الرئيسية / تحليلات تاريخية / الصهيونية / إسرائيل والهولوكوست

إسرائيل والهولوكوست

جوابا على أولئك الذين يجادلون بأن الشعبين الألماني والنمساوي يتحملان “مسؤولية جماعية” عن الهولوكوست. فإن الشعبين الألماني والنمساوي، ولا سيما البروليتاريا التي كذب عليها الستالينيون والاشتراكيون الديموقراطيون والأحزاب البرجوازية، لا يتحملون أي ذنب. يدفع الرأسماليون بهذه الفكرة للتغطية على مسؤولية الرأسمالية في هذه الجريمة الرهيبة وأيضًا لإخفاء حقيقة أن ملايين العمال الألمان والنمساويين كانوا معارضين لهتلر، كما توفي العديد من الاشتراكيين والشيوعيين ونشطاء النقابات العمالية في معسكرات هتلر.


قبل أسابيع قليلة في فيينا سمعت من أصدقائي الاشتراكيين النمساويين الشباب قصة مذهلة عن عصبة فوضوية تدافع عن شارون والليكود وسياسة الحكومة الإسرائيلية بشكل عام. هذه الجماعات تدعو نفسها بـ”المعادية للألمان” وهي تؤيد فكرة وجود ذنب جماعي لجميع الألمان عن الجرائم التي ارتكبت خلال الهولوكوست. وبناء على هذا الموقف توصل هؤلاء العصبويون إلى نتيجة مفادها أنه من واجب اليسار الألماني والنمساوي الدفاع عن سياسات دولة إسرائيل دائما وفي كل الأحوال، وبهذا هم لا يدينون الأساليب التي تنهجها الحكومة الإسرائيلية.

بالنسبة للبعض قد يبدو هذا مزحة، لأنه يبدو جنونيا لأن عقيدة اللاسلطويين أنها ضد أي دولة بشكل عام، وخاصة الدول العسكرية والدينية والعنصرية. إن النظام الإسرائيلي مذنب بارتكاب جرائم لا حصر لها ضد مدنييه وضد مواطني الدول المجاورة له.

بالنظر إلى فكرة “المسؤولية الجماعية” للشعبين الألماني والنمساوي عن الهولوكوست والتصعيد الأخير للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، طلب مني أصدقائي في منظمة الشباب الاشتراكي النمساوي عرض موقفي من هذه المسألة.

بادئ ذي بدء، يجب أن نفهم ماهية الهولوكوست. قُتل حوالي ستة ملايين يهودي خلال الهولوكوست، وكان حوالي مليون من هؤلاء من الأطفال. ولا يوجد في التاريخ حدث مشابه للمحرقة من حيث عدد الضحايا، لكنها، للأسف، لم تكن أول مذبحة من هذا النوع وللأسف أيضا لن تكون الأخيرة، طالما استمر المجتمع الطبقي في الوجود ومولدا لنزعات عرقية أخرى.

يؤكد المؤرخون البرجوازيون على عدد الضحايا وعدم عقلانية هذه المذبحة الفظيعة بحق الأبرياء دون أن يوضحوا حقًا أن هذه الجريمة الفظيعة انبثقت من تناقضات النظام الرأسمالي ذاته في ذلك الوقت. فشلوا في شرح كيف تكرر هذا النوع من الجريمة عدة مرات في أجزاء مختلفة من العالم. وكان السبب دائمًا هو نفسه: مأزق الرأسمالية والطريق المسدود التي تجد الطبقة الحاكمة نفسها أمامه مما يؤدي بها لتقديم أكباش الفداء، إنها الأقلية التي تتحمل كل المسؤولية على الأمراض التي تصيب المجتمع.

خلال الحرب العالمية الأولى قُتل حوالي مليوني أرمني في الإمبراطورية العثمانية بطريقة همجية على يد نظام تركيا الفتاة. وتم ذبح حوالي 200.000 يهودي على يد الجيش الأبيض والقوميين الأوكرانيين خلال الحرب الأهلية في روسيا. ومنذ الحرب العالمية الثانية، شهدنا جرائم مروعة خلال الحروب بين الهند وباكستان، وفي إندونيسيا، وفي تيمور الشرقية، وفي يوغوسلافيا السابقة، وفي رواندا، إلخ.

تقع المسؤولية عن الهولوكوست، وكذلك الجرائم النازية الأخرى، أولاً وقبل كل شيء على القيادة النازية نفسها وعلى مؤيديها البرجوازيين وحلفائها. لقد خططوا ونفذوا هذه الجريمة المروعة. وجزء من المسؤولية يقع على عاتق الأنظمة البرجوازية في البلدان الغربية التي كانت على علم بعمليات القتل الجماعي لليهود الأوروبيين. وكانت هذه الأنظمة مستعدة لتجاهل ما كان يحدث من أجل استرضاء الحركات المعادية للسامية المحلية أو للحفاظ على العلاقات الاقتصادية مع ألمانيا. ويجب ألا ننسى أن الجلادين الذين نفذوا الهولوكوست ينحدرون من البروليتاريا الرثة والبرجوازية الصغيرة والمتعاونين من بين قوميى أوروبا الشرقية.

لكن الشعب الألماني نفسه، ولا سيما البروليتاريا الألمانية التي كذب عليها وخانها وباعها الستالينيون والاشتراكيون-الديموقراطيون والأحزاب البرجوازية، ليس له أي ذنب. فالرأسماليون يعشقون مبدأ “المسؤولية الجماعية” لأن هذا يعطيهم الفرصة لتوحيد العمال ورؤسائهم تحت فكرة المسؤولية المشتركة. ويدفع الرأسماليون بهذه الفكرة للتغطية على مسؤولية الرأسمالية في هذه الجريمة الرهيبة وأيضًا لإخفاء حقيقة أن ملايين العمال الألمان والنمساويين كانوا يعارضون هتلر، كما توفي العديد من الاشتراكيين والشيوعيين والنقابيين في معسكراته.

إن مبدأ “المسؤولية الجماعية” هذا كان ولا يزال يستخدم لتبرير الجرائم الجديدة للرأسمالية. واستنادًا إلى مبدأ المسؤولية المشتركة، خطط تشرشل لتحويل ألمانيا إلى “حقل بطاطس”. وحتى ستالين نفسه لم يستطع دعم “نظرية” المسؤولية المشتركة بشكل علني وقد صرح بأن “الهتلريين يأتون ويذهبون، بينما يبقى الشعب الألماني”. (لكن هذا لم يمنعه من ترحيل التتار والشيشانيين وألمان الفولغا وغيرهم بصفتهم “متعاونين مع النازية”. وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، تم ترحيل آلاف الألمان من أوروبا الشرقية من قبل الأنظمة الستالينية).

وبالتالي، فإن العمال الألمان والنمساويين لهم كل الحق في مناقشة الوضع في الشرق الأوسط. إنهم ليسوا مسؤولين عن جرائم النازيين. وبنفس الطريقة، فإن العمال اليهود الذين قتلوا في الهولوكوست لا يبررون الجرائم الحالية للحكومة الرأسمالية في تل أبيب. لقد دفع شعب روسيا وشعب يوغوسلافيا ثمناً باهظاً في الأرواح البشرية خلال الحرب العالمية الثانية، لكن لا أحد يستخدم هذا لتبرير جرائم ميلوسيفيتش وتودجمان أو يلتسين وبوتين.

إن الرأسماليين والسياسيين الصهاينة اليوم لا يحمون الشعب اليهودي. فبالنسبة لهم، يعتبر العمال اليهود وقودًا للمدافع في ألعابهم القذرة. فخلال تاريخ دولة إسرائيل الممتد على مدى 50 عامًا، راح أكثر من 20.000 إسرائيلي ضحايا الحروب والإرهاب والاشتباكات التي سببتها السياسات المغامرة للبرجوازية الإسرائيلية. إن سياسة إسرائيل المجابهة لكامل العالم العربي بأسره، ليست مخرجاً من المحرقة، وإنما هي طريق إلى محرقة جديدة. ويجب على كل شخص مهتم حقًا بحياة العمال اليهود أن يضع اللوم كله على كاهل النظام الإسرائيلي الحالي! وليس من الصعب سرد جرائم الرأسمالية الإسرائيلية ضد العمال اليهود – وكيف تستغل المعتقدات الدينية، وتاريخها الطويل في ظلم العمال والنشطاء اليساريين، والتمييز العنصري ضد اليهود من آسيا وأفريقيا. فإسرائيل ليست دولة “لكل اليهود”، إنها دولة البرجوازية اليهودية. حيث يتم استغلال البروليتاريا اليهودية مثلما تستغل البروليتاريا في جميع البلدان. وهذا يجب أن يكون واضحًا للجميع.

إنه لمن الغباء والإجرام بشكل خاص دعم اليمين الإسرائيلي. فعلى سبيل المثال، فإن حزب “الليكود”، الحزب اليميني الرئيسي في إسرائيل، متجذر في ما يسمى بـ “النزعة التحريفية” للصهيونية. أسس هذا الاتجاه فلاديمير (زئيف) زابوتينسكي، وحصل على دعم الصهيونية والفاشية الإيطالية. وقد اتصل أحد أجنحة هذه الحركة “ليحي” (لوحامي حيروت إسرائيل)- اتصل بألمانيا النازية (!) في عام 1942 وأبلغ السفارة الألمانية في اسطنبول بأنهم يؤيدون المبادئ الرئيسية للنازية وأن “ليحي” أرادت إنشاء دولة يهودية في فلسطين. وقد أصبح شامير، وهو عضو في هذه المجموعة، رئيس وزراء إسرائيل في النصف الثاني من الثمانينيات. فمن المؤكد أن دعم أمثال هؤلاء الأشخاص ليس “أفضل طريقة” للتعبير عن احترام ذكرى ضحايا المحرقة! كل هذه الحقائق معروفة جيداً داخل إسرائيل. ولم يعتذر اليمين الإسرائيلي عن هذه الأعمال.

يدرك الناس في إسرائيل جيدًا حقيقة تعرض الناجين من الهولوكوست للتمييز من قبل المؤسسة الإسرائيلية لسنوات عديدة. قدمت السلطات دائما رؤية بائسة لضحايا الهولوكوست على أنهم كتلة متواضعة استسلمت للذبح على عكس “يهود إسرائيل الجدد”. وكان الاسم الذي يطلق على هؤلاء الناجين الباقي على قيد الحياة “صابونيم” وتعني “صابون”. ويقدم الفيلم الإسرائيلي الجيد جدا “صيف أفيفا” (Kaiz shel Aviva) فكرة عن شعور هؤلاء الأشخاص الذين هاجروا بعد الهولوكوست إلى إسرائيل.

مؤيدو النظام الإسرائيلي في “اليسار” يؤكدون أنه لا يمكننا انتقاد إسرائيل لأن ذلك سيعني إعطاء مصداقية لوجهات النظر المعادية للسامية لليمين والنازيين. لكن الحقيقة المعروفة منذ زمن طويل هي أن اليمين المتطرف يستخدم الديماغوجية الاجتماعية لخداع الجماهير ومن ثم خيانتها. أحيانًا تبدو بعض شعارات اليسار واليمين متشابهة، لكن لها أهدافًا متعارضة تمامًا، لأنها تمثل مصالح طبقية متعارضة!

فقط الطبقة العاملة اليهودية في إسرائيل، بالتحالف مع أشقائهم، العمال العرب، يمكن أن تقدم مخرجًا للنزاع في الشرق الأوسط وإنهاء هذه المجزرة. هؤلاء هم، وليس الجزار شارون، من يحتاج إلى الدعم والتضامن الأمميين.

أ. كرامر – اسرائيل
15 أكتوبر 2002

عنوان ومصدر النص الأصلي بالإنجليزية:

Israel and the Holocaust

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *