الرئيسية / دول العالم / آسيا / أفغانستان / أفغانستان: الإمبرياليون يذرفون دموع التماسيح بينما يعاني اللاجئون

أفغانستان: الإمبرياليون يذرفون دموع التماسيح بينما يعاني اللاجئون

مع الانسحاب المخزي لقوات الولايات المتحدة من أفغانستان في وقت سابق من هذا الشهر، يتطلع الآلاف من الأفغان الآن إلى الفرار من البلاد. في مواجهة أزمة إنسانية غير مسبوقة من صنع أيديهم، فإن الساسة في الولايات المتحدة وأوروبا يذرفون دموع التماسيح بسبب المصاعب التي يواجهها اللاجئون، في حين يتركوهم لمعاناتهم.

إن النزوح الجماعي في أفغانستان لم يبدأ بانسحاب الولايات المتحدة. في الوقت الحالي، هناك حوالي 3.5 مليون نازح داخلي في أفغانستان، و2.5 مليون آخرين لاجئين في بلدان أخرى نتيجة للاحتلال الأمريكي. أدى اشتداد حدة الصراع هذا العام وحده إلى تشريد أكثر من نصف مليون أفغاني. ولكن مع تزايد حالة عدم الاستقرار التي من المتوقع أن تطغى على البلد، فمن المتوقع أن يرتفع هذا العدد بشكل كبير.

الحرب ليست سوى واحدة من أشكال العذاب الذي يجبر الأفغان على ترك ديارهم. يعاني البلد حالياً من جفاف شديد يعرض حياة أكثر من ثلاثة ملايين شخص للخطر ويؤدي إلى جوع 14 مليون شخص، أزمة اقتصادية طاحنة مع هروب رؤوس الأموال في أعقاب استيلاء طالبان على السلطة، والآثار الحادة الناجمة عن جائحة كوفيد -19، مع عجز الكامل للغالبية العظمى من السكان عن الحصول على جرعات اللقاح. يعيش فقراء أفغانستان، المحاصرون بين الحرب وتغيّر المناخ والمجاعة والمرض، من معاناة لا يمكن تصورها، والتي ستتفاقم في الفترة المقبلة، والتي تدفع الملايين إلى البحث عن ملاذ آمن في الخارج.

الأغلبية الساحقة ممن فروا بالفعل إلى الخارج والبالغ عددهم 2.5 مليون شخص موجودون حالياً في إيران وباكستان (أكثر من مليوني شخص في البلدين). من الواضح أن الطبقات السائدة في البلدان الغنية الإمبريالية ـ ومنها نفس البلدان التي غزت أفغانستان ـ ليس لديها ما تستطيع أن تقدمه للأفغان سوي التفكير فيهم والصلاة لهم. وفي حين يلقون ببعض الفتات على اللاجئين، فإنهم يتوقعون أن تمدحهم السماء على كرمهم.

ففي بريطانيا، على سبيل المثال، وعد رئيس الوزراء بوريس جونسون اللاجئين الأفغان “بمخطط مفصل” من شأنه أن يكون “أحد أكثر الخطط سخاءً في تاريخ بلدنا”. ستسمح خطة جونسون بقدوم 5,000 لاجئ أفغاني إلى بريطانيا هذا العام. إذا كان هذا السخاء من إحدى القوى التي قصفت أفغانستان وقسمتها إلى قطع صغيرة غير كافٍ، وعد جونسون بقبول 15 ألف آخرين … في السنوات الخمس القادمة. بطبيعة الحال، يتعين على أي مهاجر محتمل أن يعيش كل هذه الفترة في ظل إرهاب طالبان أولاً. هذا ليس سوى وعد فارغ. إنها قطرة في المحيط مقارنة بالملايين الستة الذين شردهم نفس الإمبرياليون الأجانب من ديارهم. ولكن إذا كنا نريد مقياساً حقيقياً لـ “كرم” بوريس جونسون، فيكفي أن نذكر أن 15 ألف لاجئ أفغاني هو على وجه التحديد نفس العدد الذي رحلته بريطانيا إلى البلد التي تمزقها الصراعات منذ عام 2008 فقط.

أي نوع من الإستقبال سيحظى به القلة المحظوظة التي سيسمح لها بدخول حصن بريطانيا؟ سيكافحون من أجل الحصول على سكن ولن تقدم لهم الدولة أي مساعدة. سيضطرون إلى العيش في مناطق محرومة، في ظل نقص شديد في المساكن وظروف معيشية خطيرة. وقد تم “حل” مشاكل إسكان اللاجئين في بعض الحالات عن طريق وضعهم في ثكنات عسكرية، مما أسفر عن نتائج كارثية على صحتهم البدنية والعقلية، مثل تفشي فيروس كورونا مؤخراً في أحد هذه المرافق في مدينة كينت، حيث كانت نتيجة اختبار أكثر من 200 لاجئ إيجابية.

سيُجبَرون على تحمل الطعام غير القابل للأكل، السقوف المتداعية، السكن غير الآمن، غرف الفنادق المملوءة بالصراصير، وغير ذلك الكثير. أما أولئك الذين ليسوا على استعداد للانتظار خمس سنوات قبل إعادة توطينهم، والذين يصلون إلى بريطانيا بشكل غير قانوني بدلاً من ذلك، فقد اقترحت وزيرة الداخلية بريتي باتل في الشهر الماضي الحكم عليهم بالسجن لمدة أربع سنوات. وهذا هو “سخاء” الطبقة السائدة البريطانية الأسطوري، التي تتعامل مع ضحايا جرائمها الإمبريالية بشكل أفضل قليلاً من معاملتها للحيوانات.

بينما يقدم سياسيو حزب المحافظين عرضاً حول وجوههم “الإنسانية” المصطنعة، استخدمت وسائل إعلام حزب المحافظين الموجة الجديدة من اللاجئين لنشر الخوف والانقسام وكراهية الأجانب في جميع أنحاء المجتمع. في بريطانيا، ادعت صحيفة ديلي ميل اليمينية أنه سيتم تسكين اللاجئين في المنتجعات الشاطئية وأن خطط الأسر البريطانية للعطلات مهددة بسبب ملء الفنادق بالمهاجرين.

ولا يختلف الموقف في أوروبا عن ذلك بكثير. على مدى الأيام القليلة الماضية، كان قادة الاتحاد الأوروبي يضغطون من أجل الدفاع عن مصالحهم الخاصة، وتلاعبوا بشكل ديماغوجي بمستقبل اللاجئين في معاركهم من أجل البقاء في المقدمة في استطلاعات الرأي. وفي الأسبوع الماضي، قال وزير الداخلية النمساوي، كارل نيهامر، إن البلاد ستواصل ترحيل الأفغان إلى أفغانستان “لأطول فترة ممكنة“، في حين أكد المستشار سيباستيان كورتز أن النمسا لن تقبل لاجئاً أفغانياً واحداً في الفترة المقبلة.

مرشح حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني (CDU) لمنصب المستشار، أرمين لاشيت، قد أعرب عن مشاعر مماثلة، وغرد تعقيباً على سقوط كابول بأن “2015 لا ينبغي أن تكرر نفسها”. هذه إشارة إلى أزمة اللاجئين الناجمة عن الحرب الأهلية السورية، وهي كارثة إنسانية أخرى ناجمة عن التدخل الإمبريالي، التي استخدمها بشكل معيب سياسيين وأحزاب اليمين في جميع أنحاء أوروبا لإثارة مشاعر كراهية الأجانب. مع استعداد ألمانيا لانتخاب حكومتها المقبلة في أيلول/سبتمبر، يتطلع لاشيت ويمين حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني (CDU) بلا شك إلى مناشدة مؤيدي حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) الرجعي، الذي نما في السنوات التي تلت عام 2015 من خلال استغلال المشاعر المعادية للاجئين.

في الوقت نفسه، هاجمت صحيفة بيلت الرجعية حكومة ميركل لفشلها في التأكيد على أهمية “القيم الألمانية” في مسألة اللاجئين، وادعت أن التدخل الإمبريالي في أفغانستان “وصل متأخراً جداً وغادر مبكراً جداً”.

بينما بدأت الحكومة اليونانية في توسيع سياجها البالغ طوله 40 كم على الحدود التركية تحسباً لموجة جديدة من اللاجئين. ووعد متحدث بأسم الحكومة اليونانية بأنهم لن “يستخفوا بأي تصعيد محتمل في قضية الهجرة واللاجئين” ودعا الاتحاد الأوروبي إلى دعم تدابير جديدة مناهضة للمهاجرين.

وحتى الليبراليون “المعتدلون” المفترضين في السياسة الأوروبية تبنوا الخطاب الرجعي المناهض للاجئين رداً على انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان. قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خطاب ألقاه الأسبوع الماضي أن أوروبا يجب أن “تحمي نفسها من الموجات الكبيرة من المهاجرين غير الشرعيين” وتحدث عن خطر “الهجرة غير النظامية” نتيجة استيلاء طالبان على أفغانستان، مضيفاً أن فرنسا لن ترحب إلا باللاجئين الذين “يشاطروننا قيمَنِا“. ولقد نظر العديد إلى استخدام ماكرون الصريح لخطاب اليمين المتطرف على حقيقته، أي محاولة منه للتقرب من مؤيدي التجمع الوطني الرجعي المتصاعد (الجبهة الوطنية سابقاً) قبل الانتخابات الرئاسية في العام المقبل. سخر مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي من ماكرون بإطلاق أسم “إيمانويل لوبان” عليه، بعد نشر قائدة التجمع الوطني مارين لوبان مخاوف من قبيل “زيادة خطر الهجمات” و “موجات جديدة من الهجرة” من أفغانستان في الفترة المقبلة.

قليلون هم الذين استطاعوا الارتفاع إلى مستويات النفاق التي رأيناها من القوة الإمبريالية التي تتحمل أكبر قدر من المسؤولية عن المحنة المروعة للشعب الأفغاني: الولايات المتحدة. على الرغم من وعد جو بايدن بحشد “كل الموارد اللازمة” لمساعدة طالبي اللجوء واللاجئين، فقد اقترح البيت الأبيض أنه سيتم السماح بدخول حوالي 50 ألف أفغاني فقط إلى البلاد، وسيتم السماح فقط لأولئك الذين عملوا مع الجيش الأمريكي بالتقدم بالطلب. رغم إن هناك ما يقدر بنحو ثلاثمائة ألف شخص تعاملوا مع الاحتلال الأميركي بشكل أو آخر. وبعد أن استخدمهم المحتلون الأمريكيون، يجري الآن التخلي عن معظمهم ليواجهوا الموت شبه المؤكد. هذا الرقم لا يأخذ في الحسبان العدة آلاف الأخرين الذين لا علاقة لهم بقوات الاحتلال ولكنهم يواجهون الآن خطر الانتقام من طالبان بسبب نشاطهم أو معتقداتهم الدينية، إلخ.

سوف تضع حكومة الولايات المتحدة كل العوائق الممكنة لمنع اللاجئين من الوصول إليها. يجب على الراغبين في الذهاب إلى الولايات المتحدة الحصول على “تأشيرة هجرة خاصة” (SIV) قبل دخول البلد، التي تتطلب عملية تدقيق دقيقة. وهذه العملية، التي يوجد بسببها حالياً “تراكم هائل” للطلبات، تتطلب، من ضمن جملة أمور أخرى، إثباتاً للعمل وإثباتاً للجنسية وخطاباً للتوصية. سوف يكون هذا مستحيلاً بالنسبة للبعض، بعد أن أحرق موظفو القنصلية الأميركية العديد من هذه الوثائق في معرض تخلصهم من الوثائق الحساسة قبل إخلاء السفارة الأميركية بسرعة. وبالإضافة إلى ذلك، يحتاج اللاجئون الذين يرغبون في السفر إلى الولايات المتحدة إلى “فحص بيومتري“، يشمل بصمات صوتية ومسح للعيون وبصمات لليدين وصور للوجه.

وفقاً لمشروع مساعدة اللاجئين العالمي، فإن عملية التدقيق هذه “يشوبها أخطاء إدارية” مما يعني أن العديد من اللاجئين “عالقون في عملية التحقق من استحقاقهم لتأشيرة الهجرة الخاصة لسنوات عديدة”. وهذا يعني أن الأفغان الراغبين في دخول الولايات المتحدة إما أنهم سوف يحاصرون في أفغانستان، أو أنهم سوف يحتجزون في قواعد عسكرية في المستقبل المنظور، إلى أن يصبح من الممكن معالجة أوراقهم. سوف تترك الولايات المتحدة عشرات الآلاف من اللاجئين الأفغان في وضع خطير لا يطاق، بسبب جريمتهم البسيطة المتمثلة في أنهم مدرجين في قائمة الانتظار.

انتشرت مقاطع فيديو على نطاق واسع تظهر حشود يائسة من الآلاف من اللاجئين خارج مطار كابول يتم تفريقهم بالقوة من قبل الجنود الأمريكيين، الذين بدورهم أطلقوا النار في الهواء واستخداموا الغاز لإبعاد الناس. وحتى قبل جريمة التفجيرات الإرهابية التي وقعت في مطار كابول والتي أسفرت عن مقتل 90 شخصاً الليلة الماضية، قُتِل عشرات المدنيين في عمليات دهس وإطلاق نار، وأصيب كثيرون آخرون بجراح خطيرة أثناء محاولتهم الوصول إلى المطار والأمان، في معرض رغبة ءجنود الولايات المتحدة إبقائهم في مكان بعيد بأي وسيلة. ومما يثير القلق بشكل خاص مقاطع الفيديو التي تظهر طائرات أميركية وهي تقلع ومدنيين يائسين متشبثين بجانبي الطائرة، وسقوطهم أرضاً في أثناء محاولتهم للنجاة بأنفسهم.

ومع ذلك، فإن الأزمة التي تتكشف أحداثها في كابول تمثل بالنسبة للبعض فرصة رائعة لتحقيق بعض الربح الإضافي. شركة “الأمن الخاص” (اقرأ: “المرتزقة”)، بلاك ووتر، التي استفادت بالفعل إلى حد كبير من مغامرات الولايات المتحدة الاستعمارية في أفغانستان والعراق، تبيع الآن تذاكر رحلات جوية إلى خارج كابول مستأجرة مقابل 6,500 دولار للفرد.

ربما يشعر هؤلاء ببعض الارتياح من خلال البوح بكلمات متعاطفة، في الوقت الذي فيه الإمبريالية الأمريكية تفتقر إلى الإجراءات اللازمة للتخفيف من معاناة اللاجئين الأفغان. أعرب مهندس غزو أفغانستان، جورج بوش، عن “حزنه العميق” من مسألة اللاجئين الفارين من قوات طالبان التي كانت تمولها الولايات المتحدة سابقاً، والحرب التي بدأها هو بنفسه. في نفس الأثناء، كان توني بلير يعرب عن قلقه الشديد بشأن الحاجة إلى “إخلاء وتوفير ملاذ لأولئك الذين تقع على عاتقنا مسؤولية اتجاههم”. حقاً، لا يوجد تعريف أفضل حول ذلك من “دموع التماسيح”.

بينما تزعم الطبقة السائدة في جميع أنحاء العالم أنها تضع مصالح أفغانستان في المقام الأول وتتغني بأحزان اللاجئين، فإن الشعب الأفغاني لن يحصل على شيء من هؤلاء الإمبرياليين المتعطشين للربح. “كرم” جونسون، و “واجب وكرامة” ماكرون، و “مهمة الإنقاذ” لأنجيلا ميركل، و “حسرة” بايدن -هذه الكلمات هي إهانة لملايين اللاجئين الأفغان الذين دمرت حياتهم.

في ظل الرأسمالية، يشكل اللاجئون مصدراً للإزعاج الاقتصادي، وكبش فداء للطبقة السائدة، وورقة مساومة في ألعابهم السياسية، ووسيلة لزيادة أصوات اليمين، والأحزاب المؤيدة للإمبريالية التي تثير الكراهية تجاه ضحايا الإمبريالية. لا يمكننا أن نتوقع دعماً حقيقياً للاجئين الأفغان من دعاة الحرب الإمبرياليين الذين يقوضون ظروف المعيشة والعمل للعمال في بلدانهم في نفس الوقت الذي يقتلون ويشوهون ويشردون فيه الآلاف والملايين في الخارج.

تكشف الأزمة الحالية مرة أخرى حقيقة أن الإمبرياليين لا يهتمون بحياة الشعب الأفغاني وسبل عيشه. نطالب بفتح الحدود أمام الضحايا المغامرات الإمبريالية الأبرياء. لكن هذا يعني إسقاط نفس الطبقة السائدة التي تقيم هذه الحدود في المقام الأول. الرجال والنساء والأطفال يفرون من أفغانستان ويلتمسون السكينة في أماكن أخرى بسبب أعمال طبقتنا السائدة. عدوهم الطبقي هو عدونا الطبقي. إن الواجب الأممي للعمال في البلدان الإمبريالية تجاه إخوانهم وأخواتهم في أفغانستان هو الكفاح لإسقاط طبقتنا السائدة وإقامة مجتمع اشتراكي بدون إمبريالية أو حدود أو حروب.

أوليفر براثرتون

27 آب/أغسطس 2021

ترجم عن النص الأصلي:

Afghanistan: Imperialists cry crocodile tears as refugees suffer