروري لانتصار أي ثورة اشتراكية. أدى غياب الثورة العالمية إلى عزل ثورة ثور، وعملت النظرية الستالينية، المتمثلة في إمكانية بناء الاشتراكية في بلد واحد لتخطي الصعوبات الاقتصادية الخاصة بها، على جعل وضع الثورة أكثر سوءاً.
تمثلت نقطة الضعف الثانية في الهيكل التنظيمي للحزب الديمقراطي الشعبي الأفغاني. لم يتطور الحزب إلى تنظيم لينيني متماسك وبعد الاستيلاء على السلطة بقليل ظهرت النزاعات الداخلية من أجل السلطة بين جناحي الحزب. ولكن الانشقاق الحزبي عززه تدخل الإتحاد السوفيتي. في الواقع، لعبت البيروقراطية السوفيتية دور رجعي للغاية في تدخلها في الصراع بين جناحي الحزب الديمقراطي الشعبي الأفغاني. لقد دعموا جناح بارشام (الراية) ضد جناح خلق (الشعب). وقد عارض جناح خلق (الشعب) التدخل السوفيتي بقوة وحذرهم بأن هذا التدخل سيكون له عواقب وخيمة.
تدخل الإتحاد السوفيتي عسكرياً في كانون الأول/ديسمبر عام 1979، وتم جلب جناح بارشام (الراية) للسلطة وبدأت حملة تطهير ضد جناح خلق (الشعب) وساهم كل ذلك في إضعاف قبضة الحزب على السلطة. الصراع الداخلي كان بدأ يزداد بصورة سريعة أثناء الصيف.
تصور جناح خلق (الشعب) بشكل خاطئ بأنهم إذا اتبعوا سياسة عدم الإنحياز في سياستهم الخارجية فإنهم بذلك يخلقون مناخ هادئ للنظام الجديد. ولكن في الواقع -ومع تدخل الإتحاد السوفيتي- أصبحت أفغانستان ساحة معركة لقوتين عالميتين. وبسرعة أصبحت أفغانستان مستنقع للقوات السوفيتية.
انتصار الثورة المضادة
تراجع النظام عن إصلاحاته الواحدة تلو الأخرى أثناء محاولاته المساومة مع المعارضة، وفي عام 1988 إنسحب الإتحاد السوفيتي. أصبح النظام الحاكم ضعيفاً للغاية وقتها، وبحلول عام 1992 استولى المجاهدون على السلطة. في وقت لاحق، أسس مجموعة من الجنود المجاهدين جماعة عسكرية ممولة من باكستان تُعرف اليوم باسم طالبان، والتي استولت على السلطة واغتالت رئيس نظام بارشام (الراية) نجيب الله.
دفعت الثورة المضادة الأصولية التي امتدت ل26 سنة بأفغانستان للخلف مجدداً نحو البربرية. لم تؤثر الثورة المضادة على أفغانستان فقط بل أثرت على المنطقة بأكملها، خصوصاً باكستان. اُستخدم الهيروين كوسيلة لتمويل المجاهدين والثورة المضادة. لقد صنعت تلك الاستراتيجية اليوم أول دولة مخدرات في العالم. فقد تم تقدير أن 500,000 فدان تم تخصيصهم لزراعة الخشخاش المستخدم في استخراج الأفيون في أفغانستان. ووصل محصول الأفيون إلى 9000 طن في عام 2017.
مثلت ثورة ثور للشعب الأفغاني وللمنطقة بأكملها الأمل في التحرر من البؤس والإضطهاد المصاحب للإقطاعية والرأسمالية. لقد أغرقت الامبريالية هذا الأمل في الدم. وإذا كنا نأمل اليوم في هزيمة هذه القوى الرجعية يجب علينا إعادة تنظيم صفوفنا على أسس طبقية. يجب إعادة إحياء الثورة الاشتراكية لمواجهة الثورة المضادة الممتدة لعقود، هذا هو الإنتقام الوحيد للبؤس الذي طال الشعب الأفغاني. وهذا ليس الحل للشعب الأفغاني فقط ولكنه أمل الشعب الباكستاني أيضاً لتخليصه من براثن البربرية التي صنعتها الرأسمالية والإمبريالية. تقع تلك المسؤولية التاريخية على عاتق الطبقة العاملة في تلك المنطقة خاصة وفي البلدان الرأسمالية المتقدمة عامة. لتحقيق ذلك الهدف من الضروري بناء منظمة عمالية أممية.
عدنان خان
27 نيسان/أبريل 2018
عنوان ومصدر المقال الأصلي:
Afghan Saur Revolution 1978: what it achieved, how it was crushed