محمد حسام
توصلنا بهذا المقال الهام من طرف الرفيق محمد حسام، المناضل الماركسي الثوري من مصر، ونحن إذ ننشره نعبر عن تضامننا المطلق مع الطبقة العاملة السودانية والجماهير المنتفضة، وجميع المناضلين، ونطالب بالحرية الفورية للمعتقلين السياسيين، ومحاكمة كل رموز نظام البشير المجرم .
قامت الثورة في السودان ولا توجد قوة على وجه الأرض تستطيع أن توقفها، بعد ثلاثين عاماً من حكم الديكتاتور عمر البشير، ثلاثون عاماً من الإفقار والتهميش والاستغلال لأغلبية الشعب لصالح أقليته، ثلاثون عاماً من القتل والقمع والاستبداد وارتكاب المجازر بحق الجماهير السودانية. بعد مضي ثلاثون عاماً تنتفض الجماهير السودانية بعد أن ظنت العصابة العسكرية الإسلامية بقيادة البشير أن الأمور قد دانت لهم وأنهم استطاعوا أن يمروا عبر انفجار الثورات العربية سالمين وأن السودان أصبح ملكية خاصة لهم.
من أسبوعين كان السودان والإقليم العربي كله ومن بعدهم العالم أمام حدث هو الأول من نوعه من عقود، اشتعلت احتجاجات جماهيرية انطلاقا من مدينة عطبرة لتنتقل لمدن الشمال كافة ومنها إلي بقية أجزاء السودان وصولاً للخرطوم العاصمة خاصة يوم 25 ديسمبر، احتجاجات بدأت ضد سياسات الحكومة النيوليبرالية المفقرة للجماهير واعتراضا على نقص حاد في السلع الأساسية مثل البنزين والخبز في عدة مدن، وسريعاً استلهمت الثورة السودانية الشعار الأساسي للجماهير المصرية والتونسية “الشعب يريد إسقاط النظام”، تأتي الثورة السودانية اليوم لتأكد حقيقة أن الجماهير العربية بدأت فترتها الثورية ولن تنهيها إلا بعد إحداث تغيير جذري في المنطقة والعالم، رغم المجازر التي ارتكبت في حق جماهيرها في سوريا واليمن ومصر وغيرهم.
السودان ذلك البلد صاحب الثروة الزراعية والحيوانية والبشرية الجبارة، يعاني ما يقارب نصف شعبه من الفقر مع نسبة تضخم تتعدى ال60%، في ظل تلك الأحوال المعيشية ثارت الجماهير السودانية عندما أصبحت لم تعد تستطيع العيش بنفس الطريقة القديمة، هبت الجماهير السودانية بوعي متقدم يحمل جميع خبرات ثورات العرب المهزومة، فبسرعة نقلت مطالبها من مجرد مطالب اقتصادية إلي مطالب سياسية ملهمة وكان شعارهم من اليوم الأول للمظاهرات الجماهيرية “حرية، سلام، عدالة، والثورة خيار الشعب”. الجماهير السودانية كانت واضحة من البداية في رغبتها التخلص من سيطرة وتحكم الطغمة الحاكمة عليهم.
أحداث الثورة
ما حدث في الأسبوعين الماضيين يثبت أن عجلة الثورة السودانية قد بدأت في الدوران ولن تتوقف قبل أن تجرف البشير من الحكم ومن وراءه الطبقة الحاكمة السودانية -الطبقة الرأسمالية- التي هي السبب الرئيسي في بؤس وشقاء الجماهير السودانية. ما حدث في الأسبوعين الماضيين من تحدي للقوات الحكومة رغم ما أبدته من عنف مفرط أدى لقتل أربعين شخص واعتقال العشرات منهم قادة أحزاب -مثل الحزب الشيوعي السوداني- وإصابة العشرات، وتحدي لحظر التجوال وحالة الطوارئ اللتين فرضتا في عدة مدن منهم مدينة عطبرة مهد الأحداث -وذات الكثافة العمالية والتاريخ النقابي العمالي-، وحرق لمقرات الحزب الحاكم ومقرات لأمن الدولة وتحرير المعتقلين بقوة الانتفاضة في عدة مدن، والمظاهرة الجماهيرية التي حدثت في الخرطوم بدعوة من نقابة المهنيين يوم 25 ديسمبر، كل ما حدث يثبت أن الجماهير السودانية مصممة علي الانتصار وإسقاط الدكتاتور البشير، وأنها تعرف من البداية من هو عدوها الأساسي، هو الطبقة الحاكمة وممثلها السياسي الرئيسي -الحزب الحاكم- ودولتها برجالها المسلحين.
رد فعل الطبقة الحاكمة
الطبقة الحاكمة السودانية سريعاً ما أدركت حجم الثورة التي تقف أمامها، فشرعت في القضاء عليها بالقوة العسكرية من البداية، وعندما أثبت هذا الحل -الذي لم ولن تتوانى عن استخدامه- فشله وظهر أن الجماهير السودانية لن يوقفها أو يرعبها شيء، شرعت في استخدام عملائها الخونة من أمثال الصادق المهدي لينصبوا أنفسهم قادة للثورة الجماهيرية ويساوموا بها السلطة. هؤلاء الخونة الذين يصدرون وهم أن المشكلة في عمر البشير كشخص وليس في كامل بنية النظام السياسي الاقتصادي الرأسمالي الذي يعمل لصالح حفنة من الأغنياء على حساب بؤس وفقر وشقاء أغلبية المجتمع.
علي الجماهير السودانية أن تعي وتتعلم جيداً من تجارب الثورات العربية المهزومة، التي من أهم دروسها أنه لا يوجد فرق بين مختلف أجنحة الطبقة الحاكمة إلا في القشرة الخارجية، وأن أي صرع قد يحدث بينها لن يكون لمصلحة الشعب بل هو صراع علي حصة كل منهم في نهب وسرقة واستغلال الجماهير ومواردها، صراع على من سيصبح وكيل الإمبريالية في نهب البلد، وأنه علي الجماهير أن لا تثق إلا في قواها الذاتية وتنظيماتها الخاصة من أجل إنجاز مهمة إسقاط نظام الديكتاتور البشير كخطوة أولي ليس من أجل انتخابات جديدة أو دستور جديد أو فترة انتقالية تأتي في نهايتها بدكتاتور آخر أكثر حنكة وذكاء يستمر على نفس النهج الاقتصادي، بل من أجل تغيير كامل بنية المجتمع الاقتصادية والسياسية.
إن الطبقة الحاكمة -عكس الطبقة العاملة- التي تعي مصالحها جيداً -نتيجة تفرغها وموقعها الطبقي كقوة مهيمنة تمتلك السطوة والقوة المسلحة والثروة وليس بسبب ذكائها- باتت تحس بأزمة وجود عمر البشير علي سدة الحكم، ومن الممكن أن نرى مشهد الإطاحة بالديكتاتور عن طريق الجيش ليتولى هو السلطة مثلما حدث في مصر، والبدء في فترة انتقالية، وهو ما يدور رحاه في الغرف المغلقة ومن وراء ظهر الجماهير الثورية.
كما قلت يجب أن تتعلم الجماهير السودانية من تجارب الثورات العربية وبشكل خاص تجربة الثورة المصرية المغدورة، نظراً للقواسم المشتركة بينهم. أن درس الثورة المصرية الأساسي يعلمنا أن تتدخل الجيش بتكوينه الحالي إلى جانب الثورة ليس لمصلحة الجماهير وثورتها بل لقطع الطريق عليها ومنعها من التطور والتجذر والقضاء على كامل النظام الرأسمالي. أن الجيش يتدخل لصالح ما يسمونه “الاستقرار”، أو بعبارة أخرى لأجل عودة العمال للمصانع وضخ الأرباح في جيوب رجال الأعمال المحليين وساداتهم الإقليميين والدوليين، ليس هو “الاستقرار” الذي تنشده الجماهير الثائرة بما هو مجتمع لا يعاني أغلبيته الفقر والمرض والبؤس والجوع بينما تنعم أقلية فيه برغد الحياة ونعيمها، بل ” الاستقرار” الذي يتحدثون عنه هو أن يعيدوا الأوضاع علي ما كانت عليه ورحيل عمر البشير الذي استنفذ أسباب وجوده في سدة الحكم ومجيء شخص آخر يكمل مسيرة نهب الجماهير ويشرف على استغلالها واضطهادها.
إن القيادات العليا والمتوسطة من الجيش هي جزء أصيل من الطبقة الحاكمة المسؤولة عن الأوضاع المزرية التي تعاني منها الجماهير، بل هي جزئها الصلب والقوي، وليس من الممكن أن تعمل لصالح الجماهير إلا مجبرة تحت الضغط وستتحين الفرصة المناسبة للانقضاض عليها.
ما العمل؟
الخطوة القادمة للثورة السودانية يجب أن تكون تنظيم الجماهير المنتفضة في الشوارع والمصانع والمؤسسات وإفراز قيادة من صلب هذه الثورة، قيادة تكون منتخبة من الجماهير وتخضع للمحاسبة والعزل (مبدأ حق الانتخاب والعزل للمسؤول المباشر). قيادة تبدأ في النزاع على السلطة وتنظيم الجماهير للاستيلاء على السلطة السياسية وتغيير النمط الاقتصادي الرأسمالي القائم على الاستغلال، والبدء في إنشاء مجتمع جديد ونظام اقتصادي جديد لن يكون هدفه جني الأرباح لحفنة ضئيلة من المجتمع بل هدفه هو تنمية المجتمع ككل، بما يعني بناء الصناعة وتنمية الزراعة وتطوير منظومة التعليم والصحة، نظام اقتصادي هدفه الأول والأخير هو الإنسان، نظام يقوم بالجماهير ولأجل الجماهير، كي يكون خطوة في طريق بناء الاشتراكية.
وبالطبع هذه المهمة ستصطدم بالمؤسسة العسكرية، لكن من حسن الحظ أن تلك المؤسسة ليست صماء جامدة تقف كلها على نفس القاعدة بل هي تنظيم هرمي، يتمتع من هم في قمة هذا التنظيم بامتيازات مادية واجتماعية كونهم جزء من الطبقة الحاكمة كما قلنا تربطهم علاقات ومصالح معها، ويعاني من هم في قاعدة هذا التنظيم الهرمي من جنود وصغار الضباط من الفقر والقمع والأحوال المعيشية الصعبة مثل أغلبية الجماهير السودانية، لذا يجب كسب هؤلاء في صف الثورة، وهذه الكتلة من الجيش لن تنضم لصف الجماهير الثورية وتضع سلاحها تحت تصرف الجماهير إلا بعد أن تدرك وترى بأم عينها أن هناك سلطة جديدة ستحميهم من بطش السلطة القديمة عندما يعصون أوامرها. أن تعاظم مد الثورة وانتشارها مع دعايا ثورية للجنود وصغار الضباط وحثهم على الانضمام لصف الثورة وكسر الانضباط الحديدي في المؤسسة العسكرية كفيل بإحداث تغيير جذري في مجرى الأحداث.
تلخيصاً لمهام الثورة السودانية، أولاً على الماركسيين والثوريين البدأ في تنظيم الجماهير المنتفضة في الشوارع والمصانع والمؤسسات في مجالس تنتخب مندوبين لها يخضعون لمبدأ حق الانتخاب والعزل للمسؤول المباشر، وتشكيل قيادة من قلب الثورة تبدأ في النزاع على السلطة ونشر الدعايا والتحريض الثوري في المؤسسة العسكرية لكسب الفئات الدنيا منها لصف الثورة. قيادة ثورية تطلع بمهمة القضاء على النظام الرأسمالي، والدولة التي تحميه -الدولة الجمهورية-، إلغاء سيطرة رجال الأعمال والعسكريين على مجهود عمل الجماهير وحياتها ومقدراتها ومصيرها.
قيادة ثورية حقيقة وخطاب ثوري جذري مرتبط بالجماهير، يقود الجماهير وخاضع لها في نفس الوقت، يطرح الأزمة بشكل صريح وواضح، أنها نتاج للرأسمالية وأن حل هذه الأزمة يجب أن يكون على أنقاض الرأسمالية ودولتها كفيل بفعل ما فشلت الثورات العربية في فعله.
في النهاية رسالة إلي الجماهير السودانية، والماركسيين والثوريين السودانيين، نشد على أيديكم ونتطلع إليكم وكلنا أمل أن تحققوا ما فشلنا في تحقيقه، إلي أن يأتي يوم ونناضل فيه سوياً للقضاء علي سبب الفقر والجوع والبؤس والحروب والمجاعات في العالم، الرأسمالية. عاجلاً ليس آجلاً كما نأمل ونتوقع.
المجد للشهداء والحرية للمعتقلين والشفاء للجرحى
ابنوا الخلايا والتنظيمات الثورية
تسقط قوات قمع الشعوب (الشرطة والجيش)
تسقط حكومات رجال الأعمال
لا حل سوى انتصار الثورة الاشتراكية بحكومة عمالية