إن القائد التاريخي لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيس السلطة الفلسطينية، مريض بشكل خطير ومن الممكن انه لن يعمر اكثر. تشير التقارير الأخيرة إلى انه يوجد في غيبوبة. بينما يعتقد آخرون انه قد يكون توفي سريريا. لكن ايّا كانت الحالة، فمن الواضح أن أيامه معدودة.
لقد فقد الرئيس الفلسطيني المريض بعضا من مصداقيته خلال الفترة السابقة. إذ انه صار مكروها من طرف الكثير من الفلسطينيين، بسبب الدور الذي لعبه كمتعاون مع الولايات المتحدة والدولة الإسرائيلية، ويعاتبه الكثيرون لكونه لم يتخذ موقفا اكثر حزما اتجاه عمليات الغزو الإسرائيلية المتواصلة. ولقد صار من المعروف للجميع، انه خلال الفترة القصيرة التي شهدت إنشاء السلطة الفلسطينية، انشغلت الشلة المحيطة بعرفات بملء جيوبها في الوقت الذي واصل فيه الشعب الفلسطيني العيش في ظل شروط رهيبة. لكن رغم ذلك، وبسبب دوره التاريخي، (حيث ينظر إليه، منذ عقود، من طرف العديد من الفلسطينيين باعتباره رمز نضال الشعب الفلسطيني من اجل التحرر الوطني) لا زال يتمتع بالاحترام بين قاعدة واسعة من الجماهير. وهكذا، فانه كان قادرا على الحفاظ على نوع من التوازن بين الشعب الفلسطيني.
إن عرفات لم يعمل على تعيين خلف له. إن موته سوف يشكل علامة انتهاء مرحلة وبداية أخرى جديدة، مميزاتها سوف تكون جد مختلفة عن تلك التي ألفناها. فالخطوط المتصارعة العديدة، داخل فتح، ظلت لحد الآن مجتمعة بفضل حضور عرفات. ولا يبدوا انه من الممكن الآن أن يصل الحرس القديم لفتح (أي أمثال الوزير الأول السابق، محمود عباس، والحالي، احمد قريع وقادة مختلف المصالح الأمنية) إلى تشكيل قيادة جماعية قادرة على الاستمرار، هكذا فان وفاة عرفات ستعطي الإشارة لبداية صراع داخلي على السلطة. وهو ما سوف يؤدي إلى إضعاف فتح ومختلف التيارات داخلها وإلى رميهم جانبا.
على المدى القريب، سوف تكون حماس هي الرابحة من هذا المسلسل. حيث سوف تلعب دورا اكثر أهمية، في قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية، مما سبق لها أن قامت به لحد الآن. من خلال تصريحات بعض ممثليها يمكننا أن نرى كيف أن حماس تستعد، على الأقل، لملئ الفراغ الذي سوف يحدثه رحيل عرفات. لهذا فإننا لم نستغرب لسماعنا التصريح الأخير لقائد حماس في غزة، إسماعيل هنية:
» إننا سوف لن نسمح بحدوث أي فوضى أو فرقة والوسيلة الأفضل للقيام بهذا، هي تشكيل قيادة وحدة وطنية، هي التي سوف تقود الشعب الفلسطيني إلى…التحضير لانتخابات يشارك فيها كل الفلسطينيين«.
لقد كانت حماس، منذ عدة شهور، مستعدة للعب “دور معتدل”، أي التعاون مع حكام الولايات المتحدة وإسرائيل. وهذا ما سبق لنا أن شرحناه في العديد من المقالات السابقة.
صرح عاطف عدوان، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الإسلامية بغزة، في تصريح لموقع الجزيرة نت (04 نوفمبر) : «اعتقد أن حماس حركة سياسية ناضجة لقد تعلمت من دروس الماضي. وأنا لست خائفا إطلاقا من إمكانية أن تصير حماس عاملا سلبيا أو سببا في الفوضى لحركة النضال الفلسطيني». ويعتبر عاطف عدوان خبيرا في شؤون حماس، وقد شرح كيف إن الحركة تسير بعزم في اتجاه الاعتدال.
و هكذا فان حماس سوف تستفيد في المدى القريب من موت عرفات. إن حركة فتح، في غياب عرفات، سوف تفقد المزيد من سلطتها، والحركة المؤهلة اكثر للاستفادة من هذا الوضع هي حماس. لكن هذا لن يستمر إلى الأبد. فبعد أن تصير حماس مجبرة على لعب دور اكثر مركزية، سيكون عليها أن تظهر طبيعة مشروعها السياسي. وبما أنها قوة رجعية، فإنها ستظهر طبيعتها الحقيقية كمتعاون مع النظام الإمبريالي. إنها ولحدود اللحظة كانت لا تزال قادرة على تمثيل دور الحركة الحازمة في معاداتها للإمبريالية. لكن هذه الصورة سوف تتكسر في المرحلة المقبلة. وسوف يبدأ العديد من الفلسطينيين (الذين لا يزالون لحد اللحظة يمتلكون أوهاما حول حماس) بكشف حقيقتها. وسوف تنفضح النظرة القومية الضيقة المحدودة لدى حماس. هذا ما سوف يعطي للثوريين الاقحاح، من بين الشعب الفلسطيني، فرصا جديدة للظهور ونشر أفكار الصراع الطبقي في مواجهة الصراع العرقي.
سيكون الحال مشابها لما حدث في إيران. حيث ركب الأصوليون الإسلاميون ظهر الثورة وأقاموا نظاما جديدا. وبمجرد ما وصلوا إلى السلطة، اخضعوا الطبقة العاملة. والآن هاهي الطبقة العاملة والشباب قد بدأوا يتحركون، ضد الأصوليين هذه المرة. نفس الشيء سوف يحدث بين الفلسطينيين، لكن بوتيرة أسرع مما حدث في إيران. إن هامش المناورة الذي يمتلكه قادة حماس ضئيل جدا.
و هكذا فان ما نشهده الآن يشكل تطورا جديدا، خطوة جديدة يعرفها مسلسل تطور وعي الجماهير الفلسطينية، الذي سوف يصل إلى خلاصة واحدة في آخر المطاف وهي أن : الحل بالنسبة للقضية الفلسطينية لا يمكن أن يأتي إلا عبر الصراع الطبقي، عبر الموقف الأممي، في الصراع العام الذي يخوضه جميع العمال ضد الطبقة الرأسمالية التي هي من خلق هذه الورطة.
يوسي شوارتز
05 نوفمبر 2004
العنوان الاصلي للنص: