الرئيسية / تحليلات تاريخية / الصهيونية / موقف الصهاينة اللامبالي امام المحرقة

موقف الصهاينة اللامبالي امام المحرقة

مات ملايين اليهود بشكل مأساوي في معسكرات الإبادة النازية. لكن القليل من المعلومات عن المناورات التي كانت تدور حول هذا السؤال في بريطانيا والولايات المتحدة، ولا سيما من جانب اللوبي الصهيوني. وبدلاً من اتخاذ تدابير ربما أنقذت أعدادًا كبيرة من اليهود الألمان ويهود أوروبا الشرقية، كان الصهاينة على استعداد فقط لقبول إجراءات من شأنها تسهيل هجرة اليهود إلى فلسطين. يكشف يوسي شوارتز في إسرائيل ما حدث حقًا ويبرز أيضًا الدور الخسيس للإمبريالية الأمريكية والبريطانية في ذلك الوقت.


في طريقه إلى الشرق الأوسط في محاولة لفرض الخطة الأمريكية للسيطرة الإمبريالية على المنطقة بما يعرف باسم “خريطة الطريق” (التي تدفع فعليًا إلى حرب أهلية بين الفلسطينيين)، قام الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن مؤخرا بزيارة إلى معسكرات الموت النازية في أوشفيتز وبيركيناو، حيث قتل 1,5 مليون يهودي وعشرات الآلاف الآخرين خلال الحرب العالمية الثانية. وصرح الرئيس الأمريكي، الذي ارتكب مثل هذه الجرائم الرهيبة ضد الشعب العراقي، بكل نفاق مقرف أن زياراته كانت “تذكير واقعي بقوى الشر وبضرورة مقاومة الشر”.

في حين أن الجرائم الأمريكية ضد الفيتناميين والعراقيين معروفة إلى حد ما، الا انه لا يعرف الا القليل عن دور الطبقات الحاكمة للولايات المتحدة وبريطانيا في المحرقة ضد اليهود.

ان الادعاء الذي روج خلال الحرب، والذي تكرر في كتابات اصحاب الاقلام المأجورة من امثال مارتن جيلبرت، والذي يفيد ان القيادة السياسية لقوات التحالف لم تكن على علم بحقيقة أنه تم التخطيط لإبادة جماعية أو أنها كانت تحدث فعلا في أوروبا، حتى وقت متأخر جدًا من الحرب، يفتقر إلى أي المصداقية. إن كل من قرأ كتاب هتلر “كفاحي” أو استمع إلى خطابات القادة النازيين لن يخفى عنه ما كان النازيون قد اعدوا لليهود.

في الواقع، أعجب البريطاني تشرشل والرئيس الأمريكي روزفلت بهتلر وموسوليني بسبب سياساتهما الصارمة المناهضة للشيوعية وللنقابات. وعندما بدأت عمليات القتل الجماعي بالفعل، ادعت هذه الحكومات أنها لم تكن متيقنة مما كان يحدث. كانت تلك كذبة. فقد كان خبراء الشفرة العاملين لدى المخابرات البريطانية قد تمكنوا من حل رموز شفرة راديو الشرطة الألمانية بالفعل بحلول عام 1939، وهو ما سمح لهم في وقت لاحق بالكشف عن مذابح واسعة النطاق ضد اليهود البولنديين والسوفيات بعد أن غزا الجيش الألماني أوروبا الشرقية.

عندما كانت عملية الابادة تجري على قدم وساق في عام 1942، كان العاملون على فك رموز الشفرة قد كسروا بالفعل، قبل سنتين رموز Enigma الأكثر تعقيدًا التي استخدمتها SS الذين كانوا يديرون المعسكرات. وبالتالي كان بإمكان الكشف عن التقارير المنتظمة لهذه المنظمة حول مئات الآلاف من السجناء في معسكرات مثل أوشفيتز عندما كانت المحرقة في اوجها. وبنفس الوسائل كانوا يعرفون أن شبكة السكك الحديدية الألمانية كانت تنقل “حمولات خاصة” إلى المعسكرات.

وقد اكدت المعلومات من شهود عيان ولاجئين بولونيين وصناعيين ألمان معادين للنازية يستغلون مناجم قرب أوشفيتز، ما تم اعتراضه من الراديو.

كان رد الفعل الأولي لوزارة الخارجية الأمريكية أن المعلومات كانت “إشاعة جامحة مستوحاة من مخاوف اليهود”، في حين قال رئيس اللجنة المشتركة للمخابرات البريطانية إن تلك المعلومات تستخدم “لتهييجنا”. بكل بساطة في عيون تلك الحكومات لم يكن هناك وجود لليهود.

رفضت الحكومتان البريطانية والأمريكية استقبال لاجئين يهود. تحدث وزير الداخلية البريطاني فقط عن السماح بدخول ألف إلى ألفين فقط، ليتم حجزهم في جزيرة “مان” وذلك بسبب عدم توفر السكن! وعندما عرضت رومانيا، وهي دولة “تابعة” لألمانيا، إطلاق سراح 70 ألف يهودي، اعتبرت وزارة الخارجية البريطانية هذا الأمر بأنه “احتمال مخيف”.

ولم توفر سياسة “الابواب المغلقة” الامريكية اي امل لضحايا الابادة المحتملين. تعود القصة المعروفة للسفينة المشهورة سانت لويس الى الفيلم الذي يحمل نفس الاسم، ففي سنة 1939 رفض مسؤولو الهجرة الأمريكيون استقبال السفينة سانت لويس بركابها 1128 من اللاجئين الالمان اليهود، حصة الهجرة المخصصة لألمانيا قد استوفت. اذن لم تكن المقابر الجماعية وغرف الغاز تمييزية!

في الوقت نفسه، زعموا أن خطوط السكك الحديدية والجسور المؤدية إلى معسكرات السخرة / الإبادة، وغرف الغاز والمحارق الآهلة، لا يمكن قصفها لأن الطائرات لم يكن لديها النطاق أو الحمولة أو الدقة اللازمة.

عارض روزفلت وتشرشل خطط الإنقاذ على نطاق واسع، ليس لأسباب لوجستية، ولكن لانهما كانا يخشيان نجاحها. وكانا يروجان للراي العام الموقف الرسمي بأن أفضل طريقة لمساعدة اليهود هي كسب الحرب في اسرع وقت ممكن. لقد تحمل اليهود ثمن هذه السياسة غير الضرورية وغير الإنسانية للنصر العسكري بأي ثمن.

كان الإجراء الأخير الذي قام به الإمبرياليين الأمريكيين والبريطانيين هو تنظيم “مسارات الجرذ” سيئ السمعة مع الفاتيكان. لقد ساعدوا مجرمي الحرب النازيين، الذين اعتبروا قيمين في الحرب الباردة ضد “الاشتراكية”، للهجرة إلى الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وخاصة إلى أمريكا اللاتينية. وكُلف بعض هؤلاء المهاجرين الجدد بإدارة غرف التعذيب بالتشيلي في عهد الجنرال بينوتشيه بعد انقلاب 1973.

ازدهرت التجارة والاستثمار الأمريكي في ألمانيا النازية، حتى خلال سنوات الحرب. فكانت فورد وجنرال موتورز وجنرال إلكتريك وستاندرد أويل وآي بي إم بعض هذه الشركات التي استغلت فرص الحرب التي أتاحها الإرهاب النازي.

فلماذا لم تذكّر الدولة الإسرائيلية أحداً بدور الحكومة الأمريكية خلال زيارة بوش، بل صورت هذه الزيارة كتقدير حقيقي لضحايا النازية؟ الجواب بسيط جدا: لقد كانت الحركة الصهيونية شريكا في هذه الجريمة. كانت سياستها هي استيطان فلسطين باليهود واولئك اليهود الذين لا فائدة منهم اعتبروا مجرد اموات.

إذا كان لدى أي شخص شكوك حول هذا، فيكفي أن نقتبس عن بن غوريون في اجتماع للصهاينة العماليين في بريطانيا العظمى عام 1938: «لو علمتُ أنه يمكن إنقاذ كل الأطفال اليهود الألمان بنقلهم إلى إنجلترا، أو إنقاذ نصفهم فقط بنقلهم إلى أرض إسرائيل لفضلت الحل الثاني».[1]

هذا الهوس باستعمار فلسطين وقهر العرب دفع الحركة الصهيونية إلى معارضة أي فكرة لإنقاذ اليهود الذين كانوا يواجهون الإبادة، لأن ذلك كان سيعيق القدرة على اختيار وتحويل القوى العاملة إلى فلسطين. من عام 1933 إلى عام 1935، رفضت المنظمة الصهيونية العالمية (WZO) ثلثي اليهود الألمان الذين تقدموا بطلبات للحصول على رخص للهجرة.

لم تفشل المنظمة الصهيونية العالمية في البحث عن بديل لليهود الذين كانوا يواجهون المحرقة فقط، بل عارضت أيضًا كل الجهود الرامية إلى إيجاد ملجأ لليهود الفارين.

في أواخر عام 1943، بينما كان الملايين من يهود أوروبا يبادون، اقترح الكونغرس الأمريكي تشكيل لجنة لمجرد “دراسة” المشكلة. ووصل الحاخام ستيفن وايز، الذي كان المتحدث الرسمي باسم الصهيونية، إلى واشنطن ليشهد ضد مشروع قانون الإنقاذ لأنه سيحول الأنظار عن استعمار فلسطين.

هذا هو نفس الحاخام وايز الذي كتب في عام 1938، بصفته زعيم الكونغرس اليهودي الأمريكي، رسالة عارض فيها أي تغيير في قوانين الهجرة الأمريكية التي من شأنها أن تمكن اليهود من اللجوء الولايات المتحدة. وجاء في رسالته: «قد يهمك أن تعلم أنه اجتمع، قبل بضعة أسابيع، ممثلو جميع المنظمات اليهودية الرئيسية في المؤتمر. (…) وتقرر أن لا تقوم أي منظمة يهودية، في الوقت الحاضر، بمساندة مشروع قانون من شأنه أن يغير قوانين الهجرة».[2]

وقد عبرت المؤسسة الصهيونية عن موقفها بكل وضوح في ردها على مذكرة اقتراح تقدم بها 227 عضوا في البرلمان البريطاني يدعو الحكومة الى توفير اللجوء في الاراضي البريطانية لليهود المضطهدين. وكان ذلك المشروع الهزيل على الشكل الاتي: «أصدرت حكومة صاحبة الجلالة بضع مئات من رخص الهجرة للقادمين من جزيرة موريشيوس واخرى لصالح العائلات اليهودية المهددة.»[3]

ولكن حتى هذا الإجراء المميز عارضه القادة الصهاينة. ففي اجتماع برلماني في 27 يناير 1943، عندما كان أكثر من مائة عضو برلماني يتخذون الخطوات التالية، أعلن المتحدث باسم الصهاينة أنهم يعارضون هذا الاقتراح لأنه لا يتضمن الاعداد لاستعمار فلسطين. كان ذلك موقفا ثابتا.

وعبر حاييم ويزمان الزعيم الصهيوني، الذي رتّب وعد بلفور والذي كان مقررا أن يصبح اول رئيس لإسرائيل، عن هذه السياسة بكل وضوح: «أنّ آمال ستة ملايين يهودي في أوروبا تتركّز في الهجرة. وجواباً على سؤال: هل يمكنك أن تنقلهم إلى فلسطين؟ أجبت: كلاّ… من أعمال هذه المأساة أريد أن أنقذ … اليافعين [من أجل فلسطين]، سوف يموت الطاعنون في السنّ متحمّلين قدرهم، أو غير قادرين على تحمّله، فهم غبار اقتصادي وأخلاقي في عالم ظالم… فقط الشباب هم من سيبقى. وعليهم القبول بذلك». [4]

قال اسحاق غرونبوم رئيس اللجنة التي شكلها الصهاينة للتحقيق في وضع اليهود الاوروبيين: «عندما يقدمون لنا خطة – انقاذ جماهير اليهود في اوروبا او خلاص الارض- سأصوت، بدون تفكير، من اجل خلاص الارض. وكلما كثر الحديث عن ذبح شعبنا، كلما قلت جهودنا من اجل تدعيم و تعزيز تهويد الارض. فإذا كان هناك امكانية اليوم لشراء كميات من الغذاء بأموال كيرين هايسود – النداء اليهودي الموحد- لإرساله عبر لشبونة فهل سنقوم بذلك؟ لا. ومرة ​​أخرى لا!»[5]

يوسي شوارتز، يونيو 2003


[1] : ليني برينر، الصهيونية في زمن الدكتاتورية، ص. 149.

[2] : الحاخام سليمان شونفيلد، الحاخام الأكبر لبريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية. فارس غلوب يحيى، العلاقات الصهيونية مع ألمانيا النازية، (بيروت، لبنان: مركز أبحاث فلسطين، يناير 1978)، ص. 53.

[3] : ورد في تقرير حاييم وايزمان للمؤتمر الصهيوني لسنة 1937 خلال شهادته امام لجنة بيل في لندن سنة 1937. وردت في كتاب فارس السابق الذكر ص 55.

[4] : كان إسحاق غرونبوم رئيساً وكالة الانقاذ اليهودية. مقتطف من خطاب ألقاه عام 1943. المرجع السابق، ص. 56.

[5]: المصدر السابق، ص: 53

العنوان الأصلي للمقال:

The cold-blooded stance of the Zionists in the face of the Holocaust

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *