مع بداية الساعات الأولى من يوم الخميس 20 مارس 2003 بدأت القوات الأمريكية والبريطانية بالزحف نحو الحدود العراقية. وفي نفس الوقت اهتزت بغداد على وقع انفجارات اثر قصفها بـ 40 صاروخا من نوع كروز.
هذا الاعتداء السافر هو جريمة امبريالية وجميع المحاولات المبذولة لإخفاء هذه الجريمة بلباس القانون هي أكاذيب وادعاءات. إن الترديد المتكرر حول جرائم صدام حسين هو كلام أجوف صادر عن أفواه من قاموا بتسليحه ودعمه لسنوات. وبما أن جرائم صدام حسين ليست السبب من وراء هذه الحرب فإنها لا تدخل في إطار موقفنا من الحرب ككل.
أما من الجانب الأمريكي والبريطاني فإن هذه حرب عدوانية رجعية امبريالية. ففي حرب بين دولة شرق أوسطية فقيرة تكافح من اجل وجودها وقوة امبريالية ضاربة تهدف لسحقها واحتلالها احتلالا على شاكلة الإخضاع الاستعماري فإن تعاطفنا موجه إلى المعتدى عليه والضحية.
ومن الناحية العسكرية فإن هذا النزاع هو نزاع غير متكافئ بالمرة. فالجيش العراقي ضعيف العتاد والعدة . فقد تعرض للتحطيم سنة 1991 ولم يكن قادرا منذ ذلك الوقت على إعادة تجهيز نفسه بسبب الحصار المسلط عليه. أما بالنسبة لأسلحة الدمار الشامل فإنه وبحسب ما أقره المفتشون فقد تم تدمير 90 في المائة منها في أواخر التسعينات.
ليس للامبرياليين أية مبادئ أخلاقية أو إنسانية ويبدون لامبالاة كاملة نحو الشعب العراقي. ستكون هناك عديد الضحايا في صفوف المدنيين. وقد تم الإعلان أن “القنابل اللطيفة” التي من المفترض أن تصيب أهدافها- أي المراكز الحساسة للنظام العراقي- قد أخطأت مرماها ونزلت في الشوارع. وستكون هناك حالات مماثلة عديدة خلال الحرب.
كان الأغنياء قد غادروا بغداد في حين ليس للفقراء مكانا يلجؤون إليه. وعندما يخلد جورج بوش إلى النوم مرتاح البال فإن النساء والأطفال في العراق يقبعون في الملاجئ منتظرين القصف الآتي لا محالة. سيلقى العديد حتفه حينما تهطل الصواريخ الأمريكية لمدة أيام بهدف التقليص من الإصابات في صفوف الأمريكان.
وأولئك الذين سينجون من القصف الأولي سيواجهون رعب حرب الشوارع على أنقاض بغداد. حرب ستحصد مزيدا من النفوس البشرية وحتى أولئك الذين سيخرجون من تحت أنقاض منازلهم فإنهم سيجدون أمامهم رعبا آخر في انتظارهم.
يوجد حاليا مليون طفل عراقي يعانون من الجوع وسوء التغذية نتيجة الحصار الفظيع المفروض من قبل الأمم المتحدة بطلب من الامبريالية. إن هؤلاء الأطفال لا يملكون القوة للصمود أمام صدمة أخرى. ولكن الأمريكان سيعملون على دك البنية التحتية المحطمة وتحطيم موارد المياه والنقل. وهو ما يعني خسارة كبيرة في الأرواح نتيجة للمجاعة والإسهال والأمراض الأخرى.
هذه إدانة للعفن الأخلاقي لبوش وبلير ونفاقهم المقرف لادعاءاتهم حول الاعتبارات “الإنسانية”. إنهم يوظفون موارد هائلة للتحكم في وسائل الإعلام والتأثير في الرأي العام مستخدمين دعايتهم المضللة وما يسمى بالصورة “الصحية” عن الحرب. وهو ما يجعل جرائم الامبريالية أكثر شناعة حينما يحاولون التبسيط وإخفاء الرعب الناجم عن أفعالهم.
شعار السلم
كنا في ما سبق قد أدنا ورفعنا القناع عن مخططات الحرب الامبريالية هذه. واشرنا إلى أن المهزلة الدبلوماسية التي كان مسرحها الأمم المتحدة ومجلس الأمن كانت الغاية منها تضليل اهتمام العالم وفي الوقت نفسه مواصلة الحشد العسكري في الخليج. إن قرار غزو العراق كان قد اتخذ منذ وقت طويل ولم يكن واردا أن يتغير بالتصويت في مجلس الأمن أو في أي مكان آخر.
إن الحرب مرعبة دائما إلا أنها تفرز ايجابية واحدة وهي أن تقوم بتبديد الأوهام وتكشف عن الوضع الحقيقي للعالم. فأولئك الذين لا زالوا ينادون بالسلم وإعطاء فرصة للحوار والدبلوماسية وفعل شيء ما – أو أي شيء- لاجتناب الحرب يخطئون المسعى إذ يبين التاريخ أن كافة المسائل الجدية يتم في آخر الأمر حلها عن طريق الحرب – سواء أكانت حربا بين الأمم أو بين الطبقات. وقد يأسف الواحد منا لمرارة هذه الحقيقة أو يشجبها ولكن تبقى مع ذلك حقيقة.
إنه من العبث التشكي من الحرب في ظل الرأسمالية مثلما هو عبث محاولة جعل النمر نباتيا. إن الحرب تواصل للسياسة بأشكال أخرى وفي هذه الحالة هي تعبير عن حاجات الامبريالية الأمريكية – أعتى قوة امبريالية على وجه الأرض – لغزو أسواق جديدة ومن اجل الموارد الطبيعية ومناطق النفوذ والاهم من ذلك هي تعبير عن حقيقة أنه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي أصبحت الولايات المتحدة قوة عظمى منفلتة من عقالها تسعى إلى استعمال قدرتها لتحتل مرتبة أعظم قوة امبريالية.
بالنسبة للسادة والسيدات في واشنطن ما الحرب إلا تجارة أخرى مع أنها بدون شك تجارة مكلفة جدا. ولهذا كان الرئيس بوش متحفظا جدا حول تكاليف النزاع الحالي. وتقول إحدى التقادير أن التكلفة قد تصل إلى 95 بليون دولارا. ولكن التكاليف الجملية تفوق ذلك بكثير. يحدث هذا في الوقت الذي يمر به الاقتصاد الأمريكي بصعوبات بالغة إذ ما تنفك الشركات عن إغلاق أبوابها وطرد العاملين فيها. إن العمال أنفسهم سيدفعون فاتورة هذه الحرب ومرة أخرى ترفع الطبقة الحاكمة شعار:”الحرب قبل الخبز”.
تبددت صباح هذا اليوم, 20 مارس, 24 مليون دولارا كدخان خلال دقائق عندما ألقيت صواريخ التوماهوك والكروز على بغداد. وهذا ما يعتبر في واشنطن تجارة ذات بال بما أنه في آخر الأمر ستحصل الشركات التجارية على عقود مربحة جدا بل وقد تم تخصيص ما قيمته 800 مليون دولارا للشركات الأمريكية وحدها.
و بالمقابل لم يحصل البريطانيون إلى حد الآن على أي شيء من ذلك.
إنه من غير الممكن التنبؤ بمجرى الحرب ودوامها. فالساسة في واشنطن ولندن يأملون أن تكون الحرب وجيزة ولكنهم ليسوا على يقين من ذلك. فخطاب بوش الليلة البارحة تضمن تحذيرا إلى الرأي العام الأمريكي بان الحرب يمكن أن تكون أطول وأكثر تكلفة مما هو متوقع. في الحقيقة لا احد يعلم مدى صعوبة هذه الحرب ولا المدة التي ستستغرقها.
إن الهدوء الظاهر على صدام حسين يمكن أن يخفي شيئا. فقد يدل على شعور من اقتربت نهايته. إلا أن لهجته كانت مليئة بالتحدي وتوجه بنداء إلى الشعب العراقي طالبا منه الصمود أمام الغزاة والدفاع على وحدة العراق. كما يوجد حقد دفين على الامبريالية الأمريكية بين الناس الذين لا يريدون أن تحتل قوى أجنبية أراضيهم. إن المعركة الرئيسية ستكون في وحول بغداد العاصمة. ولا يوجد أدنى شك أن الأمريكان لديهم قوة ساحقة ولكن بأي ثمن سيكون ذلك فإنه غير معلوم بعد.
ما الذي يجب عمله؟
إن الامبريالية الأمريكية اليوم هي أكثر قوة رجعية على الأرض. إنها تهدف إلى إقامة ديكتاتورية الاحتكارات الأمريكية الكبرى في كل مكان وسحق أي شعب أو حكومة تقف أمامها. إنه من الضروري تعبئة الحركة العمالية لمعارضة أعمال الامبريالية كجزء من النضال ضد الرأسمالية محليا وعالميا.
إن الاعتداء الأخير أثار موجة من الغضب والسخط في كل مكان وإن وقاحة وغطرسة بوش وبلير بادية للعيان. فهؤلاء المنافقين العازفين على وتر “الديمقراطية” يظهرون احتقارا جليا تجاه الرأي العام والملايين التي تتظاهر ضد الحرب. ف75 بالمائة من الشعب البريطاني أبدى معارضته للحرب وفي اسبانيا تم تجاهل 6 ملايين شخص تظاهروا ضد الحرب. وقد فشل الإرهابيون في واشنطن ولندن في الحصول على الأغلبية في مجلس الأمن وسحبوا قرارهم وبذلك منعوا النقاش وجعلوا الأمر من تحصيل الحاصل. إن فكرة أن هذه الحكومات لا تمثلنا تلقى صدى متزايدا من يوم إلى آخر.
كيف نرد على هذا؟ أن نستمر في الحديث عن السلم والأمم المتحدة هو مضيعة للوقت. فالحرب الآن أمر واقع والوضع العالمي بكامله سيتحدد على ضوء هذه الحقيقة. وما هو مطلوب ليس خطاب الورع حول السلم ولكن تغيير في النظام. إن الحرب تصدر عن النظام الحالي – النظام الرأسمالي الذي يقسم العالم إلى مناطق نفوذ ومصادر للربح والأسواق والموارد الطبيعية. إن الطريق الجدي الوحيد هو الصراع ضد الحرب والامبريالية بربط الصراع ضد الحرب بالصراع ضد الرأسمالية.
نحن نساند كل مظاهرة وكل عمل معاد للحرب ما دام ذلك يخدم تعبئة واستنهاض الجماهير ضد الامبريالية. ولكن نوضح أيضا الحاجة إلى الربط الشديد بين الحركة الجماهيرية المعادية للحرب والنضال للإطاحة بالرأسمالية مصدر الحرب في العصر الحديث.
إنه من الضروري بمكان على الطبقة العاملة والحركة العمالية العالمية تطوير إستراتيجيتها وتكتيكها في هذه الحرب. ولقد قدمت النقابات الايطالية مثالا عندما طرحت مسالة الإضراب العام. كما طلبت النقابات اليونانية من النقابات الأوروبية تنظيم إضراب عام في أوروبا. ولابد كذلك أن تقع الدعاية المكثفة والنشر والتعميم لمثل هذه النداءات.
أثار بعض الرفاق مسالة الإضراب العام المفتوح. ولكن علينا أن نحذر ولا ندع الأحداث تأخذنا أكثر من اللازم. علينا أن نلتزم بسلوك فيه يقظة تجاه الشعارات. فشعار الإضراب العام المفتوح يطرح مسالة القوة. إذ أن تضميناته ثورية. أما أنه يتماشى مع المرحلة الحالية من الحركة فإننا لا نعتقد ذلك.
ففي اغلب البلدان لا تزال الحركة في بداياتها. في أوروبا تشهد الحركة العمالية نهوض بعد فترة خمول طويلة. وبعد فترة الجمود فإن الطبقة العاملة تحتاج إلى الوقت لتقف على قدميها وخاصة بالنسبة للجيل الجديد الذي بدا في دخول ساحة المعركة.
إنه لخطأ جسيم أن نخلط بين الشهر الأول من الحمل والتاسع منه. وإذا ما أرادت الحركة الماركسية أن تلقى صدى فإن عليها أن تطرح شعارات تجد تجاوبا من لدن الطبقة العاملة وخاصة العمال الطلائعيين في النقابات والأحزاب العمالية الجماهيرية. ثم أن شعار الإضراب العام في المرحلة الحالية ليس الهدف منه الإطاحة بالرأسمالية ولكن تعبئة وتوحيد صفوف العمال في حركة احتجاج ضخمة معادية للامبريالية. لذا فالإضراب العام في هذه الحال يجب أن تكون محدودة زمنيته لا مفتوحة.
إن أفضل شعار يمكن أن يعبر عن المرحلة هو إضراب لمدة 24 ساعة مرتبط بحركة احتجاج جماهيرية. إن إضرابا لمدة 24 ساعة، إن تم تنظيمه بنجاح، سيكون له الأثر الكبير في إحياء الحركة وتعبئة اكبر عدد ممكن من العمال. إن ذلك سيمكن الطبقة العاملة من الوعي بقوتها- قوة الوحدة والتنظيم. علاوة أن ذلك سيكون تحذيرا جديا للحكومات المساندة للحرب.
إن إعلان إضرابا عاما ب24 ساعة ليس مسالة هينة. فبشكل عام وفي وقت الحرب صعب حشد العمال للإضراب إذ يوجد ضغط كبير من وسائل الإعلام التي تستعمل سوط الشعور الوطني بانتظام. وفي البلدان التي أرسلت حكوماتها جنودا إلى الخليج هناك طلب يقول ب”ضرورة مساندة أبنائنا” خلال الحرب. إن الوضع الحالي غير عادي بالمرة في علاقة بهذا الشعور المعادي للحرب بين الناس والطبقة العاملة منذ اشهر قبل بداية الحرب. لذا توجد إمكانية لتعميق وتوسيع حركة الاحتجاج بما في ذلك التحرك العمالي.
إن هذا الشكل من النضال يطرح مسالة القوة ويمهد الطريق لتحركات وأشكال نضالية أرقى خاصة إذا ما استغلت من اجل توسيع حملة التحريض السياسي والدعاية. إنه من الضروري تسييس الحركة وربطها بفكرة تغيير النظام.
فبالنسبة لايطاليا واسبانيا واستراليا فإن مطلب إضراب عام بيوم يجب أن يقترن بمطلب انتخابات فورية: لتسقط حكومة دعاة الحرب ومن اجل حكومة عمالية ذات برنامج اشتراكي.
وفي حالة بريطانيا تعبر الحركة المعادية للحرب عن نفسها داخل حزب العمل كتمرد على بلير وجناح اليمين. فتمرد أكثر من 130 عضوا برلمانيا من حزب العمل هو إحدى هذه التغييرات. وهذا بدوره يكشف عن نمو الضغط على أعضاء البرلمان من قبل القاعدة وكذلك من القمة.
إن المهمة الأولى هي الدفع بالحركة إلى اليسار في الدوائر الحزبية المحلية وطلب عقد اجتماعات عاجلة لسحب العضوية من أعضاء البرلمان الذين صوتوا من اجل الحرب واستبدالهم بآخرين مستعدين لتلبية آمال الجماهير.
غباوة أقصى اليسار
إنه لمدهش حقا النجاح الدائم لفرق أقصى اليسار في تبني موقفا خاطئا في جميع المسائل. ويبدو أن لديهم عبقرية خاصة في الأمر. وبالتحديد وفي الوقت الذي نشهد فيه تطور المعارضة ضد بلير وجماعته داخل حزب العمل فإن هؤلاء يرفعون أصواتهم داعين انسلاخ النقابات عن حزب العمل.
إن هذا المطلب متطابق مع مطلب بلير والبرجوازية التي ترغب منذ فترة طويلة في الفصل بين الاتحادات النقابية وحزب العمل ليتسنى للبرجوازية بسط هيمنتها المطلقة على الحزب. في الحقيقة أن السبب الرئيسي الذي خول لبلير جر الحزب نحو اليمين إلى حد الآن على الأقل هو عدم نشاط النقابات والعمال داخل الحزب منذ وقت طويل.
وهذا لا بد أن يتغير الآن. فعلى الاتحادات النقابية أن لا تنسحب من حزب العمل وإنما عليها السيطرة عليه. فلو يتمكن بضعة آلاف من النقابيين من فرض صوتهم في الأحزاب المحلية فإنه سيرمى بالبليريين – أتباع بلير – الممتهنين من خارج الحزب. وما يحدث داخل الاتحادات النقابية أين يقع تقيؤ الزعماء اليمينيين يجب أن يحدث في الحزب أيضا.
في العموم المطلوب هو تغيير في النظام وفي المنظمات العمالية نفسها. فالنقابات لا بد أن تتغير من أعلاها إلى أسفلها لتصبح منظمات كفاحية للطبقة العاملة. وهذا شرط أولي نحو التغيير الاشتراكي للمجتمع.
إن الشعار الذي يمكن أن يكون محل تركيز هو: لجان عمل. ليقع تشكيل لجان عمل ضد الحرب في كل مصنع ونقابة وفي كل فرع من فروع حزب العمل وفي كل مدرسة وكلية وحي وليقع ربط هذه اللجان بإحكام بالمنظمات الجماهيرية للطبقة العاملة: النقابات والأحزاب الاشتراكية والشيوعية. ليتم الربط محليا وجهويا ووطنيا. ولتكن الحركة المعادية للحرب على كل جبهة.
الموجة الثورية
يجر بوش والامبرياليين الأمريكان بأفعالهم هذه العالم إلى وضع جديد لا سابق له. لقد بدوا مغامرة دون أن يكون لديهم خريطة ولا يدرون كيف ستكون النهاية دليلهم في ذلك جملة من الاعتبارات القصيرة المدى والجشع والربح. إنهم يعتقدون أن قوة متغطرسة بإمكانها استبدال العمل الاستراتيجي والنظر البعيد. بطرقهم هذه هم يزيدون في تعميق التناقضات والاضطراب على نطاق عالمي.
إن أزمة الرأسمالية اليوم تضرب بكل قواها في البلدان الغير النامية والمستعمرات السابقة بإفريقيا واسيا وأمريكا اللاتينية. وإحدى الحسابات الهامة للامبريالية الأمريكية من خلال الحرب الحالية هو الحاجة لترهيب هذه الشعوب وإقناعهم بأنه من العبث الصمود أمام الولايات المتحدة الأمريكية. وبهذه الطريقة تتمكن الاحتكارات الكبرى الأمريكية من نهبها بلا حدود.
ففي آسيا والشرق الأوسط أين يثير الهجوم على العراق حنق الجماهير فإن الشعور “الغريزي” المعادي للامبريالية قد تم تحويل وجهته من طرف الأصوليين إلى نتائج عكسية . هؤلاء الذين تعاونوا بالأمس مع الامبريالية الأمريكية ويتكلمون الآن عن “صدام الحضارات”. ليس في هذا ذرة من الصحة.
إن الامبرياليين الأمريكان لا يهاجمون العراق بسبب الدين الإسلامي وإنما من اجل نفط العراق وأهمية البلد الإستراتيجية. هذا ليس صداما بين الأديان وإنما وفي آخر التحليل صدام بين الطبقات. إنه جزء من الحرب العالمية بين الغني والفقير بين المضطهـِد والمضطهَد. إن الأعداء الحقيقيين لهذه الشعوب هم الامبرياليين الأمريكان والبريطانيين. أما العمال والشباب في الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا واستراليا هم أصدقاء ورفاق لها.
إن كل ما يعمل على تفريق الحركة لا يخدم إلا مصالح الرجعية. نحن نقف من اجل الوحدة “المقدسة” للعمال في كل مكان. فلنتوحد ضد عدونا المشترك ولنترك جانبا ما يفرقنا دينيا أو عرقيا أو طائفيا ولنعمل من اجل حركة ثورية أممية ضد الامبريالية.
إنه من المستحيل التكهن بدقة بتطورات هذه الحرب وتداعياتها. ولكننا يمكن أن نكون على يقين من شيء واحد وهو أنها لن تسير في الخط الذي رسماه لها بوش وبلير. إنها ستطلق قوى لم تكن في حسبانهم مسببة مزيدا من الفوضى وعدم الاستقرار في كل مكان.
آجلا أم عاجلا ستفرز هذه الحرب الرجعية نتائج ثورية. بل ولقد بدا ذلك فعلا بإثارة حركة احتجاج عالمية – ومن قبل اندلاع الحرب – لم يسبق لها مثيل. وهذه فقط البداية.
أما في الولايات المتحدة فإن الجماهير لا تزال تحت تأثير ذكرى أحداث 11 سبتمبر والسد الهائل من الدعاية والتضليل الإعلامي. فثلثي الأمريكان على ما يبدو يعتقدون أن العراق هو وراء الهجوم على البناء التوأم في نيويورك. ولكن مع تطور الأحداث وانكشاف حجم الدمار والأضرار فإن شعور الأمريكان سيتغير.
والى جانب الحرب تضاف سياسة النظام المتزايدة والمكشوفة في تخفيض الضرائب عن الأغنياء وتقليص النفقات وفرص الشغل عن الفقراء وستكون المرحلة مرحلة رد فعل شامل ضد بوش وسياسته.
إن الجماهير تتعلم دائما من خلال التجربة وخاصة تجارب الأحداث الكبرى. ولقد بدأت في فهم الكثير وستكون أمامها المزيد من الفرص لتتعلم أكثر. وهذه السيرورة في الفهم لدى الجماهير ستتسارع بالتدخل النشيط للحركة الماركسية. إن تقوية الحركة الماركسية العالمية هو أكثر أسئلة الساعة إلحاحا.
فلفترة كاملة ظلت القوى الماركسية الثورية الصغيرة تصارع ضد التيار أما الآن فإن التيار بدا يأخذ مسارا عكسيا وبدأنا السباحة مع تيار التاريخ.
لفترة طويلة ظل الاتجاه الماركسي يعيش عزلة عن الحركة الجماهيرية أما الآن فإن الظروف بدأت تتغير وبسرعة وعلينا أن نجد الطريق إلى الجماهير بكل الوسائل وعلينا بإلقاء الغباء الطائفي جانبا. لنفتح طريقا نحو المنظمات الجماهيرية ونوثق العلاقات بطلائع البروليتارين من اجل تمكين الحركة من دليل واع وافق تفتقد لهما. إن الظرف لا يسمح بأي أدنى تأجيل.
شبه كارل ماركس السيرورة الثورية بـ”خلد التاريخ” – أي سيرورة هادئة تحت السطح تنقب طويلا وبدون أن تنتبه لها الأغلبية. إن قوى النظام القديم ترفض الثورة ولا يلاحظونها إلا حينما تنفجر في وجوههم.
إن اللهاث المحموم من اجل الحرب والتضليل الإعلامي والغرور والعجرفة لبوش وأعضاء المافيا الآخرين في البيت الأبيض كل هذا لا يمكن إخفاء حقيقة أن النظام الذي يدافعون عنه قد تعفن للنخاع ويترنح من أزمة إلى أخرى. وكل يوم يحمل صدمة عنيفة جديدة للنظام عسكريا واقتصاديا ودبلوماسيا.
إن حالة الفوضى العالمية الحالية لها جذورها في الفترة السابقة لها. فالنجاحات الظاهرية للرأسمالية العالمية انقلبت إلى نقيضها. والرأسمالية العولمية تتمظهر في أزمة عالمية للنظام.
إن نظاما ينتج فضاعات مثل الحرب والموت والمجاعة والأمراض والجهل والاضطهاد…من الأكيد أنه يتجه نحو الزوال. ولهذا علينا النضال من اجل تغيير النظام – النظام الرأسمالي الذي أصبح في انحطاط وهرم ويمثل خطرا على مستقبل الإنسانية.
آلان وودز
الخميس: 20 مارس 2003
عنوان النص بالإنجليزية: