الرئيسية / قضايا نظرية / الماركسية والدين / الاشتراكية والدين: مسألة الحجاب الإسلامي في المدرسة

الاشتراكية والدين: مسألة الحجاب الإسلامي في المدرسة

لقد جعل طرد التلميذات – في أوبيرفيي(aubervillier) وطان (than) مؤخرا، واحتمال فرض المنع الكلي لشارات الرموز الدينية في المدرسة. من مسألة “الحجاب الإسلامي” مرة أخرى واحدة من أكثر المواضيع تداولا من طرف الصحافة والمذياع والقنوات التليفزيونية. إذ تتوالى المقالات والريبورتاجات والمقابلات الصحفية والكتابات واحدة بعد أخرى متناولة من جميع الجوانب “الخطر الأصولي” ومقترحة للوسائل الكفيلة بالتصدي له. فجميع البرلمانيين والقادة السياسيين ومن بينهم رئيس الجمهورية كان لهم ولا يزال رأيهم في هذا الموضوع. وبمجرد ما تم الإعلان عن إجراءات الطرد سارع العديد من قادة الحزب الاشتراكي والحزب الشيوعي إلى تأييدها بنبرة، جمهورية حادة.

بالنسبة للبعض، يمكن أن تبدو كل هذه الضجة حول تلميذات يحملن غطاء الرأس (foulard) مسألة سخيفة. لكن وبالرغم من ذلك سوف نكون مخطئين إذا ما نحن تعاملنا مع هذه المسألة بلا مبالاة. فلهذه المسألة، واستغلالها السياسي تبعات هامة على الموقف من الدين. ومن تم فإنها بشكل أو بآخر تهم عدة ملايين من الأشخاص الذين يعيشون في فرنسا. تترائي من خلف هذا المشكل الذي يبدو صغيرا سلسلة من القضايا الهامة جدا، والتي من بينها مصلحة الرأسماليين فيها، ومسألة العنصرية ومسألة العلمانية بتعدد تعريفاتها، وأخيرا السياسة التي يجب على أحزاب اليسار أن تدافع عنها فيما يخص المعتقدات الدينية والحقوق الديمقراطية للمؤمنين.

مند 1989 والمسائل المتعلقة بوضع غطاء الرأس، تثير النقاشات. والآن كما في السابق، ليس طرح هذا الموضوع راجعا للصدفة المحضة. فمن وجهة نظر الحكومة وMEDEF يعتبر واحد من أهم إيجابيات هذه الضجة الإعلامية أن يتم تحويل انتباه الجماهير نحو الدفاع عن القيم الجمهورية المزعومة في وجه الأصولية ومن تم جعلها تنسى الحرب التي تخوضها الحكومة والباطرونا ضد القطاع الصناعي، ضد مناصب الشغل وضد الخدمات الاجتماعية وضد المكاسب الاجتماعية عموما. لقد اندلعت في جميع جهات فرنسا نضالات يشترك فيها عشرات الآلاف من الأجراء بغية الدفاع عن مناصب شغلهم ومنع التدمير الممارس ضد الصناعة. إن هؤلاء العمال سيكونون سعداء جدا لو أنهم حصلوا ولو على جزء من الوقت الذي تخصصه القنوات التليفزيونية لمختلف المتدخلين حول مسألة الحجاب. لكنه من وجهة نظر مالكي وسائل الإعلام والصناعة السمعية البصرية لا تستحق التصريحات الجماهيرية إلا إشارات موجزة جدا.

إلا أن استغلال الحجاب الإسلامي كوسيلة للتفرقة، لا يلغي شيئا من أهمية المسألة التي يطرحها. فطرد تلميذات يحملن قطعة ثوب فوق رؤوسهن يعتبر إجراءا مقيتا يشجع العنصرية والتهميش ضد الشباب والعمال المهاجرين. ليس في كل هذه الموجة، من الدعاية حول الدفاع عن المدرسة العلمانية، أو المدرسة الجمهورية، ورغم المظاهر، أية ذرة من المضمون التقدمي أو الديمقراطي. إذ أن كل ما قدمته هذه الحملة على الحجاب هو أنها سمحت لشرذمة من الرجعيين كشيراك, رافران، جوبيه، وفيري بان يعرضوا على الملا مبادئهم وبان يظهروا كمدافعين عن المساواة هذا بينما ليس النظام الرأسمالي والجمهورية الذين يعتبرون من اشد المدافعين عنه بحماسة، إلا آلة كبيرة لإنتاج اللامساواة والظلم والمعاناة الرهيبة لأغلبية الجماهير في الوقت الذي تسبح فيه طبقة صغيرة من الطفيليين في الرفاه والسلطة وثمار الاستغلال اليومي للأغلبية.

إن الاستيراد المكثف لليد العاملة من البلدان المغاربية لاستغلالها في الصناعة وباقي القطاعات الأخرى حيث الأشغال الأشق والأقل أجرا كان مطابقا بشكل كامل للقيم الجمهورية بالأحرى كان مطابقا لمصالح مالكي الرساميل. كما أن تقييدهم بقوانين عنصرية وتمييزية ومنعهم من حق التصويت حتى حدود الثمانينيات ومن حق تشكيل الجمعيات لم يكن ليقلق ضمائر رجالات الجمهورية لكن أن تسمح فتاة لنفسها بان تحمل الحجاب في المدرسة – سواء عن قناعة دينية أو بسبب التقاليد أو أي سبب آخر – فتلك هي المصيبة التي تهدد بتدمير أركان الحضارة الفرنسية.

إن Révolution جريدة ماركسية. والماركسية هي طريقة علمية لتحليل جميع ظواهر الطبيعة، والمجتمع الإنساني، من وجهة نظر مادية، وبالتالي فإنها تقف على طرف النقيض تماما مع جميع المذاهب الدينية والمعتقدات الخرافية. لكن Révolution تعارض مطلقا أي إجراء قمعي ضد الممارسات الدينية اليومية للمسلمين وللكاثوليك ولجميع فئات المؤمنين الأخرى. وعليه فإننا نعارض بحزم منع حمل الحجاب أو النقاب سواء في المدرسة أو خارجها. إذ يتعلق الأمر هنا من وجهة نظرنا بحق ديمقراطي أساسي يجب أن يدافع عنه بشراسة من طرف الماركسيين ومن طرف مجمل الحركة الاشتراكية والشيوعية والنقابية. إن إجراءات الطرد الأخيرة (وبغض النظر عن الاعتبارات الشخصية للمسئولين عن التعليم الوطني الذين قرروها) تشكل مثلها مثل جميع الإجراءات السابقة، هجوما فادحا وغير مقبول ضد المصالح والحقوق الديمقراطية للتلاميذ المعنيين وكذلك استفزازا تجاه مجمل مسلمي فرنسا.

إن اليمين يزعم الدفاع عن العلمانية. لكن ماذا تعني العلمانية لدى هؤلاء الرجعيين؟ فنحن كماركسيين ندافع عن علمانية المدرسة العمومية أي عن انه لا يجب أن تصرف أموال من الميزانية لخدمة الدعاية إلى أفكار دينية. العلمانية بالنسبة لشيراك وشركائه تعني فرض إجراءات قمعية ضد الطوائف الدينية بسبب ممارساتها لشعائرها العادية. إن هذا يعتبر من وجهة النظر الاشتراكية مرفوضا تماما.

لقد أصرت الحركة العمالية تاريخيا على أن يظل الدين مسالة شخصية. وقد دافع مؤسسا الاشتراكية العلمية، كارل ماركس وفريدريك انجلز عن هذه الرؤية. لكن هذا الموقف غالبا ما تعرض لسوء الفهم أو لسوء الشرح. إن هدف هذا الشعار [الدين مسالة شخصية] هو تأكيد الطبيعة الخاصة للمعتقدات الدينية لدى العمال أمام الدولة. أي انه (شعار) وسيلة لمقاومة تدخل الدولة في الأمور الدينية والدفاع عن الحق في الممارسة الحرة للدين أو في عدم ممارسة أي دين. لقد كان ماركس وانجلز يعتبران أن هذا الفصل بين الدين والدولة يشكل خطوة إلى الأمام لكنهما عارضا بحزم الحملات القمعية المعادية للدين والتي بحثت من خلالها الطبقة الرأسمالية في ظل الجمهورية الثالثة في فرنسا وألمانيا وفي ظل بسمارك عن ترسيخ سيطرتها على جميع مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية للبلد. وقد مورست هذه السياسة عمليا تحت غلاف من الديماغوجيا الجمهورية (وهي الفن الذي يعتبر اليوم على الموضة) عبر أشكال من الاضطهاد والملاحقات ضد الطوائف الدينية والرهبان وممثلي الكنيسة عموما. من خلال جذريتها المزيفة كانت تبتغي كذلك تحويل اتجاه الحركة العمالية عبر إضفاء هالة تقدمية، على الجمهورية الرأسمالية أنداك وهي الجمهورية التي انبنت – لا يجب أن ننسى- على جثث 50.000 باريسي ذبحوا أثناء سحق الكومونة الثورية سنة 1871.

لا يطبق اليوم أي منع في استعمال الميزانية لتشجيع الدين. فكل سنة تقدم الدولة مبالغ هامة من المال لصناديق المدارس الدينية التي يزعم أنها خاصة. فعمليا، لا توجد أي واحدة من هذه المدارس قادرة على الاستمرار دون دعم من الدولة وليست هذه المدارس، خاصة، إلا لكونها تتهرب من تطبيق قوانين العلمانية الجاري بها العمل في باقي المدارس الأخرى. لقد كان لليمين دائما موقف منافق تجاه هذه المسالة. إذ عندما أرادت حكومة بيير موروي Pierre Mauroy بين سنوات 1981- 1984 فرض التضييق على التمويل العمومي للمدارس الكاثوليكية عمل نفس هؤلاء السياسيون اليمينيون، الذين يظهرون اليوم اشد الحماسة ضد الرموز الدينية في المدرسة على تعبئة مئات الآلاف من المتظاهرين للدفاع عن حرية التعليم – أي حرية التعليم الكاثوليكي – وللإبقاء على التمويل العمومي للمدارس الدينية!. هذا الواقع لوحده كاف لإعطاء الدليل على الطبيعة العنصرية (أو الموحدة إذا ما أردنا استعمال مصطلح على الموضة) للحملة الحالية الرامية لمنع حمل الحجاب الإسلامي.

إن القوانين الجاري بها العمل الآن، حول التعبير عن المعتقدات الدينية داخل المدرسة، تدع الباب مفتوحا على مصراعيه لممارسة التمييز الأكثر شططا. لقد أباح المجلس الوزاري سنة 1989 من جديد للتلاميذ الحق في التعبير والإعلان عن المعتقدات الدينية داخل المؤسسات التعليمية مع التأكيد آنذاك على أن هذا الحق سيسمح للتلاميذ بان يحملوا رموزا ذات دلالة دينية يمكنها (نظرا لطبيعتها، أو بسبب الظروف التي حملت فيها، لا سواء من طرف فرد أو مجموعة، أو بسبب طبيعتها التفاخرية أو المطلبية) أن تشكل وسيلة ضغط أو استفزاز أو تبشير أو دعاية وتمس كرامة التلاميذ الآخرين المنتمين إلى طوائف أخرى، أو أن تهدد بخلخلة النظام، داخل المؤسسة. إن هدا النص يهدف بوضوح إلى إعطاء المبررات للسلطات من اجل شرعنة إجراءاتها ضد التلاميذ المؤمنين وخاصة ضد التلاميذ المسلمين. إذ بما انه من السهل التشهير به باعتباره شكلا من أشكال الاستفزاز والتبشير أو الضغط على الطوائف الأخرى من التلاميذ. وهكذا وبفعل قرار 1989 نجد بوضوح أن التلميذ أو التلميذة الكاثوليكيين الذين يحملان صليبا ليس لديهما ما يخشيانه لكن الفتاة التي تحمل حجابا مهددة بالطرد.

واليوم ها هو رافران وUMP يحاولون فرض إجراءات اشد تضييقا. وقادة اليمين الذي يمكن الاستشهاد بهم في هذا الصدد كثيرون. لكننا سوف نقتصر على السيد Philippe Blazy Douste التي تعتبر مقترحاته جد معبرة. لقد عبر الأمين العام لحزب UMP، الذي لا تنضب حميته الجمهورية، عن وجهة نظره حول المدرسة العمومية في جريدة: le Figaro، 26 أكتوبر. فالبرلمان يجب على حد تعبيره أن يتحمل مسؤولياته.إذ يجب أن يمنع القانون في المدرسة حمل جميع الرموز ذات الدلالة الدينية أو الفلسفية أو السياسية. من الحجاب الإسلامي حتى الصليب المسيحي مرورا بالقلنسوة اليهودية kippa أو المطرقة والمنجل. بل يجب علينا أن نفكر أيضا، كما يقترح، كافيير داركوس xavier darcos، في فرض اللباس المدرسي كما هو الشأن في انجلترا. إن المدرسة الجمهورية ليست قاعة مسرح، ليكون من حق التلاميذ أن يعبروا فيها عن معتقداتهم، أو للتباهي. إنها ليست مجالا للتعبير عن الهوية […]. إن المدرسة ليست ولا يجب عليها أن تكون مرآة للمجتمع.

إن المدرسة مجال مدني لا يعوض، لكنها لديها مهمة متميزة: إذ تهدف إلى نقل المعرفة وإلى تقدير الكفاءة، هذه المهمة الفريدة للمدرسة تبرر تطبيق قوانين خاصة داخلها، مختلفة عن تلك السائدة في المجتمع.

ليست المدرسة شارعا عموميا […] إنها مجال مستقل، يتوجب حمايته. يجب حمايته من حملات التبشير الفضة، حمايته من التعصب، حمايته من الجدال السياسي (polémique). إن الخلط بين المدرسة والمجال العمومي هو ما يؤدي إلى بث الغموض في العقول. فلان التعبير علانية عن جميع المعتقدات مسموح به في المجال الثاني، شريطة عدم المساس بالنظام العام، يتوجب منع ذلك في المجال الأول.

يقدم لنا Douste – Blazy خدمة عظيمة بقوله هذا: فيعود الفضل إليه في التعبير بوضوح، عن الأفكار التي يفضل السياسيون المنتمون إلى معسكره أن يخفوها. فلنلخص، يجب أن يتم منع جميع رموز الانتماء إلى أفكار دينية أو سياسية داخل المدرسة. لا يجب على المدرسة أن تكون مرآة المجتمع. على التلاميذ أن لا يعبروا عن معتقداتهم ولا الإعلان عن أي انتماء. وأخيرا نظرا لكون الناس يمتلكون حق التعبير خارج المدرسة فإنهم لا يجب أن يمتلكوا الحق في التعبير داخلها. يتعلق الأمر هنا ببرنامج لفرض الدكتاتورية الإيديولوجية داخل المدرسة العمومية. لان المدرسة ليست مستقلة طبعا. إن Douste-Blazy يريد أن تظل المدرسة مجالا خاصا للدولة، حيث الدعاية الوحيدة، والمعتقدات المعلنة الوحيدة، داخلها هي دعاية ومعتقدات الطبقة السائدة. فلأنه سوف يكون للتلاميذ حقوق فيما بعد فانه من الأفضل احتكار تكوينهم السياسي ما داموا في المدرسة. وهكذا لا تجد المطرقة والمنجل، اللذان يرمزان إلى اتحاد عمال وفلاحي العالم ضد الاستغلال، مكانا لهما داخل الثانوية. فلنشر عابرين إلى أن الوزير السابق، لم يعتبر من الضروري منع شارة UMP. رغم أن منعا كهذا سوف لن يصيب إلا عددا اقل ممن يصيبهم منع حمل الحجاب.!.

لو أن المسالة تتعلق بمقترح لإدخال الدعاية الدينية إلى البرامج التعليمية في المدرسة العمومية، فانه سيتوجب طبعا معارضته. ونحن نناضل من اجل وقف التمويل العمومي للمؤسسات الدينية. كما أن المؤسسات الخاصة التي لا يمكنها أن تستمر بدون مساعدة من الدولة يجب أن تدمج في القطاع العام. أما فيما يخص التعليم الديني فيمكن للتلاميذ المهتمين، أن يخصصوا له وقتا خارج المدرسة في الكنائس أو غيرها. لكن العمل على منع الممارسة الدينية أو حمل الرموز الدينية، سواء أداخل المدرسة أو خارجها، هو ممارسة غير مقبولة على الإطلاق من وجهة النظر الماركسية والنضال ضد الرأسمالية.

فلنتخيل فتاة، تحمل غطاءا للرأس بطريقة تعتبرها السلطات، مستفزة، أو متباهية أو كشكل للتبشير. أين تكمن المشكلة؟ إذ ليس على فتاة مؤمنة أن تخفي معتقداتها. يجب أن تمتلك الحق في الحديث بحرية عن دينها، بل وتعمل إذا أرادت على محاولة إقناع محيطها به. كما انه من حق الشيوعي رغم انف السيد Douste-Blazy أن يعبر عن مواقفه في المدرسة وخارجها.

بطبيعة الحال مع معارضة الشيوعي لجميع أشكال الاعتداء على الممارسات الدينية اليومية. فانه لا يملك أن يقف موقف المدافع عن جميع ما يرتكب باسم الدين. ويتوجب على هؤلاء الناس الدين يعملون على شرعنة منع الحجاب، على الإشارة إلى ختان النساء أو غيره من الممارسات الهمجية الأخرى، أن يمتلكوا الشعور بالنسبية. فالختان ممنوع قانونيا وهذا أمر جيد. وعلى الحركة الشيوعية طبعا أن تدين مثل هذه الممارسات. وتتعبأ للدفاع عن ضحاياها. فالحق في المعتق، كما نفهمه نحن، لا يجب أن يكون حقا مطلقا إلى حد فتح الباب أمام الممارسات اللاإنسانية والإجرامية.

لقد منح الكثير من الوقت، لأشخاص جاؤوا لدعم أنصار منع الحجاب، ليقولوا لنا أن هذا اللباس يرمز لاضطهاد النساء وينكر الأنوثة وبأنه شكل من أشكال الاضطهاد المفروض من طرف الآباء والمسجد، أو من طرف الزعماء في الأحياء الجامعية وبأنه وسيلة للدعاية الأصولية. وهكذا دواليك. لكن كل هذه الحجج لا تبرر بأي حال من الأحوال منع الحجاب. فإذا ما ارتدت إحدى التلميذات الحجاب بملء إرادتها، وانضباطا للمعتق الديني، فإنها سوف لن تشعر به اضطهادا، بل سوف يكون على العكس تماما، اضطهادا لها منعها من حمله تحت طائلة الطرد من المدرسة. أما إذا كان الحجاب مفروضا عليها ضد إرادتها، فان واجبنا آنذاك هو مساندتها في نضالها ضد هذا الاضطهاد، لكي تتحرر بأسرع وقت. لكن هنا أيضا سوف لن يكون فرض قانون يمنع حمل الحجاب على جميع المسلمات بغض النظر عن عقيدتهن الدينية ديموقراطيا ومن تم يجب ألا يتم القبول به من طرف الحركة الاشتراكية والشيوعية والنقابية.

من بين المفكرين الأحرار الأكثر حمية، الذين يطالبون بمنع الرموز الدينية، نجد البنائين الأحرار [الماسونيين] إذ يكافح أعضاء هذه الجماعة السرية، بدون انقطاع ضد الطائفية التي، على حد تعبيرهم، تهدد برمينا في ظلمات العصور الماضية. هذا في الوقت الذي نجد فيه بين صفوفهم عددا كبيرا من الرأسماليين الذين صنعوا ثرواتهم عبر عمليات مضاربة بورصوية عقلانية. حيث الحجاب الذي سيستر العمليات المالية والاتجار بالنفوذ ومختلف أشكال الفساد هي العملية الرائجة. هذه الطائفة مما سهل على العديد منهم الإثراء بشكل فاحش. إن رؤيتهم الرمز الحجاب في المدرسة يصيبهم بالعار، هذا في الوقت الذي ليست طقوسهم السرية واحتفالاتهم الشعائرية ورموزهم الغريبة، هي أيضا مختلفة في شيء عن اشد معتقدات المسلمين أو المسيحيين خرافية.

مع الأسف تقتصر الهجمات القمعية ضد الدين على ممثلي حزب السيد Douste-Blazy أو على الماسونيين. بل حتى في أحزاب اليسار أيضا، وباسم الدفاع عن العلمانية، ارتفعت الأصوات المؤيدة للتعامل بصرامة مع جميع المظاهر الدينية في المدرسة. إن التيار السائد داخل اليسار – أو التيار المسموع أكثر- يمثل في الواقع نوعا من القومية الجمهورية. إن لممثلي هذا التيار نظرة إلى مؤسسات الدولة. لا تقل خرافية عن النظرة الدينية لعالم المعجزات والملائكة والأرواح الشريرة.

لقد قدم كل من بيرنار تيبي Bernard teper رئيس اتحاد العائلات العلمانية (UFAL) ومنسق ATTAC للصحة والضمان الاجتماعي وبيير كاسن Pierre Cassen منسق النداءات الخمس من اجل قانون ضد الرموز الدينية، في المدرسة العمومية عينة مثالية للدعاية لهذا التيار، من خلال مقال ظهر مؤخرا في مجلة. ديمقراطية واشتراكية. يؤكد فيه انه مند سقوط الشيوعية السوفياتية دخلت الرأسمالية مرحلة جديدة تتشكل من العولمة النيوليبرالية. وتتميز فيما تتميز به بربطها لتعميم عمليات التبضيع والخوصصة مع دعم مباشر أكثر فأكثر للنزعات الطائفية العرقية والدينية والاجتماعية مما يمكنها من ضرب آخر الحواجز التي تجدها في طريقها أي المبادئ العالمية للتضامن والمساواة والعلمانية، بالخدمات العمومية، ومؤسسات الجمهورية. إن عدم فهم هذا الواقع يعني رفض فهم أن الشرط (الغير كاف في حد ذاته لكنه الضروري) لهذا النضال هو ربط النضال الاجتماعي بالنضال من اجل العلمانية.

يتوجب أن يربط الدفاع عن مصالح الشرائح الشعبية، لكي تمارس تحالفها الضروري مع الشرائح الوسطى، عبر نضال اجتماعي مستميت بدعم كامل لعشرات من الفتيات والشابات الخاضعات لاضطهاد لا يحتمل من طرف التوتاليتارية الإسلامية واللائي يرفض حمل الحجاب.

فلندع للتاريخ مهمة الحسم، في عصر بعض الإسلاميين اليساريين (إذا ما أردنا استعمال تعبير بيرنار كاسن [مؤسس ورئيس سابق لأطاك]) الذين يقبلون بالتضحية بالمبادئ العالمية والتحررية للحرية والمساواة والأخوة والعلمانية والتضامن إما لاعتقادهم انه المعارض الجدي الوحيد للإمبريالية الأمريكية. ومن تم فان هدا كاف للتحالف معه.

ليست هذه الطريقة في الاستدلال، سوى خداع من أولها إلى أخرها. إن الخصم المشار إليه هنا هو النيوليبرالية والتبضيع. كما أنهم يريدون الإيهام بان الجمهورية وقيمها المزعومة يشكلان معقلا ضد هذه التيارات. هذا بينما نجد أن تلك الجمهورية بالذات، أي الدولة القائمة، هي التي نهجت الخوصصة بشكل مكثف، مند عدة سنوات إلى درجة أنها عملت بين 1993 و2002 على تحويل قرابة 60 مليون أورو من الممتلكات العمومية نحو القطاع الرأسمالي. إن الجمهورية مرتبطة كليا بمصالح الرأسماليين الذين هي من يمثلهم لا سواء على الصعيد الداخلي ولا على الصعيد الخارجي. وليس شعار الجمهورية – الحرية، المساواة، الأخوة – سوى خداع كبير وهذا ما يعرفه جيدا كل من السيدين Taper وCassen. إذ أن هذا الشعار لا يعني للأغلبية، سوى حرية العيش في البؤس والبطالة، والمساواة أمام قانون يبطن اللامساواة وأخوة الرأسماليين ضد باقي المجتمع.

إن هذين المؤلفين يسخران من اليسار الإسلامي، الذي يرى في الإسلام قوة معادية للإمبريالية. بينما هذا التيار، يوجد بالرغم من كونه هامشي. لكنla riposte لا تنتمي إليه على كل حال. ماذا يمكننا أن نقول إذن عن هده الجمهورية التي يجعل منها هذين السيدين متراسا ضد الإسلاموية، لكنها تقدم السلاح والمعارف العسكرية والدعم الدبلوماسي لدكتاتوريين إسلاميين، لا سواء في السودان أو العربية السعودية أو قطر أو الإمارات العربية المتحدة؟. كلا ليس الإسلام سلاحا ضد الإمبريالية الأمريكية، لكن هذا لا يعتبر مبررا للادعاء. تكون الإمبريالية الجمهورية الفرنسية هي السلاح ضدها!.

وأخيرا ماذا يعني التحالف الضروري للفئات الشعبية مع الفئات الوسطى؟ يمكننا أن نفترض لاعتبارات وجيهة، إن السيدين تيبي وكاسن يتموقعان من الفئة الثانية. إن هذا التحالف يقدم في الواقع المفتاح لفهم تطورهما القومجي. وتستخدم هذه الطائفة الإسلامية، كفزاعة خارجية موجهة لدفع الفئات الشعبية إلى مقصورة الفئات الوسطى، التي هي بدورها توجد في مقصورة الجمهورية المقدسة للرأسمال الكبير.

في عدد 25 أكتوبر 2003 يعبر كاتب افتتاحية l’ Humanité بيير لورنت Pierre Laurent بنفس النبرة. فيما أن مسألة الحجاب قد انطرحت مجددا بطريقة علنية في النقاش العام […] فانه يجب الآن الدفع بهذا النقاش إلى حدوده. فعدم القيام بهذا، إنما يعني المخاطرة برؤيته يتعفن أمام أعيننا مع كل ما يمكن أن يكون لهذا من تبعات كارثية. إن الأخطار والحالة هذه عظيمة. إذ يقسم هذا النقاش المجتمع الفرنسي وعالم الأجراء وسكان الهوامش والعلمانيين والحركات النسائية والمناضلين اليساريين. انه يقدم مجالا نموذجيا لمناورات كل من لهم المصلحة في استغلال هذه الانقسامات للرجوع بفرنسا وأفكارها الجمهورية إلى الوراء […] ليس هناك أسوا من القيام بهذا الدور الهامشي والكاريكاتوري أي إخلاء المكان للتشدد والخرافات، للردة من أي نوع.

ويقول بان هناك نساء من العالم بأسره يناضلن من اجل التحرر من الحجاب. ومن بينهن حصلت الإيرانية شيرين عبادي Chirine Ebadi مؤخرا على جائزة نوبل للسلام. فهل هذه هي الفترة المناسبة لفرنسا لكي تعلن استسلامها؟.

ويتساءل هل من الممكن النجاح في بناء فرنسا المستقبل فرنسا المتعددة الثقافات المتعددة المعتقدات بدون التشبث بقوة بالمبادئ الأساسية للحرية والمساواة التي تقوم عليها الجمهورية بدون رفض كل ما يؤدي إلى العزلة والتفرقة والانغلاق والتناقض؟. إن العلمانية كما نفهمها هي مجال للحرية. ويتوجب عليها أن تحتضن وتضمن لكل واحد حريته في الاعتقاد، ولهذا بالضبط فإنها لا يجب أن تنمحي أمام المطالب التي تنكر مبادئها.

أما هنا فسنسرد مبررا مقدما من طرف قائد للحزب الشيوعي، يقوم على التهديد التي يشكله التشدد والخرافات على المبادئ الأساسية للحرية والمساواة المؤسسة للجمهورية. عن أي جمهورية يتم الحديث؟ فإذا ما كانت الجمهورية الحالية قائمة حقا على مبادئ الحرية والمساواة. فلأي شيء نحتاج الحزب الشيوعي؟ إن واجب الحزب الشيوعي، هو أن يشرح في أن مسألة الحجاب هاته ليست في الواقع سوى وسيلة لبث الفرقة والتضليل في يد الطبقة الرأسمالية والدولة الجمهورية التي تمثلها. نعم يتوجب بالطبع النضال ضد أفكار الأصوليين الرجعية، لكن هذا مجال للثتقيف السياسي، للشرح الصبور، للنقاش الأخوي مع الشباب الدين يسقطون تحت ثأثيرهم. بينما على العكس سوف لن تؤدي الإجراءات القمعية سوى إلى تقوية الأصولية الإسلامية.

بطبيعة الحال كان سيكون من الأفضل من وجهة نظرنا لو أن جميع الشباب وجميع الشغيلة تحرروا من كل أشكال المعتقدات الخرافية. من الأفضل أن يكرسوا أنفسهم للنضال من اجل القضاء على الاضطهاد على الأرض بدل رفع أنظارهم إلى فوق حيث ستسود العدالة. لكنه يتوجب الانتباه إلى أن: سواء أردنا دلك أم لا، فان قسما غير ضئيل من الجماهير لا يزال متدينا.

لهذا فان المؤمنين، يجب أن يتمكنوا من ممارسة دينهم، دون التعرض للتمييز من طرف الدولة. قد يستغرب بعض الناس في كون الماركسيين الذين يمتلكون تصور مادي للعالم ويقفون على طرف النقيض مع الفلسفات الدينية يدافعون (رغم ذلك) في حق المؤمنين في التعبير وفي التباهي بمعتقداتهم الدينية في المدرسة وخارجها. لكن رغم ذلك، فانه لا يوجد أي تناقض في هذا الأمر. إذ أن الماركسي الحقيقي يعارض كل أشكال التمييز وجميع أشكال القمع القومي الجنسي أو الديني بالضبط من اجل تسهيل عملية خلق أوسع اتحاد بين جميع من لهم المصلحة في النضال ضد الرأسمالية.

لا تعبر فكرة القضاء على المعتقدات الدينية، أو حتى الأصولية عبر بيداغوجية عقلانية، وإجراءات قمعية إلا عن وهم مطلق. ليس له على أي حال أي علاقة مع الإيديولوجية الاشتراكية. إن تجذر المعتقدات الدينية في المجتمع هي اشد عمقا من أن يتم اجثتاتها بواسطة إجراءات ذات طبيعة بيروقراطية وبواسطة المنع. إذ يتعلق الأمر قبل كل شيء بظاهرة اجتماعية سوف لن تبدأ بالاختفاء نهائيا إلا عندما ستتغير بطريقة جذرية الشروط الاجتماعية التي تعيش في ظلها جماهير الشعب. إن الأساس الاجتماعي والنفسي للدين هو قبل كل شيء الطموح لعالم أفضل عالم أكثر كرامة وأكثر عدلا معبر عنه بشكل مثالي مجرد.وعليه فانه يتوجب على هؤلاء الدين يهتمون حقا بتحرير الإنسانية من تأثيرات الأديان أن يهاجموا قبل كل شيء جذوره الاجتماعية والاقتصادية. وليس عبر إعلان الحرب ضد الدين بمساعدة الأصدقاء البرلمانيين لدوست بلازمي وشركائه.

على رأس قائمة العوامل المساعدة لانتشار الأصولية الإسلامية هناك أزمة الرأسمالية وغياب منظور ثوري عن البرامج السياسية للحزب الاشتراكي والحزب الشيوعي الفرنسي. يتوجب على الحركة الاشتراكية والشيوعية والنقابية التي تتقدم ببرنامج لإجراء تغييرات جذرية للمجتمع وأن تقدم منظور للنضال ضد جميع أشكال الاضطهاد وتعمل بصبر على إقناع جميع الشباب وجميعة الشغيلة (بغض النظر عن معتقداتهم الدينية) بصحة هذا البرنامج وهذا المنظور. إن هذا المعنى لا يستبعد، بل على العكس من ذلك، يفترض ضرورة أن نشرح كيف تستغل الطبقات السائدة المشاعر الدينية للشعب من اجل ترسيخ سلطتها الخاصة وامتيازاتها كما هو الشأن في البلدان الإسلامية. لكن كذلك في البلدان حيث لا تزال الكنيسة المسيحية تحتل موقعا مهيمنا (أمريكا اللاتينية، مثلا..) أو أيضا في إسرائيل.

لكنه يتوجب على الحركة الشيوعية والاشتراكية أن لا تغفل أهدافها الحقيقية. إن ما سوف يمكن من هزم المعتقدات الدينية، ويحرم الأصوليين من جمهورهم هو نداء للنضال موجه إلى الشباب – سواء كانوا مؤمنين أم لا، وسواء كانوا مع حمل الحجاب أو ضده – من اجل قلب النظام الحالي وتنظيم المجتمع على قواعد اشتراكية جديدة.

Révolution
الأحد: 02 ماي 2004

عنوان النص بالفرنسية :

l’affaire du foulard islamique à l’école

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *